عاشورا وشكر النعم
محمد بن خالد الخضير
1437/01/09 - 2015/10/22 13:27PM
الخطبة الأولى
ان الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ
فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أَصبَحَ كَثِيرٌ مِنكُمُ اليَومَ صَائِمِينَ ، فَهَنِيئًا لمن تَحَرَّى السُّنَّةَ طُولَ عُمُرِهِ ، وَيا فَوزَ مَن كَانَ طَلَبُ الأَجرِ غَايَتَهُ ، إِنَّكُم في شَهرِ اللهِ المُحَرَّمِ ، وَفي اليَومِ التَّاسِعِ مِنهُ ، وَغَدًا يَومُ عَاشُورَاءَ الَّذِي هُوَ يَومٌ مِن أَيَّامِ اللهِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " أَفضَلُ الصِّيَامِ بَعدَ رَمَضَانَ شَهرُ اللهِ المُحَرَّمُ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ عَاشُورَاءَ يَومٌ مِن أَيَّامِ اللهِ ، فَمَن شَاءَ صَامَهُ وَمَن شَاءَ تَرَكَهُ " رَوَاهُمَا مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ صَامَ يَومَ عَاشُورَاءَ أَو أَمَرَ بِصِيَامِهِ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَعَنهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّهُ يَومٌ يُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لَئِن بَقِيتُ إِلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد كَانَ صِيَامُ رَسُولِ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لِيَومِ عَاشُورَاءَ وَصِيَامُ الأُمَّةِ مِن بَعدِهِ ، فَرَحًا بِنَصرِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ ، وَشُكرًا للهِ إِذْ نَصَرَ فِيهِ مُوسَى وَقُومَهُ عَلَى فِرعَونَ وَقَومِهِ ، فعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : قَدِمَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ : " مَا هَذَا ؟ " قَالُوا : هَذَا يَومٌ صَالحٌ ، هَذَا يَومٌ نَجَّى اللهُ بَني إِسرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِم ، فَصَامَهُ مُوسَى . قَالَ : " فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنكُم ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَهَكَذَا ـ إِخوَةَ الإِسلامِ ـ فَإِنَّ المُؤمِنِينَ دَائِمًا يَفرَحُونَ بِنَصرِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَيُسَرُّونَ بِهِ ، غَيرَ أَنَّ ثَمَّةَ فَرقًا بَينَ فَرَحِ المُؤمِنِينَ وَغَيرِهِم ، إِذْ إِنَّهُم يَجعَلُونَ فَرَحَهُم شُكرًا للهِ ، وَإِقبَالاً عَلَيهِ بِطَاعَتِهِ وَتَقَرُّبًا إِلَيهِ بما يُرضِيهِ ، وَأَمَّا غَيرُهُم مِنَ المَخذُولِينَ ، فَإِنَّ فَرَحَهُم يَكُونُ أَشَرًا وَبَطَرًا وَإِدبَارًا ، وَتَبدِيدًا لِلنِّعَمِ وَنِسيَانًا لِلمُنعِمِ المُتَفَضِّلِ ، وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : اِعمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ "
ثم إِنَّ صِيَامَ عَاشُورَاءَ لَيُبَيِّنُ أَنَّ المُؤمِنِينَ إِخوَةٌ في الدِّينِ وَإِن تَبَاعَدَت دِيَارُهُم أَوِ اختَلَفَت أَزمَانُهُم ، أَو تَعَدَّدَت أَجنَاسُهُم وَأَعرَاقُهُم ، وَذَلِكَ أَنَّ الدِّينَ الحَقَّ وَتَوحِيدَ اللهِ بِالعِبَادَةِ وَاحِدٌ وَإِنِ اختَلَفَتِ الشَّرَائِعُ وَتَنَوَّعَت مِن أُمَّةٍ لأُخرَى ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " الأَنبِيَاءُ أَولادُ عَلاَّتٍ ، أُمَّهَاتُهُم شَتَّى وَدِينُهُم وَاحِدٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الصِّرَاعَ بَينَ الحَقِ وَالبَاطِلِ وَبَينَ أَولِيَاءِ الرَّحمَنِ وَأَولِيَاءِ الشَّيطَانِ قَدِيمٌ قِدَمَ البَشَرِيَّةِ ، اِبتَدَأَهُ الشَّيطَانُ مَعَ أَبِينَا آدَمَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ وَمَا زَالَ وَلَن يَزَالَ مُحتَدِمًا إِلى قِيَامِ السَّاعَةِ ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ في خَلقِهِ ، قَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَولِيَاءَ الشَّيطَانِ إِنَّ كَيدَ الشَّيطَانِ كَانَ ضَعِيفًا "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " ذَلِكَ وَلَو يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنهُم وَلَكِنْ لِيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ "
فَهُوَ ـ تَعَالى ـ قَادِرٌ عَلَى أَن يُهلِكَ الظَّالِمِينَ في لَحظَةٍ وَيَأخُذَهُم عَلَى حِينِ غَفلَةٍ ، وَلَكِنَّهُ ـ تَعَالى ـ وَلِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ ، ابتَلَى بِهِم عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ لِيَكشِفَ مَعَادِنَهُم وَيَمتَحِنَ صِدقَهُم ، وَيُظهِرَ صَبرَهُم وَجِهَادَهُم وَبَذلَهُم ، فَيَتَمَيَّزَ المُؤمِنُ الصَّادِقُ مِنَ الدَّعِيِّ المُنَافِقِ , وَإِنَّ اللهَ الَّذِي نَصَرَ مُوسَى وَقُومَهُ عَلَى فِرعَونَ وَقَومِهِ في يَومِ عَاشُورَاءَ ، لَهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ ، يَنصُرُ فِيهَا عِبَادَهُ وَيُظهِرُ دِينَهُ وَيُعلِي كَلِمَتَهُ ، وَهُوَ ـ سُبحَانَهُ ـ قَادِرٌ عَلَى نَصرِ المُؤمِنِينَ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، مَتى مَا حَقَّقُوا شُرُوطَ النَّصرِ وَسَلَكُوا طُرُقَهُ الصَّحِيحَةَ ، وَجَاؤُوا بِمُوجِبَاتِ التَّمكِينِ وَانتَفَت عَنهُم مَوَانِعُهُ ، وَمِن رَحمَتِهِ ـ تَعَالى ـ بِعِبَادِهِ أَن بَيَّنَ لَهُم ذَلِكَ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ بِجَلاءٍ وَوُضُوحٍ ، لِيَكُونُوا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنهُ فَيَهتَدُوا وَلا يَضِلُّوا ، وَلِئَلاَّ تَنقَطِعَ بِهِمُ السُّبُلُ أَو يَيأَسُوا ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم في الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَني لا يُشرِكُونَ بي شَيئًا وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ "
فَالإِيمَانُ الصَّادِقُ الَّذِي يَتلُوهُ عَملٌ صَالِحٌ ، وَيُخلَصُ فِيهِ التَّوَجُّهُ إِلى اللهِ وَتُحَقَّقُ لَهُ العُبُودِيَّةُ ، وَيُتَخَلَّصُ مِنَ الشِّركِ وَيُتَبَرَّأُ مِنهُ وَمِن أَهلِهِ ، وَإِقَامَةُ الصَّلاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَطَاعَةُ الرَّسُولِ ، وَالأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ ، كُلُّ ذَلِكَ مِن أَسبَابِ النَّصرِ وَالتَّمكِينِ ، بِشَرطِ إِعدَادِ مَا يُستَطَاعُ مِنَ القُوَّةِ وَالحَذرِ مِنَ التَّنَازُعِ وَالفُرقَةِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم "وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ "
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ أما بعد
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْرِصُوا عَلَى صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؛ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ؛ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَالِفُوا اليَهُودَ بِصِيَامِ التَّاسِعِ مَعَهُ؛ فَإِنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ- قَالَ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابَلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»، وَمِنَ التَّوْفِيقِ لِلْعَبْدِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى مُكَفِّرَاتِ الذُّنُوبِ، وَأَنْ يَلْتَزِمَ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ؛ فَإِنَّ التَّأَسِّيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ الَّتِي تُسْتَجْلَبُ بِهَا مَحَبَّةُ اللهِ تَعَالَى، وَهَلْ جَدَّ النَّاسُ فِي العِبَادَاتِ، وَمَشُوا فِي الظُّلَمِ لِلطَّاعَاتِ، وَفَارَقُوا لَذَائِذَ الشَّهَوَاتِ إِلاَّ وَهُمْ يَطْلُبُونَ مَحَبَّةَ المَوْلَى جَلَّ فِي عُلاَهُ؟! [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]فاحتسبوا ـ أيها المؤمنون ـ وارغبوا في صيام عاشوراء رجاء أن تشملكم رحمة الله ومغفرته، وجددوا لله تعالى التوبة في كل حين فإنَّ أتباعَ الرّسل والأنبياءِ يجعلون هذا اليومَ يومَ شكرٍ وعبادة وفرحٍ بنجاةِ المؤمنين، كما أنّه يوم حزنٍ وبلاء ومأتمٍ طويل على المشركين وأتباع فرعون
هذا وصلّوا وسلّموا على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله النبيّ الأمّيّ.
المرفقات
عاشوراء و شكر النعم.doc
عاشوراء و شكر النعم.doc
المشاهدات 1947 | التعليقات 2
مرحبا بالشيخ محمد بن خالد الخضير ونفع الله بك على خطبتك القيمة والمباركة متمنين مزيدا من الحضور والتواجد .
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق