( عَبْدًا شَكُورًا )
مبارك العشوان
1438/04/28 - 2017/01/26 12:44PM
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أَيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ، أَوْ تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: ( أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) رواه البخاري ومسلم؛ وهذا لفظ البخاري.
مَا أَكْرَمَهُ مِنْ خُلُقٍ، وَأحْسَنَهُ مِنْ وَصْفٍ؛ ( عَبْدًا شَكُورًا ) أَيْ: كَثِيرَ الشُّكْرِ . وَهَذَا ـ عِبَادَ اللهِ ـ مَا كَانَ عَلَيْهِ خِيْرَةُ خَلْقِ اللهِ ـ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهَكَذَا الْأنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ عَلَيهِ السَّلَامُ : { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } الإسراء 3 وقَالَ عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ: { شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ } النحل 121 وَقَالَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَلَيهِ السَّلَام: { وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ... } النمل 18 وقَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ آلِ لُـــــوطٍ: { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ، نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ } القمر: 34 - 35
سَمَّى اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ الشَّكُور، { وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } التغابن 17 { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } الشورى 23
يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اهُن : وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: الشَّاكِرُ الشَّكُورُ، وَهُوَ الذِي يَشْكُرُ القَلِيلَ مِنَ العَمَلِ الخَالِصِ النَّقِيِّ النَّافِعِ، وَيَعْفُو عَنِ الكَثِيرِ مِنَ الزَّلَلِ وَلَا يُضِيعُ أجْرَ مَنْ أحْسَنَ عَمَلاً؛ بَلْ يُضَاعِفُهُ أضْعَافاً مُضَاعَفَةً بِغَيرِ عَدٍّ وَلَا حِسَابٍ، وَمِنْ شُكْرِهِ أنَّهُ يَجْزِي بِالحَسَنَةِ عَشَرَةُ أمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، ... الخ .
أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالشُّكْرِ أنْبِيَاءَهُ، وَسَائِرَ عِبَادِهِ؛ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ } الزمر66 وَقَالَ سُبْحَانَهُ: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا }سبأ 13: وَقَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: { فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ } الأعراف 144 وَقَالَ تَعَالَى:{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } لقمان12 وَقَالَ تَعَالَى: { أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ }لقمان 14 وَقَالَ تَعَالَى: { وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالشُّكْرِ، وَوَعَدَ الشَّاكِرِينَ أَحْسَنَ الجَزَاءِ؛ يَقُولُ تَعَالَى: { وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } آل عمران 144 : { وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ } آل عمران 145
وَبَيَّنَ تَعَالَى أنَّ الشَّاكِرِينَ مِنْ عِبَادِهِ قَلِيل، فَقَالَ: { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} { قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ }{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ }
عِبَادَ اللهِ: وَكَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِشُكْرِهِ وَأَثْنَى عَلَى الشَّاكِرِينَ وَوَعَدَهُمْ أَحْسَنَ الجَزَاءِ؛ وَبَيَّنَ أنَّ الشُّكْرَ سَبَبٌ لِحِفْظِ النِّعَمِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِلمَزِيدِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ نَهَى عَنْ جُحُودِ نِعَمِهِ وَالكُفْرِ بِهَا، وَذَمَّ مَنْ لَا يَشْكُرُهُ، وَأنْكَرَ عَلَيْهِمْ، وَتَوَعَّدَهُمْ؛ وَبَيَّنَ تَعَالَى أنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلزَّوَالِ وَالمَحْقِ وَالعُقُوبَةِ. يقول تَعَالَى: { وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } البقرة 152 وَيَقُولُ تَعَالَى: { أَفَلَا يَشْكُرُونَ } يس 35 وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم 7 وَيَقُولُ تَعَالَى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } النحل 112
يَقُولُ عَلِيُّ بُنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّ النِّعْمَةَ مَوْصُولَةٌ بِالشُّكْرِ، وَالشُّكْرُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَزِيدِ وَهُمَا مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ فَلَنْ يَنْقَطِعَ الْمَزِيدُ مِنَ اللهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ الْعَبْدِ.
وَيَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِىُّ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ اللهَ لِيُمَتِّعُ بِالنِّعمَةِ مَا شَاءَ، فَإذا لَمْ يُشْكَرْ عَلَيهَا قَلَبَهَا عَذَابًا.
عِبَادَ اللهِ: ثُمَّ احْذَرُوا رَحِمَكُمْ اللهُ أَنْ يَغْتَرَّ أحَدٌ بِإِمْهَالِ اللهِ تَعَالَى لِمِنْ جَحَدَ نِعَمَهُ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ، يُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ؛ يَقُولَ أحَدُ السَّلَفِ: إذَا رَأَيْتَ اللهَ يُتَابِعُ نِعَمَهُ عَلَيْكَ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِـــدْرَاجٌ فَــاحْذَرْهُ، وَقَـــدْ قَــالَ تَعَــالَــى: { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ } الأعراف 182 وَقَالَ تَعَالَى: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }الأنعام 44.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أنْ يَحْفَظَ عَلَينَا نِعَمَهُ، وَيُوَفِّقَنَا لِشُكْرِهِ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفْعِنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآي وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّه الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاِسْتَغْفَرُوهُ إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعدُ: فَيَقُولُ تَعَالَى: { اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُـدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }إبراهيم 32- 34 وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ } لقمان 20
يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَالشُّكْرُ مَبْنِيٌ عَلَى خَمْسِ قَوَاعِدَ: خُضُوعُ الشَّاكِرِ لِلْمَشْكُورِ. وَحُبُّهُ لَهُ. وَاعْتِرَافُهُ بِنِعْمَتِهِ. وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِهَا. وَأَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهَا فِيمَا يَكْرَهُ.
ألَا فَاجْتَهِدُوا رَحِمَكُمُ اللهُ فِي شُكْرِ رَبِّكُمْ؛ وَاعْلَمُوا أنَّ شُكْرَهُ تَعَالَى يَكُونُ بِطَاعَتِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا } سبأ 13
وَمِنْ شُكْرِهِ تَعَالَى: الإكْثَارُ مِنْ حَمْدِهِ؛ احْمَدْهُ تَعَالَى عَلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ فَفِي الحَدِيثِ: ( إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ) رَوَاهُ مُسْلِم.
إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَقُلِ: ( الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ ) رواه مسلم.
إِذَا اسْتَيْقَظْتَ مِنْ نَومِكَ فَقُلِ: ( الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) رواه البخاري. إِذَا عَطَسْتَ فَقُلِ: ( الحَمْدُ لِلهِ ) رواه البخاري.
احْمَدْ رَبَّكَ عَلَى مَا أوْلَاكَ مِنَ النِّعَمِ، وَدَفَعَ عَنْكَ مِنَ النِّقَم.
عِبَادَ اللهِ: ومِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى: التَّحَدُّثُ بِنِعَمِهِ، وَالاعْتِرَافُ بِفَضْلِهِ، كَمَا فِي سَيِّدِ الاسْتِغْفَارِ: ( ... أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ... ) رواه البخاري. وَمَعْنَى ( أَبُوءُ ) أُقِرُّ وَأَعْتَرِفُ.
مِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى التَّقَرُّبُ إليهِ بِالطَّاعَاتِ؛ فالصَّلَاةُ شُكْرٌ، وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ: ( أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ). وَفِي حَدِيثِ صِيَامِ عَاشُورَاءَ: ( ... هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا ) رواه مسلم.
وَعِنْدَ تَجَدُدِ النِّعَمَ وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ يُشْرَعُ سُجُودُ الشُّكْرِ؛ كان النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
عِبَادَ اللهِ: احْرِصُوا عَلَى هَذِهِ العِبَادَةَ ـ عِبَادَةَ الشُّكْرِ ـ وَاعْلَمُوا أنَّهَا مِنْ أسْبَابَ السَّعَادَةِ، كَمَا ذَكَرَ شَيخُ الإسلَامِ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ: أنَّ عُنْوَانَ سَعَادِةِ العَبْدِ، ثَلَاثَةٌ: إذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإذَا ابتُلِيَ صَبَرَ، وَإذِا أذْنَبَ اسْتَغْفَرَ.
اسْعَوا رَحِمَكُمُ اللهُ فِيمَا يُعِينُكُمْ عَلَى شُكْرِ رَبِّكُم؛ وَاعْلَمُوا أنَّ مِنْ أسْبَابِ التَّوفِيقِ لِلشُّكْرِ: سُؤَالُ اللهِ تَعَالَى العَونَ عَلَيهِ؛ يَقُولُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ( إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ )، فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) أخرجه النسائي وصححه الألباني
وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى الشُّكْرِ: الأَخْذُ بِهَذِهِ الوَصِيَّةِ الثَّمِينَةِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ – عَلَيْكُمْ ) رواه مسلم. وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى الشُّكْرِ: تَذَكُّرُ ثَوَابِ الشَّاكِرِينَ، وَعِقَابِ الجَاحِدِينَ وَالنَّظَرُ فِي أحْوَالِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ.
جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ إذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإذَا ابتُلِيَ صَبَرَ، وَإذِا أذْنَبَ اسْتَغْفَرَ.
