عاجل جدا ...خطبة للجمعة الأخيرة من ديسمبر ... الاحتفال بالكريسمس والتخلف الحضاري
جابر السيد الحناوي
1432/01/23 - 2010/12/29 22:34PM
عاجل جدا
قــال صلي الله عليه وسلم : " أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَلَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجَالٌ مِنْكُمْ ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ " ( ) هذا الحديث يبين أن من عقوبة من يغير ويحدث في دين الله ما ليس منه ، أنّهم سيُحجزون عن الحوض حينما يَرِده الذين استقاموا ويشربون منه .
خطبة للجمعة الأخيرة من ديسمبر
الاحتفال بالكريسمس
والتخلف الحضاري
والتخلف الحضاري
ومن أعظم مظاهر التغيير والتبديل ، والـتـنكر لدين محمد صلي الله عليه وسلم اتِّباع أعداء الله تعالى من يهود ونصارى ومجوس وعباد أوثان وغيرهم ، في كل كبيرة وصغيرة ، لدرجة أن فئاما من الأمة المحمدية تبعوهم وقلدوهـــم في شعائر دينهم وأخص عاداتهم وتقاليدهم كالأعياد التي هي من جملة الشرائع ... باسـم الرقي والتقدم ، والحضارة والتطور، وتحت شعارات التعايش السلمي والأخوة الإنسانـيـــة ، والتعامل مع الآخر، والنظام العالمي الجديد والعولمة ... الخ هذه الشعارات البراقة الخادعة.
ورغم أن الله سبحانه وتعالي قد حذرنا من هذا الداء الوبيل ، ففي سورة المائدة يقول عز وجل : " ... وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ... " ( ) ويقول سبحانه وتعالي أيضا : " وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ " ( ) وفي سورة الحج يقول سبحانه وتعالي : " لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ " ( ) أي : عيداً يختصون به.
ورغم ذلك ، فإنّ كـثـيـرا مــــن المسلمين قد اغتروا ببهرج أعداء الله سبحانه وتعالي خاصة النصارى في احتفالاتهم بأعيادهم الكبرى كــعـيـد مـيـلاد المسيح عليه السلام " الكريسمس" وعيد رأس السنة الميلادية ، و سيشاركونهم ـ اليوم ــ تلك الاحتفالات على اعـتـبار أنّها مناسبة عالمية تهم سكان الأرض جميعا ، وما علم هؤلاء أنّ الاحتفال بها هــو احتفال بشعائر دين النصارى المحرف ، وأنّ المشاركة فـيـه مشاركة في شعيرة من شعائر دينهم ، والفرح به فرح بشعائر الكفر وظهوره وعلوه ، وفي ذلك مـن الخطر على عقيدة المسلم وإيمانه ما فيه ؛ حيث صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنّه قال : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ "( ) فكيف بمن شاركهم في شعائر دينهم؟!
وذلك يحـتـم عـلـيـنا الوقوف على حكم الاحتفال بهذين العيدين ، وما يجب على المسلم تجاههما ، وكيفية مخالفتهم التي هــي أصل من أصول ديننا الحنيف.
اليوم الجمعة 31/12/2010 تحتفل الدول النصرانية وبعض الدول الإسلامية ـ بكل الأسي والحزن ـ بعيد رأس السنة الميلادية ، وتنقل تلك الاحتفالات بالصوت والصورة الحية من شتى بقاع الأرض ، وتتصدر احتفالاته الـصـفـحــــــات الأولى من الصحف والمجلات ، وتستحوذ على معظم نشرات الأخبار والبرامج التي تبث في الفضائيات ، وصار من الظواهر الملحوظة مشاركة الكثير من المسلمين تلك الاحـتـفــــالات النصرانية والاستمتاع بما فيها من شهوات محرمـة غافلين عن إثم الارتكاس في شعائر الذين كفروا.
حكم التشبه بالكفار في أعيادهم:
إنّ من الأصــول العظيمة لديننا الحنيف الولاء للإسلام وأهله ، والبراءة من الكفر وأهله ، ومن مُـحـتِّـمــات تلـك البراءة من الكفر وأهله تميز المسلم عن أهل الكفر، واعتزازه بدينه وفخره بإسلامـه مهما كانت أحوال الكفار قوة وتقدماً وحضارة ، ومهما كانت أحوال المسلمين ضعفاً وتخلفاً وتفرقــاً ، ولا يجـوز بحــال من الأحوال أن تتخذ قوة الكفار وضعف المسلمين ذريعة لتقليدهم ومسوغاً للتشبه بهم كمـا يدعو إلى ذلك المنافقون والمنهزمون من بني جلدتنا ؛ إلذين اتبعوهم حذو القذة بالقذة حتى في شعائرهم وخرافاتهم لكي يرضوا أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء!!
إنّ النصوص التي حرمت التشبه بالكفار ونهت عــن تـقـلـيـدهم لم تفرق بين حال الضعف والقوة ؛ لأنّ المسلم باستطاعته التميز بدينه والفخر بإسلامه حتى في حال ضعفه وتأخره.
والاعتزاز بالإسلام والفخر به دعا إليه ربُّّنا تبارك وتعالى واعـتـبـره مـن أحسن القول وأحسن الفخر؛ حيث قال سبحانه وتعالي : " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " ( )
ولأهـمـيـــة تمـيز المسلم عن الكافر أُمر المسلم أن يدعو الله عز وجل ، في كل ركعة من صلاته ، في كل يوم على الأقل سبع عشرة مرة ، أن يهديه الصراط المستقيم ، وأن يجنبه طريق الكافرين ... طريق المغضوب عليهم والضالين ، حينما يقرأ سورة الفاتحة - التي قراءتها ركن من أركان الصلاة - في كل ركعة: " اهدِنا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ " ( )
فتأمل هذا الدعاء ومقاصده وثماره ، إنه يعني أول ما يعني الإقتداء بالرسول صلي الله عليه وسلم والتمسك بشريعته في العبادات وفي المعاملات وفي الآداب والأخلاق العامة والخاصة ، كما يعني مخالفة الكفار والتشبه بهم ؟ لأن التشبه بهم في الظاهر يورث محبتهم في الباطن . ولهذا تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على الأمر بمخالفتهم ، والنهي عن التشبه بهم إبعادا للمسلم عما فيه مضرته ؛ لأن جميع أعمال الكفار باطلة ، ومساعيهم ضالة ، وأمورهم لابد فيها من خلل يمنعها أن تتم لهم بها منفعة قال سبحانه وتعالي : " وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً " ( ) وقال سبحانه وتعالي : " مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ " ( )
وجاءت النصوص الكثيرة جــداً مـــن الكتاب والسنة تنهى عن التشبه بهم ، وتبين أنّهم في ضلال ؛ فمن قلدهم فقد قلدهم في ضلالهم ، قال الله سبحانه وتعالي : " ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" ( ) وقـال عز وجل: " وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ " ( ) وقال سبحانه وتعالي : " وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ " ( )
وفي سورة الحديد يدعو الله تعالى المؤمنين إلى عدم التشبه باليهود والنصاري فيقول عز وجل : " ... وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ " ( )
وما من شك في أنّ مشابهتهم من أعظم الـدلائـل علـى مودتهم ومحبتهم، وهذا يناقض البراءة من الكفر وأهله ، والله سبحانه وتعالي نهى المؤمنين عـن مودتهـم وموالاتهـم ، وجعـل موالاتهـم سبباً لأن يكون المرء ـ والعياذ بالله ـ منهم؛ يقــول الله سبحانه وتعالي : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ " ( ) وقال سبحانه وتعالي : " لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْعَشِيرَتَهُمْ " ( )
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : المشابهة تورث المودة والمحـبـة والموالاة في الباطن، كما أنّ المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر" ( ) وقال - أيضاً - تعـليـقـاً على آية المجـادلــة: فـأخـبر ـ سبحانه ـ ّلا يوجد مؤمن يواد كافراً ؛ فمن واد الكفار فـلـيـس بمؤمن ؛ والمشابهة الظاهرة مظنة المودة فتكون محرمة " ( ) وثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنّه قال: " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ "( ) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا : وهــــذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظــاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله سبحانه وتعالي : " وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ " ( )
ومن السنة أيضا نجد نصوص الشريعة تقطع مادة المشابهة للكفار من أصلها ، وتأمر بمخالفة الكافرين واجتناب أفعالهم الدينية والدنيوية :
ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : " خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَوْفُوا اللِّحَى " ( )
و عن شداد بن أوس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلا خِفَافِهِمْ " ( )
وروى مسلم في صحيحه أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال : " فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ" ( )
وروى عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال : " لا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ لأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ " ( )
ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه كانت اليهود إذا حاضت فيهم المرأة لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت ، فسأل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله عز وجل : " وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ " ( ) فقال صلي الله عليه وسلم : " اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ " فبلغ ذلك اليهود فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه ( )
لقد جاءت أوامر الشريعة ناهية عن كل ما فيه مشابهة حتى في أخص عبادات المسلمين ومعاملاتهم ، وعن موافقتهم في أعيادهم وأكاذيبهم ؛ ولعل فيما سبق إيراده من نصوص الكتاب والسنة ما يفي بالغرض المقصود ، ولهذا فالإجـمـــاع منعقد ـ أيضا ـ في عهد الصحابة والتابعين على ذلك ؛ ودليل الإجماع من وجهين :
أ ـ أنّ اليهود والـنـصــارى والمجوس ما زالوا في أمصار المسلمين بالجزية يفعلون أعيادهم التي لهم والمقتضي لـبـعـض مـــا يفـعلـونـه قائم في كثير من النفوس ، ثم لم يكن على عهد السابقين من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك ، فلولا قيام المانع في نفوس الأمة كراهة ونهياً عن ذلك لوقع ذلك كثيراً؛ إذ الفعل مع وجود مقتضاه وعدم المانع منه واقعٌ لا محالة ، والمقتضي واقع ، فعلم وجود المانع ؛ والمانع هنا هو الدين ، فعلم أنّ الدين ـ دين الإسلام ـ هو المانع من الموافقة وهو المطلوب . ( )
ب ـ ما جاء في شروط عمر رضي الله عنه ( الوثيقة العمرية ) التي اتفق عليها الصحابة وسائر الفقهاء بـعـدهــم أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإســـلام : فــإذا كـان المـسـلـمـون قـــد اتفـقوا على منعهم من إظهارها فكيف يسوغ للمسلمين فعلها ؛ أوَ ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها مظهراً لها ؟ ( )
موقف المسلم من التشبه بالكفار في أعيادهم :
للكفار على اختلاف مللهم ونحلهم أعياد متنوعة : منها ما هو ديني ـ من أساس دينهم أو ممـّـا أحدثوه فيه ـ وكثير من أعيادهم ما هو إلاّ من قبيل العادات والمناسبات التي أحدثوا الأعياد من أجلها ، كالأعياد القومية ونحوها ، ويهمنا هنا عيد الميلاد وعيد رأس السنة ، ومشابهة المسلم لهم فيهما ، فبعد أن عرفنا موقف الشرع ( كتابا وسنة وإجماعا ) من التشبه بهم ، وأنه لا يجوز مشاركتهم في أعيادهم التي هي من أخص شعائر ملتهم ، وخاصة أكبر أعيادهم ... عيد " الكريسمس " الذي يحل هذه الليلة ، فما هو الواجب علي المسلم أن يفعله انصياعا للأدلة الواردة في النهي عن التشبه بالكفار والتي سبق ذكر طرف منها :
أولا : تجنب حضور هذه الأعياد :
لقول عمربن الخطاب رضي الله عنه : " ... ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم ؛ فإنّ السخطة تنزل عليهم" قال شيخ الإسلام ابن تيمية : و هذا عمر نهى عن مجرد دخول الكنائس عليهم يوم عيدهم ؛ فكيف بفعل بعض أفعالهم ، أو فعل ما هو من مقتضيات دينهم ؟ ... أوَ ليس عمل بعض أعمال عيدهم أعـظــم مـن مـجــرد الــدخــول عـلـيهم في عيدهم ؟ وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يشركهم في العمل أو بعضه ؛ أليس قد تعرض لعقوبة ذلك ؟ ( )
ثانيا - عدم تهنئتهم بعيدهم :
قـال ابن الـقـيـم ـ رحـمــــه الله تعالى : وأمّا التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهـنـئهم بأعيادهم وصومهم ... فهذا إن سلم قائله مـن الكـفــر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب؛ بل ذلك أعظم إثـمـاً عـنــد الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرْج الحرام ونحوه، وكثير ممـّـن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، وهو لا يدري قبح ما فعل ، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظـلـمة بالولايات وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه ( )
فتهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرام لأنّ فيها إقرار لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضى بـه لهم ، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ؛ لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره ؛ لأنّ الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال سبحانه وتعالي : " إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ " ( ) وقال عز وجل : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً " ( ) وتهنئتهم بذلك حـرام ســواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا، وإذا هنؤونا بأعيادهم فإنّنا لا نجيبهم على ذلك ؛ لأنّها ليست بأعياد لنا ولأنّها أعياد لا يرضاها الله تعالى لأنّها إمّا مـبـتدعة في دينهم وإمّا مشروعة ؛ لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عـلـيه وسلم إلى جميع الخلق، وقال فيه: " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" ( )
ثالثا : عدم مشاركتهـم في تلـك الأعياد :
كما لو احتفلت بعض الطوائف والأقليات غير المسلمة في بلاد المسلمين بعـيـدهـا فشاركهم فيها بعض المسلمين ، وهو ما يحدث الآن في كثير من بلاد المسلمين، وأقبح منه ما يفعله بعض المسلمين من السفر إلى بلاد الكفار بقصد حضور تلك الأعياد والمشاركة في احتفالاتها، سواء أكانت دوافع هـذا الحضور شهوانية أم كانت من قبيل إجابة دعوة بعض الكفار كما يفعله بعض المسلمين الحالِّيين في بلاد الكفار من إجابة تلك الدعوات الاحتفالية بأعيادهم ، فهذا كله محرم ويخشى أن يؤدي إلى الكفر لحديث : " من تشبه بقوم فهو منهم" وفاعل ذلك قصد المشاركة فيما هو من شعائر دينهم ، ولاشك أنّ عيد الكريسمس هو من شعائر دينهم ومن أكبر أعيادهم .
رابعا : عدم أجابة دعوتهم لهذه المناسبات :
وإجـابــة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام ؛ لأنّ هذا أعظم من تهنئتهم به لما في ذلك من مشاركتهم فيها، ومــن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو تودداً أو حياءاً أو لغير ذلك من الأســـبـاب؛ لأنّه من المداهنة في دين الله ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم . ( ) وينسحب ذلك علي ما يفعله بعض أصحــــاب رؤوس الأموال ومُلاك بعض الشركات الكبرى من إجابة تلك الدعوات مجاملة لأصحاب الدعوة أو لمصلحة دنيوية ؛ كعقد صفقات تجارية ، ونحو ذلك ؛ بدعوي ضرب عصفورين بحجر واحد ، كما يقول المثل ... المتعة والعمل ... وتعسوا فإن ما عند الله لا ينال بمعصية الله ، وعليهم رفض هذه الدعوات وتأجيل الصفقات لموعد آخر ، أو إتمامها بطرق أخري غير السفر إليهم في تلك الأوقات .
خامسا : حظر نقل احتفالاتهم إلى بلاد الـمـسـلـمـيـن :
فـمــن حضر أعياد الكفار في بلادهم وأعجبته احتفالاتهم مع جهله وضعف إيمانه وقلة علمه ، فـقــد يجـعـلـــه ذلك ينقل شيئاً من تلك الأعياد والشعائر إلى بلاد المسلمين ، كما يحصل الآن في أكثر بلاد الـمـسـلـمـين من الاحتفال بعيد الميلاد و برأس السنة الميلادية ، أو نقلها مباشرة عبر الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام ، وظنهم أنهم بذلك يثبتوا للعالم أنّهم متحضرون بما فيه الكفاية حتى يرضى عنهم عباد الصليب .
وهذا الصنف أقبح من الصنف السابق من وجه وهــو نـقــل هــــذه الأعـيـاد إلـى بـلاد الـمـسلمين ؛ إذ لم يكتف أصحابه بمشاركة الكفار في شعائرهم ؛ بل يريدون نقلها إلى بلاد المسلمين.
قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : "من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة " ( ) وعلق شيخ الإسلام ابن تيمية على قول عبد الله بن عمرو: (حشر معهم) فقال: وهذا يقـتـضـي أنـّه جـعـلـه كافراً بمـشـاركـتـهم في مجموع هذه الأمور أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار وإن كان الأول ظاهر لفظه "( )
ومثل هذا ما قال ابن التركماني الحـنـفــي ، بعد أن ذكر جملة مما يفعله بعض المسلمين في أعياد النصارى من توسع النفقة وإخراج العيال ، قــال عقــب ذلك : قال بعض علماء الحنفية : من فعل ما تقدم ذكره ولم يتب فهو كافر مثلهم " ( )
سادسا : اجتناب موافقتهم في أفعالهم :
قد لا يتسنى لبعض المسلمين حضور أعياد الكفار لكنه يفعل مثل ما يفعلون فيها ، وهذا من التشبه المذموم المحرم ، وقـال الذهبي : فـــإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد كانوا مختصين به فلا يشركهم فيه مسلم ، كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم" ( )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغـتـســــال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك ، ولا يحل فعل وليمة ولا الإهـــداء ولا الـبـيـع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك ، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللـعــب الذي في الأعـياد ولا إظهار زينة ، وبالجملة : ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائـرهـــم ، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام" ( )
وضابط مخالفتهم في أعيادهم: أن لا يُحدِث فيها أمراً أصلاً، بل يجعل أيّام أعيادهم كسائر الأيــام ( ) فـلا يعطل فيها عن العمل، ولا يفرح بها ولا يخصها بصيام أو حزن أو غير ذلك.
سابعا : عدم الإهداء لهم أو إعانتهم على عيدهم ببيع أو شراء:
قال أبو حفص الحنفي: "من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيماً لليوم فقد كفر بالله تعالى" ( )
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وكره ابن القاسم للمسلم يهدي للنصارى شيئاً في عـيـدهـم مكافأة لهم ، ورآه من تعظيم عيدهم وعوناً لهم على مصلحة كـفـرهم ؛ ألا ترى أنّه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شــيئاً من مصلحة عيدهم؟ لا لحماً ولا إداماً ولا ثوباً ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شــيءٍ من عيدهم؛ لأنّ ذلك من تـعـظيم شركهم ومن عونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن يـنـهـوا المسـلـمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره: لم أعلمه اختلف فيه" ( )
ثامنا - عدم إعانة المسلم المتشبه بهم في عيدهم على تشبهه :
قـال شـيـخ الإسلام : وكما لا نتشبه بهم في الأعياد، فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك ؛ بل ينهى عن ذلك، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى مـن الـمـسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته؛ خـصـوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه، ولا يبيع المسلم ما يستعـيـن به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأنّ في ذلك إعانة على المنكر" ( )
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )
المشاهدات 3863 | التعليقات 3
نعم لقد تغير رأينا فيك يا شيخ جابر !!!!!
ولكن
.
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,
,, للأحسن ...وحقيقة نكبر فيك هذه الأمانة العلمية , وليس هذا بكثير ولا غريب على أمثالك .
جزاك الله خيرا ياشيخ ابراهيم
علي رأيك فينا والحقيقة أن هذا فوق ما نستحق ،
وأرجو ألا تغير رأيك فينا إذا علمت أن أصل هذه الخطبة
يرجع الفضل فيها ـ بعد الله سبحانه وتعالي ـ
إلي الشيخ ابراهيم بن محمد الحقيل ،
حيث جاءت ضمن مقال لفضيلته بتاريخ 28/12/2007
بموقع الإسلام اليوم بعنوان " أعياد الكفار وموقف المسلم منها "
واقتصر دوري فيها علي إعادة جزء كبير منها بطريقة جديدة مع بعض إضافات وتعديلات طفيفة .
ولأسباب فنية لم يظهر ذلك بالحواشي ؛
حيث لم أستطع إنزال الخطبة بواسطة انترنت اكسبلورر ،
فاضطررت إلي إنزالها بواسطة برنامج آخر
أبقى علي الأقواس ومنع ظهور الحواشي ،
وهذا من قبيل الأمانة العلمية وإسناد الفضل لأهله ، فلزم التنويه .
فهل ما زال رأيك كما هو ؟؟
نرجو أن نكون عند حسن ظن الجميع ، والله الموفق
.
علي رأيك فينا والحقيقة أن هذا فوق ما نستحق ،
وأرجو ألا تغير رأيك فينا إذا علمت أن أصل هذه الخطبة
يرجع الفضل فيها ـ بعد الله سبحانه وتعالي ـ
إلي الشيخ ابراهيم بن محمد الحقيل ،
حيث جاءت ضمن مقال لفضيلته بتاريخ 28/12/2007
بموقع الإسلام اليوم بعنوان " أعياد الكفار وموقف المسلم منها "
واقتصر دوري فيها علي إعادة جزء كبير منها بطريقة جديدة مع بعض إضافات وتعديلات طفيفة .
ولأسباب فنية لم يظهر ذلك بالحواشي ؛
حيث لم أستطع إنزال الخطبة بواسطة انترنت اكسبلورر ،
فاضطررت إلي إنزالها بواسطة برنامج آخر
أبقى علي الأقواس ومنع ظهور الحواشي ،
وهذا من قبيل الأمانة العلمية وإسناد الفضل لأهله ، فلزم التنويه .
فهل ما زال رأيك كما هو ؟؟
نرجو أن نكون عند حسن ظن الجميع ، والله الموفق
إبراهيم بن صالح العجلان
خطبة مفيدة ومتينة ونافعة ومناسبة
سر على بركة الله يا شيخ جابر فأنت من تألق إلى تألق ,,, نفع الله بك
تعديل التعليق