عاشوراء بين أهل السنة وأهل البدعة. 9/1/1436هـ

عبد الله بن علي الطريف
1437/01/10 - 2015/10/23 08:18AM
عاشوراء بين أهل السنة وأهل البدعة. 9/1/1436هـ
إِنَّ الْحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الهل عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أمابعد.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] أيها الإخوة: شهر الله المحرم أفضل الأشهر الحُرم وهي ذو القَعدة وذو الحِجة والمحرم ورجب، قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَشْهُرِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ شَهْرُ اللهِ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ» رواه النسائي في الكبرى وغيره وصححه بعض أهل العلم. وهذا محمول على ما بعد رمضان.
واليوم العاشر من شهر الله المحرم والمسمى عاشوراء له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة وصومه لفضله كان معروفاً بين الأنبياء عليهم السلام وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام.
وكانت قريشٌ في الجاهلية تعظم هذا اليوم وتصومه، وكان صلى الله عليه وسلم يتعبد ويتحنث قبل أن يبعث وينزل عليه الوحي بصيامه، كما كانت تصومه قريش في مكة.
ولَما قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ». رواه مسلم
ثم إنه بعد ذلك أرشد إلى مخالفة اليهود في الصيام، بأن يُصَامَ معه يومٌ قبله أو يومٌ بعده، فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ؛ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. رواه البخاري. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ المُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ المُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أيها الأحبة: وقد هدى الله تعالى أهل السنة ففعلوا ما أمرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من الصوم، مع رعاية عدم مشابهة اليهود فيه بصيام يوم قبله ويوم بعده، واجتنبوا ما أمرهم الشيطان به من البدع، فلله الحمد والمنة..
أما ما كان يتناقله الناس من عبادات أخرى يخص بها عاشوراء غير الصيام فقد نص أهل العلم رحمهم الله أنه لم يثبت عبادة من العبادات في يوم عاشوراء إلا الصيام، ولم يثبت في قيام ليلته أو الاكتحال أو التطيب أو التوسعة على العيال أو غير ذلك لم يثبت في ذلك دليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة: لا تفرطوا بصيام عاشوراء تكاسلاً وهو يوم غد وإن لم يكن من عادتكم ذلك، فما هي إلا ساعات وينقضي النهار وتحوزوا على الفضل العظيم بتكفير الذنوب للسنة الماضية.
ولا تدعوه بسب شبهة يتناقلها بعض الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن بعض أهل العلم المشهورين بالحفظ والفضل وهي النهي عن صوم يوم السبت مطلقاً مفرداً أو مع غيره محتجاً بحديث: عن الصَّمَّاء بنت بُسْرٍ رضي الله عنها أن النَبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تَصُومُوا يَوْم السَّبْتِ إلاَّ فيما افتُرِضَ عليكم، فإنْ لَمْ يَجِد أَحَدُكُم إلاَّ لِحاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضَغْه".
وقد ضعف بعض العلماء هذا الحديث وعلى فرض صحة فقد أجاب عنه العلماء بجواب يجمع بين مدلوله، وما تدل عليه أحاديث الأمر بصيام عاشوراء فقالوا: يحمل حديث النهي على إفراد يوم السبت بالصيام تطوعاً مطلقاً، أما صيامه لسبب مشروع آخر فلا بأس به، وهنا سبب شرعي للصيام وهو الأمر بصيام عاشوراء.. ولما وافق السبت فيغلب الأمر بصيام عاشوراء على النهي العام عن صيام السبت وبهذا تجتمع الأدلة.. والأخذ بكل الأحاديث أولى. والله أعلم
أيها الإخوة: وقد ضلَّ في يوم عاشوراء طائفتان:
طائفة شابهت اليهود: فاتخذت عاشوراء موسم عيد وسرور، تظهر فيه شعائر الفرح كالاختضاب والاكتحال، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك وهذا من عمل الجهال، الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والبدعة بالبدعة..
قال ابن الجوزي رحمه الله في كتابه الموضوعات: باب في ذكر عاشوراء، قد تمذهب قوم من الجهال بمذهب أهل السنة، فقصدوا غيظ الرافضة، فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء، ونحن براء من الفريقين. وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصوم عاشوراء، إذ قال: إنه كفارة سنة، فلم يقنعوا بذلك حتى أطالوا وأعرضوا وترقوا في الكذب. ثم ذكر حديثاً مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال بعده: هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه ولقد أبدع من وضعه وكشف القناع ولم يستحيى وأتى فيه بالمستحيل..
وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية: والذي صح في فضل عاشوراء هو حديث صومه وأنه يكفر سنة وأن الله نجى فيه موسى من الغرق، وكل ما يفعل فيه سوى الصوم بدعة مكروهة لم يستحبها أحد من الأئمة، مثل الاكتحال والخضاب وطبخ الحبوب وأكل لحم الأضحية والتوسيع في النفقة وغير ذلك وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم.
ثم ذكر رحمه الله الطائفة الثانية التي ضلت في يوم عاشوراء فقال: وأقبح من ذلك وأعظم ما تفعله الرافضة من اتخاذه مأتما يُقرأُ فيه المصرع ويُنشَدُ فيه قصائد النياحة ويُعَطشُون فيه أنفسَهم ويلطمون في الخدود ويشقون الجيوب ويدعون فيه بدعوى الجاهلية..
ثم قال رحمه الله: وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَيْسَ مِنّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعا بِدَعْوى الْجاهِلِيَّةِ" وهذا مع حدثان العهد بالمصيبة فكيف إذا كانت بعد ستمائة ونحو سبعين سنة.! [هذا في حياته رحمه الله أما الآن فحادثة قتل الحسين رضي الله عنه وقعت قبل أكثر من ألف وثلاثمائة وسبعين سنة]
ثم قال رحمه الله: وقد قتل من هو أفضل من الحسين ولم يجعل المسلمون ذلك اليوم مأتما.. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ, عَنْ أَبِيهَا الْحُسَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ, فَيَذْكُرُ مُصِيبَتَهُ وَإِنْ قَدِمَتْ, فَيُحْدِثُ لَهَا اسْتِرْجَاعًا إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِهِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا" فهذا يبين أن السنة في المصيبة إذا ذكرت وإن تقادم عهدها أن يسترجع كما جاء بذلك الكتاب والسنة قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155-157] بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم...
الثانية:
الحمد لله حمداً يفوق حمد الحامدين وأشكره وقد تأذن بالزيادة للشاكرين وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وقائد الغر المحجلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يو الدين وسلم تسليماً كثيراً أما بعد..
يقول الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281]
أيها الإخوة عمل من يجعل يوم عاشوراء وليلته فرحاً ومن يجعله مأتماً وترحاً كله ضلال ومجانبة للحق، وهو عمل مَنْ ضَلَّ سَعْيُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعًا، وَلَمْ يَأْمُرِ اللهُ وَلَا رَسُولُهُ بِاتِّخَاذِ أَيَّامِ مَصَائِبِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَوْتِهِمْ مَأْتَمًا، ولا فرحاً فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُمْ؟!
وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ قَدْ ضَلَّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَضَاعَ السُّنَّةَ، وَارْتَكَسَ فِي الْبِدْعَةِ، فَلَمْ يَرِدْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ صَحَابَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَمَلٌ فِي عَاشُورَاءَ سِوَى صِيَامِهِ وَصِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ صِيَامَهُ يُكَفِّرُ سَنَةً، وَمَنِ اتَّخَذَهُ مَنَاحَةً فَقَدْ خَالَفَ الْهَدْيَ النَّبَوِيَّ، وَشَابَهَ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي تَعْظِيمِهِمْ وَإِطْرَائِهِمْ وَغُلُوِّهِمْ فِي أَنْبِيَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ.
وَمَنِ اتَّخَذَهُ عِيدًا فَقَدْ خَالَفَ الْهَدْيَ النَّبَوِيَّ أَيْضًا، وَشَارَكَ الْيَهُودَ فِي اتِّخَاذِهِ عِيدًا. وَأَكْمَلُ الْهَدْيِ: هَدْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي تَرَكَنَا عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، فَاحَذَرِ أَخِي المُسْلِمَ مِنَ الْبِدَعِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى مَا ابْتَلَى عِبَادَهُ إِلَّا لِيَرَى مِنْهُمْ حُسْنَ الْعَمَلِ، وَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ حَسَنًا إِلَّا إِذَا كَانَ خَالِصًا للهِ تَعَالى، مُوَافِقًا لِهَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ) [الملك:1-2] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21].
المشاهدات 902 | التعليقات 0