طولُ عمرٍ في ليلةٍ*

محمد محمد
1446/09/20 - 2025/03/20 07:49AM

طولُ عمرٍ في ليلةٍ-21-9-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للهِ، وعدَ الصائمينَ عظيمَ الأجرِ، وجعلَ لعبادِه ليلةً هي خيرٌ من ألفِ شهرٍ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ القائِلُ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيـمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيـمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نبيِّنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بوصيةِ اللهِ-تعالى-للأولينَ والآخرينَ: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).

جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: مَنْ ‌طَالَ ‌عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ"، اللهُ أَكبرُ، وَلَكِن قَد يَسأَلُ السَّائلُ: أَنا قَد أَجتَهِدُ فِي حُسنِ العَمَلِ، فَكَيفَ لَي تَحقِيقُ طُولِ العُمُرِ؟ فَنَقُولُ: تَعالَ نَنظُرُ فِي مُعَدَّلِ طُولِ العُمُرِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، قالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: "‌أَعْمَارُ ‌أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ-يتجاوزُ-ذَلِكَ"، ولِذَلِكَ فَإنَّ مَن يَتَجَاوزُ السَّبعينَ مِن هَذهِ الأُمَّةِ فَإنَّه مـِمَن طَالَ عُمُرِهِ، فَكيفَ بِمَن يَتجَاوزُ الثَّمَانينَ وهُوَ قَد حَسُنَ عَمَلُهُ؟

والسؤالُ الآن: مَن يَستَطيعُ أَن يُنَافِسَ عَمَلَ هَذَا الثَّمَانِينيِّ بِعَمَلِ لَيلَةٍ وَاحِدَةٍ؟

اِسـمَعُوا إلى قَولِ اللهِ-تَعَالى-: (لَيلَةُ الْقَدْرِ خَيرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، عملٌ صالحٌ في ليلةِ القدرِ خيرٌ من عملِ ألفِ شهرٍ ليسَ فيها ليلةُ القَدرِ، فَعِبادةُ لَيلةِ القدرِ خيرٌ من عبادةِ ثلاثٍ وثـمانينَ سنةٍ وأربعةِ أشهرٍ، فَلا إلهَ إلا اللهُ! ما أعظمَ فضل اللهِ!

إذا عَرفنا هذا، علمنا مَعنى قولِ النبيِّ-صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلاَّ مَحْرُومٌ".

أيها الـمُكَرَّمُونَ: هَا نَحنُ فِي العَشرِ الأواخرِ، فماذا نحنُ فاعلون في ليلةِ القدر التي هي ليلةٌ من لياليها بلا شك، فإذا عَلِمنا أنَّ النبيَّ-صلى اللهُ عليه وسلمَ-كَانَ يـَجتهدُ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ أكثرَ مـما يـَجتهدُ في غيرِها، وكانَ إذا دخلَتِ العشرُ أحيا ليلَه، وأيقظَ أهلَه، وشَدَّ مئزرَه--اعتزلَ النساءَ واجتهدَ في العبادةِ-، وكان يعتكفُ العشرَ الأواخرِ مِنْ رمضانَ حتى توفاه اللهُ-عزَّ وجلَّ-، كلُّ ذلك ليتحرى ليلةَ القدرِ.

فَإذا كانت هَذِهِ سنةَ نبيِّنا-عليه الصلاةُ والسلامُ-، وقد غُفرَ له ما تقدمَ من ذنبهِ وما تأخرَ، فماذا عسى أن يكونَ حالُنا؟ وما هو استعدادُنا؟ وماذا نَنوي لإدراكَ لَيلةِ القَدرِ وما فيها مِن الفَضلِ؟

فَالعَزمَ العَزمَ، والجِدَّ الجِدَّ، والهِمَّةَ الهِمَّةَ، فإنـَّما هيَ أيَامٌ، يَفوزُ فِيها مَن صامَ وقَامَ، ويَخسرُ فيها مَن كسِلَ ونامَ.

الخطبةُ الثانيةُ

الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمدٍ وآلهِ وصحبِه، أما بعد:

فعَنْ أُمِنا عَائِشَةَ-رضيَ اللهُ تعالى عنها-أَنَّهَا قَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: قولي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي".

فيَا أخي: اجتهدْ في هذه العشرِ، اجعل ساعةً في صلاةٍ، وساعةً في تلاوةِ القرآنِ، وساعةً في الدعاءِ، وساعةً في الذكرِ، وساعةً في الصدقةِ والإحسانِ، وساعةً في البرِ والصلةِ، فتمرُ الساعاتُ سَريعًا، ويُكتبُ لك الأجرُ عَظيمًا، ويُوشكُ هلالُ شَوالٍ أن يَظْهَرَ، ويَذهبُ النَّصبُ والسَّهَرُ، ويَبقى بإذنِ اللهِ الأَجرُ.

عشْرٌ وأيُّ العشْرِ يا شهرَ التُّقَى*

                           عشْرٌ بها عتـقٌ من النيرانِ

فـيهَـا مـنَ الأيـامِ أعـظـمُ ليلةٍ*

                            بُشـرَى لـقَـائمِ ليلِها بِجِنـانِ

فَيَا مَن أَرادَ الخيريَّةَ بِحُسنِ العَمَلِ وَطُولِ العُمْرِ، هَا قَد جَاءَتكَ الفُرصةُ بِلَيلَةٍ هِي خَيرٌ مِن ألفِ شَهْرٍ.

اللَّهمَّ لكَ الحمدُ، وإِليكَ الـمُشتكى، وأَنتَ الـمُستَعانُ، وبِكَ الـمُستغاثُ، وعليكَ التُكْلان، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بكَ.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ وفقنا والـمسلمينَ لقيامِ ليلةِ القَدرِ، إيـمانًا بك واحتسابًا لعظيمِ الثوابِ والأجرِ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبالمسلمينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والـمسلمينَ والـمسالِمين.

اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالـمينَ.

المرفقات

1742447148_طولُ عمرٍ في ليلةٍ-21-9-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1742447149_طولُ عمرٍ في ليلةٍ-21-9-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 359 | التعليقات 0