عاشوراء... يُحدثكم

سامي بن محمد العمر
1442/01/08 - 2020/08/27 17:13PM

يوم عاشوراء يحدثكم

أما بعد:

فيوم عاشوراء يومُ  رفعةٍ ومكانةٍ في قلوب المسلمين جميعاً..

ولئن كان له أن يتحدث لقال:

أنا يوم عاشوراء... يوم عزٍّ للتوحيد والإيمان، ودحرٍ لأهل الزيغ والكفر والطغيان،

أنا يوم عاشوراء الذي هلك فيه القائل (أنا ربكم الأعلى) والقائل (ما علمت لكم من إله غيري) والقائل (ما أريكم إلا ما أرى) ..

أنا اليوم الذي غرق فيه فرعون؛ بعد ما جاءته النذر والمعجزات، وتوالت عليه الآيات البينات، فكذب وأبى، وأجرم وعصى، وتمادى وطغى؛ حتى إذا لم ينفع معه دعاء، ولم يبق فيه رجاء قال الله تعالى:  

{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)}

وغرق المتكبر المتجبر، ونجا نبي الله والمؤمنون معه ليكون يومَ شكر لله تعالى على هذه النعمة، وفرحٍ بهذه المنة.

أنا عاشوراء الذي صامني موسى عليه السلام شكرا لربه على النجاة، وانتشر صيامي من بعده عند أهل الكتاب وأهل الجاهلية، وصامه حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وبعدها وحث على صيامي، وشهد لي بفضل تكفير سنة للصائمين فضلا من رب العالمين..

عن عائشة رضي الله عنها قالت:

«كان يومُ عاشوراءَ تصومُه قريش في الجاهلية، وكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يصومُهُ في الجاهلية، فلما قَدِمَ المدينة صامه، وأمر [ص:306] بصيامه، فلما فُرِض رمضانُ ترك عاشوراءَ، فمن شاء صامه، ومن شاء تركَه» .

وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: قال: «قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- المدينةَ، فرأى اليهودَ تصومُ عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: [هذا] يوم صالح، نَجَّى اللهُ فيه موسى وبني إِسرائيل من عدوِّهم، فصامه، فقال: أنا أحقُّ بموسى [منكم] ، فصامَهُ - صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه» .

وعن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه -: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- قال: «صيام يوم عاشوراء: إِني أحْتَسِبُ على الله أن يكفِّر السنَّةَ التي قبله»..

وأما أخي اليوم التاسع فإنما شركني في الفضيلة والذكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم عزم على صومه معي من السنة المقبلة إمعانا في مخالفة اليهود؛ غير أن المنية سبقت ذلك:

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : «حين صام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تُعظِّمه اليهود والنصارى؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: فإذا كان العامُ القابل - إن شاء الله - صمتُ اليوم التاسع، فلم يأت العام المقبل حتى تُوُفِّيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-»

وهذا هو الأمر الوحيد الذي يشرع فعله في زماني باتفاقِ علماء المسلمين، فكل ما يُفعَل فيه غيرُ ذلك من الاختضاب والكحل والتزين والاغتسال والتوسُّع على العيال غير العادة فيه من حبوب أو غيرها هو من البدع المحدثة في الدين، لم يستحبَّها أحدٌ من العلماء([1]).

 

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ..

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

فأما رزية الإسلام في مقتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن ابنته وسيد شباب أهل الجنة؛ فأمر يتفطر له القلب حزنا وألماً، وتأثرا وكمدا؛ وقد أمرنا بالاسترجاع عند المصائب، ونهينا عن النوح والمعايب؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وأما من قتل " الحسين " أو أعان على قتله، أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً"([2]).

فإنه في سنة 60 من الهجرة النبوية بُويع ليزيد بن معاوية بالخلافة، وكان الحسين -رضي الله تعالى عنه- يرى أن هناك من هو أحق بالخلافة منه، فلم يبايع وترك الناس وشأنهم، وجاور مكة يتعبد الله –تعالى.

وسمع أهل الكوفة بذلك، وكانوا أصحاب فتن وشقاق ويُظهرون الميل لعليّ وشيعته فأرسلوا الكتب الكثيرة يدعون الحسين -رضي الله تعالى عنه- للقدوم وإنكار ذلك المنكر، فأرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل ليستوثق الخبر.

ولما وصل مسلم بن عقيل الكوفة وجد الناس يريدون الحسين -رضي الله تعالى عنه- فكتب إلى ابن عمه الحسين أن اقدم إلينا.

وعندما علم يزيد بن معاوية بذلك أمر واليه على البصرة عبيد الله بن زياد أن يضم الكوفة إليه، وأن يمنع أهل الكوفة من الخروج عليه.

وبمكر من عبيد الله ودهاء أغرى كبراء أهل الكوفة بالمال واستطاع الإمساك بمسلم بن عقيل ابنِ عم الحسين فكتب قبل قتله كتابًا للحسين يقول فيه: "ارجع بأهلك يا حسين ولا يغرنك أهل الكوفة، فقد كذبوني وكذبوك، وليس لكاذب رأي، عاداتهم في الشر معروفة وليس في الخير لهم من يد".

ولم يعلم الحسين بن علي -رضي الله عنه- بما حصل لابن عمه، وخيانة أهل الكوفة له، فخرج ومعه سبعون من أهل بيته، وحاول الصحابة كابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعبد الله بن عمرو وأخيه محمد بن الحنفية؛ ثنيه عن الخروج ففشلوا.

مضى الحسين -رضي الله تعالى عنه- إلى العراق وقبل وصوله علم بمقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، فهمَّ أن يرجع إلا أن أبناء مسلم بن عقيل الذين كانوا معه طلبوا ثأر أبيهم فنزل على رأيهم وواصل المسير.

أما عبيد الله بن زياد فقد أرسل جيوشه لمنع الحسين من دخول الكوفة، فالتقى الجمعان في أرض كربلاء في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة.

ولما رأى الحسين رضي الله تعالى عنه أن لا تكافؤ بينه وبين جيش خصمه عرض عليهم ثلاثة أمور: إما أن يتركوه ليرجع من حيث أتى، أو أن ينطلق إلى ثغر من ثغور المسلمين للجهاد في سبيل الله، أو أن يتركوه فيذهب إلى يزيد في الشام؛ فأبوا إلا أن يربطوه وينزل على حكم عبيد الله بن زياد، فقال الحسين: لا والله لا أنزل على حكم ابن زياد أبداً، ثم رفع يديه إلى السماء ودعا على أهل الكوفة قائلاً: "اللهم إن متعتهم إلى حين ففرِّقهم فرقاً (أي: شيعاً وأحزاباً) واجعلهم طرائق قددًا، ولا ترض الولاة عنهم أبدًا، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا"

وبدأ القتال الذي تساقط فيه أهل بيت الحسين واحدا تلو الآخر، حتى خلص الشقي شمر بن ذي الجوشن إلى الحسين فرموه بالرمح وطعنوه لتفيض الروح الزكية شهيدة إلى بارئها.

فمن قتل الحسين؟ آلصحابة الذين أرادوا منعه من الخروج؟ أم أهل السنة الذين أحبوه وتألموا لقتله ولعنوا من فعل ذلك؟

أم جيش الكوفة الذين هم شيعة أبيه والذين ليس فيهم شامي ولا حجازي ولا نجدي ولا مصري، ولكنها طبيعة القتلة الذين يمشون بعد القتل مع الجنازة.

ورحم الله زين العابدين بأهل الكوفة يبكون وينوحون زجرهم قائلا: " تنوحون وتبكون من أجلنا فمن الذي قتلنا؟؟"([3])

فما ترونه من أفعال القوم المشينة في يوم عاشوراء فليس من دين الإسلام، وهو أمر لم يفعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا أحد من السابقين الأولين ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من عادة أهل البيت ولا غيرهم.

وقد شَهِدَ مقتلَ عليٍّ أهلُ بيته، وشهدَ مقتلَ الحسين من شهدَه من أهل بيته، وقد مرَّتْ على ذلك سنون كثيرة وهم متمسكون بسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا يُحدِثون مأتمًا ولا نياحةً، بل يصبرون ويسترجعون كما أمر الله ورسولُه([4]).

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...

...........................................................................

([1]) (جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الثالثة (ص: 376)

([2]) الفتاوى (4/487).

([3]) من قتل الحسين (ص47).

([4]) جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الثالثة (ص: 93)

المشاهدات 885 | التعليقات 0