عبودية اليد في الإسلام

رشيد بن ابراهيم بوعافية
1434/05/22 - 2013/04/03 11:33AM
[font="]خطبة الجمعة: عبودية اليد في الإسلام [/font][font="]. [/font][font="][/font]
[font="]الاستفتاح بخطبة الحاجة،ثم أما بعد[/font][font="] : معشر المؤمنين : حديثُنا اليوم عن عبودية اليد في الإسلام ، ما هي مجالاتُها ،وما هي ثمراتُها، وكيفَ يُحسُّ المسلمُ أنَّ يدَهُ عابدةٌ لله، منقادةٌ لمولاها، أو أنَّها مقصّرَةٌ في طاعة الله ، منقادَةٌ لغير مولاها : ألاَ فلنعلمَ- معشر المؤمنين- أنَّ اللهَ تعالى الذي أنعمَ على العبد بنعمة اليد سائلُهُ يوم القيامة عن هذه النعمة ماذا عمِلَ بها وفي أيِّ شيءٍ مَدَّها وحرَّكها وعن أيّ شيءٍ أمسَكَها وماذا أمسكَ بها، سوفَ يُحاسبُ في ذلك حسابًا دقيقًا لا يُتركُ في ذلك صغيرٌ ولا كبير، ولا جليلٌ ولا حقير ، مصداقُ ذلك [/font][font="]قوله تعالى:﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾(النور:24)،وقولُهُ تعالى :[/font][font="] [/font][font="][font="])[/font][/font][font="]الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون[/font][font="][font="]([/font][/font][font="] (يس65[/font][font="]). [/font][font="]فحقٌّ على كلّ مسلم يخافُ مقامَ ربّه أن يُحاسبَ نفسهُ الآن على هذه العبودية، طلبًا للسلامة والاطمئنانِ يوم الحساب . [/font]
[font="] و مجالاتُ هذه العبودية كثيرةٌ متنوّعة لا يتَّسعُ المجال لحصرها جميعًا، ولكنَّنا نكتفي بالإشارة إلى ما يدلُّ على المرادِ وينبّهُ على المقصود : [/font]
[font="] أوَّلُ هذه المجالات : حمدُ الله تعالى على نعمة اليدين وسلامة الأطراف، فإنَّ اليدَ آلةُ الحركة العامَّة في العبد . هل فكَّرتَ أخي في نعمة اليد التي حباكَهَا اللهُ تعالى ماذا وفَّرَت عليكَ في الحياة ؟! ؛إنَّكَ بها تأخذُ وتُعطي، تتلمَّسُ وتتحسَّس، بها تأكُلُ الطعام وتنظّفُ الجسدَ وتتطهَّرُ في الخلاء، بها تكتُبُ الكلمات وتُقلّبُ الصفحات، بها تُصافحُ الأحباب وتُقاتلُ الأعداء . . ! ، ولكَ أن تتصوَّرَ عبدًا قُطعت يداهُ جميعًا كيف يعيشُ وكيفَ يتصرَّف ؟! ،كيفَ يأكُلُ الطعام وكيفَ يتصرَّفُ في الحمَّام ..، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم :" إن أول ما يُسأل عنه العبدُ يوم القيامة من النعيم أن يقال له ألم نُصِحَّ لَكَ جسمك ونُرْوِيَكَ من الماء البارد ؟ "(صحيح الجامع :2022) ،فحقٌّ على كل واحدٍ منَّا الوقوفُ مع هذه العبوديَّة وشُكرُ الله على نعمة السلامةِ والعافية .[/font]
[font="]ثمَّ من أعظم مجالات عبودية اليد في الإسلام[/font][font="] : ‌جعلُها جُندِيًّا طائِعًا للقلبِ الذي آمنَ بالله وصدَّقَ بكتابه واستسلمَ لشريعته، ولذلك كانت يدُ المسلم منقادةً مستسلمة، تميلُ مع الشرع ولا تميلُ عنه، وأمَّا يدُ غير المسلم أو الفاسق فهي منقادَةٌ للهوَى، استعبدتها الشهوةُ، وتملَّكَها الشيطانُ يصرّفُها حيثُ يشاء، وشتَّانَ بين من كانَ عبدًا لله ومن كان عبدًا للشيطان ..! [/font]
[font="] معشرَ المؤمنين : من فهمَ هذا الأصلَ الأصيل سَهُلت عليه العبودية، ولم يبقَ لهُ إلاَّ مُحاسبةُ اليد ومُراقبتُها على التفاصيل، فما كان واجبًا عليها أدَّاهُ طاعةً لله وإبراءً للذّمَّة، وما كانَ مُستحبًّا في حقّها كالتسبيح باليد ومسح رأس اليتيم أدَّاهُ استجابةً ورغبةً فيما عندَ الله من الأجر العظيم، وما كانَ حرامًا على اليدِ تركَهُ طاعةً للهِ وفرارًا من المعصيَةِ وخوفًا من فضيحةِ شهادةِ اليدِ أمامَ النَّاسِ يومَ القيامَة، وما كان مكروهًا كلمس الفرج باليمين عفَّ يدَهُ وكفَّها عن إتيانِه، صيانةً للنَّفس وحفظًا للمُروءة . .[/font]
[font="] على هذا التفصيل ينبغي أن يُحاسبَ المسلمُ نفسَهُ ويُراقبَها، ولذلك فالمسلمُ لا تمتدُّ يدهُ ولا تتحرَّكَ حتَّى يعلمَ أفي خيرٍ هيَ أم في شرّ ؟ ، في طاعةٍ أم في معصيَّة ؟، في حلالٍ أو حرام؟، في مُستحَبٍّ أو مَكْرُوه، ينبغي أن يُعدَّ لكلّ حركةٍ جواب، وإلاَّ أمسكَ يدَهُ وكفَّها خيرٌ له . وسوف نضربُ عن الواجب والحرام أمثلةً يتَّضحُ بها الحال : [/font]
[font="] فممَّا أوجبهُ اللهُ على اليد من عبوديَّات : السُّجودُ لهُ في الصلاة، فإنَّكُم تعلمُون أنَّ السُّجودَ الصحيحَ المقبولَ في الصلاة يكونُ على سبعة أعظُمٍ : الرجلين والركبتين واليدين والجبهة ،ومن لم يُمكّن يديه من السجود لله في الصلاة فقد فرَّطَ في واجبٍ لا يصحُّ السُّجودُ بدونه، والمؤمنُ يستشعرُ وهو في الصلاةَ أنَّ اليدَ عابدةٌ لله في جملة ما شُرعَ في الصلاة من حركات، فعليه أن يُتِمَّ ذلك للهِ إيمانًا واحتسابَا، أداءً للطاعة، وإبراءً للذمَّة و رغبةً فيما عندَ الله من الأجر العظيم . [/font]
[font="] وممَّا أوجبهُ اللهُ على اليد من عبوديَّات : أداءُ الزَّكاة، فإنَّ اليدَ هيَ آلةُ الكسب، وهي التي تُخرِجُ حقَّ الله تعالى في المال، والصَّدقةُ إنَّما تُنسبُ إليها ،كما قال صلى الله عليه وسلم :" ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " متفق عليه، فحاسب يدكَ على زكاة مالك ،فإنَّ اليدَ التي تكنزُ المالَ ولا تُخرجُ حقَّ اللهِ فيهِ يدٌ آثمةٌ عاصيَة . [/font]
[font="]وممَّا أوجبهُ اللهُ على اليد من عبوديَّات[/font][font="]: كسبُ الرزق الحلال، فإنَّ اليدَ هيَ آلةُ الكسب،والكسبُ في الإسلام فريضة، يَحْفَظُ بها العبدُ نفسَهُ ومن أوجبَ اللهُ عليهِ النفقةَ عليه من الأهل والأولاد، ولا يُعفى من هذه الفريضةِ إلاَّ من عجزَ بدنُهُ أو انقطعت به الأسبابُ عن إيجاد العَمَل الحلال، فهذا يحلُّ لهُ أخذُ الزَّكاة وهو على مسؤوليَّة المُكتسبين في المجتمع المسلم، قال صلى الله عليه وسلم :"[/font][font="] [/font][font="]ما أكل أحد طعاما قطُّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده[/font][font="] "[صحيح الجامع:5546]، و في الحديث الصحيح عن عبيد الله بن عدي قال: جاءَ رجُلان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة، فقلَّب فيهما البصر فرآهما جَلْدَيْن فقال صلى الله عليه وسلم :" إن شئتما[/font][font="] [/font][font="]أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب[/font][font="]"(صحيح الجامع:1419). [/font][font="]نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى،أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه غفور رحيم [/font][font="].[/font][font="] [/font]
[font="]الخطبة الثانية[/font][font="] :[/font][font="][/font]
[font="]معشر المؤمنين[/font][font="] [/font][font="]: [/font][font="]هذا وقد حرَّمَ اللهُ على اليد أن تسرقَ أو تخون أو تختلس، والسرقةُ حرامٌ في الإسلام، وهي أخذُ ما لا يحلُّ لكَ من مُلكِ الغير، سواءً كانَ هذا الغيرُ مليحًا أو قبيحًا، صالحًا أو غيرَ صالح، وسواءً كانَ المسروقُ صغيرًا او كبيرًا، غاليًا أو حقيرًا، حتَّى لو كانَ ورقةً أو قلمًا يُؤخذُ من المؤسَّسة بدون وجه حق فهو سَرقة واختلاس يُحاسبُ عليها العبدُ يوم القيامة . [/font]
[font="] وحرَّمَ اللهُ على اليد أن تقبضَ الرّشوَةَ أو تُعطيَها، وهي مُحاسبةٌ على ذلك لا محالة، ويكفي أنَّ صاحبها ملعونٌ مطرودٌ من رحمة الله، الآخذُ والمُعطي في ذلكَ سَواء، قال صلى الله عليه وسلم :"لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم "(صحيح الجامع:5093) .[/font]
[font="] [/font][font="]وحرَّمَ اللهُ على اليدِ أن تمتدَّ على الغير بالبطش والظلم والضرب، وأوجبَ في الضَّرب المتعمَّد القصاص، سواءً الضرب الذي ينتُجُ عنهُ قلع السنّ أو تهشيمُ الرأس أو الأنف أو الأذن أو العين كما يحصُلُ في صراعات الهمجِ الرّعاع بالعِصِيّ والسيُوفِ والخناجرِ والسلاسل، أو حتَّى في اللطْمَةِ واللَّكْزَةِ وضَربَةِ الرِّجل يجبُ فيها شرعًا القصَاص، وتفاصيلُ ذلك في كتب الفقه الإسلامي . [/font]
[font="] وحرَّمَ اللهُ على اليد أن تلمسَ ما لا يحلُّ لها وهي مُحاسبةٌ على ذلك ، قال صلى الله عليه وسلم :" لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له "(صحيح الجامع:5045) . [/font]
[font="] معشر المؤمنين :‌ [/font][font="]ليسَ المقصودُ استيفاءَ ما يتعلَّقُ باليَد من عبوديَّات ؛ فذلكَ يصعبُ حصرُهُ في خُطبة جُمُعة، ولكنَّنا نرجُوا أن يكونَ فيمَا ذُكِرَ إشارةٌ إلى المقصود وفتحًا لباب التفكّر في الموضوع . .[/font]
[font="]نسأل الله التوفيق [/font][font="]إلى حسن العلم والعمل ،اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا،وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . [/font][font="] [/font]
المشاهدات 2652 | التعليقات 0