عامٌ جديدٌ وحياةٌ جديدةٌ

عنان عنان
1435/12/27 - 2014/10/21 11:05AM
( عامٌ جديدٌ وحياةٌ جديدةٌ )

( الخُطبةُ الاولى )

فأمَّا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فَمنِ اتقى اللهَ، وقاهُ، وأكرمَهُ بالسعادةِ وأولاهُ، ومَنْ أعرضَ عَنْ طَاعتهِ، خَسِرَ دُنياهُ وأُخْراهُ،
قَالَ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً( [الأحزاب: 70-71].

وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ وَلَكِـنَّ التَّقِـيَّ هُوَ السَّـعِيدُ

عِبادَ اللهِ: ها نحنُ نستودعُ عاماً قديماً، ونستقبلُ عاماً جديداً، فكيفَ أودعنا العامَ الماضي؟ هل أودعناهُ بصلاةٍ وصيامٍ وقيامٍ وذكرٍ وطاعةٍ؟ أم أودعناهُ بشهواتٍ وملذاتٍ ولهوٍ ولعبٍ وغفلةٍ ومتاعٍ بالزوالِ الفاني؟
الحقيقةُ لابُدَّ على كُلِّ مُسلمٍ يُحاسبُ نفسَهُ، وإنْ كانتْ الحقيقةُ مرةً في بَعضِ الاحيانِ،
ها هيَ السنةُ قدْ طَوَتْ صُحُفَها, وكلٌ منَّا سوفَ يرى عملَهُ,
قال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ { ال عِمران 30 }."
يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ : أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ . وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

عبِادَ اللهِ لقدْ رأيتُ الحياةَ تمضي مُسرعةً، ومُعظمُ أهلُها في غفلةٍ، ناسُ يأتونَ، وأخرونَ يرحلونَ، أرحامٌ تدفعُ، وأرضٌ تبلعُ، والناسُ في غفلةٍ، لا يَستيقظونَ إلَّا عندَ معاينةِ الموتِ وسكراتهِ، أحبتي إنَّ الحياةَ عل ظهرِ هذه الحياةِ، موقوتةٌ محددةٌ، وسوفَ تأتي النهايةُ حتماً، سيموتُ الصالحونَ والطالحونَ، وسيموتُ القاعدونَ، وسيموتُ الابطالُ المجاهدونَ،سيموتُ أصحابُ الهممِ العاليةِ، وسيموتُ التافهونَ الذينَ لا يَعيشونَ إلَّا مِنْ أجلِ شهواتِ الفروجِ والبُطونِ،
قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: القبرُ أولُ منازلَ الاخرةِ. {رواه الترمذي وحسنه الالباني}." فدارُنا أمامُنا وحياتُنا هيَ التي بعدَ موتنا،
يا بنَ أدم، أنتَ الذي خلقتك أُمُكَ باكياً والناسُ مِنْ حولِكَ يضحكونَ سروراً،ـ فاعمل لنفسكَ أنْ تكونَ إذا بكوا في يومِ موتِكَ ضاحكاً مسروراً.
قرأ أحدُ السلفِ هذهِ الايةَ، أفرءيتَ إنْ متعناهم سِنينَ ثُمَّ جاءهم ما كانوا يوعدونَ ما أغنى عنهم ما كانوا يُمتعونَ، فبكى وقال:
يا بنَ العشرينَ كمْ ماتَ مِنْ أقرانكَ وتخلفتْ؟
يا بنَ الثلاثينَ أدركتَ الشبابَ فما تأسفتْ؟
يا بنَ الاربعينَ ذهبَ الصِبى وأنتَ على اللهوِ قدْ عَكفتْ
يا بنَ الخمسينَ أنتَ زرعٌ قدَّمَ حصادَهُ ولقدْ تَنَصَّفتَ لِلمئةِ فما أنصفتْ
يا بنَ الستينَ هيا إلى الحسابِ فأنتَ على مُعتركِ المنايا قدْ أشرفتْ
يا بنَ السبعينَ ماذا قَدَّمتَ وماذا أخرت؟
يا بنَ الثمانينَ لا عُذرَ لكَ فقدْ أُعذرتْ."
واللهِ مَنْ حملَ نعشاً اليومَ، سياتي يومٌ ويُحملُ هوَ عليهِ، ومَنْ دخلَ المقبرةَ زائراً، سياتي يومٌ ولنْ يَخرجَ منها، وَمنْ عادَ إلى بيتهِ اليومَ، سياتي يومٌ ولنْ يعودَ إليه. كانَ عُمرُ بنَ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ يقول: كُلُّ يومٍ يقولونَ ماتَ فلانٌ وماتَ فلانٌ، وسيأتي يومٌ ويقولونَ ماتَ عُمرٌ، وماتَ عُمرٌ، وأنتَ على هذا الطريقِ تسيرُ، وأنتَ على هذا الطريقِ تَسيرُ.

عِبادَ اللهِ: كيفَ نستقبلُ العامَ الجديدَِ؟
مِنْ سُننِ اللهِ الكونيةِ، إختلافُ الليلِ والنهارِ، وتعاقبُ الشهورِ والاعوامِ، وأنَّ كُلَّ يوماً يَمرُ على الانسانِ، هو جُزءٌ مِنْ حياتهِ، سيكونُ شاهداً له أو عليهِ،
قال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {التوبة 36}."
السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ : ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ " {رواه البخاري}."
قالَ قتادةٌ في تفسيرِ هذه الايةِ: اعلموا أنَّ الظُلمَ في الاشُهرِ الحُرمِ، أعظمُ خطيئةً ووزراً، وإنْ كان الظلمُ في كُلِّ حائلٍ غيرُ طائلٍ، ولكنَّ اللهَ يُعظِّم مِنْ أمرهِ ما يشاءُ ربُّنا تعالى.
ويقولُ القرطبيُّ رحمه اللهُ: خَصَّ اللهُ تعالى الاربعةَ الاشهرَ الحرم، ونهى عَنِ الظُلمِ فيهنَّ، تَشريفاً لها." فعظموا ما عظَّمَ اللهُ، يرحمكمُ اللهُ،

كيفَ نَستقبلُ العامَ الجديدَ؟
لقدْ علَّمنا النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كيفَ نستقبلُ الشُهورَ والاعوامَ، فكانَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا رأى الهلالَ قالَ: (( اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ )) {رواه الترمذي}."
فالامنُ والايمانُ مقرونانِ، بحيثُ لا يتحققُ الامنُ إلّا بالايمانِ، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ {الانعام82}."
وللحفاظِ على الامنِ، هناكَ أسبابٌ لابدَّ أن نفعلها كي يتحققَ لنا الامنُ،
أولا: اجتنابُ الشركِ، قال تعالى: إنَّ الشرك لظلمٌ عظيمٌ، فالشركُ يمحقُ البركاتِ، وينتجُ الهلاكَ والبوارَ في المجتمعِ.
ثانيا: إجتنابُ المعاصي قال تعالى: إنَّ اللهَ لا يُغيرُ ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم. ويقول تعالى: وما أصابكم مِنْ مُصيبةٍ فبما كسبتْ أيديِكم ويعفو عَنْ كثيرٍ.
ثالثا: شُكرُ اللهِ تعالى، وعدمُ الكُفرانِ بأنعمهِ، قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ."
فإذا كانَ الامنُ في المجتمعِ، فكأنَّما يزرعُ زهوراً، فتقامُ الصلاةُ، وتُعمرُ المساجدُ، وتنتشرُ المصالحُ، ويعيشُ الناسُ في دعةٍ وراحةٍ ورغدٍ وسعادةٍ،
أمَّا إذا سُلبَ الامنُ مِنَ المجتمعِ، فسوفَ تتعطلُ المصالحُ، وتنتشرُ الفتنةُ بِكثرةٍ، وينتشرُ السفكُ والقتلُ، وتتشتْ أمورُ الناس، ويعيشُ الناسُ في همٍّ وغمٍ وتعبٍ ونصبٍ ومشقةٍ.

