طهارة المريض وصلاته
هلال الهاجري
1436/02/24 - 2014/12/16 11:04AM
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا و أَنْنمْ مُسْلِمُونَ) .. أما بعد:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ -أَيْ ضَاعَتْ- فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهَا رِجَالًا فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعَائِشَةَ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكِ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا).
أيها المؤمنونَ ..
هؤلاءِ الصحابةُ رضيَ اللهُ عنهم كانوا معذورونَ بصلاتِهم بغيرِ وضوءٍ حيثُ لم يجدوا الماءَ وذلك لأنه لم يكن قد فُرضَ عليهم التَّيمَّمُ بدلاً منه .. والنَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ لم يأمرْهم بإعادةِ الصَّلاةِ .. وكذلكَ من لم يجدِ الماءَ ولا التُّرابَ بعدَ فرضِ التَّيمَّمِ أو لم يستطعْ استعمالاهما فإنه يجوزُ له أن يصلي على حالِه دونَ وضوءٍ ولا تيمَّمٍ ولا يَجوزُ له أن يُخرجَ الصَّلاةَ عن وقتِها ولا إعادةَ عليه.
سألَ رجلٌ اللَّجنةَ الدَّائمةَ للإفتاءِ: إني طَريحُ الفِراشِ ولا أقوى على الحركةِ فكيفَ أقومُ بعمليةِ الطَّهارةِ لأداءِ الصَّلاةِ؟.
فأجابتْ: (أولاً: بالنِّسبةِ للطَّهارةِ فيجبُ على المسلمِ أن يتطهَّرَ بالماءِ، فإن عَجزَ عن استعمالِه لمرضٍ أو غيرِه تَيمَّمَ بترابٍ طاهرٍ، فإن عَجزَ عن ذلك سَقطتْ الطَّهارةُ وصلى حَسبَ حالِه، قالَ تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وقالَ جلَّ ذكرُه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
ولعلَّ هذه الحادثَةَ تَكونُ مدخلاً لذكرِ بعضِ ما يحتاجُه المريضُ من الأحكامِ الشَّرعيَّةِ المهمَّةِ في طهارتِه وصلاتِه:
فنقولُ أنه يجبُ على المريضِ إن كانَ مستطيعاً أن يتطهَّرَ بالماءِ فيتوضأُ من الحدثِ الأصغرِ، ويغتسلُ من الحدثِ الأكبرِ، فإن كانَ لا يستطيعُ الطَّهارةَ بالماءِ لعجزِه أو خوفِ زيادةِ المرضِ أو تأخرِ بُرئِه فإنه يَتيمَّمُ .. قالَ تعالى: (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ)، والعاجزُ عن استخدامِ الماءِ مع وجودِه هو كعادمِ الماءِ.
و كيفيَّةُ التَّيمَّمِ: أن يَضربَ الأرضَ الطَّاهرةَ بيديه ضَربةً واحدةً يمسحُ بهما جميعَ وجهِه، ثم يمسحُ كفيه بعضَهما ببعضٍ، كما صحَّ عن النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ أنه علَّمَ عمَّاراً رضيَ اللهُ عنه قالَ: (إنَّما يكفيكَ أن تضربَ بيدِكَ الأرضَ ضربةً واحدةً، ثم تَمسحُ بهما وجهَك وكفيكَ).
فإن لم يستطعْ أن يتطهَّرَ بنفسِه فإنه يوضئُه شخصٌ آخر رجلاً كانَ أو امرأةً من محارمِه، أو يُيممُّه إن لم يستطعْ الوضوءَ فيضربُ الشَّخصُ الأرضَ الطاهرةَ بيديه ويمسحُ بها وجهَ المريضِ وكفيه.
وإذا كانَ في بعضِ أعضاءِ الطهارةِ جُرحٌ فإنه يغسلُه بالماءِ، فإن كانَ الغَسلُ بالماءِ يُؤثرُ عليه، مسحَه مسحاً، فيَبُّلُ يدَه بالماءِ ويُمرُّها عليه، فإن كانَ المسحُ يؤثرُ عليه أيضاً فإنه يغسلُ ما يستطيعُ من أعضائه ثُّمَ يَتيمَّمُ عن الباقي.
وإذا كانَ في بعضِ أعضائه كَسرٌ مَشدودٌ عليه خِرقةٌ أو لَزقةٍ أو جِبسٌ فإنه يَمسحُ عليه بالماءِ بدلاً من غَسلِه ولا يَحتاجُ للتَّيمَّمِ لأن المسحَ بدلٌ عن الغَسلِ، كما جاءَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما تَوَضَّأَ وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ فَمَسَحَ عَلَيْهَا وَغَسَلَ مَا سِوَى ذَلِكَ.
وإذا لم يجدِ التُّرابَ الطَّاهرَ، فإنه يجوزُ أن يَتيمَّمَ على الجدارِ، أو على شيءٍ آخرَ طاهرٍ له غُبارٌ، فإن كانَ الجِدارُ ممسوحاً بشيءٍ من غيرِ جِنسِ الأرضِ كالأصباغِ فلا يَتيمَّمُ عليه إلا أن يكونَ له غُبارٌ.
وإذا لم يُمكن التَّيمَّمَ على الأرضِ أو الجدارِ أو شيءٍ آخرَ له غبارٌ فلا بأسَ أن يُوضعَ تُرابٌ للمريضِ في إناءٍ أو كيسٍ أو منديلٍ يَتيمَّمُ منه، وإذا تَيمَّمَ لصلاةٍ وبقيَ على طهارتِه إلى وقتِ الصَّلاةِ الأخرى فإنه يصليها بالتَّيمَّمِ الأولِ، ولا يُعيدُ التَّيمَّمَ للصَّلاةِ الثَّانيةِ، لأنه لم يزلْ على طهارتِه، ولم يُوجد ما يُبطلُها.
وأما ما يتعلقُ بطهارةِ بدنِ المريضِ وثيابِه، فإنه يَجبُ على المريضِ أن يُطهِّرَ بدنَه من النَّجاساتِ، فإن كانَ لا يستطيعُ صلى على حالِه وصلاتُه صحيحةٌ ولا إعادةَ عليه.
ويجبُ على المريضِ أن يصليَ بثيابٍ طاهرةٍ، فإن تَنجَّستْ ثيابُه وَجبَ غسلُها أو إبدالُها بثيابٍ طاهرةٍ، فإن لم يمكنْ صلى على حالِه وصلاتُه صحيحةٌ، ولا إعادةَ عليه.
ويجبُ على المريضِ أن يصليَ على شيءٍ طاهرٍ، فإن تنجَّسَ مكانُه وجبَ غسلُه أو إبدالُه بشيءٍ طاهرٍ، أو يفرشَ عليه شيئاً طاهراً، فإن لم يمكنْ صلى على حالِه وصلاتُه صحيحةٌ ولا إعادةَ عليه.
عبادَ اللهِ ..
نعرفُ من هذا أنه لا يجوزُ للمريضِ أن يؤخرَ الصَّلاةَ عن وقتِها من أجلِ العجزِ عن الطَّهارةِ، بل يَتطهَّرَ بقدرِ ما يمكنُه ثم يُصلي الصلاةَ في وقتِها، ولو كانَ على بدنِه وثوبِه أو مكانِه نجاسةٌ يَعجزُ عنها.
وأما أحكامُ صلاةِ المريضِ، فإنه يَجبُ على المريضِ أن يصليَ الفريضةَ قائمًا ولو منحنيًا أو معتمدًا على جدارٍ أو عصا، فإن كانَ لا يستطيعُ القيام صلى جالسًا، والأفضلُ أن يكونَ مُتربِّعًا في موضعِ القيامِ والرُّكوعِ.
فإن كانَ لا يستطيعُ الصَّلاةَ جالسًا صلى على جَنبِه متوجهًا إلى القبلةِ، والجنبُ الأيمنُ أفضلُ، فإن لم يتمكنْ من التَّوجهِ إلى القِبلةِ صلى حيثُ كانَ اتجاهُه وصلاتُه صحيحةٌ ولا إعادةَ عليه.
فإن كانَ لا يستطيعُ الصَّلاةَ على جَنبهِ صلى مستلقيًا على ظَهرِه ورجلاهُ إلى القبلةِ، والأفضلُ أن يرفعَ رأسَه قليلاً ليتَّجهَ إلى القبلةِ، فإن لم يستطع أن تكونَ رجلاهُ إلى القبلةِ؛ صلى حيثُ كانتْ، ولا إعادةَ عليه، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ، فإنْ لم تستطعْ فمُستلقِيًا).
ويجبُ على المريضِ أن يركعَ ويسجدَ في صلاتِه، فإن لم يستطع أومأَ بهما برأسِه ويجعلُ السُّجودَ أخفضَ من الركوعِ، فإن استطاعَ الرُّكوعَ دونَ السُّجودِ ركعَ حالَ الرُّكوعِ وأومأَ بالسُّجودِ، وإن استطاعَ السُّجودَ دونَ الرُّكوعِ سجدَ حالَ السُّجودِ وأومأَ بالرُّكوعِ ولا يجعلْ شيئاً ليسجدَ عليه، فعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ مَرِيضًا فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ، فَأَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا، فَأَخَذَ عُودًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ، فَقَالَ: (صَلِّ عَلَى الأَرْضِ إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَإِلا فَأَوْمِئ إِيمَاءً، وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ).
فإن لم يستطعْ الحركةَ إطلاقاً لكن قلبَه يَعقلُ فإنه ينوي الأفعالَ، ويتكلمُ بالأقوالِ، فمثلاً يُكَّبرُ ويقرأُ الفاتحةَ، فإذا وصلَ إلى الرُّكوعِ نوى أنه ركعَ، وقالَ: اللهُ أكبرُ، وسبَّحَ: سبحانَ ربيَّ العظيمِ، ثُّمَ قالَ: سمعَ اللهُ لمن حمدَه، ونوى الرَّفعَ، وهكذا بقيةَ الأفعالِ، ولا يجوزُ له أن يُؤخِّرَ الصَّلاةَ عن وقتِها، وأما الإشارةُ بالأصبعِ كما يفعلُه بعضُ المرضى فليسَ بصحيحٍ، وليسَ له أصلٌ من الكِتابِ والسُّنةِ ولا من أقوال ِأهلِ العلمِ.
ويجبُ على المريضِ أن يصليَ كلَّ صلاةٍ في وقتِها ويفعلُ كلَّ مايقدرُ عليه مما يجبُ فيها، فإن شقَّ عليه فعْلُ كلِّ صلاةٍ في وقتِها فله الجمعُ بينَ الظُّهرِ والعصرِ، وبينَ المغربِ والعِشاءِ إما جمعُ تقديمٍ بحيثُ يُقدِّمُ العصرَ إلى الظُّهرِ، والعشاءَ إلى المغربِ، وإما جمعُ تأخيرٍ بحيثُ يؤخِّرُ الظُّهرَ إلى العصرِ، والمغربَ إلى العشاءِ حسبما يكونُ أيسرَ له ويصليها كاملةً دونَ قَصرٍ للصلاةِ، وأما الفجرُ فلا تُجمعُ لما قبلَها ولا لما بعدَها.
وأما في مسألةِ قضاءِ المريضِ الذي أُغميَ عليه للصَّلاةِ، فقد سُئلَ الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ رحمَه اللهُ عن هذه المسألةِ فأجابَ: إذا كانَ الإغماءُ ثلاثةَ أيامٍ فأقلَ يقضي قياساً على النَّائمِ، وإن كانَ الإغماءُ أكثرَ من ذلكَ فلا يقضي قياساً على المجنونِ. واللهُ أعلم.
فتعلَّموا يا عبادَ اللهِ هذه الأحكامَ وعلموها غيرَكم ممن يحتاجُها من المرضى، فلا يحسنُ بالعبدِ المسلمِ المُحافظِ على الصَّلاةِ، أن يُفرِّطَ بها في مرضِه وفي آخرِ أيامِ حياتِه بسببِ الجهلِ بأحكامِها، فالمريضُ يحتاجُ إلى قُربِ اللهِ تعالى ويحتاجُ إلى رحمتِه، وما دامتْ روحُك في جسدِك، وعقلُك يُدركُ ما حولُك، فالصَّلاةُ عليك كتاباً موقوتاً.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
إن الحمدَ للهِ الذي جعلَ الصَّلاةَ عمودَ الدِّينِ، وقالَ سبحانَه: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ * ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا رَبّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰجِعُونَ)، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، حثَّ على إقامةِ الصَّلاةِ في كتابِه المبينِ، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، كانَ آخرُ وصيَّتِه لأمتِه عندَ خروجِه من الدُّنيا الصَّلاةَ لما لها من الأهميةِ في الدِّينِ، صلى اللهُ عليه وسلمَ وباركَ عليه، وعلى آلِه وعلى أصحابِه، الطَّيِّبينَ الطَّاهرينَ، وسلمَ تسليماً كثيراً .. أما بعد:
فهل رأيتُم يا أهلَ الإيمانِ أهميَّةَ الصَّلاةِ، فهي لا تسقطُ صحةً ولا مرضاً، ولا حضراً ولا سفراً، ولا أمناً ولا خوفاً، ولا عافيةً ولا بلاءً، يُقيمُها العبدُ قائماً أو جالساً أو مُضطجعاً أو مُستلقياً أو ماشياً أو راكباً وعلى كلِّ حالٍ، فرضَها اللهُ تعالى فوقَ سبعِ سماواتٍ، ووأوحى بها دونَ واسطةٍ، وجعلَها في أولِ الأمرِ خمسينَ في العددِ وذلكَ لحبِّه لها، ولأنها الصِّلةُ بينَه وبينَ عبادِه.
كانتْ قرَّةَ عينِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ، وكثيراً ما كانَ يقولُ: (أَقِمِ الصَّلَاةَ يَا بِلَالُ، أَرِحْنَا بِهَا)، صلى حتى تفطَّرتْ قدماه، ولما عوتِبَ في ذلكَ قالَ: (أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟)، وكانت آخرَ وصاياه، فماتَ وهو يقولُ: (الصلاةَ الصلاةَ).
وهكذا كان الصَّحابةُ رضيَ اللهُ عنهم مع الصَّلاةِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ احْتَمَلْتُهُ أَنَا وَنَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى أَدْخَلْنَاهُ مَنْزِلَهُ، فَلَمْ يَزَلْ فِي غَشْيَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى أَسْفَرَ الصُّبْحُ فَقَالَ رَجُلٌ:إِنَّكُمْ لَنْ تُفْزِعُوهُ بِشَيْءٍ إِلَّا بِالصَّلَاةِ، قَالَ: فَقُلْنَا: الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟، قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: (أَمَا إِنَّهُ لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ)، فَصَلَّى وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا.
ثُّمَ سارَ على ذلك التَّابعينَ رحمَهم اللهُ تعالى، فها هو عَامِرُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رحمَه اللهُ يسَمِعُ الْمُؤَذِّنَ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ –أي وروحُه تخرجُ-، فَقَالَ: خُذُوا بِيَدِي، فَقِيلَ: إِنَّكَ عَلِيلٌ، قَالَ: أَسْمَعُ دَاعِيَ اللَّهِ، فَلَا أُجِيبُهُ، فَأَخَذُوا بِيَدِهِ، فَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ، فَرَكَعَ رَكْعَةً، ثُمَّ مَاتَ.
وأما إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونَ المَرُّوزِيُّ فكَانَ يَعْمَلُ صَائِغًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ المِطْرَقَةَ فَسَمِعَ النِّدَاءَ وَضَعَهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا.
وأما قولُ إبراهيمَ النَّخعي: (إذا رأيتَ الرَّجلَ يَتهاونُ في تكبيرةِ الإحرامِ، فاغسلْ يدكَ منه) فهذا يُصوِّرُ به الأمرَ في زمانِه، وإلا لو كانَ حيَّاً في زمانِنا فلعلَّه سيُراجعُ نفسَه عن هذه الكلمةِ .. لأنه سيغسلُ يدَه كثيراً كثيراً.
رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ، ربنا اجعلْنا مُقيمي الصَّلاةِ ومن ذرياتِنا، رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءً، اللهمَّ أصلحْ لنا دينَنا الذي هو عِصمةُ أمرِنا، وأصلحْ لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعلْ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، واجعلْ الموتَ راحةً لنا من كلِّ شرٍ، اللهم آمنا في الأوطانِ والدُّورِ وأصلحْ اللهمَّ ولاةَ الأمورِ، اللهمَّ وولِ على المسلمينَ خيارَهم، اللهم استرْ عوراتِنا، وآمنْ روعاتِنا، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفِنا، وعن أيمانِنا، وعن شمائلِنا، ومن فوقِنا، ونعوذُ اللهمَّ بعظمتِكَ أن نُغتالَ من تحتِنا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا و أَنْنمْ مُسْلِمُونَ) .. أما بعد:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ -أَيْ ضَاعَتْ- فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهَا رِجَالًا فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعَائِشَةَ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكِ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا).
أيها المؤمنونَ ..
هؤلاءِ الصحابةُ رضيَ اللهُ عنهم كانوا معذورونَ بصلاتِهم بغيرِ وضوءٍ حيثُ لم يجدوا الماءَ وذلك لأنه لم يكن قد فُرضَ عليهم التَّيمَّمُ بدلاً منه .. والنَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ لم يأمرْهم بإعادةِ الصَّلاةِ .. وكذلكَ من لم يجدِ الماءَ ولا التُّرابَ بعدَ فرضِ التَّيمَّمِ أو لم يستطعْ استعمالاهما فإنه يجوزُ له أن يصلي على حالِه دونَ وضوءٍ ولا تيمَّمٍ ولا يَجوزُ له أن يُخرجَ الصَّلاةَ عن وقتِها ولا إعادةَ عليه.
سألَ رجلٌ اللَّجنةَ الدَّائمةَ للإفتاءِ: إني طَريحُ الفِراشِ ولا أقوى على الحركةِ فكيفَ أقومُ بعمليةِ الطَّهارةِ لأداءِ الصَّلاةِ؟.
فأجابتْ: (أولاً: بالنِّسبةِ للطَّهارةِ فيجبُ على المسلمِ أن يتطهَّرَ بالماءِ، فإن عَجزَ عن استعمالِه لمرضٍ أو غيرِه تَيمَّمَ بترابٍ طاهرٍ، فإن عَجزَ عن ذلك سَقطتْ الطَّهارةُ وصلى حَسبَ حالِه، قالَ تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وقالَ جلَّ ذكرُه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
ولعلَّ هذه الحادثَةَ تَكونُ مدخلاً لذكرِ بعضِ ما يحتاجُه المريضُ من الأحكامِ الشَّرعيَّةِ المهمَّةِ في طهارتِه وصلاتِه:
فنقولُ أنه يجبُ على المريضِ إن كانَ مستطيعاً أن يتطهَّرَ بالماءِ فيتوضأُ من الحدثِ الأصغرِ، ويغتسلُ من الحدثِ الأكبرِ، فإن كانَ لا يستطيعُ الطَّهارةَ بالماءِ لعجزِه أو خوفِ زيادةِ المرضِ أو تأخرِ بُرئِه فإنه يَتيمَّمُ .. قالَ تعالى: (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ)، والعاجزُ عن استخدامِ الماءِ مع وجودِه هو كعادمِ الماءِ.
و كيفيَّةُ التَّيمَّمِ: أن يَضربَ الأرضَ الطَّاهرةَ بيديه ضَربةً واحدةً يمسحُ بهما جميعَ وجهِه، ثم يمسحُ كفيه بعضَهما ببعضٍ، كما صحَّ عن النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ أنه علَّمَ عمَّاراً رضيَ اللهُ عنه قالَ: (إنَّما يكفيكَ أن تضربَ بيدِكَ الأرضَ ضربةً واحدةً، ثم تَمسحُ بهما وجهَك وكفيكَ).
فإن لم يستطعْ أن يتطهَّرَ بنفسِه فإنه يوضئُه شخصٌ آخر رجلاً كانَ أو امرأةً من محارمِه، أو يُيممُّه إن لم يستطعْ الوضوءَ فيضربُ الشَّخصُ الأرضَ الطاهرةَ بيديه ويمسحُ بها وجهَ المريضِ وكفيه.
وإذا كانَ في بعضِ أعضاءِ الطهارةِ جُرحٌ فإنه يغسلُه بالماءِ، فإن كانَ الغَسلُ بالماءِ يُؤثرُ عليه، مسحَه مسحاً، فيَبُّلُ يدَه بالماءِ ويُمرُّها عليه، فإن كانَ المسحُ يؤثرُ عليه أيضاً فإنه يغسلُ ما يستطيعُ من أعضائه ثُّمَ يَتيمَّمُ عن الباقي.
وإذا كانَ في بعضِ أعضائه كَسرٌ مَشدودٌ عليه خِرقةٌ أو لَزقةٍ أو جِبسٌ فإنه يَمسحُ عليه بالماءِ بدلاً من غَسلِه ولا يَحتاجُ للتَّيمَّمِ لأن المسحَ بدلٌ عن الغَسلِ، كما جاءَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما تَوَضَّأَ وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ فَمَسَحَ عَلَيْهَا وَغَسَلَ مَا سِوَى ذَلِكَ.
وإذا لم يجدِ التُّرابَ الطَّاهرَ، فإنه يجوزُ أن يَتيمَّمَ على الجدارِ، أو على شيءٍ آخرَ طاهرٍ له غُبارٌ، فإن كانَ الجِدارُ ممسوحاً بشيءٍ من غيرِ جِنسِ الأرضِ كالأصباغِ فلا يَتيمَّمُ عليه إلا أن يكونَ له غُبارٌ.
وإذا لم يُمكن التَّيمَّمَ على الأرضِ أو الجدارِ أو شيءٍ آخرَ له غبارٌ فلا بأسَ أن يُوضعَ تُرابٌ للمريضِ في إناءٍ أو كيسٍ أو منديلٍ يَتيمَّمُ منه، وإذا تَيمَّمَ لصلاةٍ وبقيَ على طهارتِه إلى وقتِ الصَّلاةِ الأخرى فإنه يصليها بالتَّيمَّمِ الأولِ، ولا يُعيدُ التَّيمَّمَ للصَّلاةِ الثَّانيةِ، لأنه لم يزلْ على طهارتِه، ولم يُوجد ما يُبطلُها.
وأما ما يتعلقُ بطهارةِ بدنِ المريضِ وثيابِه، فإنه يَجبُ على المريضِ أن يُطهِّرَ بدنَه من النَّجاساتِ، فإن كانَ لا يستطيعُ صلى على حالِه وصلاتُه صحيحةٌ ولا إعادةَ عليه.
ويجبُ على المريضِ أن يصليَ بثيابٍ طاهرةٍ، فإن تَنجَّستْ ثيابُه وَجبَ غسلُها أو إبدالُها بثيابٍ طاهرةٍ، فإن لم يمكنْ صلى على حالِه وصلاتُه صحيحةٌ، ولا إعادةَ عليه.
ويجبُ على المريضِ أن يصليَ على شيءٍ طاهرٍ، فإن تنجَّسَ مكانُه وجبَ غسلُه أو إبدالُه بشيءٍ طاهرٍ، أو يفرشَ عليه شيئاً طاهراً، فإن لم يمكنْ صلى على حالِه وصلاتُه صحيحةٌ ولا إعادةَ عليه.
عبادَ اللهِ ..
نعرفُ من هذا أنه لا يجوزُ للمريضِ أن يؤخرَ الصَّلاةَ عن وقتِها من أجلِ العجزِ عن الطَّهارةِ، بل يَتطهَّرَ بقدرِ ما يمكنُه ثم يُصلي الصلاةَ في وقتِها، ولو كانَ على بدنِه وثوبِه أو مكانِه نجاسةٌ يَعجزُ عنها.
وأما أحكامُ صلاةِ المريضِ، فإنه يَجبُ على المريضِ أن يصليَ الفريضةَ قائمًا ولو منحنيًا أو معتمدًا على جدارٍ أو عصا، فإن كانَ لا يستطيعُ القيام صلى جالسًا، والأفضلُ أن يكونَ مُتربِّعًا في موضعِ القيامِ والرُّكوعِ.
فإن كانَ لا يستطيعُ الصَّلاةَ جالسًا صلى على جَنبِه متوجهًا إلى القبلةِ، والجنبُ الأيمنُ أفضلُ، فإن لم يتمكنْ من التَّوجهِ إلى القِبلةِ صلى حيثُ كانَ اتجاهُه وصلاتُه صحيحةٌ ولا إعادةَ عليه.
فإن كانَ لا يستطيعُ الصَّلاةَ على جَنبهِ صلى مستلقيًا على ظَهرِه ورجلاهُ إلى القبلةِ، والأفضلُ أن يرفعَ رأسَه قليلاً ليتَّجهَ إلى القبلةِ، فإن لم يستطع أن تكونَ رجلاهُ إلى القبلةِ؛ صلى حيثُ كانتْ، ولا إعادةَ عليه، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ، فإنْ لم تستطعْ فمُستلقِيًا).
