عبادة غض البصر عن المحرمات
عايد القزلان التميمي
1445/02/05 - 2023/08/21 12:13PM
الحمد لله القائم على كل نفس بما كسبت ، الرقيب على كل جارحة بما اجترحت ، الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات والأرض تحرّكت أو سكنت ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، فقد وصَّاكُمُ اللهُ بهذا، قالَ سُبْحَانَهُ: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)
أيها المؤمنون : لقد استهان كثير من المسلمين في هذه الأيام في النظر المحرم إلى النساء، وهذا شيء مشاهد، ويعلمه الجميع، فترى كثيرًا من الناس يستهينون في النظر إلى النساء الأجانب في الأسواق وفي أماكن تجمّعات الناس وعبر ما يُعرَض في كثير من القنوات الفضائية ومن خلال أجهزة الجوالات وبرامج التواصل،
والله جل في علاه يقول لعباده المؤمنين: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ،
فأين نحن من أمر الله لنا بالغضّ من البصر؟!
عباد الله، إن إطلاق البصر في المحرمات ذنب عظيم ينبغي عدم الاستخفاف به والتهاون فيه، حيث يقول الرسول الله : ((العينان زناها النظر، والأذنان زناهما الاستماع)) والحديث في الصحيحين، وقال رسول الله لعلي: ((يا علي، لا تُتْبِعِ النظرةَ النظرة؛ فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة)) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي،
وفي الصحيح عن جرير بن عبد الله البَجَلِي قال: سألت النبي عن نظرة الفَجْأَة ـ وهو البَغْتَة من دون قصد ـ فأمرني أن أصرف وجهي.
إن معظم المصائب والذنوب والخطايا أولها نظرة، ألم تسمعوا قول الشاعر: كلُّ الحوادِثِ مَبْدَؤُهـا مِن النَّظَـرِ ومُعْظَم النارِ من مُسْتَصْغَرِ الشَّررِ كم نظرةٍ فَتَكَتْ في قـلب صاحبها فَتْكَ السِّهـامِ بلا قَوْسٍ ولا وَتَرِ
واعلم ـ هداني الله وإياك ـ أنك مسؤول عن نظرك يوم القيامة، قال سبحانه: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً .
فهل أعددت للسؤال جوابا؟!
عباد الله لقد استهان كثير من المسلمين رجالا ونساء بالنظر المحرم ، والله قد حذر الرجال من فتنة النساء،
في صحيح البخاري عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: ((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاء))،
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ)).
ثم حذر الله النساء من التبرج وإظهار الزينة، فقال سبحانه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فاتقوا الله ـ يا معاشر الرجال ـ في أنفسكم، وغضوا أبصاركم عن النظر إلى ما حرم الله، ففي ذلك السلامة لكم في الدنيا والآخرة،
ثم اتقوا الله في نسائكم وبناتكم وأخواتكم، فلا تسمحوا لهن بالتبرج وإظهار الزينة، فهن مسؤولية في أعناقكم يوم القيامة،
قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ .
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صفوة الخلق، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على الطريق واتبع هداه.
أما بعد فيا عباد الله :
إن غض البصر عن المحرمات عبادة توجب رضا الله تعالى وترفع سخطه وعذابه يوم القيامة،
فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثةٌ لا ترى أعينُهم النارَ: عينٌ حرستْ في سبيلِ اللهِ وعينٌ بكتْ من خشيةِ اللهِ وعينٌ كفتْ عن محارمِ اللهِ )) صححه الألباني
ولتعلم أيها المؤمن أن أكبر زاجرٍ وأعظم واعظٍ للقلب أن تتذكر دوماً وأبداً أن رب العالمين يراك { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } .
فكفى باستشعار رؤية الله زاجراً وواعظاً ومذكِّرا ومُبعِداً للعبد عن المعاصي والخطيئات . وإذا خلا العبد يوماً بمكان وظنَّ أن أحداً من الناس لا يراه فليعلم أن رب البرية رب العالمين يراه ؛ فليستحِ من الله وليخشَ الله تبارك وتعالى وليتقِه سبحانه .
نسأل الله عزَّ وجل أن يعمُر قلوبنا بالتقوى ومخافة الله عز وجل وخشيته غيباً وشهادة سراً وعلانية .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ...
المرفقات
1692609190_غض البصر عن المحرمات عبادة.docx