ظاهرة التسول
عمر الدهيشي
1433/06/12 - 2012/05/03 11:09AM
خطبة:ظاهرة التسول
عباد الله..بقاع طاهرة وبيوت محترمة أعلى الله شأنها ورفع ذكر عمارها وبناءها قاعدة المدن وموئل رجالها فإليها يردون ومنها يصدرون وفيها يتعارفون ويتواصلون،رابطة إيمانية وأخوة دينية عامرة بسمو الروح ومعطرة بدواء النفس والقلب إنها بيوت الله تعالى (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما ً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله).
عباد الله.. لجلالة مكانة المسجد وعلو منزلته وبيان قدره الذي فارق ما سواه من البيوتات والديوانيات والملتقيات أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم معالم وحدود ما يصلح للمساجد حتى تقوم برسالتها ويحفظ لها مكانتها وهيبتها وما لا يصلح فيها فبينا رسول الله صلى في المسجد مع أصحابه إذ دخل أعرابي فبال فيه فقال أصحاب رسول الله صلى : مه مه فقال رسول الله: لا تزرموه دعوه فتركوه حتى بال ثم إن رسول الله صلى دعاه فقال له-ولعموم الناس-: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن.رواه مسلم قال النووي: فيه صيانة المسجد وتنزيهه عن الأقذار والقذى ورفع الأصوات والخصومات والبيع والشراء وسائر العقود وما في معنى ذلك.أ.هـ وإن من المظاهر التي عمت وانتشرت في بيوت الله تعالى ظاهرة التسول من المصلين وكسر قلوبهم واستعطافهم من أجل استدرار الأموال وكسب البذل والعطاء مع ما يصحبه من رفع صوت ولغو ولغط بعد الصلاة مما يقطع الذكر ويشتت الذهن ويشغل المصلين والذاكرين والمسبحين.
عباد الله..التسول وسؤال الناس في أصله محرم في الشرع ونهى عنه الشارع الحكيم إلا لضرورة وحاجة فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما يزال الرجليسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم ) رواه البخاريومسلم.وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( والذي نفسيبيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره فيتصدق به على الناس: خيرٌ له من أن يأتيرجلاً فيسأله أعطاه أو منعه ) رواه البخاري ومسلم..وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث قبيصة بن مخارق رضي الله عنه من تحل له المسألة المؤقتة حتى إذا أصاب قواما من عيش حرمت عليه المسألة ففي الحديث أن النبي صلى قال: (يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتىيصيبها ثم يمسك) أي استدان مالاً ودفعه في إصلاح ذات البين كالإصلاح بين قبيلتين ونحو ذلك (ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماًمن عيش أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا منقومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً مـن عيش أو قال سداداً من عيشفما سواهن في المسألة، يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) رواه مسلم.قال أبو حامد الغزالي: السؤال حرام في الأصل وإنما يباح بضرورة أو حاجة مهمةقريبة من الضرورة فإن كان عنها بدٌ فهو حرام، وإنما قلنا إن الأصل فيه التحريم لأنهلا ينفك عن ثلاثة أمور محرمة: الأول: إظهار الشكوى من الله تعالى إذ السؤالإظهار للفقر وذكر لقصور نعمة الله تعالى عنه وهو عين الشكوى وكما أن العبد المملوكلو سأل لكان سؤاله تشنيعاً على سيده فكذلك سؤال العباد تشنيع على الله تعالى وهذاينبغي أن يحرم ولا يحل إلا لضرورة كما تحل الميتة.الثاني: أن فيه إذلالالسائل نفسه لغير الله تعالى وليس للمؤمن أن يذل نفسه لغير الله بل عليه أن يذلنفسه لمولاه فإن فيه عزه، فأما سائر الخلق فإنهم عباد أمثاله فلا ينبغي أن يذل لهمإلا لضرورة..الثالث: أنه لا ينفكعن إيذاء المسؤول غالباً لأنه ربما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيب قلب منه فإن بذلحياءً من السائل أو رياءً فهو حرام على الآخذ وإن منع ربما استحيا وتأذى في نفسهبالمنع إذ يرى نفسه في صورة البخلاء ففي البذل نقصان ماله وفي المنع نقصان جاههوكلاهما مؤذيان والسائل هو السبب في الإيذاء والإيذاء حرام إلا بضرورة) ا.هـ
عباد الله..التسول في المسجد وأمام المصلين أقرب ما يقاس عليه مسألة نشدان الضالة ، حيث يجمع بينهما البحث والمطالبة بأمر مادي دنيوي ، فناشد الضالة يبحث عن ماله دون شبهة ، ومع ذلك أمر الشارع الكريم كل من في المسجد بأن يدعو عليه بأن لا يجد ضالته ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد ، فليقل : لا ردها الله عليك ، فإن المساجد لم تبن لهذا " أخرجه مسلم أبو داود. أما المتسول فهو يطلب مال غيره ، والشبهة قائمة ألا يكون محتاجاً أصلاً بل إنه يسأل الناس تكثراً والعياذ بالله . فكان أجدر ألا يُعطى نكالاً له،وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن السؤال في المسجد فقال:[ أصل السؤال محرَّم فيالمسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كانت ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدًاكتخطيه رقاب الناس، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهراً يضر الناسمثل أن يسأل والخطيب يخطب، أو وهم يسمعون علماً يشغلهم به ونحو ذلك جاز). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثماً مبينا) أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية.
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى
عباد الله..إذا تقرر ما سبق فإنه يجب منع المتسولين داخل المساجد لما يحدثونه من التشويش علىالمصلين والذاكرين، ومن نزلت به فاقة وحلت له المسألة فله أن يقف علىأبواب المسجد أو في ساحاته من غير تشويش على أهل المسجد، فالمساجد يجب أن تنزه عن مثل هذه الأمور،وهي إنما بنيت لعبادة الله عز وجل بإقامةالصلاة وتلاوة القرآن الكريم وتعليم العلم النافع ونحو ذلك مما ينفع المسلمين وقد صدرت التوجيهات الرسمية بمنع هذه الظاهرة وعدم السماح للمتسولين داخل المساجد اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبك عن من سواك
هذا وصلوا..
المشاهدات 5725 | التعليقات 2
بارك الله فيك
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق