عالم الملائكة
راكان المغربي
1442/07/27 - 2021/03/11 19:21PM
أما بعد:
ركن متين من أركان الإيمان، امتدح الله أهله الذين ءامنوا به وصدقوه..
وما دام وصف بأنه ركن فذلك يعني أن الإيمان يقوم عليه، ويشتد عوده به، وكلما رسخ الركن انعكس ذلك على قوة الإيمان وتجذره في القلب..
ذلكم الركن هو الإيمان بالملائكة.. قال الله سبحانه مثنيا على الرسول والمؤمنين: (ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ)
وعالم الملائكة عالم عجيب، وهو من علم الغيب الذي لا نعلمه إلا بخبر عن الله ورسوله..
ولكن هذا العالم الغيبي له تأثيرات كبيرة على حياتنا في الدنيا والآخرة..
واليوم سنقف مع بعض أوصاف هذا العالم العجيب وعلاقتنا به، تعميقا للإيمان بهذا الركن المتين..
أما أصل خلقهم فيقول النبي ﷺ: (خلقت الملائكة من نور, وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم)
وهم خلق عظيم من خلق الله، قال ﷺ في وصف ملك من حملة العرش: ) أُذِنَ لي أنْ أُحدِّثَ عن ملَكٍ من حملةِ العرشِ ، إن ما بين شحمةِ أُذُنَيْه و عاتِقِه خَفَقانُ الطيرِ سبعَمائةِ عامٍ ، يقولُ ذلك الملَكُ سبحانك حيث كنتَ)
وأما أعدادهم فلا يعلمها إلا الخلاق العليم (وَمَا یَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ)
ومن عجيب ما جاء في أعدادهم ما قال النبي ﷺ: (البيتُ المعمُورُ في السماءِ السابعةِ، يدخُلُه كلَّ يومٍ سبعونَ ألْفَ ملَكٍ ، ثمَّ لا يَعودُونَ إليه حتى تقومَ الساعةُ)
وهم خلق مسخر لعبادة الله (لَّا یَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَاۤ أَمَرَهُمۡ وَیَفۡعَلُونَ مَا یُؤۡمَرُونَ)
وقال سبحانه: (وَلَهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا یَسۡتَحۡسِرُونَ ١٩ یُسَبِّحُونَ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا یَفۡتُرُونَ)
يقول النبي ﷺ: (أتَسمعون ما أسمعُ ؟ إني لأَسمعُ أطيطَ السماء – والأطيط صوت الرحال إذا ثقل عليها الركبان - و ما تُلامُ أن تَئِطَّ، و ما فيها موضعُ شبرٍ إلا و عليه ملَكٌ ساجدٌ أو قائمٌ)
وهم مع كل تلك العظمة والعبادة يذلون لله ويخشونه، قال سبحانه: (بَلۡ عِبَادࣱ مُّكۡرَمُونَ ٢٦ لَا یَسۡبِقُونَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ وَهُم بِأَمۡرِهِۦ یَعۡمَلُونَ ٢٧ یَعۡلَمُ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا یَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡیَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ)
يقول النبي ﷺ واصفا حال جبريل بين يدي الله وهو الذي جاء في وصفه أن له ست مائة جناح كل جناح منها يسد الأفق، يقول: (مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى, وجبريل كالحلس البالي من خشية الله) والحلس : كساء يبسط في أرض البيت.
تلك بعض أوصاف الملائكة، وأما علاقتهم بنا وتأثيراتهم على حياتنا..
فالملائكة هم الموكلون من الله بنفخ الروح والتصوير الأول، يقول النبي ﷺ: (إذا مرَّ بالنطفةِ ثنتان وأربعون ليلةً ، بعث اللهُ إليها ملَكًا . فصوَّرها وخلق سمعَها وبصرَها وجلدَها ولحمَها وعظامَها)
وهم الذين يحرسون بني آدم من الأشرار بأمر الله كما قال سبحانه: (﴿سَوَاۤءࣱ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّیۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ ١٠ لَهُۥ مُعَقِّبَـٰتࣱ مِّنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ یَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ)
كما أن الملائكة يحركون بواعث الخير في نفوس العباد، يقول النبي ﷺ: (إنَّ للشيطانِ لَمَّةً بابنِ آدمَ ، وللمَلَكِ لَمَّةً ، فأما لَمَّةُ الشيطانِ ، فإيعادٌ بالشرِّ ، وتكذيبٌ بالحقِّ ، وأما لَمَّةُ المَلَكِ ؛ فإيعادٌ بالخيرِ ، وتصديقٌ بالحقِّ ، فمَن وجد ذلك ، فلْيَعْلَمْ أنه من اللهِ ، فلْيَحْمَدِ اللهَ ، ومَن وجد الأخرى ، فلْيَتَعَوَّذْ باللهِ من الشيطانِ ، ثم قرأ) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا))
والملائكة يسجلون أعمال العباد (إِذۡ یَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّیَانِ عَنِ ٱلۡیَمِینِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِیدࣱ ١٧ مَّا یَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَیۡهِ رَقِیبٌ عَتِیدࣱ)
وحين يعمل المؤمن السيئة فإنهم لا يكتبونها مباشرة ويمهلونه لعله يستغفر منها، قال النبي ﷺ: (إنَّ صاحبَ الشمالِ ليرفعُ القلمَ ستّ ساعاتٍ عن العبدِ المسلمِ المخطىءِ ، فإن ندِم و استغفر اللهَ منها ألقاها ، وإلا كُتِبَتْ واحدةٌ)
وهم يحبون أحباب الله ويبغضون من يبغضهم الله، قال النبي ﷺ: (إنَّ اللهَ ، إذا أحبَّ عبدًا ، دعا جبريلَ فقال : إنِّي أحبُّ فلانًا فأحِبَّه. فيُحبُّه جبريلُ . ثمَّ يُنادي في السَّماءِ فيقول: إنَّ اللهَ يُحبُّ فلانًا فأحِبُّوه . فيُحبُّه أهلُ السَّماءِ . ثمَّ يُوضعُ له القَبولُ في الأرضِ . وإذا أبغض عبدًا دعا جبريلَ فيقولُ : إنِّي أُبغِضُ فلانًا فأبغِضْه . فيُبغضُه جبريلُ . ثمَّ يُنادي في أهلِ السَّماءِ : إنَّ اللهَ يُبغِضُ فلانًا فأبغِضوه . فيُبغِضونه . ثمَّ تُوضعُ له البغضاءُ في الأرضِ)
وكما أن الملائكة يدعون للمؤمنين ويستغفرون لهم
فلهم دعاء للتائبين (الَّذِینَ یَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ یُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَیُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَیَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۖ رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَیۡءࣲ رَّحۡمَةࣰ وَعِلۡمࣰا فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِینَ تَابُوا۟ وَٱتَّبَعُوا۟ سَبِیلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِیمِ ٧ رَبَّنَا وَأَدۡخِلۡهُمۡ جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِی وَعَدتَّهُمۡ وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَاۤىِٕهِمۡ وَأَزۡوَ ٰجِهِمۡ وَذُرِّیَّـٰتِهِمۡۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ٨ وَقِهِمُ ٱلسَّیِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّیِّـَٔاتِ یَوۡمَىِٕذࣲ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ ٩)
ولهم دعاء لأهل المساجد كما قال ﷺ: (إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول)، وقال: (والملائِكةُ يصلُّونَ علَى أحدِكم ما دامَ في مجلسِه الَّذي صلَّى فيهِ ويقولونَ اللَّهمَّ اغفر لَه اللَّهمَّ ارحمهُ اللَّهمَّ تب عليهِ ما لم يؤذِفيهِ أو يُحدث فيهِ)
ولهم دعاء لمعلمي الناس الخير، قال ﷺ: (إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وملائِكتَهُ، و أهلَ السمواتِ والأرضِ ، حتى النملةَ في جُحْرِها ، وحتى الحوتَ ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ)
ولهم دعاء لمن يعود المريض، قال ﷺ: (ما مِنْ مسلِمٍ يعودُ مسلمًا غَدْوَةً ، إلَّا صلَّى عليه سبعونَ ألفَ ملَكٍ حتى يُمْسِيَ ، وإِنْ عادَهُ عشِيَّةً صلَّى علَيْهِ سبعونَ ألفَ ملَكِ حتى يُصْبِحَ ، وكانَ لَهُ خريفٌ في الجنةِ)
وغير ذلك مما لا يتسع المقام لذكره، وأثر كل تلك الدعوات ما قاله الله سبحانه: (هُوَ ٱلَّذِی یُصَلِّی عَلَیۡكُمۡ وَمَلَـٰۤىِٕكَتُهُۥ لِیُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَحِیمࣰا)
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
ومن جميل ما جاء في الملائكة أنهم يتلمسون مجالس الذكر ويشهدونها ويحفونها، ولعل مجلسنا هذا يكون منها فتحفنا الملائكة وتشهد لنا عند ربنا فيكرمنا بكرمه وفضله..
يقول النبي ﷺ: (إنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ في الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ الذِّكْرِ، فإذا وجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنادَوْا: هَلُمُّوا إلى حاجَتِكُمْ قالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بأَجْنِحَتِهِمْ إلى السَّماءِ الدُّنْيا قالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وهو أعْلَمُ منهمْ، ما يقولُ عِبادِي؟ قالوا: يقولونَ: يُسَبِّحُونَكَ ويُكَبِّرُونَكَ ويَحْمَدُونَكَ ويُمَجِّدُونَكَ قالَ: فيَقولُ: هلْ رَأَوْنِي؟ قالَ: فيَقولونَ: لا واللَّهِ ما رَأَوْكَ؟ قالَ: فيَقولُ: وكيفَ لو رَأَوْنِي؟ قالَ: يقولونَ: لو رَأَوْكَ كانُوا أشَدَّ لكَ عِبادَةً، وأَشَدَّ لكَ تَمْجِيدًا وتَحْمِيدًا، وأَكْثَرَ لكَ تَسْبِيحًا قالَ: يقولُ: فَما يَسْأَلُونِي؟ قالَ: يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ قالَ: يقولُ: وهلْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ يا رَبِّ ما رَأَوْها قالَ: يقولُ: فَكيفَ لو أنَّهُمْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لو أنَّهُمْ رَأَوْها كانُوا أشَدَّ عليها حِرْصًا، وأَشَدَّ لها طَلَبًا، وأَعْظَمَ فيها رَغْبَةً، قالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قالَ: يقولونَ: مِنَ النَّارِ قالَ: يقولُ: وهلْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ يا رَبِّ ما رَأَوْها قالَ: يقولُ: فَكيفَ لو رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لو رَأَوْها كانُوا أشَدَّ مِنْها فِرارًا، وأَشَدَّ لها مَخافَةً قالَ: فيَقولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أنِّي قدْ غَفَرْتُ لهمْ قالَ: يقولُ مَلَكٌ مِنَ المَلائِكَةِ: فيهم فُلانٌ ليسَ منهمْ، إنَّما جاءَ لِحاجَةٍ. قالَ: هُمُ الجُلَساءُ لا يَشْقَى بهِمْ جَلِيسُهُمْ)
فسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، ءامنا بك وصدقناك، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار..
عباد الله
(إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا)