عَاشُورَاءَ بَيْنَ السُنَّةِ والبِدْعَةِ 1442/1/2هـ
عبد الله بن علي الطريف
1442/01/02 - 2020/08/21 11:00AM
عَاشُورَاءَ بَيْنَ السُنَّةِ والبِدْعَةِ 1442/1/2هـ
أما بعد أيها الإخوة: اليوم هو اليوم الثاني من شهر الله المحرم، وهو بداية العام الهجري القمري وسبب التأريخ الهجري أنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيُّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ تَأْتِينَا كُتُبُ مَا نَدْرِي مَا تَأْرِيخُهَا فَاسْتَشَارَ عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُؤرِّخ ُمِنَ الْمَبْعَثِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ وَفَاتِهِ، وَاسْتَقَرَ الرَأَيُ عَلَى أَنْ يُؤرِّخُوا مِنْ هِجْرَتِهِ؛ فَإِنَّ مُهَاجَرَهُ فرَّقَ بَين الْحق وَالْبَاطِل، ولأنها هي السنة التي كان فيها قيام كيان مستقل للمسلمين، وتكوين أول بلد إسلامي يسيطر عليه المسلمون، فاتفق فيه ابتداء الزمن والمكان، ثم إن الصحابة الذين جمعهم عمر تشاوروا من أي شهر يبدؤون السنة؛ فقال بعضهم: من ربيع الأول؛ لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي ﷺ مهاجراً إلى المدينة، وقال بعضهم: من رمضان؛ لأنه الشهر الذي نزل فيه القرآن، واتفق رأي عمر وعثمان وعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم على ترجيح البداءة بالمحرم لأنه شهر حرام ويلي ذي الحجة الذي فيه أداء الناس حجهم الذي به تمام أركان الإسلام؛ لأن الحج آخر ما فرض من الأركان الخمسة، ثم إنه يلي الشهر الذي بايع فيه النبي ﷺ الأنصار على الهجرة، وتلك المبايعة من مقدمات الهجرة فكان أولى الشهور بالأولية شهر المحرم.. وهو شهر حرام معظم ومن فضائله ما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَفْرُوضَةِ صَلَاةٌ مِنَ اللَّيْلِ». رواه أبو دود وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وصححه الألباني
ومن أفضل أيامه عَاشُورَاءَ: هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْه؛ فعن ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ الْعَاشِرِ مِنْ الْمُحَرَّمِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
أحبتي: وهذا اليوم العظيم اختلف أهلُ البدعةِ فيه عن أهل السنة، ومن اللازم معرفة ماهية عَاشُورَاءَ عِنْدَ أَهْلِ السُنَةِ، وعَاشُورَاءَ عِنْدَ أَهْلِ البِدْعَةِ:
فَعَاشُورَاءَ عِنْدَ أَهْلِ السُنَةِ: هو يوم عظيم من أيام الله تعالى؛ أنجى فيه عبده ورسوله وكليمه موسى عليه السلام وقومه، وأخزى وأذل وأهلك المجرم الطاغية فرعون وقومه، ولفظ عاشوراء: معدولٌ عن عاشرة للمبالغة والتعظيم، وهذا الاسم صار علماً على اليوم العاشر من محرم.
وعَاشُورَاءَ عِنْدَ أَهْلِ السُنَةِ: يوم تتأكد مشروعية صيامه كما قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ؛ فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وقد كان رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يتحرى صيام هذه اليوم ويأمر بصيامه، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ. رواه البخاري. ومعنى يتحرى أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبةِ فيه. وقال النَّبِيُّ ﷺ: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ. رواه مسلم.
وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم.
وسيوافق يوم عاشوراء يوم السبت فما حكم صيامه مفرداً لورود النهي عن إفراد السبت بالصيام، لما رُوي الرَسُولِ ﷺ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أُخْتِهِ وصححه الألباني.؟ نقول: الحديث مختلف في ثبوته ودلالته.. ولو ثبت لكان مخصوصاً بوجود السبب، وهو كون يوم السبت يوافق يوم عاشوراء، وبهذا قال شيخنا رحمه الله لأنه ورد ما يخصص العام؛ فوجب العمل به. فعلى هذا يصح صيام يوم عاشوراء وإن وافق يوم السبت ولا كراهة في هذا..