كيفَ نستقبلُ العامَ الجديد؟
نستقبلُهُ بالتوبةِ النصوحةِ الخالصةِ للهِ عزَّ وجلَّ، فلا نترددُ بالرجوعِ إلى اللهِ ،مهما لوثتنا الذنوبُ والخطايا، فالذي سترك وانتَ سقفِ المعصيةِ، لنْ يفضحكَ تحتَ جناحِ التوبةِ، اعلمْ بارك اللهُ فيك، إنَّ للتوبةِ باباً ،عَرضُ ما بينَ مِصراعيهِ، كما بينَ المشرقِ والمغربِ، وفي روايةٍ، مسيرةُ أربعينَ سنةً، لا يُغلقُ حتى تطلعَ الشمسُ مِنْ مغربها،
فالبابُ مفتوحٌ، فهلَّا أقبلتْ؟ إعلم باركَ اللهُ فيكَ، إنَّ اللهَ نادى فقالَ: يا عبادي إنكم تُخطئونَ بالليلِ والنهارِ، فاستغفروني أغفرْ لكمْ، ولقدْ سَمعتَ النداءَ، فهلَّا استغفرت؟ إعلمْ باركَ اللهُ فيكَ، إنَّ اللهَ يبسطُ يدَهُ بالليلِ، ليتوبَ مُسيءُ النهارِ، ويبسطُ يدَهُ بالنهارِ، ليتوبَ مُسيءُ الليلِ، واللهُ يُحبُّ الاعتذارَ، فهلَّا أقبلتَ وأعتذرت؟
إعلم باركَ اللهُ فيكَ، إنَّ اللهَ يغفرُ الذنوبَ جمعياً حتى الشركَ في الدنيا، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر53}."
وقال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ." ففتحَ اللهُ بابَ التوبةِ حتى للكافرينَ، الذينَ أشركوا بهِ وجحدوا
فتوبوا إلى اللهِ، وأعزموا أنْ لا تَعودوا إلى الذنوبِ والخطايا، وأنْ لا تَصروا عليها، فَمِنْ صِفةِ المؤمنينَ إذا أذنبوا، فإنَّهم لا يُصرونَ على الذنبِ،
كما قالَ ربُّهم عنهم: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ {ال عمران135}."
قالَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ: هذه الايةُ لأهلِ المعاصي، خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها.

كيفَ نستقبلُ العامَ الجديدَ؟
نستقبلُهُ بمحاسبةِ النفسِ، قالَ عمرٌ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ: حاسبوا أنفسَكم قبلَ أنْ تُحاسبوا، وزنوا أعمالَكم قبلَ أنْ توزنَ عليكم."
وقالَ الحسنُ البصري رحمهُ اللهُ: لا تَلقى المؤمنَ إلّا يُحاسبُ نفسَهُ، ماذا أردتِ أنْ تعملي؟ ماذا أردتِ أنْ تأكلي؟ وماذا أردتٍ أنْ تشربي؟ والفاجرُ يمضي قدماً، ولا يُحاسبُ نفسَهُ.
قالَ ميمونٌ بنُ مِهرانَ: لا يكونُ العبدُ تقياً، حتى يكونَ لِنفسهِ أشدَّ محاسبةٍ مِنَ الشريكِ لِشريكهِ، ولهذا قيل: إنَّ النفسَ كالشريكِ الخوانِ، إنْ لمْ تُحاسبُهُ ذهبَ بِمالكَ."

كيفَ نستقبلُ العامَ الجديدَ؟
نستقبلُهُ بالمحافظةِ على الصلاةِ في أوقاتها، ونأتي بأركانها وسننها وواجباتها، على أكملِ وجهٍ ،كما أمرنا اللهُ سبحانهُ وتعالى،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ وَفِي حَدِيثِ بَكْرٍ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ؟ قَالُوا : لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ، قَالَ : فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا " . {رواه مسلم}
وقالَ سعيدٌ بنُ المسيبِ رحمهُ اللهُ: من حافظَ على الصلواتِ الخمسِ في جماعةٍ، فلقدْ ملأ البَرُ والبَحرُ عِبادةً."

كيفَ نستقبلُ العامَ الجديدَ؟
نستقبلُهُ بأنْ نجعل لنا نصيباً مِنَ كُلِّ شهرٍ أنْ نصومَ به للهِ عزَّ وجلَّ، وأقلها ثلاثةُ أيامٍ مِنْ كُلِّ شهرٍ،،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا . {رواه مسلم}
وشهرُ محرمٍ مِنْ أفضلِ الشهورِ لِصيامِ فيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ {رواه مسلم}."