ويجبُ على المريضِ أن يركعَ ويسجدَ في صلاتِه، فإن لم يستطع أومأَ بهما برأسِه ويجعلُ السُّجودَ أخفضَ من الركوعِ، فإن استطاعَ الرُّكوعَ دونَ السُّجودِ ركعَ حالَ الرُّكوعِ وأومأَ بالسُّجودِ، وإن استطاعَ السُّجودَ دونَ الرُّكوعِ سجدَ حالَ السُّجودِ وأومأَ بالرُّكوعِ ولا يجعلْ شيئاً ليسجدَ عليه، فعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ مَرِيضًا فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ، فَأَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا، فَأَخَذَ عُودًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ، فَقَالَ: (صَلِّ عَلَى الأَرْضِ إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَإِلا فَأَوْمِئ إِيمَاءً، وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ).
فإن لم يستطعْ الحركةَ إطلاقاً لكن قلبَه يَعقلُ فإنه ينوي الأفعالَ، ويتكلمُ بالأقوالِ، فمثلاً يُكَّبرُ ويقرأُ الفاتحةَ، فإذا وصلَ إلى الرُّكوعِ نوى أنه ركعَ، وقالَ: اللهُ أكبرُ، وسبَّحَ: سبحانَ ربيَّ العظيمِ، ثُّمَ قالَ: سمعَ اللهُ لمن حمدَه، ونوى الرَّفعَ، وهكذا بقيةَ الأفعالِ، ولا يجوزُ له أن يُؤخِّرَ الصَّلاةَ عن وقتِها، وأما الإشارةُ بالأصبعِ كما يفعلُه بعضُ المرضى فليسَ بصحيحٍ، وليسَ له أصلٌ من الكِتابِ والسُّنةِ ولا من أقوال ِأهلِ العلمِ.
ويجبُ على المريضِ أن يصليَ كلَّ صلاةٍ في وقتِها ويفعلُ كلَّ مايقدرُ عليه مما يجبُ فيها، فإن شقَّ عليه فعْلُ كلِّ صلاةٍ في وقتِها فله الجمعُ بينَ الظُّهرِ والعصرِ، وبينَ المغربِ والعِشاءِ إما جمعُ تقديمٍ بحيثُ يُقدِّمُ العصرَ إلى الظُّهرِ، والعشاءَ إلى المغربِ، وإما جمعُ تأخيرٍ بحيثُ يؤخِّرُ الظُّهرَ إلى العصرِ، والمغربَ إلى العشاءِ حسبما يكونُ أيسرَ له ويصليها كاملةً دونَ قَصرٍ للصلاةِ، وأما الفجرُ فلا تُجمعُ لما قبلَها ولا لما بعدَها.
وأما في مسألةِ قضاءِ المريضِ الذي أُغميَ عليه للصَّلاةِ، فقد سُئلَ الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ رحمَه اللهُ عن هذه المسألةِ فأجابَ: إذا كانَ الإغماءُ ثلاثةَ أيامٍ فأقلَ يقضي قياساً على النَّائمِ، وإن كانَ الإغماءُ أكثرَ من ذلكَ فلا يقضي قياساً على المجنونِ. واللهُ أعلم.
فتعلَّموا يا عبادَ اللهِ هذه الأحكامَ وعلموها غيرَكم ممن يحتاجُها من المرضى، فلا يحسنُ بالعبدِ المسلمِ المُحافظِ على الصَّلاةِ، أن يُفرِّطَ بها في مرضِه وفي آخرِ أيامِ حياتِه بسببِ الجهلِ بأحكامِها، فالمريضُ يحتاجُ إلى قُربِ اللهِ تعالى ويحتاجُ إلى رحمتِه، وما دامتْ روحُك في جسدِك، وعقلُك يُدركُ ما حولُك، فالصَّلاةُ عليك كتاباً موقوتاً.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
إن الحمدَ للهِ الذي جعلَ الصَّلاةَ عمودَ الدِّينِ، وقالَ سبحانَه: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ * ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا رَبّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰجِعُونَ)، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، حثَّ على إقامةِ الصَّلاةِ في كتابِه المبينِ، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، كانَ آخرُ وصيَّتِه لأمتِه عندَ خروجِه من الدُّنيا الصَّلاةَ لما لها من الأهميةِ في الدِّينِ، صلى اللهُ عليه وسلمَ وباركَ عليه، وعلى آلِه وعلى أصحابِه، الطَّيِّبينَ الطَّاهرينَ، وسلمَ تسليماً كثيراً .. أما بعد:
فهل رأيتُم يا أهلَ الإيمانِ أهميَّةَ الصَّلاةِ، فهي لا تسقطُ صحةً ولا مرضاً، ولا حضراً ولا سفراً، ولا أمناً ولا خوفاً، ولا عافيةً ولا بلاءً، يُقيمُها العبدُ قائماً أو جالساً أو مُضطجعاً أو مُستلقياً أو ماشياً أو راكباً وعلى كلِّ حالٍ، فرضَها اللهُ تعالى فوقَ سبعِ سماواتٍ، ووأوحى بها دونَ واسطةٍ، وجعلَها في أولِ الأمرِ خمسينَ في العددِ وذلكَ لحبِّه لها، ولأنها الصِّلةُ بينَه وبينَ عبادِه.
