عاشوراء حِكَم وأحكام

عبدالله بن رجا الروقي
1437/01/02 - 2015/10/15 13:28PM
أما بعد ففي هذا الشهر الحرام وفي اليوم العاشر منه أنجى الله موسى عليه السلام وأصحابه من فرعون وقومه.
وقد تكرر ذكر قصتهم في القرآن ، فهي أكثر القصص تكراراً في كتاب الله ، وهذا يدل على كثرة فوائدها ومافيها من العبر.

فقد ابتُلي بنو اسرائيل بظلم فرعون قال تعالى
﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ*مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾
وماذا كان يفعل بهم فرعون؟
يقول تعالى:﴿ وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ﴾
إذن كان فرعون كافراً مدعياً للربوبية سفاكاً للدماء
وتدبّر - ياعبدالله - ماالذي أُمر به موسى - عليه السلام - وقومه، قال تعالى: ﴿ قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ﴾
وقال تعالى ﴿ وإذ قال موسى لقومه ياقوم إن كنتم آمنتم بِالله فعليه توكلوا إِن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا ربنا لاتجعلنا فتنة للقوم الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين * وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين ﴾
فهؤلاء قوم موسى ابتلاهم الله بفرعون الكافر الذي ادعى الربوبية وقَتَّل أبناءهم ومع ذلك ما أمروا بقتاله ولا بمايعرف الآن بالمظاهرات وذلك لضعفهم بل أمروا بالصبر والتوكل على الله والدعاء والصلاة ، وفي الآية دليل على أن الصلاة من أسباب تفريج الكربات.
وقد دل على ذلك أيضاً قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

عباد الله:
عندما امتثل بنو إسرائيل ما أمر الله به كانت العاقبةُ الطيبةُ التي ذكرها الله تعالى في قوله :
﴿ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني اسرائيل بماصبروا ودمرنا ماكان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ﴾
وتدبر قوله تعالى في الآية (بماصبروا) أي لأجل صبرهم على ماابتلوا به من ظلم حاكمهم فرعون.

قال الحسن البصري رحمه الله : والله، لو أنَّ الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يُرفع عنهم، وذلك أنّهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه، ووالله ما جاؤوا بيوم خيرٍ قط، ثمَّ تلا قوله تعالى: {وتمَّت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوايعرشون }». انتهى.

بل إن الله عزوجل لما أرسل موسى وهارون إلى فرعون قال ﷻ : ﴿ فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ﴾ مع أنه كافر مدع للربوبية.
وهذا نبينا ﷺ مكث في مكة ثلاث عشرة سنة قُتل فيها من قتل من أصحابه وأوذي من أوذي وكانت الأصنام حول الكعبة تعبد من دون الله ومع ذلك لم يجاهد بسلاح هو و لا أصحابه رضي الله عنهم وذلك لضعفهم وعدم قدرتهم في ذلك الوقت.
نعم الجهاد حق لكن إذا وجدت شروطه وحلّ أوانه فهو عبادة جليلة من العبادات.
لكن الذي يقدره ويفتي به هم العلماء الكبار ، وهم الذين يُرجع إليهم في هذه المسائل.

عباد الله هذه فائدة من الفوائد الكثيرة لقصة موسى عليه السلام مع فرعون ، وإنما ذكرتها لدعاء الحاجة إليها وماهو واقع هذا الزمان من الزج ببعض الشعوب في مواجهات لاقبل لهم بها ترتب عليها سفك للدماء وانتهاك للأعراض.
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية

أما بعد فهذه تنبيهات تتعلق بهذا اليوم العظيم يوم عاشوراء
أولها : صيام عاشوراء يكفر سنة ماضية لقوله صلى الله عليه وسلم : صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ. رواه مسلم.
لكن ذلك مقيد باجتناب الكبائر قال ابن القيم رحمه الله:
...وَكَاغْتِرَارِ بَعْضِهِمْ عَلَى صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ، أَوْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ : يَوْمُ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ الْعَامِ كُلَّهَا ، وَيَبْقَى صَوْمُ عَرَفَةَ زِيَادَةً فِي الْأَجْرِ ، وَلَمْ يَدْرِ هَذَا الْمُغْتَرُّ ، أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ ، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَهِيَ إِنَّمَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ .
فَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ ، لَا يَقْوَيَان عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ ، إِلَّا مَعَ انْضِمَامِ تَرْكِ الْكَبَائِرِ إِلَيْهَا ، فَيَقْوَى مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ .
فَكَيْفَ يُكَفِّرُ صَوْمُ يَوْمِ تَطَوُّعٍ كُلَّ كَبِيرَةٍ عَمِلَهَا الْعَبْدُ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَيْهَا ، غَيْرُ تَائِبٍ مِنْهَا ؟ هَذَا مُحَالٌ. انتهى كلامه رحمه الله.
و على هذا فليضف المسلم إلى صيام هذا اليوم التوبة النصوح لتتساعد هذه الأسباب على تكفير ذنوبه كلها.

التنبيه الثاني: أن هذا التكفير للذنوب لايكون إلا لمن صام على الوجه المأمور به شرعا وهو أن يحفظ صيامه مما يحرم كالغيبة والكذب ونحوهما من سائر الذنوب لقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. رواه البخاري.
ولقوله صلى الله عليه و سلم : رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر.رواه النسائي وابن ماجه.
فدل هذان الحديثان على أن الصيام الذي لايحفظه صاحبه من المعاصي يكون ناقصا وربما لايكون فيه أجر أبدا ومثل هذا لايكفر سنة قبله.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
فأما من ضيع صيامه و لم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه و يقول له : ضيعك الله كما ضيعتني.ا.هـ

التنبيه الثالث : من كان عليه قضاء من رمضان فليبادر به قبل عاشوراء فإن لم يفعل فليصم عاشوراء ثم ليقض في أيام أُخر لأن القضاء واجب موسع وعاشوراء سنة مؤقتة بيوم معين، وعلى هذا فلايصم عاشوراء بنية القضاء ونية أن يكون له أجر عاشوراء بل يصومُ عاشوراء ثم يقضي بعد ذلك.

التنبيه الرابع: السنة صيام التاسع مع العاشر
فمن لم يصم التاسع فليصم العاشر والحادي عشر

التنبيه الخامس: من أراد صيام عاشوراء فليبيت نية صيامه من الليل لأن حكمه حكم صيام الفرض من هذا الوجه وأما من لم ينو صيام
عاشوراء إلا من أثناء النهار – وهو لم يتناول مفطرا قبل- فإن صيامه صحيح لكن لايحصل له الثواب الوارد في الحديث لأنه لم يبيت النية قبل الفجر.

فاحرصوا عباد الله على صيام هذا اليوم واحتسبوا الأجر عند الله تعالى.

اللهم وفقنا لصيام هذا اليوم وتقبله منا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار....
المرفقات

842.doc

المشاهدات 1649 | التعليقات 0