عَاقبةُ الدَعاوَى الكَيديةِ (مناسبة لتعميم الوزارة ) 1442/6/2هـ

يوسف العوض
1442/05/29 - 2021/01/13 06:20AM

الخطبة الأولى:

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إنَّ عَاقِبَةَ الظُّلمِ وَخِيمَةٌ فقد روى الإمامُ مسلمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَن اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: ( يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلَا تَظَالَمُوا ) وبَعْضُ ضِعَافِ النُّفُوسِ هَمُّه تَحْصِيلُ الْمَالِ بِأَيِّ طَرِيقٍ , وَلَو بِأُسْلُوبِ جَرْجَرَةِ النَّاسِ إلَى الْمَحَاكِم بِغَيْرِ وَجْهِ حَقّ , وَبَعْضُهُمْ لَا يُرِيدُ تَحْصِيلَ الْمَالِ وَإِنَّمَا التَّنْفِيسُ عَنْ حِقْدِه الدَّفِينِ تُجَاه هَذَا أَوْ ذَاكَ  حَتَّى أَصْبَحْت الْمُرَافَعَةُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَشْبَهَ بِالصَّنْعَةِ ، ومَنْ الظَّوَاهِرِ الَّتِي تَكثُرُ فِي أروقةِ الْمَحَاكِم والتِي لَا تَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ ، وَلَا تَحِلُّ للِمُؤْمِنٍ أَنْ تَقَعَ مِنْهُ فيَستغلَ قَدرتَه فِي المطالَبةِ ، ودُرْبَتَه فِي إجادةِ الِادِّعَاءِ فيدَّعِي الدَّعَاوَى الْكَاذِبَةَ ، الَّتِي لَا حقيقةَ لَهَا ، بَلْ هِيَ دَعَاوَى بِالْبَاطِل والزُّور ،وهي ظُلمٌ صَريحٌ مُحرمٌ قَالَ جَلَّ وَعَلَا : (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنِ ادَّعى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ منَّا ، وليتبَوَّأْ مقعدَه مِن النار ) رَوَاه مُسلمٌ . .

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : ومن عَاقبةِ الدَّعَاوى الكَيديةِ ما رَوَى الإِمامُ مُسلِمٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما أنَّ سعِيدَ بنَ زَيْدٍِ بْنِ عمْرو بْنِ نُفَيْلِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَاصَمتْهُ أرْوَى بِنْتُ أوْسٍ إلى مَرْوَانَ بْنِ الحَكَم، وَادَّعَتْ أنَّهُ أَخَذَ شَيْئاً مِنْ أرْضِهَا.

فَقَالَ سَعِيدٌ: أنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أرْضِها شَيْئاً بعْدَ الذي سمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَ: مَاذا سمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقُولُ: «مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأرْضِ ظُلْماً، طُوِّقَهُ إلى سبْعِ أرضينَ».

فَقَالَ لَهُ مرْوَانٌ: لا أسْأَلُكَ بَيِّنَةً بعْد هذا.

فَقَال سعيدٌ: اللَّهُمَّ إنْ كانَتْ كاذبِةً، فَأَعْمِ بصرهَا، وَاقْتُلْهَا في أرْضِهَا.

قَالَ: فَمَا ماتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، وبيْنَما هِي تمْشي في أرْضِهَا إذ وَقَعَتْ في حُفْرةٍ فَمَاتتْ.

ويَقولُ أَبُو بَكر بنُ حَزْمٍ: فَكُنَّا وَنَحنُ غِلمَانٌ نَسمَعُ الإِنسَانَ يَقُولُ للإِنسَانِ: أَعمَاكَ اللهُ كَمَا أَعمَى الأَروَى. أهــ.

وَلا عَجَبَ في ذَلِكَ، لأنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ». رواهُ الإمامُ البُخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. 

 الخطبة الثانية:

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : ومن عَاقبةِ الدَّعاوَى الكَيديةِ أيَضاً حديثٌ رَواه الإمامُ البُخاريُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْداً إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّاراً، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي.

فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي.

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا واللهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَأُخِفُّ فِي الْأُخْرَيَيْنِ.

قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ.

فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً ـ أَوْ رِجَالًا إِلَى الْكُوفَةِ ـ فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِداً إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ،وَيُثْنُونَ مَعْرُوفاً، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِداً لِبَنِي عَبْسٍ.

فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ، يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْداً كَانَ لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ.

قَالَ سَعْدٌ: أَمَا واللهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِباً قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ،وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ.

وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ.

قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِن الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ.

فَالْمُؤْمِنُ يُحاسِبُ نَفْسَهُ وَيَتَّقِي رَبِّه ، فَلَا يَظْلِمُ أحداً مِنْ النَّاسِ ، لَا مِنْ قَرِيبٍ وَلَا مِنْ بَعِيدٍ ، لَا فِي نَفْسٍ وَلَا فِي مَالٍ وَلَا فِي عَرْضٍ ولا يدَّعي مَا ليسَ لهُ فيَقعُ في عَواقبَ وخيمةٍ لا تُحمدُ عُقباها  .

 

 



المشاهدات 2368 | التعليقات 0