عَبْدًا شَكُورًا 1444 هـ

مبارك العشوان 1
1444/06/05 - 2022/12/29 02:17AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ، حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا...).

هَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ نَبِيُّنَا وَالْأنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ، قَالَ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ: { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا }الإسراء 3 وَقَالَ عَنْ  إِبْرَاهِيمَ: { شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ }النحل  121 وَقَالَ سُلَيْمَانَ: { رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ... }النمل 19

سَمَّى اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ الشَّكُور، فَقَالَ: { إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } الشورى 23  { وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ }التغابن 17

وَأَمَرَ بِالشُّكْرِ أنْبِيَاءَهُ، وَسَائِرَ عِبَادِهِ؛ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ } الزمر66 وَقَالَ: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا }سبأ 13

وَقَالَ لِمُوسَى: {  فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ }الأعراف 144 وَقَالَ: {  وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للهِ } لقمان12 وَقَالَ: { أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ إِلَـىَّ ٱلْمَصِيرُ }لقمان 14       وَقَالَ: { وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } البقرة 172

أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالشُّكْرِ، وَوَعَدَ الشَّاكِرِينَ أَحْسَنَ الجَزَاءِ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ }

وَقَالَ: { وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ }

وَبَيَّنَ تَعَالَى أنَّ الشَّاكِرِينَ قَلِيل، فَقَالَ: { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } وَقَالَ: { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ }.

عِبَادَ اللهِ: وَكَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِشُكْرِهِ وَأَثْنَى عَلَى الشَّاكِرِينَ وَوَعَدَهُمْ أَحْسَنَ الجَزَاءِ؛ وَبَيَّنَ أنَّ الشُّكْرَ سَبَبٌ لِحِفْظِ النِّعَمِ، ولِلمَزِيدِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ نَهَى عَنْ جُحُودِ نِعَمِهِ وَالكُفْرِ بِهَا، وَذَمَّ مَنْ لَا يَشْكُرُهُ، وَأنْكَرَ عَلَيْهِمْ، وَتَوَعَّدَهُمْ؛ وَبَيَّنَ تَعَالَى أنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلزَّوَالِ وَالمَحْقِ وَالعُقُوبَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ }البقرة 152وَقَالَ: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم  7

يَقُولُ عَلِيُّ بُنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّ النِّعْمَةَ مَوْصُولَةٌ بِالشُّكْرِ، وَالشُّكْرُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَزِيدِ، وَهُمَا مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ؛ فَلَنْ يَنْقَطِعَ الْمَزِيدُ مِنَ اللهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ الْعَبْدِ.

وَيَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِىُّ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ اللهَ لِيُمَتِّعُ بِالنِّعمَةِ مَا شَاءَ، فَإذا لَمْ يُشْكَرْ عَلَيهَا قَلَبَهَا عَذَابًا.

عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَالشُّكْرُ مَبْنِيٌ عَلَى خَمْسِ قَوَاعِدَ: خُضُوعُ الشَّاكِرِ لِلْمَشْكُورِ، وَحُبُّهُ لَهُ، وَاعْتِرَافُهُ بِنِعْمَتِهِ، وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِهَا، وَأَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهَا فِيمَا يَكْرَهُ. اهـ

مِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى - وَفَّقَكُمُ اللهُ - لُزُومُ طَاعَتِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا } سبأ 13

فَالصَّلَاةُ شُكْرٌ؛ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ: ( أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ). 

وَالصِّيَامُ شُكْرٌ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ صِيَامِ عَاشُورَاءَ: ( فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا ) رواه مسلم.

وَعِنْدَ تَجَدُدِ النِّعَمِ، وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ؛ يُشْرَعُ سُجُودُ الشُّكْرِ.

عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى: الإكْثَارُ مِنْ حَمْدِهِ.

 فَنَحْمَدُهُ تَعَالَى أَنْ هَدَانَا وَمَا كُنَّا لِنْهْتدي لَولَا أَنْ هَدَانَا اللهُ.

نَحْمَدْهُ تَعَالَى عَلَى الأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ.

 نَحْمَدُهُ تَعَالَى عَلَى العَافِيَةِ.

 نَحْمَدُهُ تَعَالَى أَنْ أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا.

ومِنْ شُكْرِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا:

التَّحَدُّثُ بِنِعَمِهِ، وَالاعْتِرَافُ بِفَضْلِهِ، كَمَا فِي سَيِّدِ الاسْتِغْفَارِ

: ( أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ) رواه البخاري. 

وَمَعْنَى ( أَبُوءُ ) أُقِرُّ وَأَعْتَرِفُ.

أَلَا فَلْنَشْكُرِ اللهَ عَلَى مَا أَسْبَغَ مِنَ النِّعَمِ، وَدَفَعَ مِنَ النِّقَمِ.

وَلْنَحْذَرْ أَشَدَّ الحَذَرِ أَنْ نُقَابِلَ ذَلِكَ بِالجُحُودِ، أَوْ أَنْ نَغْتَرَّ بِإِمْهَالِ اللهِ تَعَالَى لِمِنْ جَحَدَ نِعَمَهُ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ؛ يَقُولَ أحَدُ السَّلَفِ: إذَا رَأَيْتَ اللهَ يُتَابِعُ نِعَمَهُ عَلَيْكَ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ فَاحْذَرْهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ } الأعراف  182 

وَقَالَ تَعَالَى: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }الأنعام  44.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أنْ يُجِيرَنَا مِنْ عَذَابِهِ، وَأَنْ يَحْفَظَ عَلَينَا نِعَمَهُ، وَيَرْزُقَنَا شُكْرَهَا.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية: 

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعدُ:

فَاحْرِصُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - عَلَى هَذِهِ العِبَادَةَ؛ عِبَادَةَ الشُّكْرِ  وَاعْلَمُوا أنَّهَا مِنْ أسْبَابَ السَّعَادَةِ؛ كَمَا ذَكَرَ ابنُ القَيِّمِ رَحِـمَهُ اللهُ: أَنَّ عُنْوَانَ سَعَادَةِ العَبْدِ وَعَلَامَةَ فَلَاحِهِ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ؛ ثَلَاثَةٌ: إذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإذَا ابتُلِيَ صَبَرَ، وَإذِا أذْنَبَ اسْتَغْفَرَ.

عِبَادَ اللهِ: وَالتَّوفِيقُ لِلشُّكْرِ عَطَاءٌ مِنَ اللهِ؛ يَهَبُهُ مَنْ يَشَاءُ وَلِهَذَا تَجِدُ فِي النًّاسِ المَرِيضَ، قَلِيلَ المَالِ وَالوَلَدِ؛ وَلَكِنَّهُ كَثِيرَ الرِّضَى؛ كَثِيرَ الشُّكْرِ بِتَوفِيقٍ مِنَ اللهِ، وَتَجِدُ فِيْهِمْ الصَّحِيحَ، كَثِيرَ المَالِ وَالوَلَدِ؛ وَلَكِنَّهُ قَلِيلَ الرِّضَى قَلِيلَ الشُّكْرِ.

وَبِهَذَا نَعْلَمُ أَهَمِّيَةَ الدُّعَاءِ الَّذِي أَوصَى بِهِ  النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا: ( رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) أخرجه النسائي وصححه الألباني.

وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى شُّكْرِ اللهِ تَعَالَى وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ: اِمْتِثَالُ هَذِهِ الوَصِيَّةِ الثَّمِينَةِ؛ وَصِيَّةِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ ) رواه مسلم.  وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى الشُّكْرِ: تَذَكُّرُ ثَوَابِ الشَّاكِرِينَ، وَعِقَابِ الجَاحِدِينَ، وَالنَّظَرُ فِي أحْوَالِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ.

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ إذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإذَا ابتُلِيَ صَبَرَ، وَإذِا أذْنَبَ اسْتَغْفَرَ، اللَّهُمَّ وَأعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ. عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

1672269407_عبدا شكورا 1444.pdf

1672269466_عبدا شكورا 1444.doc

المشاهدات 1551 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا