عاشوراء دروس وأحكام 1445/11/6ه

يوسف العوض
1446/01/04 - 2024/07/10 14:12PM

الخطبة الأولى

أيها المسلمون: العاقلُ هو مَن يَعتبر بسُنن الكون ويستفيد من أحداثه خصوصاً تلك الأحداث العظيمة والمواقف الكبيرة التي تُغيّر مجرى التاريخ، وها نحن مقبلون على يوم عظيم من تلك الأيام؛ يوم من أيام الله الخالدة التي ينبغي الوقوف معها وأخذ العبر منها.

إنه يوم عاشوراء، وما أدراكم ما يوم عاشوراء؟ يوم نجَّى الله فيه نبيه وكليمه موسى -عليه الصلاة والسلام- من أعظم الطغاة في الأرض في مشهد مليء بالدروس والعبر.

وقد أراد فرعون أن يبطش بموسى ومن معه؛ فلحق بهم في جيش عظيم حتى أدركهم قرب البحر حتى ظن قوم موسى أن فرعون قد أدركهم، وأنه لا سبيل لهم في النجاة؛ (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

هنا أهلك الله الطاغية فرعون وقومه، ونجَّى الله موسى وقومه، فكان هذا اليوم أعظم أيام بني إسرائيل، وهو من أيام الله الخالدة التي أبقى الله فضله إلى قيام الساعة.

وفي هذا اليوم دروس وأحكام وعبر نقف مع شيء منها لنستفيد من أحداثها وعِبَرها:

أيها المسلمون: من هذه الدروس.. ارتباط هذه الأمة بالأنبياء السابقين، وقد قال -عليه الصلاة السلام- مبيناً هذا الارتباط بين هذه الأمة والأنبياء السابقين، وأنها أحق بالأنبياء من أقوامهم الذين كذّبوهم؛ فقال لليهود وهو يتحدث عن عاشوراء: "نحن أولى بموسى منكم"، وشواهد هذا في الكتاب والسنة كثيرة

ومن دروس عاشوراء.. التذكير بنصر الدين وأهله مهما بلغ ضعفهم المادي، ومهما بلغت قوة الباطل وأهله؛ فقد بلغت قوة فرعون وأتباعه المادية ما لا يطيقه موسى ومن معه من المؤمنين؛ (قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) ومع ذلك هزم فرعون وأتباعه شرّ هزيمة، وكان هلاكهم عبرة للتاريخ؛ فلا تخف -أيها المبارك- على ضياع الدين؛ لأن له ربًّا ينصره، ولكن اجعل لك دورًا في تحقيق هذا النصر؛ حسب استطاعتك.

ومن دروس عاشوراء: أن الله يجعل لهلاك الطغاة أسبابًا لا تخطر لهم على بال، ولهذا لم يخطر على بال فرعون فضلاً عن غيره أن يكون هلاكه على يد مَن تربى في بيته.

ومن دروس عاشوراء: أن النصر الذي يفرح به أتباع الأنبياء هو الذي يخدم دينهم ويعزه (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ).

ومن دروس عاشوراء: أن الله سلط على المخالفين لهدي نبيه -صلى الله عليه وسلم- أنفسهم؛ فجعلوا يضربونها في هذا اليوم كأنه عقاب لهم؛ لتركهم هديه -عليه الصلاة والسلام-؛ فكان عقابهم بأيديهم عبرةً لكل معتبر، وآية لكل صاحب عقل سليم؛ فأين المتفكرين والمعتبرين؟!

ومن دروس عاشوراء أن هذا الدين مبناه على الاتباع، فلا ابتداع حزن بدون دليل، ولا اتخاذه عيداً بدون دليل، إنما صيامه كما جاء الدليل عن الحبيب -صلى الله عليه وسلم-.

الخطبة الثانية

أيها المسلمون: يوم عاشوراء في هذا العام يوافق يوم الثلاثاء القادم؛ فيستحب صيامه ومن السنة صيام التاسع معه ويوافق هذا العام يوم الأثنين لحديث: "لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع".

وصيام التاسع مع العاشر هو أعلى مراتب صيام عاشوراء، أما من أحبّ أن يصوم معها الحادي عشر بقصد الثلاثة أيام من كل شهر؛ فهو على خير، وشهر محرم كله يُستحب فيه الإكثار من الصيام.

ومن أحكام يوم عاشوراء: أن من صام عاشوراء وحده فهو على خير عظيم، ويرجى له تكفير السنة التي قبله كما ورد بذلك النص، وفضل الله واسع، ولا دليل على كراهة إفراده، وصوم التاسع معه أفضل لمن استطاع كما سبق بيانه.

المرفقات

1720609960_عاشوراء.docx

المشاهدات 680 | التعليقات 0