كانتْ قرَّةَ عينِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ، وكثيراً ما كانَ يقولُ: (أَقِمِ الصَّلَاةَ يَا بِلَالُ، أَرِحْنَا بِهَا)، صلى حتى تفطَّرتْ قدماه، ولما عوتِبَ في ذلكَ قالَ: (أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟)، وكانت آخرَ وصاياه، فماتَ وهو يقولُ: (الصلاةَ الصلاةَ).
وهكذا كان الصَّحابةُ رضيَ اللهُ عنهم مع الصَّلاةِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ احْتَمَلْتُهُ أَنَا وَنَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى أَدْخَلْنَاهُ مَنْزِلَهُ، فَلَمْ يَزَلْ فِي غَشْيَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى أَسْفَرَ الصُّبْحُ فَقَالَ رَجُلٌ:إِنَّكُمْ لَنْ تُفْزِعُوهُ بِشَيْءٍ إِلَّا بِالصَّلَاةِ، قَالَ: فَقُلْنَا: الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟، قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: (أَمَا إِنَّهُ لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ)، فَصَلَّى وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا.
ثُّمَ سارَ على ذلك التَّابعينَ رحمَهم اللهُ تعالى، فها هو عَامِرُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رحمَه اللهُ يسَمِعُ الْمُؤَذِّنَ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ –أي وروحُه تخرجُ-، فَقَالَ: خُذُوا بِيَدِي، فَقِيلَ: إِنَّكَ عَلِيلٌ، قَالَ: أَسْمَعُ دَاعِيَ اللَّهِ، فَلَا أُجِيبُهُ، فَأَخَذُوا بِيَدِهِ، فَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ، فَرَكَعَ رَكْعَةً، ثُمَّ مَاتَ.
وأما إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونَ المَرُّوزِيُّ فكَانَ يَعْمَلُ صَائِغًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ المِطْرَقَةَ فَسَمِعَ النِّدَاءَ وَضَعَهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا.
وأما قولُ إبراهيمَ النَّخعي: (إذا رأيتَ الرَّجلَ يَتهاونُ في تكبيرةِ الإحرامِ، فاغسلْ يدكَ منه) فهذا يُصوِّرُ به الأمرَ في زمانِه، وإلا لو كانَ حيَّاً في زمانِنا فلعلَّه سيُراجعُ نفسَه عن هذه الكلمةِ .. لأنه سيغسلُ يدَه كثيراً كثيراً.
رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ، ربنا اجعلْنا مُقيمي الصَّلاةِ ومن ذرياتِنا، رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءً، اللهمَّ أصلحْ لنا دينَنا الذي هو عِصمةُ أمرِنا، وأصلحْ لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعلْ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، واجعلْ الموتَ راحةً لنا من كلِّ شرٍ، اللهم آمنا في الأوطانِ والدُّورِ وأصلحْ اللهمَّ ولاةَ الأمورِ، اللهمَّ وولِ على المسلمينَ خيارَهم، اللهم استرْ عوراتِنا، وآمنْ روعاتِنا، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفِنا، وعن أيمانِنا، وعن شمائلِنا، ومن فوقِنا، ونعوذُ اللهمَّ بعظمتِكَ أن نُغتالَ من تحتِنا.
المرفقات
610.doc
طهارة المريض وصلاته.docx
طهارة المريض وصلاته.docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق