عاشوراءُ ونصرُ فلسطينَ-6-1-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1446/01/05 - 2024/07/11 13:48PM

عاشوراءُ ونصرُ فلسطينَ-6-1-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

ونَحنُ نَنتَظرُ يَومَ عَاشوراءَ يومَ التَّمكينِ والنَّصرِ العَظيمِ، عِندَمَا أَنجى اللهُ-تَعَالى-نَبيَّهُ مُوسى-عَليهِ السَّلامُ-وقومَهُ، وأَغرقَ فِرعونَ وقومَهُ، دَعونَا نَربِطُ أَحدَاثَ المَاضي بأحدَاثِ الحَاضرِ، ونَستَشرفُ المُستَقبلَ في النَّظرِ إلى سُنَّةِ اللهِ القَاهرِ، (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا).

تَأَمَلوا في هَذا المَوقفِ لِمُوسى-عَليهِ السَّلامُ-: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ)، فَقَتَلَ رَجُلًا قِبطيًّا خطأً، ولَمَا ذَكَّرَهُ فِرعونُ بِتَربيتِهِ لَه، وعَابَ عَليهِ هَذا العَملَ، قَالَ لَهُ مُوسى: (فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)، فَكَنتُ مُخطِئًا في قَتلِ رَجلٍ وَاحدٍ، وَأَما أَنتَ يَا فِرعونُ: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)، كَيفَ أَصبحَ لَكَ الحَقُّ أَنْ جَعلتَهم عَبيدًا لَكَ وسَخَّرتَهم في الأعمَالِ الشَّاقةِ، وقَتلتَ أبنَاءَهم بِغَيرِ حَقٍّ، وأبقيتَ نِسَاءَهم، ثُمَّ تَعيبَ عَليِّ نَفسًا واحدةً قَتلتُها خطأً، فَأيُّ مِيزانٍ تَزِنُ بهِ الأمورَ يَا فِرعونُ؟!

واليَومَ نَرى الآلافَ مِنَ الأَطفالِ والنِّساءِ وكِبارِ السِّنِّ يُقتَلونَ دُونَ ذَنبٍ أو جَريمةٍ، فمَنْ يَصبرُ عَلى هَذا العَدوِّ الغَاشمِ! وَهو مِن سِنينَ عَديدةٍ يَسومُهم سُوءَ العَذابِ نَهَارًا ولَيلًا، أَسرًا وتَعذيبًا وقَتلًا، واعتداءً عَلى الأرضِ والمُمتَلَكاتِ، وانتِهَاكًا لِلمَساَجدِ واِلمُقدَسَاتِ، لا يَرقبُ فِيهِم عَهدًا ولا اتفَاقيَاتٍ، ولا يَردَعُه قَانونٌ ولا عُقوباتٌ، ثُمَّ يَأتي من يُطَالبُ بِضبطِ النَّفسِ.    

وأَما المَوقِفُ الثَّاني: فَهو لِفِرعونَ وَهو يُقدِّمُ لِمُوسى-عَليهِ السَّلامُ-تِلكَ الخِدمَةَ الكبيرةَ بِتَهيئةِ وَسَائلِ الإعلامِ، لِعَرضِ مَا عِندَه مِن الحقِّ والهُدى، قَالَ: (فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى*قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)، واجتمع النَّاسُ مِن أَقطَارِ البَّرِ والبَحرِ، وظَهَرَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَّاطِلُ والسِّحرُ.

وَهَكَذا عِندَمَا جَاؤوا بِالإعلامِ الدَّوليِّ لِيَرى مَا فَعَلَهُ طُوفانُ الأقصى في مُستَوطَناتِهم، فَرأى أَحدَاثًا غَامضةً، مِن اختِراقٍ لأَحدَثِ أَجهزةِ المُراقبةِ، ووصولٍ إلى أَكثرِ الأمَاكنِ المُحصَّنَّةِ، بِأَفرادِ عَاديينَ، وسِلاحٍ مَحَليٍّ، مَعَ عَدَدِ من القَتلى والأَسرى، ولَكِنْ عِندَمَا نَظَرَ الإعلامُ في الجِهَةِ المُقَابلةِ رأى مَا تَتَقَطَّعُ لَهُ القُلوبُ، وتَدمَعُ لَهُ العُيونُ، وتَذهلُ مِنهُ العُقولُ، عَشَراتُ الآلافِ مِن الأشلاءِ المُبَعثرةِ، وكثيرٌ مِن البُيوتِ والقُرى والمُستَشفيَاتِ والمدارسِ مدمرةٌ، وقَطعٌ لإمدادَاتِ الطَّعامِ والشَّرابِ والدَّواءِ، وكلُّ ذلَكَ يُبثُّ لِلعَالمِ عَلى الهَواءِ.

وقديمًا (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ‌اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، واليومَ نَرى مِن قُوَّةِ الصَّبرِ في أَهلِ فِلسطينَ ما أدهشَ العالمَ، رأوا ثَباتًا كَثَباتِ الجِبالِ، مِنْ شُيوخٍ ونِساءٍ وأطفَالٍ، كَلِمَاتُ الحَمدِ والثَّناءِ، وثِقَةٌ بِوَعدِ ربِّ السَّماءِ، وكَم مِن دَعوةِ مَظلومٍ، قَد اختَرَقتْ الحُجُبَ، حَتى وَصَلَتْ لِرَبِّ العَالمينَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي لأنصُرَنَّكِ ولو بَعدَ حِينٍ.

وبَينَ تِلكَ المَواقفِ المُزعِجَةِ، تَأتي البَشائرُ المُبهِجَةُ، (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى*‌فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)، وكَمَا ظَهَرَ كَيدُ البَاطلِ عِندَمَا ألقى مُوسى عَصَاهُ، ظَهَرَ الدِّينُ الحَقُّ عِندَمَا ألقى اللهُ-تَعالى-هُداهُ، فَدَخلَ النَّاسُ في دِينِ اللهِ أَفواجًا بِما رأوا مِن ثَباتِ أهل الحقِّ، وظُلمِ أهلِ البَاطلِ، وهَكَذا يَنتَشِرُ الإسلامُ في الأَرجَاء، عِندَمَا تَسيلُ دِماءُ الشُّهَداءِ، (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فمِن فَوائدِ أحدَاثِ فِلسطينَ ظُهورُ أَمرِ المُنَافقينَ، كَعَادَتِهم في نَصرِ إخوانِهم الذينَ كَفروا من أهلِ الكِتابِ بِالقَلمِ واللِّسانِ، لأنَّهم لَيسوا أَهلًا لِنُصرَتِهم بالسَّيفِ والسِّنانِ، فقد كَشَفَ اللهُ-تَعالى-حَالَهم فَقَالَ: (‌أَلَمْ ‌تَرَ ‌إِلَى ‌الَّذِينَ ‌نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)، وَظَهَرتَ الصُّورةُ القَبيحَةُ لِلكَيانِ المُحتَلِّ، والتي حَاولوا أن يُزَيِّفوها بِالكَذبِ والدَّجَلِّ، فلا تَطبيعَ يَنفَعُ مَعهُ ولا سَلامَ، ولا مَحبةَ يَستَحِقُّها ولا وِئامَ.

وهَكَذا يأتي عَاشوراءُ في كُلِّ عَامٍ بِذِكرى النَّصرِ لأهلِ الحقِّ الصَّابرينَ، ولَيتَ اليَهودُ يَتَذَكَّرونَ كَيفَ نَصَرَهم اللهُ-تَعالى-عِندَمَا كَانوا مَظلومينَ، فَقَد سَألَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-الْيَهُودَ عَنْ صِيَامِهم يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-عَليهِ الصلاةُ والسَّلامُ-: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ"، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِه، وَكَانَ يَنوي صِيَامَ التَّاسعِ مُخَالفةً لليَهودِ، وقالَ-عليه الصلاةُ والسَّلَامُ-مُرَغِبًا في صيامِهِ: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشوراءَ إنِّي أحْتَسِبُ على الله أنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ".

لِمَ الحُزنُ والدَّمعُ الذي يَتَحدَّرُ؟! *

                       وَقَلبُكَ مِنْ فَرطِ الأَسى يَتَفَطَّرُ

لِمَ اليَأسُ والبُؤسُ المُقيمُ أَلا تَرى*

                                بِأنَّ وُعودَ اللهِ لا تَتَغيَّرُ!

إذا اكتَبَرَ الأَعداءُ عَدًّا وَعُدَّةً*

                          فَلا تَنسَ أَنَّ اللهَ أَعلَى وَأَكبَرُ

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ.

اللَّهُمَّ اغفرْ لنا وللمسلمينَ، وارحمْنا وارزقْنا وإياهُم.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1720695004_عاشوراءُ ونصرُ فلسطينَ-6-1-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1720695004_عاشوراءُ ونصرُ فلسطينَ-6-1-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 646 | التعليقات 0