ظاهرة اقتناء الكلب في ميزان الشرع
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فهي وصيته للأولين والآخرين، قال الله تعالى ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾
إخوة الإيمان والعقيدة ... لقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة اقتناء الكلاب في بعض البيوت، حتى أصبحت عادة يتفاخر بها بعض الناس، متأثرين بالعادات الغربية والإعلام الذي يروج لهذه الظاهرة، دون وعي أو إدراك لحكمها الشرعي وأضرارها الاجتماعية والصحية.
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بالنهي عن اقتناء الكلاب لغير حاجة معتبرة شرعاً، قال النبي ﷺ: (مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، أَوْ زَرْعٍ، نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ) والقيراط: هو مقدار من الثواب معلوم عند الله تعالى، والمراد نقص جزء من أجر عمله. وهذا يدل على أن الأصل في اقتناء الكلاب التحريم، إلا لحاجة كالصيد أو الحراسة أو رعاية الماشية، ومع ذلك يجب الالتزام بضوابط الشرع في ذلك.
كما أن النبي ﷺ قال: (طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) وهذا يدل على نجاسة الكلب ولعابه، مما يوجب الحذر الشديد في التعامل معه.
فاقتناء الكلاب؛ له أضرار دينية، فيه نقص الأجر اليومي لصاحبه كما مر معنا في الحديث. وقد يكون سبباً في ترك بعض الطاعات بسبب الانشغال به. فتعلق القلب بالكلب، قد يؤدي إلى الانشغال عن ذكر الله والعبادات
ووجود الكلب في البيت يمنع دخول الملائكة إلى البيت، وَاعَدَ رَسولَ اللهِ ﷺ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ في سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ، وفي يَدِهِ عَصًا، فألْقَاهَا مِن يَدِهِ، وَقالَ: (ما يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلُهُ) ثُمَّ التَفَتَ، فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَقالَ: (يا عَائِشَةُ، مَتَى دَخَلَ هذا الكَلْبُ هَاهُنَا؟) فَقالَتْ: وَاللَّهِ، ما دَرَيْتُ، فأمَرَ به فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: (وَاعَدْتَنِي، فَجَلَسْتُ لكَ، فَلَمْ تَأْتِ) فَقالَ: مَنَعَنِي الكَلْبُ الَّذي كانَ في بَيْتِكَ؛ إنَّا لا نَدْخُلُ بَيْتًا فيه كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ. رواه مسلم
الملائكة خلق مكرمون، وهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ونزولهم في أي مكان بالخير يكون بركة لأهل المكان. وهذا يدل على أن وجود الكلاب في المنازل يمنع دخول الملائكة، مما يجعل البيت خاليًا من البركة والسكينة.
اقتناء الكلب – يا عباد الله – له أضرار صحية، فالكلاب تحمل كثيرًا من الأمراض والجراثيم، مثل داء الكلب (السعار) والطفيليات التي قد تنتقل إلى الإنسان. تسبب الحساسية وبعض المشاكل التنفسية خاصة للأطفال وكبار السن.
اقتناء الكلب له أضرار اجتماعية، فهذه الظاهرة تقليد غير المسلمين دون حاجة. وفيه إضاعة الأموال على تغذية الكلب والعناية به بدل إنفاقها في وجوه الخير. وفيه إزعاج الجيران بنباح الكلب أو نشر الرائحة الكريهة. وفيه انتشار ثقافة التفاخر باقتناء الكلاب، وهو أمر دخيل على مجتمعاتنا الإسلامية.
عباد الله ... إن الإسلام دين الطهارة والنقاء، وقد أباح لنا اقتناء الحيوانات النافعة، لكنه منع ما فيه ضرر أو نجاسة أو إضاعة للأموال بغير فائدة. فلا ينبغي للمسلم أن ينساق وراء العادات الغربية دون وعي أو نظر في الأحكام الشرعية.
اللهم وفقنا لطاعتك، واهدنا لصراطك المستقيم، وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أهلنا وأموالنا، يا رب العالمين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله ...
الحمد لله رب العالمين ...
معاشر المؤمنين ... يجب على المسلم أن يكون حريصًا على اتباع أوامر الله ورسوله ﷺ، فلا يقتني الكلاب إلا للضرورة المعتبرة، مع مراعاة الأحكام الشرعية المتعلقة بالطهارة وعدم إدخالها البيوت.
كما ينبغي توعية الناس بخطورة هذه الظاهرة، ونصح من يقتني الكلاب لمجرد التسلية أو الزينة بأن هذا الأمر لا يجوز، وأنه مخالف لهدي النبي ﷺ.
عباد الله ... إن الدنيا دار فناء وزوال، ولن ينفع الإنسان يوم القيامة إلا عمله الصالح، فلا ينبغي للمسلم أن ينشغل باقتناء الكلاب عن عبادة الله وذكره، ولا يكون إمَّعة ممن يقلدون الغرب دون تفكير.
نسأل الله أن يهدينا ويهدي جميع المسلمين لما يحبه ويرضاه، وأن يوفقنا لاتباع سنة نبينا محمد ﷺ، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم أصلح أحوالنا، واهد شباب المسلمين، وصرف عنّا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أموالنا وأهلينا.
وصلى الله على نبينا محمد ...