عاشوراء يوم نجَّى الله فيه موسى وقومه 1442/01/09
عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
1442/01/20 - 2020/09/08 09:47AM
عاشوراء يوم نجَّى الله فيه موسى وقومه[1]
الحمدلله الذي ينجِّي عباده المؤمنين, وينصرهم على أعدائهم, ويمكِّن لهم في الأرض, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير, وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله, خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فأوصيكم أيَّها الناس ونفسي بتقوى الله عزوجل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]
عباد الله: إنَّ طغيان الكفرة وظلمهم وإفسادهم وتجبُّرِهم وعلوِّهم واستكبارهم وكيدهم مهما طال واشتد وزاد, فإنَّه إلى انهزام وخسارة وزوال, ومن ذلك ما كان من فرعون وجنوده الذين علو واستكبروا وتجبَّروا في الأرض, حتى إنَّ فرعون ادعى الألوهية فأهلكه الله, وهدَّ صرحه وغرَّقه هو وجنوده, قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} [القصص: 38 - 42]
عباد الله: لمَّا نجَّى الله موسى عليه السلام وقومه في يوم عاشوراء من فرعون وكيده, صامه موسى عليه السلام وقومه شكراً لله, وصامه نبيُّنا صلى الله عليه وسلم وسئل عن صومه فقال: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ" (رواه مسلم) ويستحب صيام يوم قبله مخالفة لأهل الكتاب الذين لا يصومون إلا يوم عاشوراء, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ" (رواه مسلم) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ" (رواه البيهقي وصححه الألباني). وقال الإمام ابن القيم رحمه الله عن صوم يوم عاشوراء: "مَرَاتِبُ صَوْمِهِ ثَلَاثَةٌ أَكْمَلُهَا: أَنْ يُصَامَ قَبْلَهُ يَوْمٌ وَبَعْدَهُ يَوْمٌ، وَيَلِي ذَلِكَ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ, وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ، وَيَلِي ذَلِكَ إِفْرَادُ الْعَاشِرِ وَحْدَهُ بِالصَّوْمِ" (زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 72).
عباد الله: إنَّ يوم عاشوراء يوم من أيَّام الله, عن ابنِ عمر رضي الله عنهما: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ" (رواه مسلم).
عباد الله: ومما أحدثه أهل البدع في يوم عاشوراء بسبب مقتل الحسين رضي الله عنه, طائفة جعلت هذا اليوم مأتماً ونياحة وحزناً ولطماً وشقاً للجيوب, وقابلتها طائفة جعلت هذا اليوم يوم فرح وسرور. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "وَصَارَ الشَّيْطَانُ بِسَبَبِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُحْدِثُ لِلنَّاسِ بِدْعَتَيْنِ: بِدْعَةَ الْحُزْنِ وَالنَّوْحِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، مِنَ اللَّطْمِ وَالصُّرَاخِ وَالْبُكَاءِ وَالْعَطَشِ وَإِنْشَادِ الْمَرَاثِي، وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ سَبِّ السَّلَفِ وَلَعْنَتِهِمْ، وَإِدْخَالِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مَعَ ذَوِي الذُّنُوبِ، حَتَّى يُسَبَّ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَتُقْرَأَ أَخْبَارُ مَصْرَعِهِ الَّتِي كَثِيرٌ مِنْهَا كَذِبٌ, وَكَانَ قَصْدُ مَنْ سَنَّ ذَلِكَ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ وَالْفُرْقَةِ بَيْنَ الْأُمَّةِ; فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ إِحْدَاثُ الْجَزَعِ وَالنِّيَاحَةِ لِلْمَصَائِبِ الْقَدِيمَةِ مِنْ أَعْظَمِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ, وَكَذَلِكَ بِدْعَةُ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ" (منهاج السنة النبوية (4/ 554). ومَا يُفْعَلُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنِ اتِّخَاذِهِ عِيدًا بِدْعَةٌ أَصْلُهَا مِنْ بِدَعِ النَّوَاصِبِ، وَمَا يُفْعَلُ مِنِ اتِّخَاذِهِ مَأْتَمًا بِدْعَةٌ أَشْنَعُ مِنْهَا" (منهاج السنة النبوية (8/ 153). وسئل رحمه الله: "عمَّا يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء...وإظهار السرور: فهل ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح؟ أم لا؟ فأجاب: لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولا عن أصحابه, ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين, لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم, ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً, لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين لا صحيحا ولا ضعيفا" (ينظر مجموع الفتاوى (25/ 299). وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن يوم عاشوراء: "إظهار الحزن أو الفرح في هذا اليوم كلاهما خلاف السنة, ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم إلا صيامه مع أنَّه صلى الله عليه وسلم أمر أنَّ نصوم يومًا قبله أو يومًا بعده حتى نخالف اليهود الذين كانوا يصومونه وحده" (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2/ 297). اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
[1] 09/01/1442هـ جامع بلدة الداخلة في سدير عمر المشاري.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق