ظاهرة هدم البيوت

إبراهيم بن سلطان العريفان
1438/02/25 - 2016/11/25 07:53AM
إخوة الإيمان والعقيدة ... كلمة طالما أبكت العيون، وروَّعَت القلوب، وفرَّقَت الأُسَر، ومزَّقَت الشمل؛ كلمةٌ صغيرةٌ لكنها جليلةٌ عظيمة خطيرة، إنها كلمة: الطلاق.
كلمةٌ أبكت عيون الأزواج والزوجات، وروَّعَت قلوب الأبناء والبنات. أيستغرب أحدكم لو قيل له: إن الكلمة تكون معولاً صلباً، يُهدَم به صرح أسر وبيوتات؟ أيستغرب أحدكم لو قيل له: إن الكلمة تنقل صاحبها من سعادة وهناء، إلى محنة وشقاء؟ أيستغرب أحدكم لو قيل له: إن الكلمة تحرك أفراداً وجماعات، وتُنشئ تزلُّفاً وشفاعات؛ لا غرابة في ذلك لو عُلم أن تلكم الكلمة هي كلمة: الطلاق!.
نعم كلمة الطلاق، وما أدراك ما الطلاق! كلمة الوداع والفراق، والنزاع والشقاق، والجحيم والألم الذي لا يطاق.
فلله! كم هدمت من بيوت للمسلمين! وكم قُطِّعَت من أواصرَ للأرحامِ والمحبِّين، وكم فرّقَتْ مِن شملٍ للبنات والبنين.
يا لها من ساعةٍ حزينة عصيبة أليمة، ولحظة أسيفة! يوم سمعت المرأة طلاقها، فكفكفت دموعها، وودَّعت أولادها، وفارقت زوجها، ووقفت على باب بيتها، لتُلقي آخر النظرات، على بيتٍ مليءٍ بالذكريات! يا لها من مصيبةٍ عظيمةٍ حين تقتلع السعادة أطنابها من رحاب ذلك البيت المسلم المبارك!.
عندها تعظم الخلافات والنزاعات، ويدخل الزوج إلى بيته حزيناً كسيراً، وتخرج المرأة من بيتها حزينةً أليمةً مهانةً ذليلةً، عندها يعظم الشقاق ويكبر الخلاف والنزاع، فيفرح الأعداء، ويشمت الحُسَّاد، وبعدها يتفرَّق شمل المؤمنين، وتتقطَّع أواصر المحبين.
أيها المسلمون: لقد كثُر الطلاق اليوم حينما فقدنا زوجاً يرعى الذمم، وعندما فقدنا الأخلاق والشيم، زوجٌ ينال زوجته اليوم فيأخذها من بيت أبيها عزيزةً كريمةً، ضاحكة مسرورة، ويردها بعد أيام قليلة حزينة باكية، مُطَلَّقَةً ذليلة.
كثُر الطلاق اليوم حينما استخف الأزواج بالحقوق والواجبات، وضيَّعوا الأماناتِ والمسئوليات، سهرٌ إلى ساعات متأخِّرةٍ، وضياعٌ لحقوق الزوجات، والأبناء والبنات، يُضحك الغريب، ويُبكي القريب، يؤنس الغريب، ويوحش الحبيب.
كثر الطلاق اليوم حينما كثر النمّامون، وكثُر الحُسَّاد والواشون؛ كثُر الطلاق اليوم حينما فقدنا زوجاً يغفر الزلة، ويستر العورة والهنة، حينما فقدنا زوجاً يخاف الله، ويتقي الله، ويرعى حدود الله، ويحفظ العهود والأيامَ التي خلت، والذكرياتِ الجميلةَ التي مضت.
كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا الصالحات القانتات، الحافظات للغيب بما حفظ الله، حينما أصبحت المرأة طليقةَ اللسان، طليقة العنان، تخرج متى شاءت، وتدخل متى أرادت، خرّاجة ولاّجة إلى الأسواق، إلى المنتديات واللقاءات، مُضَيِّعَةً لحقوق الأزواج والبنات؛ يا لها من مصيبةٍ عظيمةٍ!.
كثر الطلاق اليوم حينما تدخّل الآباء والأمهات في شؤون الأزواج والزوجات، الأب يتابع ابنه في كل صغير وكبير، وفي كل جليل وحقير؛ والأم تتدخل في شؤون بنتها في كل صغير وكبير، وجليل وحقير؛ حتى ينتهي الأمر إلى الطلاق والفراق.
فما بال الآباء والأمهات يهجمون على البيوت فيأتونها من ظهورها، ويمزقون ستارها، ويهتكون حجابها، وينتزعون الجرائد من أكنافها، والفرائد من أصدافها، ويوقعون العداوة والبغضاء بين الأزواج؟!.
كثر الطلاق اليوم لما كثرت المسْكِرات والمخدِّرات، فذهبت العقول، وزالت الأفهام، وتدنَّت الأخلاق، وأصبح الناس في جحيم وألمٍ لا يُطاق.
كثر الطلاق اليوم لما كثرت النعم، وبطر الناس الفضل من الله والكرم، وأصبح الغني الثري يتزوج اليوم ويطلق في الغد القريب، ولم يعلم أن الله سائله، وأن الله محاسبه، وأن الله مُوقِفُهُ بين يديه في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، ولا عشيرة ولا أقربون.
أيها المسلمون: الطلاق مصيبة عظيمةٌ. فيا من يريد الطلاق! اصبر، فإن الصبر جميل، وعواقبه حميدةٌ من الله العظيم الجليل؛ يا من يريد الطلاق! إن كانت زوجتك ساءتك اليوم فقد سرّتك أياماً، وإن كانت أحزنتك هذا العام فقد سرّتك أعواماً؛ يا من يريد الطلاق! انظر إلى عواقبه الأليمة، ونهاياته العظيمة، انظر لعواقبه على الأبناء والبنات، انظر إلى عواقبه على الذرية الضعيفة، فكم بُدِّد شملها، وتفرّق قلبها، بسبب ما جناه الطلاق عليها.
فإذا أردت الطلاق فاستخِر الله، وأنزل حوائجك بالله، واستشر العلماء، وراجع الحكماء، والتمس أهل الفضل والصلحاء، واسألهم عمّا أنت فيه، وخذ كلمة منهم تثبتك، ونصيحةً تقوّيك.
نرى اليوم -مع الأسف!- بعض الرجال ممن لم يُقدّر إكرام الله له، بجعل الطلاق بيده، يتسرع في إيقاع الطلاق لأتفه الأسباب، غير ناظر إلى ما يجره ذلك من نتائجَ وخيمةٍ عليه وعلى زوجه وذريته.
أيها المسلمون: إن الله -عز وجل- لم يخلق الزوجين بطباع واحدة، والزوجان اللذان يظنان أنهما مخلوق واحد، يعيشان في أوهام، إذ كيف يريد منها زوجها أن تفكر برأسه؟ وكيف تريد هي منه أن يحس بقلبها ؟ (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عليْهِنَّ دَرَجَةٌ).
إن النسيم لا يهبّ عليلاً داخل البيت على الدوام، فقد يتعكر الجو، وقد تثور الزوابع؛ وإن ارتقاب الراحة الكاملة نوعُ وَهْمٍ، ومن العقل توطينُ النفس على قبول بعض المضايقات، وترك التعليق المرير عليها. (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم ( لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر )
وَمَنْ يَتَتَبَّعْ جَاهِدَاً كُلَّ عَثْرَةٍ *** يَجِدْهَا وَلَا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ
اللهم أصلح نيَّاتِنا، اللهمَّ أصلِحْ أزواجَنا وذُرِّيَّاتِنا، وخُذْ بِنَوَاصِينَا إلى ما يُرضيك عنا
أقول ما تسمعون ...



الحمد لله رب العالمين ...
من أسوأ ما تتعرض له الأسر من ابتلاء هو الطلاق، الذي يسبب تشتت أفراد الأسرة من بنين وبنات وعزوبية النساء وخاصة اللواتي قضين زهرة شبابهن في خدمة الزوج ثم ألقى بها في الهواء بالطلاق.
فلاشك أن قضية الطلاق كقضية اجتماعية نفسية تعد ظاهرة عالمية تعاني منها معظم المجتمعات العربية ويشكل انتشارها في مجتمعنا المعاصر واقعا مؤلما أخذت إبعادها المتنوعة نظرا لآثارها الاجتماعية والنفسية والصحية والاقتصادية والأمنية.
ولا شك أن الإسلام يكره الطلاق وينفر منه – كما قيل (ما أحلَّ اللهُ شيئًا أبغضَ إليهِ من الطَّلاقِ) غير أنه يصبح حلا أحيانا لا مفر منه بقصد تلافي الأضرار الناجمة عن زواج فاشل يكون بقاء رابط الزواج واستمراره له انعكاسات سلبية على الأبناء والأسرة, وهنا يصبح الطلاق لإزالة الضرر الواقع، وهذا برهان جلي وواضح أن الإسلام يمنع وقوعه إلا إذا تأزم الأمر وأصبح الطلاق لا مناص منه وهذا ما أوضحته الآية الكريمة في قوله تعالى ( لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ).
وبطبيعة الحال شكلت ظاهرة الطلاق في المجتمعات العربية المعاصرة أمرًا مزعجا لكثير من الأسر العربية نظرا لارتفاع معدلات الطلاق لأسباب مختلفة – بل ربما لأسباب تافهة- واستفحلت في هذه المجتمعات حتى وصلت إلى نِسَبٍ عالية . الأمر الذي جعل الكثير من المهتمين والمتخصصين دراسة هذه الظاهرة الخطيرة على بناء وكيان الأسرة المسلمة ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة للحد منها.
والمجتمع السعودي لا ريب أحد هذه المجتمعات التي تعاني من ارتفاع في معدلات الطلاق والتي تشكل تهديدا خطيرا للاستقرار الاجتماعي والنفسي والاقتصادي والأمني.
ففي المجتمع السعودي لهذا العام الجديد ... بلغ عدد قضايا وإنهاء النكاح والتفرقة في المحاكم السعودية منذ بداية العام الهجري الحالي نحو 27602 قضية بمعدل 613 قضية يوميا. وذلك وفقا لما أظهره مؤشر قضايا الأحوال الشخصية التابع لوزارة العدل لعام 1438هـ.

وهذه الظاهرة الاجتماعية النفسية تحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث والتقصي للحد منها ومن آثارها المترتبة على ذلك، لا سيما وأن خطورة هذا السلوك قد يتحول إلى ظاهرة تؤرق المجتمع السعودي إذا لم يكن هناك دراسات بحثية علمية عميقة متخصصة تضبط إرهاصات هذه الظاهرة الخطيرة.
وصلى الله على نبينا محمد ..
المشاهدات 1541 | التعليقات 1

سلمك الله شيخ إبراهيم وجزيت خيرا .. لقد وفقت في اختيار الموضوع والحديث عنه وتوصيفه ووقفت على جرح غائر ولئن كان انفراجة لدى القليل فهو كارثة ونتيجة مأساوية عند الكثير .. وخطبتك سددت وعالجت فيا ليت قومي يعلمون شكر الله لك ونقع بك