ظاهرة ترك الصلاة لدى بعض الشباب خصوصا المغترب !! تجربة لأحدهم يقصها بنفسه

أبو عبد الرحمن
1430/11/12 - 2009/10/31 10:31AM
يوم تركتُ الصلاة..



"السرّ في الصلاة أنها لا تغير العالم. الصلاة تغيرنا نحن.. ونحن نغير العالم."



.. كنتُ شابا صغيرا، وكانت التياراتُ تلاحقنا في كل مكان، في كل كتاب، في كل نقاش، كانت أيام الثانوية أصعب أيام، وهي أيام الشك والحيرة، والضياع والزوغان بين مدارس الفكر الوضعي، وأخذتني المدارس واستلهمت كبار مفكري العالم، فانقطعت مدة طويلة متبتلا بالفكر الألماني، ومع أني أقرأ من صغري بالإنجليزية، إلا أن تراجم الإنجليز لجوته، وتشيلر، وكانت، ونيتشه، وريلكه، أخذت بلبي، ثم تعرفت على شبنهاور فصقل فكر نيتشه في رأسي عن عنفوان القوة، وعدل البأس والجبروت، وكأنه دين يُبَشـّر به، أخذني نيتشه إلى مسوغاته، ومبرراته الصعبة التي كانت بمشقة تسلق جبال بافاريا، وكانت القمة هي ما أسماه مصطلحا "بالإرادة العلـّية"، ثم قذفني إلى شواطئ برتراند الرسل المتصوف المادي الرياضي، وهـُمْتُ بعد ذاك بمدارس الفابية مع برناردشو في شقـِّهِ الجاد، وتبتلتُ مع إنجلز.. وأخذ الفكرُ يجرفني تماما وبعيدا عن الروح المتصلة بالسماء، حيث اليقين كل شيء، حيث الإيمان هو الشمس التي تسطع من بعيد، ولكنها أقرب لك من أي عنصر في الكون، لأنها طاقة الوجود، فضعت كثيرا، وتجبرت بما سفحت من معلومات وكتب وظننت أني في تلك السن الباكرة قد جمعتُ سحرَ العلوم، وكأني خيميائي المعرفة.. ولم أعد أقرأ الكتبَ التي كنت أتوسدها في السابق حتى يغالبني النوم من أمهات الثقافة الدينية في التفسير والفقه الحديث، والأدب العربي.. ونفضتُ عني ما حسبت وقتها أنه عالمٌ عتيقٌ مليءٌ بغبار الغابر من التاريخ المعتم، إلى معارف تُشرق فيها أنوارُ العقل الإنساني متوهجا سواء في التاريخ أو المعاصر. .. ثم تركتُ الصلاة.

وكان مدرسي, يرحمه الله, في اللغة العربية رجل من غزة متدين، وقويم الفكر، ويؤثرني لميلي إلى الاطلاع، ولظهوري في اللغة، ثم توطدتْ بيننا صداقةٌ غير صفيّة، حتى انتزعتني أفكار الوجودية، والتي كانت أول مزالقي نحو كل الفلسفات، وصار يقف ضد هذا التوجه ويحذرني كثيرا، ويقول لي لستَ في سنٍّ تحكم فيها على العالم، ولا على معارف أمتك ولا أمم الآخرين.. ارجع إلى منبعك وانهل منه، وتقو، ثم رِدْ من كل منهل، وستجد أنك ستتذوقه وتعرف مكوناته، ولكن لن تدخله جوفك لأن ذائقتك المعرفية المتينة من بنيان تشربك المعرفي لدينك وثقافتك ستمنعك من ذاك.. ولكني تماديت، وشعرت أنّ موجة مشرقة أخذتني منه بعيدا تاركا له كل بحار الظلام..

وأنا في طريقي المادي الجديد، بدأت في سن السابعة عشرة أكتب لمجلة "الجمهور" اللبنانية، وكانوا يحسبوني شخصا كبيرا في بلادي ويخاطبوني كما يخاطبون الكبار، وتـُرسل لي تحويلات النقد، ثم صرتُ أكتب في مجلةٍ إنجليزيةٍ تصدر من البحرين، ودار اسمي تحت اسم المفكر المتحرر.

وكانت كتاباتي تنضح عما في داخلي من معلومات وكتبٍ سفحتها سنوات لا أرفع رأسي من متن كتابٍ إلا إلى آخر، فأغوتني علوم الفلك والإنسان، والحفريات التاريخية، والطب، والجغرافيا.. وكنت أقرأ لعلماء أتأكد من كونهم غير روحانيين.. حتى لا يشوشوا علي بأفكار لا تثبت بالاستدلال المادي.. وانفتحت أمامي المجلاتُ والصحف، وصرت أكتب وأنا في الثانوية بغزارةٍ لمجلات وجرائد في لبنان, الكويت، إيران، البحرين، وأمريكا.. وانفتنتُ بنفسي.. وأرى أستاذي، وأكاد أطل عليه بمكابرةٍ من علٍ.

" لماذا لم تعد تصلي ؟ " سألني أستاذي بحدة عميقة، فأجبته : " وهل تغير الصلاةُ العالم؟ " فأجابني إجابة طيرت عقلي، وخلخلت أركانَ نفسي التي ظننت أنها مكينة.. "نعم الصلاة لا تغير العالم، ولكنها تغيرنا فنغير نحن العالم".. ولكني صارعت أثر الجملة المريعة.. ومضيت في غيِّي.
مرت سنوات، عدت للمنزل.. وكان بيتنا لا مهادنة فيه بالنسبة للصلاة وفي المسجد، كان أبي يجعل من خروجه للمسجد طقسا ضوئيا، ووالدتي توقظنا للصلاة قبل أن يصدح الأذان.. جرْجرتُ نفسي وعدتُ للصلاة، ولكن مكابرتي كانت في الداخل. ..
.. ويوماً مرضتُ.. وقال لي الطبيب : " آسف يا نجيب، ستموت لا محالة بعد تسعة أشهر "..
كنت في مدينة تاكوما الساحلية بأمريكا، ورحتُ وحيدا إلى تلة خضراء، ورأيت المحيط الجبّارَ شاسعا أمامي.. ولا شيء إلا أنا والسماء والماء.. والموت، والحياة. وسألت نفسي هل أغيرُ شيئا؟". ورحت متأملا، والدموع تنفر فتغطي شساعة المحيط بسرابيةٍ مهيبةٍ مبهمة.. وفجأة، قفزت تلك العبارة إلى رأسي: " الصلاة تغيرنا، ونحن نغير العالم".. وبسرعة ذهبت إلى حيث أقيم وأبرقت لأستاذي تلك الجملة بلا مقدمات ولا خواتيم.. وردّ علي. " لقد استردك الله.. عش مطمئنا."


أعظم صلاة أخذت بمجامعي كانت على ساحل الأطلسي في تاكوما الأمريكية.. وعرفت أن الله حق.. وعرفت ما معنى الحق.. وأن معناه النهائي في السماء لا في الأرض..

ولم أمُتْ.. حتى الآن.


نجيب الزامل

المشاهدات 6692 | التعليقات 5

لماذا أصلي

عبدالرؤوف الحناوي



قال له صاحبه وهو يحاوره: عجباً من أمرك ما أشد لحظك، وما أكثرانتقادك، أفعجبت أن يكون هذان الرجلان متلاصقين منكباً، متحدين كلمة، يود أحدهما لو يسكب قلبه على صاحبه، ويتمنى الآخر لو يجعل روحه في يده فدى له، أتدري من هما؟ والد وولد، والد يحن وولد يبر، أفسرتك هذه الصلة بينهما؟
قال: أي وربي، وهل أعظم من صلة توثق القلوب وتجمع الشمل، وتقوم برهاناً على اعتراف بالفضل وشكر على النعم؟ وهل يعيش الإنسان في هذه الحياة منقطعاً عن صلة القربى والجوار والصحبة والزمالة؟ أليس اجتماعياً في فطرته وتكوينه؟
قاله له صاحبه: أراك موقناً بضرورة الصلة بين الناس على أسس من التعاطف والتعاون، والإقرار بالفضل والإحسان.
قال: أجل.
قال: فإن تنكر أحد للمعروف وجحد الفضل؟
قال: أو يفعل ذلك إنسان فيه مسحة من حياء أو ذرة من ضمير؟
قال: نعم. أنت.
فاستشاط غضباً، وهم به، ثم تراجع وتقلص في نفسه وقال: وبم؟
قال: لأنك تنكر فضل الله عليك ونعمته.
قال: وكيف ذاك؟
قال: أليس الله ذا منة وفضل؟
قال: بلى.
قال: وهل يستحق الشكر على ذلك.
قال: نعم.
قال: وكيف يكون شكره؟ فسكت قليلاً يستشير أفكاره فلم تسعفه.
قال: لا أدري، وخجل، ثم سكت لحظة وقال: دلني على الطريقة التي أؤدي شكره فيها.
قال: هناك طريقتان لابد لتحقيق الشكر من وجودهما معاً:
الأولى: أن تعترف له الفضل والإحسان من أعماق قلبك لا بلسانك فحسب
وتدلل على ذلك بوضع جبهتك على الأرض سجوداً له وخضوعاً.

الثانية: أن تحافظ على هذه النعم فتجعلها في المواضع التي يرضاهالك.

قال: كلامك حق صدق، ولك عليّ عهد الله وميثاقه أن لا أدع الصلاة ما حييت - ولكن لي صديق عزيز عليّ، شأنه في الصلاة شأني: فهل لك أن تكتب لي كلمة في هذا الموضوع أوجهها إليه. عسى الله تعالى أن يجعل هدايته على يديك فيصل بصلاته ماانقطع بينه وبين الله، ويكون ذلك خيراً لك من حمر النعم؟
قال: حباً وكرامة، ونعمة عين، وكتب إليه:
صديق العزيز: سلام عليك، وبعد:
فقد سمعت كلمة طيبة وددت أن أصوغها لك كلمات على هذا القرطاس ورجائي أن يكون لها في نفسك ما كان في نفسي والسلام.
أخذ كثير من الناس في عصرنا الحاضر يهملون الصلاة ويرونها عبئاًثقيلاً عليهم، فإذا ذكرتهم بها التمس بعضهم لنفسه عذراً بأنه مشغول الآن بأمورهامة، وادّعى بعضهم أن ثيابه غير طاهرة فلا تصح بها الصلاة، فإذا عاد إلى بيته نزعها وصلى، وهو في حقيقة الأمر كاذب، واعترف بعضهم بالتقصير وأخذ يردد كلمة" الله يهدينا " وهناك فئة وقحة تجاهر بالعصيان، وتبدل نعمة الله كفراً، وتحتقر الصلاةوالمصلين ثم تزعم أنها مسلمة، فما لهؤلاء إذ ذكر الله وحده اشمأزت قلوبهم، وإذادعوا إلى الله قالوا سمعنا وعصينا؟فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِمُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ/FONT][/COLOR][COLOR=black][FONT=Tahoma]المدثر:49-50[/FONT][/COLOR][COLOR=black][FONT=Tahoma.
تعال أخي نعالج مواقف هؤلاء ونبحث عن الأسباب التي دعتهم إلى تركالصلاة:
هل الصلاة غرامة يؤديها الإنسان كما يؤدي بعض الضرائب ظلماً؟
هلالصلاة مضيعة للوقت، وليس لدى الإنسان وقت فائض عن حاجته حتى يضيعه؟
هل الصلاة مبدأ إلزامي يكره الإنسان عليه كما يكره على تقبلالمبادئ السياسية في البلاد الديكتاتورية؟
هل الصلاة تقييد لحرية الإنسان المطلقة ومانعة له من ممارستها؟
هل الصلاة أمر مباح من شاء فعلة ولا ثواب له. ومن شاء تركه ولاإثم عليه؟
هل الله بحاجة إلى صلاتنا؟
وأي فائدة يجنيها الإنسان من الصلاة؟ وما هي الخسارة التي تترتبعليه من تركها؟ وهل...؟ ولم...؟
أسئلة كثيرة تدور في فكر الإنسان يمليها عليه هواه وشيطانهوشهواته، فإن عجز عن الجواب أقامت الحجة عليه فاستكان وذل، وعملت عملها الخبيث في فكره فزاغ، وزينت له سوء عمله فرآه حسناً، وصوبت له رأيه الفاسد فاستمسك به، ومدته بالمجادلات العقيمة ومنته الأماني البعيدة حتى يهوى في النار سبعين خريفاً من حيث لا يشعر، وإن هو أحسن الإجابة ودحض الشبهات وحكم العقل والمنطق أقام الحجة عليها فخرست وخنست.
ولنبدأ الآن بتنفيذ هذه الأسئلة واحداً فواحداً. ثم نجيب عنها بمالا يترك ريبة لمستريب، فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الظالمون.
أولاً:لا يا صاحبي: ليست الصلاة غرامة عينية تؤدى، ولاضريبة مالية تجبى، وإنما هي أمانة ينظر إليها صاحبها كل يوم خمس مرات فيشهد لكبالوفاء والصدق والإخلاص والمحافظة على الحقوق ويثيبك على حسن رعايتها بأعظم الجزاء.
أجل إنها ليست ضريبة ولا غرامة ولا جزية، وإنما هي اعتراف بحقوشكر على معروف، ودليل على صفاء النفس بإطاعة الرؤساء، وتنفيذ أوامرهم، وإفصاح عماينطوي عليه القلب من محبة لله وتقدير. ألم تر أن الناس كلهم يعظمون في أنفسهم ذوات يعتبرونها فوقهم قدرة ونفعاً، يلجؤون إليها في الملمات ويتسغيثونها في المعضلات ويطلبون بركاتها في المناسبات، ويتخذون لأنفسهم شعاراً يذكرهم بها كلما غفلوا عنها.
ما للنصارى يؤلهون المسيح ابن مريم عليه السلام؟ ويتخذون الصليب شعاراً يرفعونه على كنائسهم، ويعلقونه على صدورهم، ويبادرون إلى الكنائس يصلون؟
وما لليهود يؤلهون عزيراً - تعالى الله عما يشركون - ويلتفون حول بناء كالضريح يضيئون عليه الشموع ويقرؤون التوراة ويصلون؟ ويتخذ المتدينون منهم ( طواقي ) صغيرة يجعلونها في أقصى نواصيهم؟ وقد عمدوا منذ قيام دولة فلسطين إلى اتخاذالنجمة السداسية شعاراً لهم؟
وما للمجوس يعبدون النار، والهنود يعبدون البقر والقرود وفرق منالباطنية يعبدون الشيطان؟كل هؤلاء يعبدون آلهة من دون الله ويقدسونها، ولها يصلونوإليها يتقربون، وهي باطلة كأفكارهم الجوفاء، لا تملك لهم نفعاً ولا ضراً، ومع ذلك فلا تنكر عليهم صلاتهم وتنكر علي صلاتي على حقها وقدرها ونفعها؟
وأي فائدة يجنيها كل هؤلاء في عباداتهم المتباينة؟ وماذا تغنيعنهم معبوداتهم؟ هل تستجيب لهم دعاءهم؟ هل تفهم كلامهم؟ هل تعرف ما يصلحهم ومايفسدهم، هل ترزقهم؟ هل تحييهم؟ هل تشفيهم؟ هل تدفع عنهم الضر؟ هل تنزل الغيث فتنبتلهم به الزرع؟
لا، لاتعمل شيئاً من هذا أبداً، مع ذلك فهم يعبدونها، ويعترفونلها في أعماقهم بقدسية وفضل، ويدللون على هذا الاعتراف بصلواتهم.
أرأيت يا صاح لو أن إنساناً قدم إليك قطعة حلوى، أو ساعدك في حملمتاعك، أو أرشدك إلى الطريق، أو دفع معك سيارتك الواقفة أو ناولك شيئاً سقط منك،إلا تقول له شكراً، وتحترمه في نفسك وتقدر عمله، وتتمنى أن تكافئه على معروفه بأحسنمنه؟ نعم. وأنا كذلك إنسان مثلك، أحفظ المعروف، وأقر بالإحسان وأعترف بالفضل وأشكرعلى الهدية وكلما كان الفضل عليّ كبيراً كان الشكر مني أكبر، وهل من متفضل منعم مثل الله عز وجل الذي منحني العقل والحواس، وأغدق عليّ الرزق الطيب، ومن عليّ بالصحةوالعافية، وهداني إلى الدين الصحيح، ووهب لي الولد والأهل، وأقامني في موطن خير بين صحب كرام وجيران طيبين؟
لا... ليس في الوجود كله من أحسن إليّ كإحسان الله تبارك وتعالى،أفلا أشكره على كل هذه النعم ما دمت أشكر غيره على أقل معروف أسداه إليّ؟ لا شك أنك معي في شكري له وتشجعني عليه، بل تحملني عليه قهراً إن قصرت في أدائه لأنك لاتريدني أن أكون إنساناً ناكراً للفضل، جاحداً للمعروف.
إن الشكر يتناسب طرداً مع قيمة الهدية وقدر المُهدي. فشكري لمن قدم إليّ قطعة حلوى ليس كشكري لمن قدم إليّ علبة حلوى. وقولي لصغيرنا ناولني قلماً وقع مني غير قولي لعظيم ناولنيه. والصفة التي يحبها الله تعالى مني لشكره على آلائه هي أن أضع جبهتي على الأرض إقراراً له بربوبيته وتقديساً لألوهيته، واعترافاًبإحسانه. إن الناس ينحنون أمام أصنامهم من الطواغيت وليس لها في واقع الأمر عليهم من فضل، بل إنها لتضلهم عن الحق والهدى وينحني كثير منهم أمام زعمائهم إجلالاً وإعظاماً، وقد يكونون من شر خلق الله، أفلا أنحني أنا لله، مالك الملك خالق الكون،رب السموات والأرض، الذي ينفع ويضر، ويعطي ويمنع، ويحيي ويميت، ويحاسب على النقيروالقطمير؟
ثانياً:وليست الصلاة مضيعة للوقت، فالإنسان حينما ينسل من ضوضاء العمل وصخب الغادين والرائحين ويتسلل من عناء الأخذ والعطاء، والبيع والشراء والمماحكة والمساومة، والدراسة والتدريس، ومطالب المراجعين، ويقف في مصلاه يتخلى عن كل هذه المزعجات فتهدأ نفسه ويطمئن قلبه ويستريح جسمه وينطفئ غضبه، وتتقيد شهواته،ويمكث دقائق يناجي من يحب.
والحب أعظم ما يكون *** إذا انفردت بمن تحب
ويسأله العون والتأييد، ويستمنحه القوة في الخير، والصبر على المجاهدة، والعفو إن أساء إلى أحد من الخلق بنظرة عابسة، أو كلمة نائية، أو تصرف قاس، فتكون هذه الدقائق بمثابة شحنة من المدخرات، وتبريد للمحركات.ومن هذا المنطلق السامي كان رسول الله إذا حزبه ( أهمه ) أمر فزع إلى الصلاة، وإذا عاد منهمك القوة من قتال الأعداء قال: {يا بلال، أرحنا بالصلاة}، أي أذن للصلاة، لتكون الصلاة راحة لنا من معاناة الحياةومشكلاتها.
والإنسان مخلوق ضعيف محدود القوة، لا يستطيع العمل المتواصل، فلابد له من استراحة جسمية وعقلية، ولا يتسنى له ذلك إلا في الصلاة، والراحة نصف حياته، ولهذا جعل الله تعالى الليل سكناً والنوم سباتاً وراحة، وكم يصرف المصلي من وقته في صلاته؟ إنها أن امتدت وطالت لا تستغرق ربع ساعة، أفتظن على نفسك أيهاالعاقل بدقائق معدودات بين فترة وأخرى من يومك لتحصل على كل هذه المنافع بينما تجودبساعات طوال تضيعها سدى في الزيارات والسهرات؟
ثالثاً:وليست الصلاة مبدأً سياسياً لحاكم ديكتاتوري غاشم يحمل شعبه على أفكاره طوعاً وكرهاً. إنما الصلاة تطبيق لدين يعتنقه الإنسان عن قناعة ورضى من غير إكراه ولا إجبار - لا إكراه في الدين - وليست مبدأً سياسياًيتغير بتغير الظروف أو يستتبع أراء الحكام، وليست قانوناً وضعياً تكتب اليوم صيغتهالأولى ويناقش غداً مناقشة نهائية، ثم يطرأ عليه تعديل بعد غد ثم ينسف من أساسه لظروف طارئة، أو يؤخر تنفيذه ريثما يتم نصاب المسؤولين عن إبرامه، أو يرجأ إبرامه
حتى يصادق عليه ذو السلطة العليا في البلاد. أنها ركن من أركان الإسلام، بل أعظم
أركان الإسلام بعد الشهادتين. وما دمت - أيها المسلم - قد رضيت بهذا الدين عن طيب
خاطر منك ولم تحمل على اعتناقه جبراً فعليك إذن تنفيذ أحكامه كاملة. ألست معي أن المواطن في أي بلد ما ملزم بتطبيق قوانين ذلك البلد، فإن أبت عليه نفسه ذلك فهو بينأمرين: إما أن يهان ويطبقه، وإما أن يتخلى عن تابعيته الوطنية ويرحل عن ذلك البلد.
ولا أدري كيف يخشى الإنسان شرطياً ولا يخشى خالق الأرض والسماء؟ثم انظر مع نظرة أخرى، ألا ترى أن إشارة المرور إذا أضاءت حمراء أوقفت عشرات السيارات، بل مئاتها في مكانها فلا تستطيع أن يتجاوزها ولو كان بين السائقين أعظم الناس قدراً، فما بال بني آدم لا يجرؤون على مخالفة إشارة حمراء ويخالفون أوامرالله تعالى، ويتحدونه بالمعاصي والمنكرات، ويتعدون الحدود التي رسمها لهم؟ هل هذادليل على تمام عقولهم أم على نقصانها؟ احكم أنت بنفسك إن كنت من المنصفين.
رابعاً:وليست الصلاة تقييداً للحرية الشخصية ولا مانعةللإنسان من ممارسة حريته. إن الناس في المجتمعات البشرية كلها متفقون على أنهم ليسوا حيوانات يعيشون على وجه الأرض كما تعيش الحيوانات في الغابات، بل لهم حريتهم،وحريتهم مطلقة في الاعتقاد والقول والعمل، ومقيدة بالنظام العام والقانون السائد،ولولا هذا التقييد لما انتظمت أمة ولا تولد شعب، ولما استقامت الأمور على تبادلالمنافع بين الأفراد، بل لما استمر النوع البشري.
