ظاهرة عضل النساء
صالح عبد الرحمن
خطبة عن العضل
الخطبة الأولى :
الحَمدُ لِلهِ جَعَلَ لَنَا مِّنْ أَنفُسِنَا أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَنَا بَنِينَ وَحَفَدَةً, أَشْهَدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّدًا, الرَّحمَةُ المُهدَاةُ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ, وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ إلى يومِ النَّجَاةِ. أمَّا بعدُ. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
عِبَادَ اللهِ: مِنْ نِعمَةِ اللهِ تَعالى بالإسْلامِ مَعَ المَرْأَةِ خَاصَّةً أنْ أَنَارَ عُقُولَنا بِشَرْيعةٍ مُحْكَمَةٍ، أَعْطَى فِيهَا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. أَمَّا أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى فَكَانَت المَرْأَةُ عِنْدَهُمْ تُملَكُ وَلا تَمْلِكُ، وَتُورَثُ وَلا تَرِثُ، أَمَّا عَنْ زِوَاجِها فَحَدِّثْ وَلا كَرَامَةَ، فَهِيَ تُزوَّجُ مَنْ لا تَرْتَضِيهِ، فَتَارَةً شِغَارًا, وأُخرى بَدَلاً, إِذا غَضِبَ عَليهَا زَوْجُهَا طَلَقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا، بِلا عَدَدٍ وَلا عِدَدٍ وَلا حَدٍّ، أَو يَتْرُكَهَا مُعَلَّقَةً! فَجَاءَ دِينُ اللهِ تَعَالى, فَأَوقَفَ مَهَازِلَ الظُّلْمِ وَالبَغِي! وَنَادَى جِبْرِيلُ الأَمِينُ بَعْدَ آيَاتِ الطِّلقِ بِقَولِ اللهِ تَعَالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون
َ).
عِبَادَ اللهِ: وَأَعظَمُ حُقُوقٍ بُيِّنَتْ, وَمَوَاثِيقُ أُغلِظَتْ إنَّمَا هِيَ لِلْمَرْأَةِ في الإسلامِ! وَلْتَعْلَمُوا أَنَّهُ كُلَّمَا جَاءَ حَدِيثٌ عَن الرِّجَالِ, أَتْبَعَهُ اللهُ بِالنِّساءِ! وَاللهُ تَعَالى لا يُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ! وَقَالَ تَعَالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ).
فَالمَرْأَةُ عِنْدَنَا كَيَانٌ مٌحتَرَمٌ، مَحْفُوظَةٌ كَرَامَتُها، أُمًّا كَانَتْ وَبِنْتًا, وَزَوْجَةً وَأُخْتًا، فَحَقُّهَا المُعَاشَرَةُ بِالمَعْرُوفِ، وَالصَّبْرُ عَلى السَّيِّئِ مِنْ أَخْلاقِهَا! حَقَّاً: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
عِبَادَ اللهِ: وَمَعَ هَذهِ التَّوجِيهاتِ الأكِيدَةِ, إلاَّ أَنَّ أُنَاسًا حَادُوا عن الإيمانِ, وَسَلَكُوا البَغيَ والعُدْوانَ, قَادَهُمْ طَمَعٌ أَعْمَى, وَتَصَرُّفَاتٌ خَرْقَاءُ! أتَدْرُونَ أيُّها الشُّرَفاءُ, مَنْ هَؤلاءِ الِّلئَامِ؟ إنَّهُمْ قُسَاةٌ عَضَلُوا نِسَاءَهُم! وَعَضَلُ المَرْأَةِ مَعْنَاهُ:
حَبَسُهَا، وَمَنَعُهَا مِنْ الزِّوَاجِ بِكُفْئِهَا!
معاشر الإخوة: من صور العضْل ما جاء في قول الله -عز وجل-: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوجَهُنَّ إِذَا تَرضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ)، فإذا طُلِّقت المرأة أقلَّ من ثلاث طلقات ثم انتهت عدّتها وبانت
بينونةً صغرى ورغِب زوجُها الذي طلَّقها في العودة إليها بعقدٍ جديد، ورغِبت أن ترجع إليه، قام وليُّها بمنعها من ذلك من غير سبب صحيح، لم يمنعه إلا التمسُّكُ ببعض رواسب الجاهلية والعادات البالية والعناد المجرّد.
ومن صور العضل ما جاء في قول الله -عز وجل-: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ) [النساء:19]، ومعنى ذلك أن يضيّق الزوجُ على زوجته إذا كرهَها، ويسيء
عشرتَها، أو يمنعها من حقِّها في النفقة والقسْم وحسن العشرة، وقد يصاحب ذلك إيذاءٌ جسدي بضربٍ وسبّ، كلّ ذلك من أجل أن تفتدي نفسَها بمال ومخالعة: (لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ)،
وبهذا العضل اللئيم والأسلوب الكريه يسترجع هؤلاء الأزواج اللُّؤماء ما دفعوه من مهور، وربما استردُّوا أكثرَ ممَّا دفعوا، فكلّ ما أخذوه من هذا الطريق بغير وجه حقٍّ فهو حرام وسحتٌ وظلم
ومن صور العضل المقيت أن يمتنع الولي عن تزويج المرأة إذا خطبها كفء وقد رضيته، وما منعها هذا الوليُّ إلا طمعًا في مالها أو مرتَّبها، أو طلبًا لمهرٍ كثير، أو مطالبات مالية له ولأفراد أسرته. تلكم صورةٌ لئيمة يرتكبها
بعض اللؤماء من الأولياء من أجل كسبٍ مادي، أو من أجل حبسها لتخدمه وتقوم على شؤونه.
ألم يسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه".
ومن الأخطاء التي يقع بها بعض أولياء الأمور : حصرُ الزواج وحجرُه بأحدِ الأقارب من أبناء العم أو الخال أو غيرهم، والمرأة لا تريده، أو أن أقاربها لا يريدونها.
عباد الله: إن المطلوبَ المساعدةُ على الإحصان والعفاف، والحرصُ على الأكفاء ذوي الدين والخلق، وتحقيقُ الاستقرار النفسي.
إن من الظلم البيِّن حرمانَ الفتيات من الزواج بمثل هذه الأساليب والأعذار الباردة والحجج الواهية، حتى ضاع على كثير من البنين والبنات سنوات العمر، وعنس الكثيرون والكثيرات.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واتقوا الله -أيها الأولياء- فيما ولاكم الله، إنكم إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
قلت ما سمعتم ........
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمدَ من خافه واتقاه، وأشكره على ما أفاض من نعمه وأولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا ربّ لنا سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله شرع السبل الواضحة، ودلّ على التجارة
الرابحة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله المطهرين من الأرجاس، وأصحابه المكرَّمين الأكياس، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
وقد ذكر أهل العلم -رحمهم الله- أن الولي إذا امتنع من تزويج موليته بكفْءٍ رضيته سقطتْ ولايتُه، وانتقلت لمن بعده الأحقّ فالأحق، أو انتقلت إلى السلطان لعموم حديث: "فإن اشتجروا فالسلطان وليّ من لا وليّ له". أخرجه
الترمذي و قال أهل العلم: إذا تكرّر من الوليّ ردّ الخُطَّاب من غير سبب صحيح صار فاسقًا ودخل عليه النقصُ في دينه وإيمانه.
فاتقوا الله -أيها الناس-، واتقوا الله -أيها الأولياء-، واحذروا من أفعال بعض الجاهلية من أمورٍ منكرة في دين الله، وأفعالٍ ممقوتة لدى العقلاء، في تقاليدَ باليةٍ، ونظرات جاهلية، وجفاءٍ في المعاملة، وضيقٍ في التفكير
.