ومن أراد الصيام عليه أن يُبيت النية قبل الفجر لأن نية النوافل المعينة لا بد أن تكون من الليل؛ ليصدق على من صام اليوم كاملاً أنه صام يوم عاشوراء، وليس بعضه وهو قول الجمهور.. ويجوز لمن كان عليه قضاء من رمضان أن يصوم عاشوراء بنية النافلة. ومن فاته صيام يوم عاشوراء ناسياً أو لعذر كالحائض فإنه لا يقضي؛ لأن الأجر متعلق بعاشوراء، وقد فاته، وكل ما عُلق على سبب فإنه يفوت بفوات سببه. لكن إن كان قد نوى فله أجر النية.
والسنة أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذا أحسن شيء. الثانية أن يصوم التاسع والعاشر وهذا أفضل من أن يصوم العاشر والحادي عشر، وهي أفضل من إفراد العاشر لما فيها من مخالفة أهل الكتاب، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. رواه مسلم. وهي الصفة الرابعة وقال شيخ الإسلام: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ... بلغنا الله بفضله الطاعات وجنبنا الموبقات وغفر لنا السيئات.. وصلى الله وسلم على سيد البريات...
الخطبة الثانية:
أما بعد أيها الإخوة: وعَاشُورَاءَ عِنْدَ أَهْلِ البِدْعَةِ: يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى: فَصَارَتْ طَائِفَةٌ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ: إمَّا مُلْحِدَةٌ مُنَافِقَةٌ، وَإِمَّا ضَالَّةٌ غَاوِيَةٌ، تُظْهِرُ مُوَالَاتَهُ [أي: الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا]، وَمُوَالَاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ، وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَاَلَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ﷺ فِي الْمُصِيبَةِ إذَا كَانَتْ جَدِيدَةً إنَّمَا هُوَ الصَّبْرُ وَالِاحْتِسَابُ وَالِاسْتِرْجَاعُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155- 157].
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مِنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ». وَقَالَ ﷺ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ [والصَّلَقُ: الصياحُ والوَلْوَلةُ والصوتُ الشديدُ]، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ». وَقَالَ ﷺ: «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ».
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهَا الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ، فَيَذْكُرُ مُصِيبَتَهُ وَإِنْ قَدِمَتْ، فَيُحْدِثُ لَهَا اسْتِرْجَاعًا إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِهِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا». وَهَذَا مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ مُصِيبَةَ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ طُولِ الْعَهْدِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ فِيهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِيُعْطَى مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ الْمُصَابِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا.
وَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِالصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابِ عِنْدَ حَدَثَانِ الْعَهْدِ بِالْمُصِيبَةِ، فَكَيْفَ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ، فَكَانَ مَا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لِأَهْلِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ مِنْ اتِّخَاذِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا، وَمَا يَصْنَعُونَ فِيهِ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ، وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ وَالصِّدْقُ لَيْسَ فِيهَا، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ، وَالتَّعَصُّبُ، وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ، وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سَبِّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَكَثْرَةُ الْكَذِبِ وَالْفِتَنِ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَعْرِفْ طَوَائِفُ الْإِسْلَامِ أَكْثَرَ كَذِبًا وَفِتَنًا وَمُعَاوَنَةً لِلْكُفَّارِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الضَّالَّةِ الْغَاوِيَةِ، فَإِنَّهُمْ شَرٌّ مِنْ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ. وَأُولَئِكَ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ ﷺ: «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ».
وَهَؤُلَاءِ يُعَاوِنُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ ﷺ وَأُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا أَعَانُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ التُّرْكِ وَالتَّتَارِ عَلَى مَا فَعَلُوهُ بِبَغْدَادَ، وَغَيْرِهَا، بِأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَمَعْدِنِ الرِّسَالَةِ وَلَدِ الْعَبَّاسِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْمُؤْمِنِينَ، مِنْ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَخَرَابِ الدِّيَارِ. وَشَرُّ هَؤُلَاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، لَا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلَامِ.