ظاهرة التسول
خالد الكناني
ظاهرة التسول
الحمد لله ربّ العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يم الدين ، وسلَّمَ تسليما كثيرا .
أما بعدُ عباد الله : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ...{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) }آل عمران
أيها المسلمون :
قال تعالى : { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }273 سورة البقرة
هذه الفئة من الناس المتعففة ، فإن الْجَاهِل بِأَمْرِهِمْ وَحَالِهِمْ يَحْسَبُهُمْ أَغْنِيَاءَ مِنْ تَعَفُّفِهِمْ فِي لِبَاسِهِمْ وَحَالِهِمْ وَمَقَالِهِمْ .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الْأُكْلَةُ وَالْأُكْلَتَانِ، أَوِ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ شَيْئًا، وَلَا يُفْطَنُ بِمَكَانِهِ فَيُعْطَى»
هذه الفئة من الناس المتعففة والتي لا تستطيع العمل والكسب بسبب من الأسباب المانعة للكسب ولصدقهم ولعفتهم هم الذين يستحقون السؤال عنهم والتصدق عليهم وسد حاجتهم ، ولذلك وصفهم بقوله تعالى : {لا يسألون الناس إلحافا} أي: لا يسألونهم سؤال إلحاف، أي: إلحاح، بل إن صدر منهم سؤال إذا احتاجوا لذلك لم يلحوا على من سألوا، فهؤلاء أولى الناس وأحقهم بالصدقات لما وصفهم به من جميل الصفات ، وعندما قَالُوا أي بعض من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنِ الْمِسْكِينُ؟ قَالَ: «الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى، وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا»
ومع هذا فإن هناك قسم من الناس اعتادوا التسول وسؤال الناس من غير حاجة ومع قدرتهم على العمل والكسب وهؤلاء ينبغي الحذر من حيلهم لأن الصدقة ليست للمتسولين القادرين على الكسب والعمل ولربما البعض منهم أن يكون غنيا ولكن اتخذ هذا الاسلوب لأكل أموال الناس بالباطل فلنحذر من ذلك ولا بد من التثبت ومعرفة الحال ، لان القوي القادر على العمل والكسب لا تحل له الصدقة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» أي سؤالها .
وقد ورد التحذير والنهي عن مسألة الناس من غير حاجة ، فكيف وإن كان غنيا أو قادرا على الكسب والعمل .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَفْتَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ، إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ، يَأْخُذُ الرَّجُلُ حَبْلَهُ فَيَعْمِدُ إِلَى الْجَبَلِ، فَيَحْتَطِبُ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَأْكُلُ بِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ مُعْطًى أَوْ مَمْنُوعًا» مسند أحمد مخرجا (15/ 246)
عباد الله : التسول وباء خطير يضر بالأفراد وبالمجتمع وهو نوع من أكل أموال الناس بالباطل
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " اسْتَغْنُوا عَنِ النَّاسِ وَلَوْ بِشَوْصِ السِّوَاكِ ))
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ المِسْكِينُ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ، فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ» صحيح البخاري (2/ 125)
وعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» صحيح مسلم (2/ 720)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» صحيح مسلم (2/ 720)
أيها المسلمون : إن لظاهرة التسول أسباب عدة منها :*أن البعض من المتسولين يفضل الراحة والكسل وعدم البحث عن العمل مما يدعوهم إلى هذه الظاهرة بعتبارها سهلة ومريحة للحصول على الأموال .
* ومن الأسباب الجهل لدى بعض المتسولين وضعف التوكل على الله والثقة برزقه مع الأخذ بالأسباب ، قال صلى الله عليه وسلم : (( لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا ))
وقال تعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } 6 سورة هود ، وقال تعالى : { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } 22سورة الذاريات
وهنا لابد من التعاون أفرادا وجماعة لعلاج مثل هذه الظاهرة السلبية أولا بالتكافل الاجتماعي والبحث عن المحتاجين حقيقة وسد حاجاتهم بالطرق المشروعة النظامية حتى لا يتطرق المحتاج الحقيقي الصادق إلى ممارسة هذه الظاهرة ، وكذلك التحقق والتأكد ممن يمارسون هذا الظاهرة في المساجد والطرقات والسؤال عن حالهم ونصحهم وتوجييهم وتعريفهم بخطورة ما يمارسونه ، وأيضا لا بد من التعاون مع الجهات المسؤولة عن مكافحة ظاهرة التسول ، قال تعالى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} 2 سورة المائدة
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورَسُولُهُ الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّمَ تسليما كثيرا
أيها المسلمون : احرصوا على دفع الزكاة والصدقات على أهلها تحروا الفقراء والمحتاجين ومن هم من أهل الزكاة ، قال تعالى : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } التوبة60
وهناك من المحتاجين المتعففين والذي يمنعهم الحياء والعِفَّة من سؤال الناس ابحثوا عنهم وأغنوهم وتصدقوا عليهم ، كما قال تعالى : { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }273 سورة البقرة
أيها المسلمون : إننا في هذه الأيام نعيش في أيام من شهر شعبان ، ونستعد بعده لاستقبال رمضان بإذن الله تعالى ، فالصيام فيه مستحب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من صيامه ، عَنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: " ذَلِكَ شَهْرٌ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ))
عباد الله : إن من بقي عليه قضاء من رمضان الماضي فليبادر إلى قضائه وأن يحث أهله على ذلك ، نسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان وأن يوفقنا للصيام والقيام وتلاوة القرآن والصالحات من الاعمال ... ولنعقد العزيمة والرغبة والنية على صيام رمضان وقيامه إيمانا واحتسابا وعلى التفرغ للطاعات والعبادات والتنوع فيها ما بين صيام وقيام وتلاوة للقرآن وصلاة وصدقة وبر وإحسان وكل ما يقرب من ربنا الرحمن .
هذا وصلوا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
المرفقات
1739362621_ظاهرة التسول.pdf