عاصفة الحزم
مبارك العشوان
1436/06/15 - 2015/04/04 23:09PM
الحمد لله، كلُّ الحمدِ والثناء له، والعظمة والكبرياء له، الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَه شَيْءٌ، والْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَه شَيْءٌ، وَالظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَه شَيْءٌ وَالْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونه شَيْءٌ، القوي العزيز، ذو العرش المجيد، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، بطشه شديد، وعذابه أليم يملي تبارك وتعالى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
ثم الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فأظهر الله به دينه، ونصر أولياءه، وأذل أعداءه.
عباد الله: روى البخاري من حديث ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ، قال ابن شهاب فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ ). وفي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ).
ألا فاستبشروا عباد الله بهذه البشائر النبوية، والدعوات المباركة فلن يدوم ملك لكسرى، ولن تتغلب الفرس دولةَُ الشرك أبدا.
عباد الله: إِلاَّ أَنَّ هَذَا لا يُنسِينَا بِحَالٍ أَنَّ أعداء الله الرَّوَافِضَ لَن يَدَعُوا فُرصَةً يَجِدُونَ فِيهَا لَلمُوَحِّدِينَ مَقتَلاً إِلاَّ أَصَابُوهُ، وَلا ضَعفًا إِلاَّ استَغَلُّوهُ، وَلا بَابَ تَفَرُّقٍ إِلاَّ فَرِحُوا بِهِ وَوَلَجُوهُ، وَهَذَا مَا حَصَلَ حيث أشعلوا نِيرَانَ الفِتَنِ، في العِرَاقِ، وَفي الشَّامِ وَفي اليَمَنِ، بَل حَتَّى في أَطهَر البِقَاعِ، في بَيتِ اللهِ الحرام وَمَسجِد رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، تشهد بذلك مُظَاهَرَاتهم في الحج، وَرَفع أَصوَاتِهم بالشرك، وَسبهم للصَّحَابَةِ الكرام وَالطَّعن في أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ، وإيذاؤهم للحجيج.
عباد الله: وفي هذه السنوات يتسلط جماعة من الرافضة الحوثيين المشركين، وبدعمٍ من إيران على إخواننا في اليمن ويزداد يوما بعد يوم شرهم، ويعظم خطرهم، ويظهر على الإسلام حقدهم؛ يسعون في الأرض فسادا، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، طاردوا علماء السنة ودعاتهم وخطباءهم، قتلوا من قتلوا، وحاصروا من حاصروا، أحرقوا كُتُبَهُم، وأجلوهم من بيوتهم، وهدمُوا مَسَاجِدَهُم؛ وحلق تحفيظ القرآن الكريم والمعاهد والجامعات الإسلامية، سعيا لإعادة الشرك والوثنية إلى بلاد المسلمين، ثم يشتد في هذه الأيام طغيانهم فينقلبون على الحكم في اليمن؛ ويسفكون الدماء ويعبثون في البلاد سلبا ونهبا وتدميرا، ثم يهددون الأمن في دول الخليج ومقدسات المسلمين فكان لا بد من جهادهم، وإيقافهم عند حدهم، وكسر شوكتهم وضرب معاقلهم العسكرية؛ نصرة للمظلومين في اليمن، وإنقاذا لها من عدوانهم، وحماية لهذه البلاد من تهديداتهم ومناوشاتهم وبطلب من الرئيس اليمني وبعد أن استنفذت جميع الحلول السلمية، هبت البلادُ العربية لنجدتهم بِقِيَادَةِ هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ، فأعلن خادم الحرمين الشريفين وفقه الله وسدده الجهاد، وحَشَدُوا حُشُودَ الإِيمَانِ لِيُذِلُّوا جيشَ الشِّركِ وَالطُّغيَانِ، وقاموا بالضربات الجوية على معاقل الحوثية وحقق الله على أيديهم نصرا عظيما، فاللهم لك الحمد لا نحصي ثناء عليك، لا ناصر لنا إلا أنت، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك.
بارك الله... وأقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من أهم المهمات في مثل هذا الحدث: رباطة الجأش وتقوية العزائم وتحريك الشجاعة في نفوس الأبناء، فالخوف والخور لا يجدي على أهله شيئا، ومن أهم المهمات عباد الله: العلم بأن هذه الحرب حربٌ مع الرافضة المشركين، وهي جهاد في سبيل الله فليذكر الناس بهذا وبالأخص الجنود ـ وفقهم الله وسدد رميهم ـ يُذَكَّرون بفضل الجهاد، ونصوصِ الحث عليه وبيانِ عظيم جزائه عند الله تعالى؛ ومنها قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } وقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قَالَ لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ) رواه البخاري ومسلم.
ومن المهمات عباد الله: أن يتفاءل الناس بالنصر، وأن يُذكروا أنه لا نصرَ إلا من الله؛ فمـع ما يسر الله من هَذِهِ القُوَّاتِ المحتَشَدَة، فلا يغتر المسلم بعـدة و لا عتاد، ولا يعتمد على ما آتاه الله من قوة؛ قال تعالى: { إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ } وقال تعالى: { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }. وقال تعالى: { لَقَد نَصَرَكُمُ اللهُ في مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئًا وَضَاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بما رَحُبَت ثُمَّ وَلَّيتُم مُدبِرِينَ، ثُمَّ أَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لم تَرَوهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ }.ثم علينا أن أن نعلم أن لِلنَّصَرِ أَسبَابًا لا بُدَّ من تحقيقها، مَعَ الافتِقَارِ إِلى اللهِ فمنها:صِدق التَّوَكُّلِ عَلَى الله { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } ومنها تحقيق الإيمان بالله ونبذ الشرك ووسائله، صغيره وكبيره وتَحكِيم شَرعِ الله وَالقِيَام بِأَمرِهِ: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } الأنعام82 وقال تعالى:{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } النور55 . ومنها إِقَام الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ، والأَمر بِالمَعرُوفِ وَالنَّهي عَنِ المُنكَرِ قال تعالى: { الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ }
ومنها التَّعَرُّفِ إِلى اللهِ في الرَّخَاءِ لِيَعرِفَنَا في الشِّدَّةِ والسَّعيِ في جَمعِ الكَلِمَةِ عَلَى التَّوحِيدِ، ومنها نَصَرَ اللهَ بِإِقَامَةِ شَرعِهِ كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } قال السعدي رحمه الله: هذا أمر منه تعالى للمؤمنين أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، وجهاد أعدائه والقصد بذلك وجه الله، فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم الله وثبت أقدامهم، أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات ويصبر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر، من الثبات وغيره.
ومن أسباب النصر اجتماع الكلمة ووحدة الصف والالتفاف حول العلماء وولاة الأمر، قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا } وومنها ذكر الله تعالى كما سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ، وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ومن أسباب النصر التثبت في الأخبار وعدم نشر الشائعات، قال تعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا }.
قال السعدي رحمه الله: هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه... إلى آخر كلامه رحمه الله.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، يَا مَن لا يُهزَمُ جُندُهُ وَلا يُخلَفُ وَعدُهُ، ولا يرد عن القوم المجرمين بأسه، أن ترد كيد الكائدين في نحورهم، اللهم عليك باليهود والنصارى والرافضة والحوثيين، اللهم اهزمهم ومزقهم كل ممزق، اللَّهُمَّ كُنْ لِجُنُودِ الحَقِّ مُؤَيِّدًا وَنَصِيرًا { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }{ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } { أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
عباد الله صلوا وسلموا...
[/size][/size]
ثم الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فأظهر الله به دينه، ونصر أولياءه، وأذل أعداءه.
عباد الله: روى البخاري من حديث ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ، قال ابن شهاب فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ ). وفي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ).
ألا فاستبشروا عباد الله بهذه البشائر النبوية، والدعوات المباركة فلن يدوم ملك لكسرى، ولن تتغلب الفرس دولةَُ الشرك أبدا.
عباد الله: إِلاَّ أَنَّ هَذَا لا يُنسِينَا بِحَالٍ أَنَّ أعداء الله الرَّوَافِضَ لَن يَدَعُوا فُرصَةً يَجِدُونَ فِيهَا لَلمُوَحِّدِينَ مَقتَلاً إِلاَّ أَصَابُوهُ، وَلا ضَعفًا إِلاَّ استَغَلُّوهُ، وَلا بَابَ تَفَرُّقٍ إِلاَّ فَرِحُوا بِهِ وَوَلَجُوهُ، وَهَذَا مَا حَصَلَ حيث أشعلوا نِيرَانَ الفِتَنِ، في العِرَاقِ، وَفي الشَّامِ وَفي اليَمَنِ، بَل حَتَّى في أَطهَر البِقَاعِ، في بَيتِ اللهِ الحرام وَمَسجِد رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، تشهد بذلك مُظَاهَرَاتهم في الحج، وَرَفع أَصوَاتِهم بالشرك، وَسبهم للصَّحَابَةِ الكرام وَالطَّعن في أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ، وإيذاؤهم للحجيج.
عباد الله: وفي هذه السنوات يتسلط جماعة من الرافضة الحوثيين المشركين، وبدعمٍ من إيران على إخواننا في اليمن ويزداد يوما بعد يوم شرهم، ويعظم خطرهم، ويظهر على الإسلام حقدهم؛ يسعون في الأرض فسادا، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، طاردوا علماء السنة ودعاتهم وخطباءهم، قتلوا من قتلوا، وحاصروا من حاصروا، أحرقوا كُتُبَهُم، وأجلوهم من بيوتهم، وهدمُوا مَسَاجِدَهُم؛ وحلق تحفيظ القرآن الكريم والمعاهد والجامعات الإسلامية، سعيا لإعادة الشرك والوثنية إلى بلاد المسلمين، ثم يشتد في هذه الأيام طغيانهم فينقلبون على الحكم في اليمن؛ ويسفكون الدماء ويعبثون في البلاد سلبا ونهبا وتدميرا، ثم يهددون الأمن في دول الخليج ومقدسات المسلمين فكان لا بد من جهادهم، وإيقافهم عند حدهم، وكسر شوكتهم وضرب معاقلهم العسكرية؛ نصرة للمظلومين في اليمن، وإنقاذا لها من عدوانهم، وحماية لهذه البلاد من تهديداتهم ومناوشاتهم وبطلب من الرئيس اليمني وبعد أن استنفذت جميع الحلول السلمية، هبت البلادُ العربية لنجدتهم بِقِيَادَةِ هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ، فأعلن خادم الحرمين الشريفين وفقه الله وسدده الجهاد، وحَشَدُوا حُشُودَ الإِيمَانِ لِيُذِلُّوا جيشَ الشِّركِ وَالطُّغيَانِ، وقاموا بالضربات الجوية على معاقل الحوثية وحقق الله على أيديهم نصرا عظيما، فاللهم لك الحمد لا نحصي ثناء عليك، لا ناصر لنا إلا أنت، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك.
بارك الله... وأقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من أهم المهمات في مثل هذا الحدث: رباطة الجأش وتقوية العزائم وتحريك الشجاعة في نفوس الأبناء، فالخوف والخور لا يجدي على أهله شيئا، ومن أهم المهمات عباد الله: العلم بأن هذه الحرب حربٌ مع الرافضة المشركين، وهي جهاد في سبيل الله فليذكر الناس بهذا وبالأخص الجنود ـ وفقهم الله وسدد رميهم ـ يُذَكَّرون بفضل الجهاد، ونصوصِ الحث عليه وبيانِ عظيم جزائه عند الله تعالى؛ ومنها قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } وقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قَالَ لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ) رواه البخاري ومسلم.
ومن المهمات عباد الله: أن يتفاءل الناس بالنصر، وأن يُذكروا أنه لا نصرَ إلا من الله؛ فمـع ما يسر الله من هَذِهِ القُوَّاتِ المحتَشَدَة، فلا يغتر المسلم بعـدة و لا عتاد، ولا يعتمد على ما آتاه الله من قوة؛ قال تعالى: { إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ } وقال تعالى: { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }. وقال تعالى: { لَقَد نَصَرَكُمُ اللهُ في مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئًا وَضَاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بما رَحُبَت ثُمَّ وَلَّيتُم مُدبِرِينَ، ثُمَّ أَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لم تَرَوهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ }.ثم علينا أن أن نعلم أن لِلنَّصَرِ أَسبَابًا لا بُدَّ من تحقيقها، مَعَ الافتِقَارِ إِلى اللهِ فمنها:صِدق التَّوَكُّلِ عَلَى الله { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } ومنها تحقيق الإيمان بالله ونبذ الشرك ووسائله، صغيره وكبيره وتَحكِيم شَرعِ الله وَالقِيَام بِأَمرِهِ: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } الأنعام82 وقال تعالى:{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } النور55 . ومنها إِقَام الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ، والأَمر بِالمَعرُوفِ وَالنَّهي عَنِ المُنكَرِ قال تعالى: { الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ }
ومنها التَّعَرُّفِ إِلى اللهِ في الرَّخَاءِ لِيَعرِفَنَا في الشِّدَّةِ والسَّعيِ في جَمعِ الكَلِمَةِ عَلَى التَّوحِيدِ، ومنها نَصَرَ اللهَ بِإِقَامَةِ شَرعِهِ كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } قال السعدي رحمه الله: هذا أمر منه تعالى للمؤمنين أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، وجهاد أعدائه والقصد بذلك وجه الله، فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم الله وثبت أقدامهم، أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات ويصبر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر، من الثبات وغيره.
ومن أسباب النصر اجتماع الكلمة ووحدة الصف والالتفاف حول العلماء وولاة الأمر، قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا } وومنها ذكر الله تعالى كما سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ، وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ومن أسباب النصر التثبت في الأخبار وعدم نشر الشائعات، قال تعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا }.
قال السعدي رحمه الله: هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه... إلى آخر كلامه رحمه الله.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، يَا مَن لا يُهزَمُ جُندُهُ وَلا يُخلَفُ وَعدُهُ، ولا يرد عن القوم المجرمين بأسه، أن ترد كيد الكائدين في نحورهم، اللهم عليك باليهود والنصارى والرافضة والحوثيين، اللهم اهزمهم ومزقهم كل ممزق، اللَّهُمَّ كُنْ لِجُنُودِ الحَقِّ مُؤَيِّدًا وَنَصِيرًا { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }{ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } { أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
عباد الله صلوا وسلموا...
[/size][/size]