اللَّهُمَّ أعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاة وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } الأحزاب 56
عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ، أَوْ تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: ( أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) رواه البخاري ومسلم؛ وهذا لفظ البخاري.
مَا أَكْرَمَهُ مِنْ خُلُقٍ، وَأحْسَنَهُ مِنْ وَصْفٍ؛ ( عَبْدًا شَكُورًا ) أَيْ: كَثِيرَ الشُّكْرِ . وَهَذَا ـ عِبَادَ اللهِ ـ مَا كَانَ عَلَيْهِ خِيْرَةُ خَلْقِ اللهِ ـ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهَكَذَا الْأنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ عَلَيهِ السَّلَامُ : { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } الإسراء 3 وقَالَ عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ: { شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ } النحل 121 وَقَالَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَلَيهِ السَّلَام: { وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ... } النمل 18 وقَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ آلِ لُـــــوطٍ: { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ، نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ } القمر: 34 - 35
سَمَّى اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ الشَّكُور، { وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } التغابن 17 { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } الشورى 23
يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اهُن : وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: الشَّاكِرُ الشَّكُورُ، وَهُوَ الذِي يَشْكُرُ القَلِيلَ مِنَ العَمَلِ الخَالِصِ النَّقِيِّ النَّافِعِ، وَيَعْفُو عَنِ الكَثِيرِ مِنَ الزَّلَلِ وَلَا يُضِيعُ أجْرَ مَنْ أحْسَنَ عَمَلاً؛ بَلْ يُضَاعِفُهُ أضْعَافاً مُضَاعَفَةً بِغَيرِ عَدٍّ وَلَا حِسَابٍ، وَمِنْ شُكْرِهِ أنَّهُ يَجْزِي بِالحَسَنَةِ عَشَرَةُ أمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، ... الخ .
أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالشُّكْرِ أنْبِيَاءَهُ، وَسَائِرَ عِبَادِهِ؛ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ } الزمر66 وَقَالَ سُبْحَانَهُ: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا }سبأ 13: وَقَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: { فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ } الأعراف 144 وَقَالَ تَعَالَى:{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } لقمان12 وَقَالَ تَعَالَى: { أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ }لقمان 14 وَقَالَ تَعَالَى: { وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالشُّكْرِ، وَوَعَدَ الشَّاكِرِينَ أَحْسَنَ الجَزَاءِ؛ يَقُولُ تَعَالَى: { وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } آل عمران 144 : { وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ } آل عمران 145
وَبَيَّنَ تَعَالَى أنَّ الشَّاكِرِينَ مِنْ عِبَادِهِ قَلِيل، فَقَالَ: { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} { قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ }{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ }
عِبَادَ اللهِ: وَكَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِشُكْرِهِ وَأَثْنَى عَلَى الشَّاكِرِينَ وَوَعَدَهُمْ أَحْسَنَ الجَزَاءِ؛ وَبَيَّنَ أنَّ الشُّكْرَ سَبَبٌ لِحِفْظِ النِّعَمِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِلمَزِيدِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ نَهَى عَنْ جُحُودِ نِعَمِهِ وَالكُفْرِ بِهَا، وَذَمَّ مَنْ لَا يَشْكُرُهُ، وَأنْكَرَ عَلَيْهِمْ، وَتَوَعَّدَهُمْ؛ وَبَيَّنَ تَعَالَى أنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلزَّوَالِ وَالمَحْقِ وَالعُقُوبَةِ. يقول تَعَالَى: { وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } البقرة 152 وَيَقُولُ تَعَالَى: { أَفَلَا يَشْكُرُونَ } يس 35 وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم 7 وَيَقُولُ تَعَالَى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } النحل 112
يَقُولُ عَلِيُّ بُنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّ النِّعْمَةَ مَوْصُولَةٌ بِالشُّكْرِ، وَالشُّكْرُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَزِيدِ وَهُمَا مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ فَلَنْ يَنْقَطِعَ الْمَزِيدُ مِنَ اللهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ الْعَبْدِ.
وَيَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِىُّ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ اللهَ لِيُمَتِّعُ بِالنِّعمَةِ مَا شَاءَ، فَإذا لَمْ يُشْكَرْ عَلَيهَا قَلَبَهَا عَذَابًا.
عِبَادَ اللهِ: ثُمَّ احْذَرُوا رَحِمَكُمْ اللهُ أَنْ يَغْتَرَّ أحَدٌ بِإِمْهَالِ اللهِ تَعَالَى لِمِنْ جَحَدَ نِعَمَهُ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ، يُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ؛ يَقُولَ أحَدُ السَّلَفِ: إذَا رَأَيْتَ اللهَ يُتَابِعُ نِعَمَهُ عَلَيْكَ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِـــدْرَاجٌ فَــاحْذَرْهُ، وَقَـــدْ قَــالَ تَعَــالَــى: { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ } الأعراف 182 وَقَالَ تَعَالَى: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }الأنعام 44.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أنْ يَحْفَظَ عَلَينَا نِعَمَهُ، وَيُوَفِّقَنَا لِشُكْرِهِ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفْعِنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآي وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّه الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاِسْتَغْفَرُوهُ إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعدُ: فَيَقُولُ تَعَالَى: { اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُـدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }إبراهيم 32- 34 وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ } لقمان 20
يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَالشُّكْرُ مَبْنِيٌ عَلَى خَمْسِ قَوَاعِدَ: خُضُوعُ الشَّاكِرِ لِلْمَشْكُورِ. وَحُبُّهُ لَهُ. وَاعْتِرَافُهُ بِنِعْمَتِهِ. وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِهَا. وَأَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهَا فِيمَا يَكْرَهُ.
ألَا فَاجْتَهِدُوا رَحِمَكُمُ اللهُ فِي شُكْرِ رَبِّكُمْ؛ وَاعْلَمُوا أنَّ شُكْرَهُ تَعَالَى يَكُونُ بِطَاعَتِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا } سبأ 13
وَمِنْ شُكْرِهِ تَعَالَى: الإكْثَارُ مِنْ حَمْدِهِ؛ احْمَدْهُ تَعَالَى عَلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ فَفِي الحَدِيثِ: ( إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ) رَوَاهُ مُسْلِم.
إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَقُلِ: ( الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ ) رواه مسلم.
إِذَا اسْتَيْقَظْتَ مِنْ نَومِكَ فَقُلِ: ( الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) رواه البخاري. إِذَا عَطَسْتَ فَقُلِ: ( الحَمْدُ لِلهِ ) رواه البخاري.
احْمَدْ رَبَّكَ عَلَى مَا أوْلَاكَ مِنَ النِّعَمِ، وَدَفَعَ عَنْكَ مِنَ النِّقَم.
عِبَادَ اللهِ: ومِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى: التَّحَدُّثُ بِنِعَمِهِ، وَالاعْتِرَافُ بِفَضْلِهِ، كَمَا فِي سَيِّدِ الاسْتِغْفَارِ: ( ... أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ... ) رواه البخاري. وَمَعْنَى ( أَبُوءُ ) أُقِرُّ وَأَعْتَرِفُ.
مِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى التَّقَرُّبُ إليهِ بِالطَّاعَاتِ؛ فالصَّلَاةُ شُكْرٌ، وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ: ( أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ). وَفِي حَدِيثِ صِيَامِ عَاشُورَاءَ: ( ... هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا ) رواه مسلم.
وَعِنْدَ تَجَدُدِ النِّعَمَ وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ يُشْرَعُ سُجُودُ الشُّكْرِ؛ كان النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
عِبَادَ اللهِ: احْرِصُوا عَلَى هَذِهِ العِبَادَةَ ـ عِبَادَةَ الشُّكْرِ ـ وَاعْلَمُوا أنَّهَا مِنْ أسْبَابَ السَّعَادَةِ، كَمَا ذَكَرَ شَيخُ الإسلَامِ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ: أنَّ عُنْوَانَ سَعَادِةِ العَبْدِ، ثَلَاثَةٌ: إذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإذَا ابتُلِيَ صَبَرَ، وَإذِا أذْنَبَ اسْتَغْفَرَ.
اسْعَوا رَحِمَكُمُ اللهُ فِيمَا يُعِينُكُمْ عَلَى شُكْرِ رَبِّكُم؛ وَاعْلَمُوا أنَّ مِنْ أسْبَابِ التَّوفِيقِ لِلشُّكْرِ: سُؤَالُ اللهِ تَعَالَى العَونَ عَلَيهِ؛ يَقُولُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ( إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ )، فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) أخرجه النسائي وصححه الألباني
وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى الشُّكْرِ: الأَخْذُ بِهَذِهِ الوَصِيَّةِ الثَّمِينَةِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ – عَلَيْكُمْ ) رواه مسلم. وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى الشُّكْرِ: تَذَكُّرُ ثَوَابِ الشَّاكِرِينَ، وَعِقَابِ الجَاحِدِينَ وَالنَّظَرُ فِي أحْوَالِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ.
جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ إذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإذَا ابتُلِيَ صَبَرَ، وَإذِا أذْنَبَ اسْتَغْفَرَ.
اللَّهُمَّ أعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاة وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } الأحزاب 56