إن الهيبيسين - الخنافس - الذي يفعلون كل ما يخطر ببالهم ويعيشون في الطرقات عيش الكلاب الشاردة لا يستطيعون أن يخافوا أوامر السلطة أو أحكام القوانين، وحتى زملاؤهم الحيوانات في الغابات لها نظام تسير عليه، ولو أنك سألت أحدعلماء الأحياء المختصين لبين لك صحة ما أقول، ولعل أقرب مثال أضربه لك: هو ماتشاهده بأم عينك من تعاون أعضاء الخلية الواحدة من النحل، وكيف تساعد النمل في جر مايلتقطنه من فتات الطعام.
وأنت - أيها المسلم - حر في شؤونك الخاصة تأكل وتصوم، تنام أوتستيقظ، تقيم أو تسافر، تبيع أو تشتري، وهذه الحرية محاطة بالنظام الإلهي ومحدودبحدود الشرع، ومن حريتك أن تنسحب من عملك لتجلس دقائق في المسجد تستعيد فيها نشاطك وقوتك، ثم تخرج منه مزوداً بشحنة جديدة من العون الإلهي فتزاول عملك وكفاحك.
ومن حريتك أن تكون مقيداً بالنظام الإلهي الذي هيأ لك كل أسبابالسعادة والهناءة في دنياك وآخرتك.
ومن حريتك أن تقول ما شئت وتعمل ما تحب وتكتب ما يحلو لك وتتاجرفيما ترغب، شريطة أن لا تتجاوز حدودك إذ بتجاوزك هذا تتعدى حقوق الآخرين وحدودهم. وهذا ما حرمه الإسلام وحذرت منه أيضاً القوانين البشرية.
خامساً:وليست الصلاة أمر مباحاً كأمور المعيشة من شاءفعله ولا ثواب له ومن تركه فلا إثم عليه، وإنما هي أمر حازم جازم. لها وقت محدود وهيئة خاصة وأسلوب متميز، وخطة مرسومة، ليس لك حق في تحريفها زيادة أو نقصاناً، ولا رأى في تغييرها تقديماً أو تأخيراً، فهي كاللقمة تجعل في الفم لا في الأذن،وكالهواء يدخل الرئتين من الفم أو الأنف، لا من أخمص القدمين، وإذا كان لك رأي في انقباض قلبك وانبساطه أو تدخل في توسع رئتيك وضيقها فليكن لك رأي في أمر الصلاة.
والصلاة كقيامك بأداء وظيفتك - إن كنت موظفاً - أو كبيعك وشرائك إن كنت تاجراً، فإذا داومت على عملك وأديت واجبك كوفئت آخر الشهر بقبض راتبك أوملأت جيبك بربحك، وإن تغيبت عن عملك وأهملت واجبك حسم من راتبك بقدر غيابك وإهمالك وخسرت ما كنت تأمله من الأرباح.
وكثيراً ما يحاسب الإنسان على المباح كما يحاسب على المفروض، ألاترى أنك لو عمدت بعد منتصف الليل إلى المذياع ففركت أذنه حتى ذاع بأعلى صوته، أوأخذت أنت تغني بملء حنجرتك لانزعج الجيران ولاموك، ولطرق بابك العسس لتخرس مذياعك أو تغضض من صوتك وإلا نالك العقاب؟ أليس سماعك للإذاعة أمراً مباحاً لك أن تسمعهامتى شئت وكيف شئت، فلم قيدت حريتك إذن؟
الجواب: قيدت بنظام خاص أو عام لا يجوز تجاوزه، فكيف بما فرض الله على عبادة الذين آمنوا بألوهيته وربوبيته، وارتضوا لأنفسهم شريعته ودينه فهل همأحرار في عبادته والصلاة له، أم مقيدون بأوامره ملزمون بتنفيذها؟
سادساً:نعم، الصلاة حاجة ضرورية جداً تستدعيها حياةالإنسان كما تستدعي الطعام والشراب، ذلك لأن الطعام والشراب قوام الجسم ومادةالعيش، والصلاة قوام الروح ومادة الطمأنينة ترفع صاحبها عن سفاسف الأمور فيستقيم فيشؤونه كلها استقامته بين يدي ربه في الصلاة.
والصلاة هي الحد الفاصل بين الإيمان والكفر، وقد ورد في الحديث: {بين الكفر والإيمان ترك الصلاة}.
وماذا يستفيد الإسلام من هؤلاء المسلمين المزيفين إذا كانوايخالفون عن أوامره؟ أليسوا كالولد العاق يوافق أهله نسباً ويخالفهم سلوكاً؟ وهل يرجى خير ممن لا يرجو لنفسه الخير؟
