(عِبادٌ مُكْرَمُون): الملائكة عليهم السلام

عبدالرحمن العليان
1437/05/24 - 2016/03/04 08:57AM
بسم الله الرحمن الرحيم
(عِبادٌ مُكْرَمُون)
الحمدُ لله الخبيرِ اللطيف، الرحيمِ الرؤوف، وَسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلما، أَنعَمَ علينا بالإيمان، وبسَطَ لنا أمنا، يقلِّبُ الليل والنهار، تبصرة للكيِّسِ الحصيف.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، مَنْ شَهِدَ بها فهو السعيدُ القوِيّ، ومن أعرض عنها فهو الشقيُّ الضعيف.
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، المرسلُ بالضياءِ البارق، والحقِّ الفارق، والوعدِ الصادق، ذو القدرِ الـمُنِيف، والنسبِ الشريف، صلى الله وسلَّمَ وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسانٍ، ما غسق واكب، وما هَبَّ هفيف.. أما بعد:
فأوصيكم أيها المؤمنون بتقوى الله سبحانه؛ فاتقوه سرا وجهرا، وعظِّموا له أمرا، واعلموا أنما أنتم هدفٌ تنتضل فيه المنايا، فالحذِقُ من بَادَرَ الفرص، والعاقلُ من كان القرآن له زاجرا، والموتُ له واعظا.. التمسوا رضا الربِ في اتباع رضوانه، والسعادةَ في القناعة، والراحةَ في ترك ما لا يعني، والسرورَ بالإحسانِ الكريم، وبلوغَ صالحِ الآمالِ بالصبرِ الجميل.
أيها المؤمنون:
كريمٌ جدًّا أن يتذكَّرَ الإنسانُ نعمةَ الرَّحْمَنِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وإذًا يجدُ نعمًا لا يَسْطِيعُ لها حَصْرَا، سخَّر له ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه، وسخَّرَ لَهُ اللَّيْلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ والنجومَ، وأودَعَ في الأرض مصالحَه وسُبُلَ هدَايَتِه.
بيد أن نعمةً جُلّى سخَّرَها المنان لبني الإنسان، وكثيرٌ من عباد الله عنها غافلون، إنها تتمثَّلُ في خَلْقٍ من أكرم عبادِ الرحمن، اصطفاهم لعبادته في سمائه، وللقيام بأمره في أرضه؛ إنهم من قال ربنا تعالى فيهم: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 26 - 28].
إنهم عالم غيبِيٌّ، وخلقٌ كريمٌ من خَلْقِ الرحمن، الإيمان بهم ثاني أركان الإيمان الستة، ومن أنكر حقيقتهم فقد كفر، خَلَقَهُم من نور، وفضَّلهم على كثير ممن خلق تفضيلا، وجعل لهم قدرةً عجيبة، ليقوموا بأمر الله الموكَلِ إليهم، فمنهم ذو الجناحين، ومنهم ذو الثلاثة وذو الأربعة، وقد رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم جبريلَ عليه السلام في صورته وله ستمائة جناح، ولم يرَ أحدٌ من هذه الأمةِ ملكًا في صورته التي خلقه الله عليها إلا النبيُّ - عليه الصلاة والسلام -، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على إمكان رؤيتهم إذا تمثَّلُوا صورةَ البشر.
أَحْسَنَ البارئُ خَلْقَهُمْ، فكانوا في صورٍ جميلة، وفي هذا قولُ الحقِّ - تبارك وتعالى -: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم: 5- 6]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ذو مرة) : ذو منظرٍ حسن، وقال قتادة: ذو خَلْقٍ طويل حسن.
لا يعلم خلقَهم إلا الله، ولا يقاسون بخلق الإنسان، ومن تحدث عن خلْقِهمْ من غير طريق الوحي فليس لديه إلا الخرصُ، بل الإفكُ المبين، وقد شابه المشركين الأولين إذ يجعلون لله البناتِ سبحانه ولهم ما يشتهون.
لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكِحُون ولا ينامون ولا يسأمون، ولما أجس الخليلُ عليه السلام منهم خيفة أن لم يأكلوا عنده؛ أخبروه بأنهم رسل الله من الملائكة.
وهم جمٌّ غفير، لا يحصيهم إلا الله - تبارك وتعالى -، معصومون من الخطأ والزلل: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ؛ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ...) الحديث. أخرجه الترمذي في جامعه، وفي حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه في خبر الإسراء والمعراج، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم: (فَرُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ) أخرجه البخاري في صحيحه، وهم الصافُّون الـمُصَلون المسبحون لربهم تعالى، لا يفترون، وهم من خشية ربهم مشفقون، قَالَ نبيُّ اللهِ ورسولُه - صلواتُ ربي وسلامُه عليه -: (إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ..) الحديث. أخرجه البخاري.
أقسم اللهُ بهم في مواضعَ عديدةٍ من كتابه العظيم؛ ولا يقسمُ ربُّنا إلا بكريم ما أبدع، وعظيمِ ما صنع، أقْسَمَ بهم على أعظمِ حقيقة، وهي ألا إله إلا هو: {بسم الله الرحمن الرحيم. وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} [الصافات: 1 - 4]، أقسم بهم إذْ يَصُفُّون بين يدي ربهم خاشعين له، وإذ يزجرون السحابَ بأمره، وحين يتلون ذكرَ الله المنزَّلَ على رسلِه في أرضه.
فضَّلَ بعضهم على بعض، كما فضَّلَ بعضَ الرسلِ على بعض، ففي صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه: أن جبريلَ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما تعدّون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين، أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة).
خلقهم الخلاقُ العليمُ سبحانه قبل خلق آدم، وأوكل إليهم أعمالا، فمنهم المصطفى رسولًا إلى الأنبياء في الأرض: {بسم الله الرحمن الرحيم. الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1]، ومنهم جبريل الأمين عليه السلام الموكَّلُ بالوحي، وميكائيل ملك القطر والنبات، وإسرافيلُ الذي ينفُخُ في الصور، ومالكٌ خازنُ جهنم - أعاذنا اللهُ منها -، والملكان اللذان يسألانِ الميتَ في قبره، وهاروتُ وماروت، وملك الموت.
تبدأ عنايتُهم ببني آدم مذْ هم أجنةٌ في بطونِ أمهاتهم بأمر ربهم - جل وعلا -، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وكّلَ اللهُ بالرحم ملكاً، فيقول: أي ربِّ نطفة، أي ربّ عَلَقَة، أي ربّ مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خَلْقَها قال: أي ربّ ذكر أم أنثى؟ أشقيّ أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيُكتَبُ كذلك في بطن أمه).
ومنهم حفظةٌ للإنسان، يحرسونه ممّا لم يقدَّرْ عليه بأمر ربهم، اقرؤوا إن شئتم قولَ ربكم - عزَّ وجلّ -: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]. أي بأمرِهِ سبحانه، وقولَه: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } [الأنعام: 61].
ومنهم سَيَّاحُون في الأرض يلتمسون حلق الذكر؛ فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادَوْا: هَلُمُّوا إلى حاجتكم، ويشهدون صلاة الفجر وصلاة العصر مع المسلمين.
ومنهم حافظون، كرامٌ كاتبون، يحصون أعمال الناس من خيرٍ أو شر، ومنهم من يتوفون الناس حين حلولِ آجالهم.
وقد جعل الله من هذا الخَلْقِ الكريم بشرى للمؤمنين، وسببا لنصرِهم على أعدائهم في مواطن النزال، يثبِّتون المؤمنين، وتطمئنُّ بذلكم قلوبهم، ويضربون فوقَ أعناقِ الذين كفروا، ويضربون منهم كل بنان.
وإذا أرادَ الله بقوم سوءًا كان ملائكتُه من أعظم جنوده التي لا يعلمها إلا هو؛ فلا ينزلون إلا بالحقِّ، ولما طلب الكفارُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رؤية الملائكة، وأن يأتي بهم قبيلا؛ أخبر الله تعالى أنهم حين يرون الملائكة فلا يؤمنون بهم لا يُنظَرون، بل يؤخَذون بالعقاب، ولا بشرى لهم: {مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ} [الحجر: 8]، وقال سبحانه: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22].
أقول هذا القول وأستغفر الله تعالى لي ولكم..

















الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا، وصلى الله وسلم على المبعوثِ بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا.. أما بعد:
فإن من رحمة ربنا بعباده المؤمنين، ومن عظيم منته عليهم؛ أن سخَّر لهم ملائكةً يستغفرون لهم، ويستغفرون بصفة أخص لمنتظري الصلاةِ في المساجد، وما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب؛ إلا قال ملك: ولكَ بِمِثْل، ويؤمِّنون على ما يدعو به حاضرو المتوفى، ومن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة بعد قراءة الإمام لأم الكتاب غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنْبِه، والملائكةُ تضعُ أجنحتها رضًا لطالب العلم، ويستحون من بعض عبادِ اللهِ الصادقين، كعثمانَ رضي الله عنه.
وينزلون عند تلاوة القرآن رضًا وسكينةً من ربهم، وربما أرسلهم اللهُ تعالى يبشِّرون بعضَ عباده من الأنبياءِ وغيرِهم، كما في خبرِ الذي زار أخًا له في قرية، فأرصد الله له على مدرجته ملكا وقال له: (إني رسول الله إليك بأن الله يحبك كما أحببته فيه).
وفي آخر الزمان وحين يبعَثُ المسيحُ الدجَّال؛ ليس من نَقْبٍ من أنقاب مكةَ والمدينة إلا وعليه ملائكةٌ يحرسونها منه، فلا يدخلُها.
أما حين انتقالِ العبدِ إلى الدارِ الآخرة، فيتوفونه ملائكةُ اللهِ تعالى غيرَ مفرطين، فالمؤمن تؤخَذُ روحُه بسهولة ويبشَّر برضوان من ربه وجنات، وأما الكافر فتُنزَعُ روحه بشدة وعنف، ويبشَّر بسخط الله وعذابه {بسم الله الرحمن الرحيم. وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} [النازعات: 1- 2]، وصحَّت الأخبار بشهودهم بعض جنائز الصالحين.
أما يوم القيامة فالملائكةٌ خلقٌ من خلق الله لا يشفعون إلا بإذنه ولمن ارتضى، { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38]، يتوفون المؤمنين طيِّبين، ويقولون لهم: سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون، ويدخلون عليهم في الجنة من كل باب: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24]، ويسوقون المجرمين إلى جهنم وردا، يضربون وجوههم وأدبارهم، ويجاء بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، كما صح بذلكم الخبرُ عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم في الحديث المخرَّجِ عند مسلمٍ في صحيحه.
أيها المؤمنون: ملائكة الرحمن كرامٌ بررة، يتأذَّون مما يتأذى منه بنو آدم؛ ولذا نُهِيَ من أكل ثوبا أو بصلا أو نحوَهما أن يقرب المساجد؛ لأنها مأوى الملائكةِ عليهم السلام، ونُهِيَ المصلي أن يبصقَ أمامه لأنه قِبَلَ ربه؛ ولا عن يمينه؛ فإن عن يمينه ملكا.
ولا تدخل الملائكةُ بيتا فيه كلبٌ ولا تمثال.
وكما أنه يجب الإيمانُ بهم جميعا، وَمَنْ عَلِمْنَا اسمَه وعَمَلَه منهم؛ فإنه يجب مودتُهم واعتقادُ فضلهم، ومن أبغض أحدا منهم أو استهزأ به فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 97، 98].
ولقد نقل السيوطيُّ عن القرافيِّ المالكيِّ - رحمهما الله- قولَه: ((اعلم أنه يجب على كل مكلف تعظيمُ الأنبياء بأسرهم، وكذلك الملائكة، ومن نال من أعراضهم شيئاً فقد كفر، سواءً كان بالتعريض أو بالتصريح؛ فمن قال في رجل يراه شديدَ البطش: هذا أقسى قلباً من مالكٍ خازنِ النار، وقال في رجل رآه مشوَّهَ الخلق: هذا أوحشُ من منكرٍ ونكير، فهو كافر، إذا قال ذلك في معرض النقص بالوحاشة، والقساوة)).
أيها المؤمنون: تلكم بعضُ عنايةِ الرحمن الرحيم سبحانه بالبشر، من خلال تسخير ملائكته الكرامِ البررة، فما أعجبَ ابنَ آدم؛ ما أجحده لنعم ربه، وما أكفره، وما أظلمه!
ومع كَرَمِ الملائكة عند ربهم؛ فإنه تعالى يبَاهيهم بعباده الذين حجُّوا بيته واستجابوا لأمره.
وقد اختلف العلماء في التفضيل بين الملائكة وصالحي البشر، والذي عليه المحققون أنَّ صالحي البشرِ أفضلُ باعتبارِ كَمالِ النهاية، وذلك إنما يكون إذا دخلوا الجنة، ونالوا الزلفى، وسكنوا الدرجاتِ العلا، وحيَّاهم الرحمن، وخصَّهم بمزيد قربه، وتجلى لهم، واستمتعوا بالنظر إلى وجهه الكريم، والملائكة أفضل باعتبار البداية، فهم الآن في الرفيق الأعلى، منزهون عمّا يلابسه بنو آدم، كما قال ربنا عنهم: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38]
قال ابن القيم رحمه الله: وبهذا التفصيل يتبين سرّ التفضيل، وتتفق أدلة الفريقين، ويصالح كل منهم على حقه.

المشاهدات 1343 | التعليقات 0