عاشوراء يوم خلده الزمان

شايع بن محمد الغبيشي
1445/01/03 - 2023/07/21 23:58PM

عاشوراء يوم خلده الزمان.

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين والصلاة والسلام على أشر الأنبياء وخاتم المرسلين لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد: عباد الله أوصيكم بلزوم تقوى الله حتى نلقاه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ}

عباد الله يوم عاشوراء وما أدراكم ما يوم عاشوراء؟! يوم من أيام الله خلّده الزمان، وسيبقى ذكره والعناية به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وحتى تتضح لنا عظمة هذا اليوم علينا ان نلقي نظرة على الأحداث التي دارت قبل هذا اليوم، فرعون المفسد الجبار الذي بلغ من الطغيان منتهاه حتى وصفه الله بقوله: { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } ([1])  ومع ذلك تأمل ماذا قال عن موسى ومن معه من أهل الإيمان والخير والصلاح: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}([2])  وهكذا هل أهل الباطل والطغيان يبدلون الحقائق فالله يصف فرعون بقوله: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } وفرعون يصف موسى عليه السلام بقوله: { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} ووصف الله فرعون وملأه بقوله: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} ([3]) ووصف الملأ موسى وأتباعه بقولهم: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} ([4])  هكذا رغم وضوح إفساد فرعون والملإ، إلا أنهم زعموا  أنهم أهل إصلاح واتهموا موسى وأتباعه بتبديل الدين والإفساد في الأرض، ولكن ذلك لم ينطلي على أهل البصيرة حتى على السحرة الذين جندهم فرعون وكان غاية أمنياتهم أن يغدق عليهم الهبات والعطايا: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}([5]) لقد أختار الطاغية جنده على عينه {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ}([6])  فماذا حصل لهذا الجند عندما تكشفت له حقيقة موسى وما جاء به من الحق الذي حاول فرعون أن يلبسها ثوب الإفساد؟ تأملوا هذه الآيات: { فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)} ([7])  ما كان للحق أن يتوارى عن طالبه بصدق مهما حاول أعداؤه أن يشوهوه، مهما حاولوا أن يلبسوا الحق بالبطال: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ } ([8])  لقد بذل فرعون كل السبل للحيلولة بين موسى عليه السلام وما يحمله من النور والهدى وبين الناس لقد وصل هذا النور إلى بيت فرعون فآمنت آسية بنت مزاحم، وآمنت ماشطة بنت فرعون، وآمن رجل من آل فرعون، وأخيراً وصل النور والهدى إلى جند فرعون وسحرته، فلم يجد حيلة إلا أن يسعى لاستأصل موسى عليه السلام وأهل الحق والخير والصلاح الذين اتبعوه، فجمع فرعون جنوده من كل مدينه وانطلق بكل جبروته وطغيانه للقضاء على الحق وصاحبه وأتباعه، وكان اللقاء بين الفرقين في يوم العاشر من شهر محرم يوم عاشوراء، فماذا جرى في ذلك اليوم: { فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} ([9]) هذا هو يوم عاشوراء يوم انتصار الحق على الباطل، والنور على الظلمات، والهدى على الضلال، والعدل على الظلم والبغي والعدوان، ولهذا لما قَدِمَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» رواه مسلم. وفي هذه القصة دروس وهدايات منها:

أولاً: نحن أمة الإسلام أولى بموسى عليه السلام من اليهود لأننا نؤمن بموسى عليه السلام وما جاء به ولأن انتصاره عليه السلام انتصار للحق وأهله قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «إن انتصار الرسل السابقين انتصار للمؤمنين إلى يوم القيامة، ولهذا صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء شكرًا لله على نعمته بإنقاذ موسى وقومه وإهلاك فرعون وقومه، وقال لليهود: "نحن ‌أولى ‌بموسى ‌منكم"» ([10])  

الخطبة الثانية:

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد: عباد الله ومن دروس القصة:

 ثانياً: أن الله شرع الله لنا صيام هذا اليوم يوم عاشوراء فقد صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفزنا على صيامه بقوله: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» رواه ابن ماجة وصححه الألباني ولذا عباد الله يشرع لنا صيام عاشوراء وقد ذكر العلماء أن الأفضل أن يصوم يوم عاشوراء ويصوم يوماً قبله لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» رواه مسلم. ويجوز أن يصوم يوم عاشوراء ويوماً بعده ويجوز أن يصومه بمفرده.

ثالثاً: رعاية الله لعباده وحمايته لهم بما لا يخطر لهم على بال إذا توكلوا عليه وفوضوا أمورهم إليه كان معهم بالنصر والتأييد شق لهم البحر كالجبل العظيم وجعل الأرض تحتهم يبس {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى}([11])  

وإذا العناية لاحظتك عيونها *** نم فالمخاوف كلهن أمان

رابعاً: أن بعد العسر يسرا وبعد الكرب فرجا قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}

قال الإمام السعدي رحمه الله: بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا ".[12]

فمهما ضاقت بك الحيل وسدت في وجهك الأبواب فبالصبر والاستعانة بالله عز وجل والانطراح بين يديه وبذل الأسباب الممكنة يأتيك الفرج والمخرج.

ولــرب نازلــة يــضــيق بهــا الفتــى ....  وعــنـــد الله منــها المــخــرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها .... فرجت وكنت أظنها لا تفرج

خامساً: "بيان مشروعيّة شكر الله تعالى بالصوم لمن حصل له خير من تفريج كرب، أو تيسير أمر". ([13])  

سادساً: "بيان أن ما حصل من النعم للأنبياء السابقين -كنجاة نوح عليه السلام، ونجاة موسى عليه السلام، وغرق فرعون- ينبغي لنا أن نفرح به، ونشكر الله تعالى على ذلك؛ فإنه من جملة النعم الواصلة إلينا بالواسطة" ([14]) ومن نعم هذا اليوم ما حدث فيه الدروس والعبر التي تزيد المؤمن يقيناً بالحق وثباتاً عليه، وتفتح أمام ناظريه الفأل بأن العاقبة للمتقين والنصر والتمين لأهل الخير والإصلاح.

سابعاً: كل ما يُفعل في هذا اليوم غير الصيام فهو من البدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان فينبغي الحذر والتحذير منها فما يفعله الشيعة في هذا اليوم ضلال وانحراف ودعاء للغير الله وتشويه لصورة الإسلام البيضاء النقية التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ربما تصد من يشاهدها من الكفار وهو لا يعرف الإسلام الحق عن قبل الإسلام والدخول فيه.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أنصر الحق وأهل فوق كل أرض وتحيت كل سماء يا مجيب الدعاء.



([1]) ـ القصص (4)
([2]) ـ [غافر: 26]
([3]) ـ [الأعراف: 103]
([4]) ـ [الأعراف: 127]
([5]) ـ [الشعراء: 41، 42]
([6]) ـ [الشعراء: 36، 37]
([7]) ـ [الشعراء: 45 - 51]
([8]) ـ [الرعد: 17]
([9]) ـ [الشعراء: 60 - 66]
([10]) ـ تفسير العثيمين: آل عمران (2/ 123):
([11]) ـ [طه: 77]
[12] / تيسير الكريم الرحمن  ص 596 .

 
([13]) ـ البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (21/ 168)
([14]) ـ البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج» (21/ 168):

المرفقات

1689973083_عاشوراء يوم خلده الزمان.pdf

المشاهدات 628 | التعليقات 0