لا نريد نحن المسلمين أن نكون كغثاء السيل، نعد بمئات الملايين والصالحون لا يتجاوزون عشراتها، ورصاصة واحدة ملأى بالبارود تقتل بها عدواً - خيرمن كومة من الرصاص الفارغ وهل يرفع الخباء ألف وتد إن لم يكن له عماد في الوسط؟وعماد الإسلام الصلاة.
والصلاة حاجة ضرورية جداً للإنسان لأنها تهذب أخلاقه وتشذب طباعه،وتحول بينه وبين بؤر الفساد والزيغ، وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وكيف يرتكب الخطايامن يعلم أنه سيقف بعد قليل بين يدي ربه جل وعلا ولا يقبل منه هذا الوقوف إلا إذاكان طاهراً في قلبه ونفسه وأعضائه؟ ألم ترى كيف كف أكثر المسلمين عن الخمر لما نزل قوله تعلى: لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى [النساء:43] فيكف يقربونها وهم متلبسون بجريمة السكر؟ ولا بد من قربها لأنها تتكرر عليهم كل يوم خمس مرات، فلتهجر الخمر إذن نهائياً، ليبقوا دائماً على استعداد لملاقاة الله عز وجل.
والصلاة يا صاحبي ميزان يزن للإنسان أعماله التي قام بها بين الصلاتين كما يزن الطبيب حرارة المريض بين فترة وأخرى، فإن كانت أعماله صالحة قالت له: ثابر وتقدم، وإن كانت دون ذلك قالت له: ارجع واستقم، وإذا سمع المؤذن يعلن " الله أكبر" إنتبه إلى حالة وأدرك أن الله أكبر مما هو فيه، فانسل من دنياه ولبى منادي الله.
وثق تماماً أن من يصلي هو إنسان يرجى فيه خير والاستقامة، وإن كنت تجده في كثير من أحواله منحرفاً، إذ لا بد من أن تردعه صلاته يوماً عن هذا الانحراف، لأنه يقرأ في صلاته القرآن، ومهما يكن غافلاً فلا بد من أن تمر بهلحظات يتدبر فيها معاني ما يقرأ فتهتز أوتار قلبه وتستيقظ روافد الخير فيه. وهذا يؤيده قوله: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ[العنكبوت:45] أما من لم يصل فلا يقرأ القرآن ولا ينتفع منه بشيء، ويبقى سادراً فيغيه متخطباً في آثامه.
سابعاً:وليس الله تبارك وتعالى بحاجة إلى صلاتنا، بل نحن بحاجة إلى أن نصلي له، إنه غني عن خلقه، وخلقه كلهم فقراء إليه يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّالْحَمِيدُ (15) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَاذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر:15-17] لقد خلقهم عراه حفاة صفر الأكف ضعاف الجسم جامدي التفكير، لا يفرقون بين التمرة والجمرة، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً،فغذاهم وقواهم وأمدهم بالصحة والعقل والمال وسخر لهم ما في السموات والأرض، وأسبغ عليهم نعمته ظاهرة وباطنه، أتراه بعد هذا العطاء الجزيل - وهو مالك الملك وبيده خزائن السموات والأرض يفتقر إلى صلاتنا؟
لا، وإنما صلاتنا إعلان صريح عن حبنا له واعترفنا بفضله وشكرناعلى نعمة.
إن هؤلاء الذين يهملون شأن الصلاة آتاهم الله من النعم مثل ماأتانا وربما يزيدهم منها علينا، غير أننا نعترف به بالفضل وهم ينكرونه، ونسوا يوم ولادتهم، يوم لا يملكون شيئاً، وغفلوا عن يوم موتهم يوم يتركون لورثتهم ما جمعوه لينعموا به وهم يحاسبون عليه، لقد تجرؤوا على الله واستكبروا عن عبادته فسوف يلقون غياً إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ/FONT][/COLOR][COLOR=black][FONT=Tahoma]غافر:60[/FONT][/COLOR][COLOR=black][FONT=Tahoma.
