ظلم الضعفاء ( الزوجات، الأخوات، البنات )

مبارك العشوان
1436/05/22 - 2015/03/13 08:45AM
إن الحمد لله... أما بعد: فاتقوا... مسلمون.
عباد الله: سبق الحديث في خطب مضت عن صور من الظلم وحديث اليوم عن ظلم الضعفاء من النساء: ( البنات أو الأخوات أو الزوجات ). وقد جاء الإسلام فحفظ الحقوق لأهلها وحرم الاعتداء عليها، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ ). رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني.
عباد الله: يستغل بعض الرجال قوته وقوامته وضعف المرأة وحياءها فيمارس عليها صورا من الظلم، وقد لا يشعر أنه ظالم.
وإليكم بعض صور الظلم تحذيرا منها.
من ذلك: التقصير في التربية الصالحة وتضييع الأمانة والرعاية التي حُمِّلها الرجل، وقال عنها النبي صلى الله عليه وســــــــلم: ( وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري فيجب على الولي تعليم من تحت ولايته أمور دينهم، وأمرُهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ففي الحديث: ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.
يجب على الولي تربية من تحت ولايته على الأخلاق الفاضلة تربيتهم على الحشمة والعفاف والستر منذ الصغر، يجب على الولي أن يجنبهم ما يفسد دينهم وأخلاقهم، يجب عليه تحري النفقة الحلال لأولاده؛ فلا يظلمهم فيطعمهم الحرام ويُنبتُ لحومَهم على السحت ففي الحديث الصحيح: ( ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ) رواه مسلم
مَنْ أحْسَنَ لمن تحت رعايته في كلِ ذلك فليبشر؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: ( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ) رواه مسلم. ومعناه قام عليهما بالمؤونة والتربية. وفي الحديث الآخر: ( مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ ) رواه مسلم
أما من أساء في ذلك وفرط ، فقد أخل بالأمانة وتعرض للوعيد: ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ) رواه مسلم.
عباد الله: ومن صور الظلم على النساء: أن يعمد ولي المرأة أبا أو أخا أو قريبا إلى رد الخُطّاب الكفء عنها، طمعاً في خدمتها أو في مرتبها إن كانت موظفة، أو لأي سبب من الأسباب التي يتعلل بها. وهذا هو العضل وقد نهى الله تعالى عنه فقال: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاتَعْضـُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمــــُونَ } البقرة232 روى الترمذي في سننه من حديث مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ عِنْدَهُ مَا كَانَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ، فَهَوِيَهَا وَهَوِيَتْهُ ثُمَّ خَطَبَهَا مَعَ الْخُطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: يَا لُكَعُ أَكْرَمْتُكَ بِهَا وَزَوَّجْتُكَهَا فَطَلَّقْتَهَا وَاللَّهِ لَا تَرْجِعُ إِلَيْكَ أَبَدًا آخِرُ مَا عَلَيْكَ، قَالَ فَعَلِمَ اللَّهُ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا وَحَاجَتَهَا إِلَى بَعْلِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ إِلَى قَوْلِهِ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } فَلَمَّا سَمِعَهَا مَعْقِلٌ قَالَ سَمْعًا لِرَبِّي وَطَاعَةً ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ أُزَوِّجُكَ وَأُكْرِمُكَ ) صححه الألباني.
عباد الله: وصورة أخرى من الظلم على الضد من العضل وهي : المسارعة في قبول أي خاطب دون السؤال عنه والتحري عن دينه وخلقه ودون أخذ رأي المرأة فيه، وربما كان هذا لقرابته أو لأنه من أسرة كريمة دون النظر إلى الخاطب نفسه، وربما كان السبب الطمع في ماله أو جاهه؛ وعلى أي حال فإنه يحرم على ولي المرأة إجبارها على زوج لا ترغب نكاحه.
قال النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ أَنْ تَسْكُتَ ) رواه البخاري.
ومن صور الظلم: ما يفعله بعض الأولياء عندما يعقد لابنته على رجل فيسأله مأذون الأنكحة هل هناك شروط ؟ فيبادر الولي أنه لا شروط ، ولم يسأل المرأةَ صاحبة الشأن، وقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يُوفَى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ ) رواه مسلم. للمرأة الحق أن تشترط على زوجها ما تراه في مصلحتها مما يباح لها، وعلى وليها أن يسألها وأن يخبر زوجها وأن يدون ذلك في عقد نكاحها حفظاً لحقها واحتياطاً له.
ومن صور الظلم: أخذ أقارب المرأة مهرها أو شيئا منه دون طيب نفس منها؛ بينما هو حق خالص لها قال تعالى:{ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً } النساء 4
فاتقوا الله عباد الله ولا تتهاونوا بهذه المظالم، اتقوا الله أن تجعلوا بناتكم، أو من تحت ولايتكم خصماً لكم يوم القيامة، يومَ تردُ المظالم إلى أهلها.
بارك الله لي ولكم في القرآن ...


الخطبة الثانية:
الحمد لله ... أما بعد: فإن من صور الظلم على النساء حرمانهن من الميراث؛ سواء كان ذلك الحرمان والمنع صريحا، أو كان تحايُلا أو إحراجا لهن حتى يتنازلن عن حقهن كله أو بعضه. قال الشيخ ابن باز رحمه الله بعد أن بين حرمة هذا الفعل: ( وهؤلاء الذين يحرمون النساء من الميراث أو يتحيلون في ذلك مع كونهم خالفوا الشرع المطهر وخالفوا إجماع علماء المسلمين؛ قد تأسوا بأعمال الجاهلية من الكفار في حرمان المرأة من الميراث )
عباد الله: ومن صور ظلم النساء: تضييع حقوقهن وترك ما أوجب الله لهن.
ومن هذه الحقوق: حق المرأة على زوجها في النفقة بالطعام والشراب والملبس والمسكن على قدر حاله، قال تعالى:{ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } الطلاق 7 وقَالَ رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَــــــــالَ: ( أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَا تُقَبِّحْ أَنْ تَقُولَ: قَبَّحَكِ اللَّهُ. أخرجه أبو داود وصححه الألباني
ومن صور الظلم عباد الله: ما يحصل من بعض الأزواج عندما يريد مفارقة امرأته ولم يكن منها قصور فيلجأ إلى إيذائها بالضرب والإهانة وشتى الطرق لتفتدي نفسها فترد إليه ما دفع من مهرها قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } النساء 19 فالواجب عند الكراهية المعاشرة بالمعروف والإمساك به أو التسريح بالإحسان.
ومن صور الظلم عدم العدل بين الزوجات، وتفضيل بعضهن على بعض في الأمور الظاهرة قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ( إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ ) أخرجه الترمذي وقال الألباني صحيح.
فاتقوا الله عباد الله, وأدوا ما أوجب الله عليكم من حقوق زوجاتكم, وتقربوا بذلك إلى الله، فإنهن عوانٍ عندكم.
واحذروا الظلم بجميع صوره فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ..
ثم صلوا وسلموا …
المشاهدات 2720 | التعليقات 0