عاشوراء وعلاقة الأمة بالأنبياء

هلال الهاجري
1445/01/02 - 2023/07/20 05:54AM

الحمدُ للهِ، جعلنا من خيرِ الأممِ، وأسبغَ علينا ما لا يُحصى من النعمِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومن تبعَهم إلى يومِ الدينِ، أَمَّا بَعدُ:

أُوصيكم بوصيةِ اللهِ تعالى للأولين والآخرين (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).

هُناك علاقةٌ قَديمةٌ بينَ الأنبياءِ وهذه الأمةِ، بَدأتْ هذه العلاقةُ لمّا أخذَ اللهُ تعالى الميثاقَ عليهم أنه لو بُعثَ نبيُنا عليه الصلاةُ والسلامُ وهم أحياءٌ لأصبحوا من هذه الأمةِ، أتباعاً له، مؤمنينَ به، ناصرينَ له، قَالَ تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)

قالَ عليُ بنُ أبي طالبٍ وابنُ عمِه عبدُ اللهِ بنُ عباس رضيَ اللهُ عنهم: (ما بعثَ اللهُ نبياً من الأنبياءِ إلا أخذَ عليه الميثاقَ، لئن بَعَث محمدًا وهو حَيٌّ ليؤمننَ به ولينصرنَه، وأمَرَه أن يأخذَ الميثاقَ على أمتِه: لئن بُعثَ محمدٌ صلى اللهُ عليه وسلمَ وهم أحياءٌ ليؤمِنُنَّ به ولينصرُنَّه)، وكما قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: (لو كانَ أخي موسى حياً ما وسعَه إلا اتباعي).

ولنا علاقةٌ خاصةٌ بأبينا آدمَ عليه السلامُ، فهو يَضحكُ ويَبكي بسببِ أبناءِه ونحنُ منهم، كما في حَديثِ المعراجِ (قَالَ: فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ (أي جماعاتٌ) قَالَ: فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى. قَالَ: فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ (أي أرواحُ) بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ. فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى).

ولنا علاقةٌ خاصةٌ بنوحٍ عليه السلامُ، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : هَلْ بَلَّغْتَ ؟ ، فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ : هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ ، فَيَقُولُونَ : لَا مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ ، فَيَقُولُ : لِنُوحٍ مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ ، فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)، وقد يقولُ قائلٌ: كيفَ نشهدُ على ما لم نحضرُ ونرى، فنقولُ: إن المؤمنَ قد يشكُ في رؤيةِ عينيه ولا يشكُ فيما ذكرَ اللهُ تعالى في كتابِه، فالمؤمنُ الحقُ عندما يتلو كتابَ ربه، فكأنه في ذلك الزمانِ، يرى نوحاً عليه السلامُ وهو يسيرُ في قومِه ويقولُ لهم: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

وأما علاقَتُنا بخليلِ اللهِ إبراهيمَ عليه السلامُ، فلا ننسى دعوتَه المباركةَ أن يبعثَ اللهُ تعالى لنا هذا النبيَ الكريمَ حينَ قالَ: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، ولم ينساكُم لما لقيَ نبيَّنا عليه الصلاةُ والسلامُ في الإسراءِ كما قالَ: (لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ (أي أرضٌ لا زرعَ فيها)، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ).

وأما عيسى بنُ مريمَ عليه السلامُ فسيكونُ فرداً من أفرادِ هذه الأمةِ كما أخبرَنا نبيُنا صلى اللهُ عليه وسلمَ أنه سينزلُ عندَ المنارةِ البيضاءِ شرقي دمشقَ بسوريا، ويُصلي خَلفَ المَهدي، ثم يَقتلُ الدجالَ ويكسرُ الصليبَ، ويقتلُ الخنزيرَ ويضعُ الجزيةَ، ويدعو الناسَ إلى الإسلامِ، ويُهلكُ اللهُ في زمانِه الِمللَ كلَها إلا الإسلامَ، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون.

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ والمسلماتِ من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

اﻟﺤﻤﺪُ ﻟﻠﻪِ ﺣﻤﺪاً ﻳﻠﻴﻖُ ﺑﺠﻼلِ وﺟﻬﻪِ وﻋﻈﻴﻢِ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪِ واﻟﺼﻼةُ واﻟﺴﻼمُ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪٍ وﻋﻠﻰ آﻟﻪِ وﺻﺤﺒﻪِ، أﻣﺎ ﺑﻌﺪ:

وأما كليمُ اللهِ موسى فله مع هذِه الأمةِ فضلٌ لا يمكنُ أن ننساه، كما جاء في حديثِ المعراجِ أن النبيَ صلى اللهُ عليه وسلمَ قال: (ثم فُرِضَتْ عليَّ الصلوات خمسين صلاةً كل يوم)، تخيلوا يا عبادَ اللهِ لو أننا نصلي خمسينَ صلاةٍ فرضاً في كلِ يومٍ، هذا يعني أنك تصلي في كلِ ساعةٍ صلاتينِ تقريباً، ثم قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: فرجعتُ فمررتُ على موسى فقالَ: بما أمرتَ؟ قالَ: أمرتُ بخمسينَ صلاةٍ كلَ يومٍ، قالَ: إنَّ أُمتَك لا تستطيعُ خمسينَ صلاةٍ كلَّ يومٍ، وإِنِّي واللهِ قد جربتُ الناسَ قبلَك وعالجتُ بني إسرائيلَ أَشدَّ المعالجةِ، فارجعْ إلى ربِّك فاسألُه التخفيفَ لأُمَّتِك، وهَكَذا يُرجِعُهُ في كلِّ مَرةٍ حتى أَصبَحتْ خَمسَ صَلواتٍ، فجزاه اللهُ عن هذه الأمةِ خيرَ الجزاءِ.

فردوا عبادَ اللهِ هذا الجميلَ وصوموا ذلك اليومَ الذي نَجَّاهُ اللهُ تعالى ومن معه شُكراً للهِ تعالى كما جاءَ في حديثِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ سَألَ الْيَهُودَ عَنْ صِيَامِهم يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ) فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ في آخرِ سَنةٍ مِن حَياتِهِ: (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ)، مُخَالفةً لليَهودِ.

واعلموا أن في صيامِه مغفرةَ الرحمان، لعامٍ كاملٍ وما فيه من الذنوبِ والعِصيانِ، كما قالَ عليه الصلاةُ والسلام: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشوراءَ إنِّي أحْتَسِبُ على الله أنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ)، وأكثروا من صيامِ شَهْرِ المُحَرَّمِ، فإنه أفضلُ الصيامِ بعدَ شهرِ رمضانَ المُعظَّمِ، فقد جاء في الحديثِ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ).

اللهم إنا نسألُك من الخيرِ كلِه؛ عاجلِه وآجلِه، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذُ بك من الشرِ كلِه؛ عاجلِه وآجلِه، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نعوذُ بك من العجزِ الكسلِ، ومن الهرمِ وسوءِ الكبرِ يا حيُ يا قيُّومُ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، ربنا إنا ظلمنا أنفسَنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكوننَ من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنَا عذابَ النارِ.

المرفقات

1689821665_عاشوراء وعلاقة الأمة بالأنبياء.docx

1689821674_عاشوراء وعلاقة الأمة بالأنبياء.pdf

المشاهدات 1658 | التعليقات 0