لم ألزمت نفسك بالإسلام يا تارك الصلاة إن كنت غنياً عنه؟ ولم لاتصلي إن كنت موقناً به؟ أيسوؤك أن يقال: إنك متدين تخشى الله؟ أيسرك أن يقال: إنك فاسق تحاد الله؟ كيف تطيع أوامر رؤسائك وتعصي أوامر الله؟ أفرؤساؤك عندك أعلى قدراًوأعظم شأناً من الله؟ الله أعلى وأجل.
دخل حصين بن عبيد على رسول الله
يعاتبه ويلومه في تحدّيه كفار قريش وتسفيه أحلامهم وسب آلهتهم فأقام الرسول الحجة عليه ودفع باطله بكلمة حق فأذعن وآمن وكان قلبه أقسى من الحجر، قال عليه الصلاة والسلام: {يا حصين كم تعبد من إله؟}قال: سبعاً في الأرض وواحداً في السماء،{قال: فإذا أصابك الضر من تدعو؟}، قال: الذي في السماء،{قال: فإذا هلك المال من تدعو؟}، قال: الذي في السماء،{قال:فيستجيب لك وحده وتشركهم معه؟... ياحصين أسلم تسلم}.
وأنا أقول لك أيها المسلم التارك للصلاة، الغافل عمن يراقبك وعمايرتقبك: صل تسلم من عذاب الله الشديد، وعيب عليك أن تدعوا الله في البلاء وتهمله في الرخاء.
ثامناً:أما ما تجنيه من صلاتك فالخير كله، تستفيد منه أنت وإخوانك المسلمون، ألا تحب أن يغفر الله ما اكتسبته من الذنوب؟{ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات}، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: {إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاةفذلكم الرباط}إذا غفر الله لك ذنبك فرح إخوانك المسلمون لأنهم يحبون لك ما يحبون لأنفسهم.
إن فوائد الصلاة أعظم من أن يحصرها عاد أو يسجلها قلم، لأنها أمر إلهي، تعبد الله بها عبادة قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْالصَّلاَةَ[إبراهيم:31] وجمع فيها الخير كله بأبلغ قول وأوجز عبارة، فقال: إِنَّالصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ[العنكبوت:45] فللإنسان أن يعددمن مزاياها ما شاء في حدود هذا النطاق ولئن عجز عن إحصائها كاملة فلا أقل من أن يذكر بعضها.
إذا قضيت على آفة الفحشاء من نفسك واجتثثت جذورها من تصرفاتك خلصلك دينك وصفت نفسك وصلح قلبك وسلمت أعضاؤك واستقام أمرك، وإذا أزلت المنكر وقطعت حبائله قضيت على الجرثوم الفتاك في بناء مجتمعك، فأمنت بذلك على دينك ونفسك وعيالك.
والصلاة عون لك في الشدائد، وحل لعقد المعضلات وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى

Quote:
نجيب الزامل

لو تكرّمت يا شيخنا نبذة عن هذا الكاتب الذي سحرنا بمقاله الجميل.


Quote:
نجيب الزامل
لو تكرّمت يا شيخنا نبذة عن هذا الكاتب الذي سحرنا بمقاله الجميل.


@علي القرعاني 1391 wrote:

لو تكرّمت يا أخانا نبذة عن هذا الكاتب الذي سحرنا بمقاله الجميل.




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حبا وكرامة أخي علي: هو رئيس منتدى أسرة الزامل عضو مجلس الشورى وكاتب معروف له مقالات منتظمة في صحيفة اليوم والاقتصادية:
1- صفحته في الفيس بوكwww.facebook.com/pages/Najeeb...-/39466213988
3-انتقدته الشبكة الليبرالية وهي شهادة ببراءته منهم (وإن كان لا يحتاجها) وغيرتهم أيضا ؟
4-موقع أسرة الزاملhttp://www.alzamel.com/
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الله يكتب أجر سعيك يا أبا عبد الرحمن

تقبّل تحيّتي ولك جزيل الشكر