عاقبة المجاهرة بالمنكرات
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... خُلق ذميم، ووصف قبيح، وذنب كبير، يدل على ضعف الإيمان، وقسوة القلب، وقلة الأدب، وانخرام المروءة، وانعدام الخوف والحياء من الله... من ابتلي به هتك ستر الله عليه، فخسر في دنياه وفي أخراه؛ إنها المجاهرة بالمعاصي والمنكرات. بلية عُظمى، ورَزية كُبْرَى؛ أن يتبجّحَ المرء بمعصيته لله عز وجل، ويُعلنها صريحة مدوية بلسان حاله ومقاله، ناسياً أو متناسياً حق الله وفضله عليه. فالمجاهرة بالمعاصي والمنكرات: أن يرتكب الشّخص الإثم علانية، ويقع في المعصية جهارا، أمام أعين الناس وأنظارهم، بدون حياء ولا خجل. وربَّما يرتكبَ المرء المعصية سرّا فيسترُه الله عزّ وجلّ، ولكنّه يُخبرُ الناس بما ارتكبه من الذنب والإثم، مستهينًا بستر الله له.
عباد الله ... المجاهرة بالمعاصي داء انتشر بين الناس في هذا الزمان؛ فنحن في زمن أصبحت فيه المعصية وسيلة للتفاخر وإظهار الشجاعة والبطولة عند كثير من الناس، يرتكبون المنكرات أمام أعين الناس ويفتخرون بها، ويتحدثون بها في مجالسهم ومنتدياتهم، وكأنها رمز للتقدم والرفاهية والسعادة، وما هي إلا انتكاسة وسقوط وخزي وخسران وندامة.
انتشرت الإعلانات عن حفلات غنائية وحضور فرق موسيقية وفتح قاعات عرض للأفلام بما يُسمَّى بالسينما، وهدايا وجوائز لأول عائلة تحضر المباريات. ولقد ساهم الإعلامُ الهابط في تدني قِيَم الإسلام وآدابه وأخلاقه في قلوب الأجيال والمجتمع المسلم.
انتشرت الفواحش والعلاقات المحرمة بين الذكور والإناث في الطرقات بلا حياء ولا خجل، كلام فاحش ساقط تسمعه في كل مكان، ومشاهد مخزية من تبرج وسفور النساء وتخنث الرجال.
منكرات ظاهرة، ومعاصي معلنة، يفتخر بها كثير من الناس، ويتبجحون بها، ويَدْعون إليها.. وهذا ما أخبر به النبي ﷺ.
وربنا سبحانه وتعالى يقول ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ).
المجاهرة بالمعاصي والمنكرات كبيرة من أعظم الكبائر وأخطرها؛ فمِنْ أعظم الظلمِ أن يُسيءَ المرْءُ إلى من أحسن إليه، وأن يعصيه في أوامره، وأن يخالف تعاليمه.. ويزدادُ هذا القبحُ وذاك الظلمُ حين يُعلن المرءُ مخالفته ويُجاهر بها، ولا يبالي ولا يخاف ولا يستحي من ربه الذي يراه ويسمعه، وهو الذي أحسن إليه وجاد عليه وتكرّم وتفضل سبحانه.
بالمجاهرة بالمعاصي يكشف المرء ستر الله عليه، ويُعرّض نفسه لسخط الله وغضبه وعقابه؛ فلا يزال المرء في سلامة وعافية مادام أنه يذنب ويتوب إلى الله، ما لم يُجاهِرْ ويفاخرْ بمعصيته وذنبه؛ قال رسول الله ﷺ ( كل أمتي مُعافى إلا المُجاهرين، وإنّ من المُجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان؛ عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه ).
عباد الله ... في المجاهرة بالمعاصي دعوة للناس إلى الوقوع فيها واستصغارها والاستهانة بها؛ فحين ترتكبُ المعاصي أمام أعين الناس ويُداوم أصحابُها على ارتكابها، يألفها الناس ويستصغرونها ويحتقرونها حتى تشيع وتنتشر، فيصعُبُ على المصلحين تغييرها وإزالتها، وقد توعّد الله تعالى من يسعى إلى نشر الفاحشة والمنكر بين الناس بالعذاب في الدنيا والآخرة ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبّونَ أنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) والذي يدعو الناس بحاله أو مقاله إلى الوقوع في المعصية، يتحمّلُ مثلَ أوزار من تأثر بدعوته واقتدى بأفعاله، إضافة إلى وزره وإثمه. قال رسول الله ﷺ ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا ).
المجاهرة بالمعاصي والمنكرات سبب في الدمار والهلاك؛ وهذه سنة الله تعالى في الأولين والآخرين، فما أعلن قوم المنكرَ وتجرّؤوا على الله بالمعاصي وتبجّحوا بها إلا وأهلكهم الله وقضى عليهم ودمّرَهم، ليستريحَ المستضعَفون من شرّهم، وليكونوا عبرة لمن يأتي من بعدِهم... والمتأمّلُ في سِيَر الغابرين والأقوام السالفين يجد ذلك جلياً واضحاً، فما الذي أغرق قوم نوح بالطوفان؟ وما الذي أهلك عادا بريح صرصر عاتية؟ وما الذي أهلك ثمود بالصاعقة؟ وما الذي قلب على قوم لوط ديارَهم وأمطرَها بالحجارة من السماء؟ وما الذي أغرَق فرعون وجنده في اليمّ؟.... إنها المعاصي والمجاهرَة بها والتفاخرُ بها.
عن زينب بنت جحش زوج النبي ﷺ قالت: استيقظ النبي ﷺ من نومه وهو مُحْمَرّ وجْهُه وهو يقول ( لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب؛ فتح اليوم من رَدْمِ يأجوج ومأجوج مثل هذا ) وَحَلق، قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال ( نعم، إذا كثر الخبَث ) وما أكثر الخبث في زماننا هذا. قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: كان يقال: إنّ الله تبارك وتعالى لا يعذّب العامّة بذنب الخاصّة، ولكن إذا عُمِلَ المنكرُ جهارًا استحقّوا العقوبة كلّهم.
أضرارٌ كثيرة، ومخاطرُ جسيمة، نتيجةَ المجاهَرَةِ بالمعاصي والمنكرات. اسأل الله تعالى أن يجنِّب العباد والبلاد الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن لا يؤاخذ العباد والبلاد بما فعل السفهاء.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... إن كثيرًا من تلك الوسائل التي تساهم في تدمير الشباب والمجتمع المسلم، لا بد من الوقوف أمام إعصارها بقوةِ الإيمان والدِّين والأخلاق، فضلاً عن وجود الفطرة السوية القويمة داخل الشخصية المسلمة والعربية.
ولا بد من الوقوف أمام التيار الجارف من المد الانحرافي السلوكيِّ والقِيَمي في بلاد المسلمين، خاصة من أهل العلم والتقوى، وكذلك المسؤولون عن إدارة تلك الوسائل من القنوات والإذاعات والدوريات المقروءة من الصحف والمجلات وغيرها، عليهم أن يتقوا ربَّهم في أمتهم، ويتقوا ربهم فيما يقدِّمون من البرامج والبناء للمجتمع، إننا نريد المسؤول "المسؤول" بحقٍّ، الذي يعرف ماذا يقدِّم لأمته، وماذا يمنع عنها.
ولا بد من رَدْع هؤلاء المجرمين، وردع وسائل الإعلام المروِّجة لفتنهم وجرائمهم، وردعهم بالوسائل الشرعية؛ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الدعوة لإقامة العقوبات الشرعية عليهم، واتخاذ رفع أمرهم لأهل الأمانة والديانة والمسؤولية والرقابة عليهم؛ لأنهم يأخذون زمام المجتمعات إلى الإباحية والفواحش والمنكرات.
ولا بد من نشر القِيَم الإسلامية والسلوكية الصحيحة في تلك الوسائل، وتدعيمها من الذين يريدون الخير والبقاء والنَّصْر لهذه الأمة الأبية، وتوعية الشباب المسلم بخطورة هذه البرامج الخبيثة المشبوهة.
عباد الله ... تخلقوا بخلق الحياء والستر، حتى لا تشيعَ الفاحشة في المجتمع، وينتشرَ المنكر بين العباد، ويتجرّأ الناس على محارم الله عز وجل، قام رسول الله ﷺ بعد أن رَجَمَ الأسلمِيَّ فقال ( اجتنبوا هذه القاذورَة التي نهى الله عنها، فمَنْ ألمّ فليستترْ بستر الله، وليتبْ إلى الله، فإنه من يُبدِ لنا صفحته نقِمْ عليه كتابَ الله عز و جل ).
فَأَفِيقُوا - عِبَادَ اللَّهِ – واعلموا أن المعاصي نذير شؤم على المجتمعات والأفراد، واعلموا أ، صلاح البلاد والعباد إنما يكون بتقوى الله تعالى، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا بالغناء والمجون، ولا بمهرجان هنا أو هناك، ولا بحفل هذا أو ذاك، فعودوا إلى ربكم ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) وتحلوا بمكارم الأخلاق، وجميل الخصال ومَحاسن الفِعال، واجتنبوا مَساوئَ الأخلاق وقبيحَ الخصال، توبوا إلى ربكم من ذنوب تمنع نزول الغيث، وأقلِعوا عن مظالمَ تحجُبُ أبوابَ البركة، مُرُوا بالمعروف وانهوْا عن المنكر، وأصلحوا ذات بينكم، وأحسنوا تربية أبنائِكم وبناتكم، وتناصَحوا وتصافحوا، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا.
نسأل الله تعالى أن يغفر ذنوبنا وأن يستر عيوبنا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين.
عباد الله ... صلوا وسلموا ..