كيفَ نستقبلُ العامَ الجديدَ؟
نستقبلهُ بإنْ نُجاهدَ أنفسَنا على قيامِ الليلِ، ولو ركعةٌ واحدةٌ، فالعبرةُ ليستْ بكثرةِ الطاعةِ، إنَّما العبرةُ مِنَ المداومةِ على الطاعةِ، واللهٌ عزَّ وجلَّ يُحبُّ مِنَ العملِ أدومَهُ، عَنْ سَمُرَةَ ، قَالَ : " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ مَا قَلَّ أَوْ أَكْثَرَ , وَأَنْ نَجْعَلَ ذَلِكَ وَتْرًا " .{رواه الطبراني}.
وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ." {رواه الترمذي وحسنه الالباني} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ." {رواه مسلم}."

كيفَ نستقبلُ العامَ الجديدَ؟
نستقبلُهُ بالمحافظةِ على سُننِ الرواتبِ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ." {رواه مسلم}."

كيفَ نستقبلُ العامَ الجديدَ؟
نستقبلُهُ بالمحافظةِ على صلاةِ الضُحى، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: " فِي الْإِنْسَانِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ مَفْصِلًا ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهُ بِصَدَقَةٍ " ، قَالُوا : وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ؟ قَالَ : " النُّخَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ تَدْفِنُهَا ، وَالشَّيْءُ تُنَحِّيهِ عَنِ الطَّرِيقِ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ ; فَرَكْعَتَا الضُّحَى تُجْزِئُكَ " {رواه ابو داود}."
وسُئلتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها كمْ كانَ يُصلي النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الضُحى؟ قالتْ: أربعُ ركعاتٍ ويزيدُ ما شاءُ." {رواه مسلم}."


باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرءانِ العظيمِ، ونفعني اللهُ وإياكمْ بما فيهِ مِنَ الاياتِ والذِكرِ الحكيم، أقولو قولي هذا، واستغفرُ اللهَ لي ولكمْ، فاستغفروا وتوبوا إليهِ، إنَّهُ هو التوابُ الرحيمُ."

( الخطبةُ الثانيةُ )

كيفَ نستقبلُ العامَ الجديد؟
نستقبلُهُ بالمداومةِ على الاستغفارِ، قال تعالى: {فَاعلَم أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ واستَغفِر لِذَنبِكَ وِلِلمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ}محمد: 19.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ " {رواه مسلم}
وقالَ شيخُ الاسلامِ بنُ تيميةٍ رحمهُ اللهُ: الاستغفارُ يُخرجُ العبدَ مِنَ الفعلِ المكروهِ إلى الفعلِ المحبوبِ، ومِنَ الفعل الناقصِ إلى الفعلِ التَّامِ، ويرفعُ مقامَ العبدِ مِنَ الادنى إلى أعلى منه.
وقال لُقمانُ لابنهِ: يا بني إنَّ لله نفحاتٍ لا يُصيبها إلّا مُستغفرٌ."

كيفُ نستقبلَ العامَ الجديدَ؟
نستقبلُهُ بالاكثارِ مِنْ فعلِ الحسناتِ، أن نطرحَ السلامَ على مَنْ نَعرفُ وعلى مَنْ لا نَعرفُ، وأنَّ نُكثرَ مِنَ الصدقاتِ، وأنَّ نغيثَ اللهفانَ وننصرَ المظلومَ ونأمُرَ بالمعروفِ وننهى عَنِ المنكرِ، ولا نحقِرنَّ مِنَ المعروفِ شيئاً وإن لقينا أخانا بوجهٍ طَلقٍ-اي مبتسم-،
قال تعالى: إنَّ الحسناتِ يُذهبنَ السيئاتِ."
وقالَ ابن عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما: إنَّ للحسنةِ نوراً في القلبِ، وضياءً في الوجهِ، وقوةً في البدنِ، وسعياً في الرزقِ، ومحبةً في قلوبِ الخلقِ،
وإنَّ للسيئةِ ظلمةً في القلبِ، وسودةً في الوجهِ، ووهناً في البدنِ، ونقصاً في الرزقِ، وبغضةً في قلوبِ الخلقِ."
وقالَ ميمونٌ بنُ مِهرانَ: لا خيرَ في الحياةِ، إلّا لتائبٍ أو رجلٍ يعملُ في الاعمالِ الصالحةِ."

كيفَ نستقبلُ العامَ الجديدَ؟
نستقبلُهُ بإنَّ نُجاهدَ أنفسنا، لنزيلَ الحسدَ والحقدَ والغلَ والضغنَ والشحنَ مِنْ قلوبِنا، حتى نكونَ مِنْ أفضلِ وخيرِ الناسِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ " , قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ , فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ , قَالَ : " هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ , لَا إِثْمَ فِيهِ , وَلَا بَغْيَ , وَلَا غِلَّ , وَلَا حَسَدَ " .{رواه ابن ماجة}
وعلينا أن نصالحَ إخوانَنَا، ومَنْ كانتْ بينه وبين أخيه شحناءُ وبغضاءُ فليصالحُهُ ويعفو عنه، حتى يرحمنا اللهُ، ويغفرَ لنا،
قال تعالى: إنَّما المؤمنون إخوةٌ فأصلحوا بينَ أخويكم لعلكم تُرحمونَ." أي كأنَّ اللهَ يقولُ لنا لنْ أرحمكم، حتى يرحمَ بعضُكم بعضاً."
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا".{رواه مسلم}."

كيف نستقبلُ العامَ الجديدَ؟
أنْ نَصلَ أرحامَنَا، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الرحمُ معلقةٌ بالعرشِ تقولُ مَنْ وصلني وصلَهُ اللهُ ومَنْ قطعني قطعَهُ اللهُ." {متفقٌ عليهِ}."

كيفَ نستقبلُ العامَ الجديدَ؟
نستقبلُهُ بالمواظبةِ على قرءاةِ القرءانِ، وفهمهِ، وتدبرِهِ، وتفسيرِهِ، وتلاوتِهِ، فليسَ مِنْ هجرِ القرءانِ تلاوتُهُ، بلْ مِنْ هجرِ القرءانِ، هوَ هجرُ تفسيرهِ وتدبرهِ وفهمهِ وعدمِ العملِ بِهِ."
قال تعالى: وقالَ الرسولُ ياربِّ إنَّ قومي اتخذوا هذا القرءانَ مهجوراً."
وأفضلُ العلومِ هيَ علومُ القرءانِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَيرُكُمْ مَنْ تعلَّمَ القرءانَ وعلَّمَهُ." {متفقٌ عليهِ}."
وأهلُ القرءانِ هم أهلُ اللهِ وخاصتُهُ، كما أخبر بِذلك النبيُ صلى الله عليه وسلم."

كيفَ نستقبلُ العامَ الجديد؟
نستقبلُهُ بمصاحبةِ الصالحينَ، وهُجرانِ إخوانِ السوءِ، فَمنْ أسبابِ الوقوعِ في الذنبِ والخطايا، والانغماسِ في الحياةِ الدنيا، أصحابُ السوءِ
قالَ شقيقٌ البلخي: علامةُ التوبةِ، البُكاءُ على ما سلفَ، والخوفُ مِنَ الوقوعِ في الذنبِ، وهُجرانُ إخوانِ السوء، وملازمةُ الاخيارِ."
وعليكمْ بمجالسةِ الصالحينَ، فهيَ منفعةٌ للقلبِ، وتزيدُ الايمانياتِ والخشوعَ في القلبِ،
قالَ ابنُ القيمِ رحمهُ اللهُ: مجالسةُ الصالحينَ تُحولكَ مِنْ سِتٍ إلى سِتٍ، مِنَ الشكِّ إلى اليقينِ، ومِنَ الغفلةِ إلى الذكرِ، ومنَ الرغبةِ في الدنيا إلى الرغبةِ في الاخرةِ، ومِنَ النفاقِ إلى الرياء، ومِنَ التواضعِ إلى الكِبر، ومِنْ سوءِ النيةِ إلى النَّصحية."

اللهمَّ اعنا على ذِكركَ وشُكركَ وحُسنِ عِبادتك."
اللهمَّ وفقنا لِطاعتكَ وطاعةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وطاعةِ مَنْ أمرتنا بِطاعتهِ: يايها الذين امنوا أطيعولَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمرِ منكم."
وصلَّ اللهمَّ وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى ألهِ وأصحابهِ وسلِّم تسليماً كثيراً."
المرفقات

574.doc

المشاهدات 2061 | التعليقات 0