عاشوراء ُ عطاءٌ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/01/05 - 2024/07/11 13:29PM

الحمدُ للهِ المبتدئِ بحمْدِ نفسهِ قبل أن يَحمدَهُ حامِدٌ. أشهدُ أن لا إلهَإلا هوَ الصمدُ الواحدُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه إلى الثقلينِ، فصلى اللهُ وسلمَ عليه عددَ طلوعِ النيِّرينِ، أما بعدُ:

فاتقوا ربَكم؛ فتقواهُ خيرُ ما اخترتُم وادخرتُم.

يومُ الثلاثاءِ القادمِ يومٌ عظيمٌ؛ لأنهُ يوافِقُ حدَثًا تاريخيًا كبيرًا في حياةِ البشريةِ، أتدرونَ ما هوَ؟! نتذكرُ في يومِ الثلاثاءِ وكلَّ يومٍقدرةَ اللهِ الكاملةَ الباهرةَ، يومَ انقلبَ فيهِ البحرُ بأمواجهِ، إلى طريقٍيمشونَ بفِجاجهِ. إنه يومٌ ذَلَّ فيهِ الطاغيةُ الأكبرُ المتكبرُ القائلُ:ﵟمَا ‌عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِيﵞ ﵟأَنَا۠ رَبُّكُمُ ‌ٱلۡأَعۡلَىٰﵞ والنتيجةُ: ﵟفَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡأٓخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓﵞ

مَن يَقدرُ أن يُحوّلَ البحرَ إلى يابسةٍ إلا اللهُ؟ مَن يَقدرُ أن يقولَللشيءِ بكلمةٍ واحدةٍ من حرفينِ: كنْ، فيكونُ. ﵟوَمَا كَانَ ٱللَّهُ ‌لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗاﵞ[فاطر44] 

إنه اللهُ القديرُ! أتدرونَ كمْ وردتْ كلمةُ (قديرٍ) في القرآنِ من مرةٍ؟! وردتْ خمسينَ مرةً ﵟ‌لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞﵞ[الطلاق12] ولتعلمُوا أن اللهَ هزمَ مليونَ مقاتلٍ مع فرعونَأمامَ مَن احتقرهَم فقالَ: ﵟإِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَﵞ فأذَلَّهُم ربُنا؛ لأنهُ: ﵟإِن ‌يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي ‌يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِﵞ[آل عمران160] 

لحظاتُ خوفٍ رهيبةٌ، ولكنَّ نبيَ اللهِ موسَى كانَ في غايةِ الطمأنينةِ، فحينَ قالَ بلسانِ الواثقِ: ﵟإِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِﵞ إذا بالفرجِ الربانيِ العجيبِ يأتي بثوانٍ! وسُرعانَ ما أمرَه اللهُ: (أَنِاضْرِبْ بِّعَصَاكَ البَحْرَ) يالِلهِ العجبُ! الماءُ المائعُ يصبحُ بقدرةِ الكبيرِ المتعالِ؛ قائمًا جامدًا مثلَ الجبالِ بلحظة! وينفلقَ بإذنِ اللهِ –تعالى-وقدرتِهِ، ويُفْرَقُ وسطَ الماءِ اثنا عشرَ طريقًا (كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِالعَظِيمِ). فيتْبَعُ فرعونَ المليونُ مقاتلٍ، فلما استكمَلوا فيه، أمرَ اللهُكليمَه موسَى فضربَ بعصاهُ البحرَ، لينطبِقَ عليهم، ويبتلعَهم، فلمينجُ منهم إنسانٌ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ). إيْواللهِ آيةٌ! لكنْ هل نحنُ مؤمنونَ معتبِرونَ؟!

لقد تكررَ ذِكرُ قصةِ موسى وفرعونَ في خمسةٍ وعشرينَ سورةً من القرآنِ، لأنها من أحسنِ القِصَصِ، بل هي أحسنُ من قصةِ يوسفَعلى حُسنِها، وربُنا يقولُ عن قصةِ موسى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى).

فما العِبَرُ التي نَجنيْها لِنَخشَى؟ من العبرِ الاعتبارُ بقدرةِ اللهِتعالى الكاملةِ، وأن العاقبةَ للمتقينَ، وأن الدائرةَ على الظالمينَ: (فَلاَتَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًا). وفي غمرةِ الشعورِ باليأسِوالإحباطِ مما يصيبُ المسلمينَ اليومَ من نكباتٍ، يأتيْ يومُ عاشوراءَليعلمَنا الفألَ وانتظارَ الفرجِ، ولِيذكرَنا بتجديدِ الشكرِ للهِ على نصرهِللمؤمنينَ، وهزيمتهِ للظالمينَ. فإذا صُمْتَ فلتَستشعِرْ مَقامَ الشكرِ مع الأجرِ، ففي الصحيحينِ أن مُوسَى صَامَ عاشوراءَ ‌شُكْرًا لِلَّهِ، فَصَامَهُنبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقَالَ: أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ().

الحمدُ للهِ مجيبِ دعوةِ المضطرِ، وصلى اللهُ وسلمَ على الداعي إليهِفي السرِ والجهرِ. أما بعدُ: فمِن حكمةِ اللهِ -جل وعلا- أن جعلَطرفَيِ العامِ شهرينِ محرّمينِ، فينتهيْ بشهرِ ذي الحِجةِ ويبتدئُبشهرهِ المحرَّمِ؛ إشعارًا للمؤمنِ بأن يختمَ عملَه بالخيرِ ويفتتحَه بالخيرِ،فقبلَ أن ينتهيَ العامُ نصومُ عرفةَ ليغفرَ اللهُ لنا، وفي بدايةِ العامِنصومُ عاشوراءَ ليغفرَ لنا، ويأبَى اللهُ -سبحانَه بفضلهِ وعطائهِ- إلا أن يتوبَ علينا، ويمُنَّ علينا بأن نبدأَ عامَنا طاهرينَ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}. فاللهم تبْ علينا، واجعلْ خيرَ عمَلِنا ما ولِيَ أجلَنا.

أيُها المسابقُ للخيراتِ: لو سألتَ: ما الأفضلُ في صيامِ عاشوراءَ؟

فيُقالُ: الأفضلُ أن تتسحرَ وتصومَ حسبَ الرؤيةِ يومَيِ الاثنينِوالثلاثاءِ؛ لتجمعَ بينَ أجرينِ: أجرِ تكفيرِ سنةٍ، وأجرِ مخالفةِ أهلِالكتابِ. ولا يُكرَهُ إفرادُ العاشرِ بالصومِ، بل مَن صامَهُ بنيةِ القضاءِ والنفلِ جميعًا، فيُرجَى أن يَحصُلَ له الأجرانِ: أجرُ عاشوراءَ وأجرُ القضاءِ().

وهل يُكفِّرُ صومُ يومِ عاشوراءَ الكبائرَ؟

والجوابُ أن الصلاةَ وصيامَ رمضانَ أعظمُ من صيامِ عاشوراءَ، ومع هذا قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ ‌إِذَا ‌اجْتَنَبَ ‌الْكَبَائِرَ. رواه مسلم().

ولقد كانَ الصحابةُ يُصَوِّمونَ صبيانَهم عاشوراءَ، فلنقتَدِ ولنَحُثَّصبيانَنا على صيامِهِ، خاصةً وأنهم بإجازةٍ، ولا يتعرضونَ للشمسِ.

ولْتعزِمْ على صيامِ يومٍ؛ كانَ أطفالُ الصحابةِ يَصومونَه، بل كانت تصومُه الأمةُ اليهوديةُ الكافرةُ، والأمةُ الجاهليةُ المشركةُ. أفنزهَدُ بصيامِه ونحنُ الرجالُ المسلمونَ المقتدرِونَ؟!

• فاللهم لكَ الحمدُ على الأمنِ والإيمانِ، وعلى إمدادِ الأعمالِ والأعمارِ، والإغداقِ بالأرزاقِ.
• اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ أَنْ لاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون.
• اللهم هبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ واجعلنا للمتقينَ إمامًا.
• اللهم يا سامعَ دعوتِنا! ويا مقيلَ عثرتِنا! اكشفْ عنا وعن المسلمينَ كل ضيقٍ، وأعنا والمسلمينَ على ما نطيقُ، واكفنا ما لا نُطيقُ، واحفظنا وجنودَنا وحدودَنا واحفظ إخوانَنا بفلسطينَ، واهزمِ اليهودَالغاصبينَ.
• اللهم أيدْ إمامَنا ووليَ عهدِه بالحقِ والسدادِ، اللهم ارزقهمْ بطانةَالصلاحِ والرشادِ.
• اللهم يا ذا النعمِ التي لا تحصَى عدداً نسألكَ أن تصليَ وتسلمَعلى محمدٍ أبداً

المرفقات

1720693766_‎⁨عاشوراء عطاء⁩.docx

1720693766_‎⁨عاشوراء عطاء⁩.pdf

المشاهدات 894 | التعليقات 1

جزاك الله خير الجزاء