عامٌ دراسيٌّ جديدٌ 1445/2/2ه

يوسف العوض
1445/02/01 - 2023/08/17 10:11AM

الخطبة الأولى

أيُّها الآباءُ : مهمٌّ جدّا أن يدرُسَ أولادُكم في المدرسة ليتعلّموا القراءةَ، والكتابةَ، والحسابَ، وغيرَها من العلوم الّتي تنفعُهم في دنياهم، لكنّ الأهمّ من كلّ ذلك: أن يتعلّم أولادُكم عقيدتَهم، وأخلاقَهم، فأين الاهتمام بها وأين الاعتناء بها ؟

أيّها الآبُ : أين أنت من قول لقمان لابنه:{يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ؟ {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} ؟

أيّها الآبُ: إنّك مسئول عن تعليم أولادك، وإنّك مسئول عن عقيدتهم قبل ذلك، قال النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ )) [متفق عليه].

في هذه الأيّام يظهر من الآباء اهتمامٌ كبيرٌ بمستقبل أولادِهم الدّنيوي: ماذا يكون هذا الابن ؟ مهندساً، أو طبيباً، أو طيّاراً ... الخ ، ولكنّهم يُهمِلون إهمالاً تامّا المستقبلَ الأهمَّ الأبعدَ والأدومَ وهو المستقبلُ الأخرويّ ! فهلاّ كان تفكيرُهم في مصيرِ أولادِهم في الآخرةِ مثلَ تفكيرِهم في مصيرِهم في الدّنيا على الأقلِّ ؟! وقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

أيُّها الآباء: فهل أولادكم يعملون بعمل أهلِ الجنّة أم بعمل أهل النّار ؟ هل هم ممّن يقيمون الصّلاة ؟ وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (( مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ )) [رواه أبو داود].قال تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} وقال:{إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ}.هذه الآيات وغيرُها ممّا جاء في القرآن والسنّة في مدحِ العلم وأهلِه، إنّما معناها العلمُ بالله، وبرسوله، وبدينه؛ فإنّه العلم الّذي يُمدح بإطلاق، وليس في علوم الدّنيا الّتي إن خلت عن مراقبة شرع الله تعالى كانت مذمومةً بإطلاق، وقال تعالى عن أهلها:{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}.

أيّها الآباء: إنّ علومَ الدّنيا قد تكون نافعةً في الآخرة لمن خلُصت نيّتُه وأرادَ الخيرَ لأمّتِه ولأهلِه، وسلفُنا كانوا يحتسبون الأجرَ في النّومِ والطّعامِ، فكيف لا نحتسبُ أجرَ علومِ الدّنيا مع كثرةِ ما نُنْفِقُ فيها من أوقاتٍ وأموالٍ ؟! فمن كانت نيّتُه إعزازَ أمّةِ الإسلام، وإعدادَ القوّةِ لمواجهةِ أعداءَ الدّينِ ، فهذا إن شاءَ اللهُ من المحسنين، مأجورٌ على نيّتِه وعملِه ، ومن كانت هجرتُه لدنيا يصيبُها، أو سمعةٍ يكسبُها، فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه.

وننبّه هنا إلى أنّ من الآباءِ من يُفسِد نيّاتِ الأبناء، يقولون: تعلّم لأجل المنصِب ! وتعلّم من أجل المال ! كثيرٌ من الآباء لا يهمّه مِن تعلّمِ أبنائِه إلاّ أن يقال له: ابنه فلان ذا منصب كذا ! إلاّ نيلَ شرفٍ زائلٍ ! وهذا من النيّاتِ الفاسدةِ ، ونحنُ ندلّهم على شرفٍ عظيمٍ، رغّبهم النبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّم في تحصيلِه، حيث قال صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ: لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ.فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ ؟! فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ، وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ )) [رواه أحمد].

وأين شرفُ الدنيا من شرفِ الآخرة ؟ أين هذا من ذاك ؟

 

الخطبة الثانية

أيّها الآباء: لا تنتهي مَهمّةُ الآباءِ بإيصالِ الأولادِ إلى بابِ المدرسة، كما أنّها لا تنتهي بإدخالهم المسجدَ، بل هناك تبدأ مسؤوليّاتٌ جديدةٌ على الآباء ، وذلك من جانب تعليمِهم الأدبَ الواجبَ في المدرسة الأدبَ مع المعلِّمِ، ومع الزّملاءِ، والأدبَ في تحصيلِ العلم، وكذلك من جانبِ التّحذيرِ من الآفاتِ الموجودةِ في المدرسة الّتي لم يعهدُوها من قبل.

1- وإنّ من واجب الأب أن يختار لابنه أحسنَ المدراس سُمعةً، وأن يختار له في المدرسة أحسنَ المعلّمين .. من واجبه أن يختار له الوسطَ الصّالح، والمعلّمَ القدوة. وإن لم يفعل فإنه يكون داخلا في معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ )).

2- ومن واجب الأب أيضا: تدارُكُ النّقائصَ الّتي في المدرسة: في برامج التّعليم كتحفيظ القرآن، وتلقين العقيدة الإسلاميّة، وكذلك عليه أن يُصحِّح لأولادِه المفاهيمَ المغلوطةَ الّتي يتلقّوْنَها في المدرسة، إن وُجدت !

3- وليحذر الآباء أن يجعلوا من موسِمِ الدّخولِ المدرسيّ موعداً للانقطاعِ عن المسجدِ، فإنّ ذلك من أعظمِ الأغلاطِ ، ومظاهرِ الجنايةِ على الأولاد، وعلى مستقبلهم في الدّنيا والآخرة.

4- من واجبه: أن يُوجِّهَ أولاده إلى الرُّفقَة الصّالحة فإنّ " الطّبع لصّ "، و(( المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ))، فينهَى الولدَ عن مخالطةِ المنحرفين، والمدخّنين، والمهمِلين، وغيرِ الجادّين.

5- ومن واجب الآباء: تحذيرُ أولادِهم ذكوراً وإناثا من تضييعِ الصّلاة بحجّة الدّراسة؛ لأنّ الصّلاة أهمُّ، وإنّهم يأثمون لإخراجها عن وقتها، وقد قال تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}.

وأخيرا نقول المربِّي مستأمَنٌ على عقيدة ولده، وعلى أخلاقه قبل أيّ شيء آخر ،قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )) [متّفق عليه].

المشاهدات 882 | التعليقات 0