ظالمونَ في الميراث
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ، منْ اتَّقاهُ وقاهُ، ومَنْ توكَّلَ عليهِ كفاهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا هوَوحدَهُ لا شريكَ له، ولا ربَّ لنا سواهُ، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدُ اللهِ ورسولُهومُصطفاهُ، صلّى اللهُ وسلّمَ عليهِ، ورضيَ عن أصحابهِ، ومن اهتدَى بهُداهُ. أما بعدُ:
فإن دينَنا دينٌ عظيمٌ كلُهُ كمالٌ، وتشريعاتُهُ تدلُّ على جلالٍ أو جَمالٍ، ومِن محاسِنِ دينِنا ذلكمُ النظامُ المتقَنُ المنضبطُ، الذي فرضَهُ اللهُوتولَّى قسمتَهُ بنفسِهِ في القرآنِ الكريمِ، ألا وهوَ نظامُ توريثِ الميتِلقَرابتِهِ. قالَ ربُنا -سبحانَهُ-: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وفي آخرِها قالَ: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} وقالَ: {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ}[النساء 11و12]
وإن نظامَ الإسلامِ في التوريثِ نظامٌ عادلٌ كاملٌ، يراعِي معنَى التكافلِ العائلِي على قدرِ قرابةِ كلِ فردٍ من الميتِ، ولا يَحرِمُ امرأةً ولا صغيراً أو ضعيفاً؛ ليؤمِّنَ لهم عِيشةً هنيئةً، وحياةً عزيزةً. لقولِ النبيِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ().
لكنَّ بعضَ الناسِ قادَهُ الطمعُ الدنيويُ ونسيانُ المصيرِ الآخرويِ إلى تضييعِ حقوقِ أقاربهِ الوارِثِينَ، وإيقاعِ الشحناءِ بينَهم، بسببِ تأخيرِهِلميراثِهم، وأشدُ منه وأطغَى مَن يَجحدُهم حقوقَهم، لينطبقَ عليهِ قولُالحقِ –سبحانَهُ-: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) أي: وتأكلونَ الميراثَأكلاً شديدًا. قالَ الحَسَنُ: يأكلُ نصيبَه ونصيبَ صاحبهِ. فقد كانُوا لا يُوَرِّثونَ النساءَ، ولا يورِّثونَ الصغارَ، وقرأَ: (فِيْ يَتَامَى النِّسَاءِ اللاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ) أيْ: لا تورِّثونَهم().
أيُها المؤمنونَ: مما يتأكدُ في حقِ الوصيِ ووكيلِ الورثةِ: المبادرةُ إلى تقسيمِ الإرثِ؛ لأن تأخيرَه يتسببُ في تعطيلِ الورثةِ من حقِهم، ويَجرُإلى الإثمِ إذا فرطَ، ويؤديْ للمشاحناتِ كلَّما زادتِ السنواتُ، فتَظَلُالحقوقُ معلقةً، وذِمَمُ المؤخِرينَ مشغولةً، والقطيعةُ متزايِدةً.
فلا يجوزُ تأخيرُ وكيلِ الورثةِ لقِسمةِ التركةِ، إلا إنْ تضررَ الورثةُ، كأنْيكونَ السوقُ كاسداً، ويُرجَى أن يَتحسنَ قريبًا. أو اتفقَ جميعُ الورثةِعلى عدمِ تقسيمِها أو بعضِها، فإن رغِبَ ولو واحدٌ منهم في نصيبِهِفيجبُ أن يُعطَى، لا سيَّما المحتاجَ والمديونَ، وربَّما أن إخوانَه يَستغلونَ سكوتَه وخجلَه، فهذا ظلمٌ، خاصةً النساءَ والأطفالَ، وإن النساءَ يُظلَمنَ في هذهِ الحقوقِ كثيراً، حتى إن بعضَهن يَعِشْنَعِيشةَ الفقراءِ، وإرثُهنَّ قد يكونُ بالملايينِ.
وينبغي أن يتوسطَ في إزالةِ هذا الظلمِ ذووُ الحكمةِ والأمانةِ والديانةِ، لا سيَّما الأقاربَ؛ لئلا تفوحَ رائحةُ النزاعِ النتنةِ، وحتى لا يتطورَ الأمرُفضيحةً بالمحاكمِ، وشماتةً بالمجالسِ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}.
وفي المقابلِ؛ فلئنْ كانَ وكلاءُ يتأخرونَ بقسمةِ الميراثِ؛ فإن ثَمّتَوكلاءُ أمناءُ كثيرونَ، يبدأُ يَقْسِمُ أحدُهم التركةَ قبلَ انتهاءِ مدةِ العزاءِ، بل إن بعضَهم يموتُ مَيِّتُهُ السبتَ، فتراهُ يراجعُ المحاكَم والدوائرَ يومَالأحدِ؛ مسارَعَةً لطِيبِ النفوسِ، واستمرارِ تواصُلِ رحِمِها.
فاللهم كثِّرْ أمثالَهم، وحقِّقْ آمالَهم. واللهم لا تجعلِ الدنيا أكبرَهمِنا، ولا مبلغَ علمِنا.
الحمدُ للهِ على إحسانهِ، وصلى اللهُ وسلمَ على الداعي إلى رضوانِه. أما بعدُ:
فيا عبدَ اللهِ: احذرْ أن تكونَ سبباً في قطيعةٍ بينَ ورثتِكَ من بعدِموتِكَ؛ بسببِ جَورِكَ في وصيتِكَ، ولئلا تَقَعَ في الجَورِ وأنتَ لا تَشعرُ فلْتعرِضْ وصيتَكَ على أهلِ العلمِ؛ ليوجِّهُوكَ للعدلِ.
ويُقالُ لمن لم يَكتبْ وصيتَهُ بعدُ: تدارَكْ أيُها المباركُ، قبلَ أن يَفجأكَ الموتُ، واعلمْ أنَّ كتابتَها لا تُقدِّمُك للموتِ، لكنها تحفظُ حقوقَك وحقوقَ غرمائِكَ، وبالوصيةِ تأمَنُ تَنازُعَ الورثةِ أو تَشاكِيَهُم بالمحاكمِ، وبالوصيةِ تمتدُّ لك أجورٌ كثيرةٌ في قبرِكَ. فاكتبْ ما تتبرَعُ به، واكتبْ ما كانَ لكَ أو عليكَ من حقوقٍ.
أمَا قالَ رَسُولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَلِكَ إلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي. متفقٌ عليهِ.
فأما إذا كانَ مالُ الموصِي قليلاً، وورثتُهُ محتاجُونَ، فالوصيةُحينئذٍ مكروهةٌ. ولَمَّا قَالَ رَجُلٌ لعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- يَقُولُ: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} وَإِنَّكَ إِنَّمَا تَدَعُ شَيْئًا يَسِيرًا، فَدَعْهُ لِعِيَالِكَ، فَهُوَ أَفْضَلُ().
لكنْ إذا توفيَ شخصٌ ولم يُوصِ؛ فهل يُشرَعُ لأولادهِ إخراجُ شيءٍ من مالهِ على أنه وصيةٌ؟ لايَلزمُهمْ ذلكَ، لكنهُ من البرِ بأبِيهِم.
• فاللَّهُمَّ أصلحْ ذاتَ بينِنَا، وارزقْنا العدلَ والإحسانَفي أهلِينا ومن يَلِينا.
• اللهم اجعلِ المالَ مُعيناً لنا على مرضاتِكَ.
• اللَّهُمَّ إِنّا عَائِذونَ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا.
• اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ، وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ.
• اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.
• اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ.
• اللهم احفظْ ديارَنا، وأغزِرْ أمطارَنا، وطيَّبْ أقواتَنا، وارحمْ أمواتَنا، واجمعْ على الهدَى شؤونَنا، واقضِديونَنا.
• اللهمَ إنا نحمدُكَ على الأمنِ في الأوطانِ، وعلى حكامٍ يَحكمونَ بالشرعِ والقرآنِ.
• اللهم يا ذا الجلالِ والإكرامِ احفظْ ملِكَنا ووليَ عهدِهِ،واجزِهِم عن رعيَتِهِم خيرًا، وأعنْهُم ببطانةٍ صالحةٍ علىإدارةِ مملكتِهم.
• اللهم صلِ وسلمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
المرفقات
1735702322_ظالمون في الميراث.docx
1735702322_ظالمون في الميراث.pdf