عاشوراء .. يوم فرح بنصر الحق على الباطل

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله ... أوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه وتقوى الله جل وعلا هي خير زاد يبلِّغ إلى رضوان الله جعلني الله وإياكم من عباد المتقين
إن الله عز وجل ذو حكمة بالغة في خلقه يخلق ما يشاء ويختار يصطفي من خلقه ما يشاء ويفضل بعضهم على بعض عن حكمة بالغة وحجة سابغة فالخلق خلق الله والأمر أمره جلّ وعلا. فضل سبحانه وتعالى من الأشخاص محمد صلى الله عليه وسلم فهو سيد ولد آدم. وفضل الرسل على الأنبياء. وفضل الأنبياء على سائر البشر. وفضل في الأمكنة مكة المكرمة ثم المدينة النبوية المنورة. وفضل في الأوقات أوقاتاً عديدة وأزمة فاضلة.
عباد الله ... وإن من الأيام العظيمة الفاضلة يوم عاشوراء اليوم العاشر من شهر الله المحرم. إنه يوم صالح عظيم جاء في فضله أحاديث عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وحثّ صلى الله عليه وسلم على صيامه ورغب في ذلك وصامه عليه الصلاة والسلام وصامه صحابته الأخيار. فقد قال عليه الصلاة والسلام ( صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ).
إن يوم عاشوراء يوم عظيم حدث للناس فيه نعمة عظيمة ومنة جسيمة جليلة، إنه اليوم العظيم الذي أنجى الله موسى ومن معه وأغرق فرعون ومن معه. لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة رأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال( ما هذا؟ ) قالوا: هذا يوم صالح - وفي رواية – قالوا: هذا يوم عظيم نجا الله فيه موسى ومن معه وأغرق فيه فرعون ومن معه، فصامه موسى شكرا لله عز وجل فنحن نصومه لذلك. فقال صلوات وسلامه عليه ( نحن أحقّ وأولى بموسى منكم ) فصامه عليه الصلاة والسلام وأمر الصحابة الكرام بصيامه.
لقد كان صيام يوم عاشوراء في بداية الإسلام فرضا لازما وواجبا محتما، ثم إنه لما نزلت فريضة الصيام صيام شهر رمضان أصبح صيامه أمرا مستحبا، فقال عليه الصلاة والسلام ( يوم عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء منكم صام ومن شاء أفطر ) فصيام هذا اليوم يوم عاشوراء مستحب للمسلمين، شكرا لله جل وعلا على تلك النعمة العظيمة والمنة الجسيمة وطلبا لعظيم موعوده سبحانه الذي أعده للصائمين لهذا اليوم حيث قال عليه الصلاة والسلام ( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ) ثم إن الصيام - عباد الله - طاعة عظيمة وعبادة جليلة ثوابها عند الله عظيم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من صام يوما في سبيل الله باعد به وجهه عن النار سبعين خريفا ).
والسنة في صيام عاشوراء أن يصوم المسلم يوما قبله، لأن الصحابة رضي الله عنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن اليهود يصومون هذا اليوم ويتخذونه عيدا ويعظمونه! فقال عليه الصلاة والسلام ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ) أي (مضافا ومضموما إلى العاشر ) .
فالسنة - عباد الله - أن يصوم المسلم يوم عاشوراء طلبا لهذا الأجر العظيم وأن يصوم معه اليوم التاسع مخالفة لليهود واقتداء بنبينا الكريم عليه الصلاة والسلام.
عباد الله .. في هذا اليوم - يوم عاشوراء - حدث عظيم جليل فيه عبرة بالغة وحجة ظاهرة وآية باهرة تدل على كمال قدرة الله وعظيم انتقامه وشدة بطشه جل وعلا. في هذا اليوم أغرقَ الله جل وعلا فرعون وقومه وقد ذكر عز وجل قصة فرعون مفصّلة في مواضع عديدة من القرآن وأخبر جل وعلا أن فرعون علا في الأرض واشتد بطشه وزاد إسرافه وإفساده وتعاليه على عباد الله، ثم إن الله عز وجل أذن وأمر موسى ومن معه أن يسري بقومه إلى حيث جهة البحر الأحمر، فانطلق موسى بقومه من بني إسرائيل إلى جهة البحر الأحمر ليلاً، ثم إن الله عز وجل أخرج موسى ومن معه لحكمة يريدها وأمرٍ عظيم يريده جل وعلا، فلما خرج موسى وعلم فرعونُ بخروجه أرسل في المدائن حاشرين يجمعون له جنوده ويجيشون له جيوشه ( فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. ) فقال موسى بإيمان ثابت وقلبا مطمئن وثقة بالله العظيم ( كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )
فأذن الله عز وجل وأوحى إلى كليمه موسى عليه السلام ( أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ) فضرب بعصاه البحر ( فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) أصبح البحر قطعا عديدة اثنا عشر قطعة كل قطعة منها أصبحت كالجبل الكبير.
فتأمل قدرة الله جل وعلا الماء السيَّال وقف وقوفا الجبال، إنها حجة بالغة وآية ظاهرة على كمال قدرة الله جل وعلا. ثم إن الأرض التي كان عليها الماء وهي أرض وحل وزلق أذن الله عز وجل لها فيبست ( فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ ) تفتحت الطرق وجاء الفرج ومضى موسى ومن معه بأمان مسرعين مع هذه الفجاج التي يسرها الله لهم. ولما وصل فرعون وجنوده إلى البحر وخرج موسى ومن معه إلى الطرف الآخر أراد موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر، لأن لا يدخل فرعون فيصل إليه فقال لموسى ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ) لما وصل فرعون البحر ازداد في كبريائه وعتوه وتعاليه، فأضل قومه فاتبعوه فدخل البحر وتبعه قومه معه، فلما تكاملوا دخولا من أولهم إلى آخرهم ارتطم عليهم الماء فغرقوا أجمعين من أولهم إلى آخرهم بما فيهم عدو الله فرعون وكان هذا المنظر على مرأى من قوم موسى ليكون ذلك أقر لأعينهم وأشفى لصدورهم. ولما عاين فرعون الموت قال ( قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فقال الله جل وعلا ( آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) آية دالة على كمال الله وعظيم قدرته سبحانه.
عباد الله .. إن موسى عليه السلام صام هذا اليوم يوم عاشوراء شكرا لله على هذه النعمة العظيمة ونحن أمّةَ الإسلام نصوم هذا اليوم شكرا لله عز وجل على نعمته العظيمة ونسأله جل وعلا المزيد من فضله. ونسأله سبحانه نصره وعونه وتوفيقه فالأمور بيدي الله سبحانه.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم

الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل و الجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
معاشر المؤمنين .. اتقوا الله تعالى حق التقوى، واتبعوا نبيكم صلى الله عليه وسلم بما شرع وفعله في يوم عاشوراء ولا تبتدعوا. فأن السنة في هذا اليوم الصيام شكرا لله وتحريا لعظيم موعوده للصائمين.
عباد الله .. لقد شاء الله جل وعلا أن يقع في هذا اليوم – يوم عاشوراء - حدث عظيم في سنة واحد وستين للهجرة حيث قتل الحسين بن علي رضي الله عنه ظلما وجَوْرا وعدوانا، وقتله مصيبة عظيمة ورزية كبيرة، ولكن المسلم مأمور بالصبر والاحتساب وأن يقول كما قال ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) فلا يُتخذ يوم مقتل الحسين مأتما يظهرون فيه الحزن والبكاء والنياحة ولطم الخدود وشق الجيوب وكل هذه الأعمال ليست من أعمال الإسلام وليست من دين الله، بل جاء دين الله بالتحذير منها.
والواجب - عباد الله أن - نعرف لآل البيت حقهم ولكن دون غلو وجفاء ودون إفراط وتفريط رحم الله الحسين ورضي عنه، فهو وأخوه الحسن سيدا شباب الجنة.
عباد الله ... صلوا سلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
المشاهدات 1060 | التعليقات 0