طهارة القلب
ابراهيم السعدي
1432/11/21 - 2011/10/19 13:54PM
أصل الخطبه لا أعلم لمن
الخطبــة الأولـى: الجمعة 23 / 11/ 1432هـ
الحمدُ للهِ القائمِ على كلِّ نفسٍ بما كسَبت، والمجازي لها بما عملَت، أحمدُه وأشكرُه وأثني عليه الخيرَ كلَّه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه الذي أُنزلَ عليهِ ((ولا تجعلْ في قلوبِنا غِلاً للذين آمنوا))، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيم، وباركْ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ في العالمين إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وسلِّمْ تسليماً كثيراً.
أما بعدُ عبادَ الله، فإن الشيطانَ لما طُردَ من الجنةِ امتلأَ غِلاً وبُغضاً لآدمَ وذريـتِه، وأخذَ عهداً على نفسِه بإغوائهم وإشقائهم. ومن أعظمِ وسائلِه في ذلك زرعُ الغلِّ والبغضاءِ في النفوس، وقد كانَ ذلكَ أولُ ذنبٍ عُصيَ اللهُ تعالى بهِ في الأرضِ، وأدى إلى قتلِ ابنِ آدمَ الأولِ لأخيه.
واليومَ شاعَ هذا المرضُ القلبيُّ وانتشرَ، وأرهقَ أصحابَه، وأساءَ علاقاتِ الناسِ بعضِهِم ببعض! قلّما ترى اليومَ رجلاً وقدْ سلِمَ قلبُه من الغلِّ والبغضاء.. ومن مظاهِرِ ذلكَ التقاطعُ والتهاجرُ والكراهيةُ بين الناسِ والسخريةُ والحطُّ من أقدارِ الآخرين.
عبادَ الله! لقدْ أخبرَ اللهُ سبحانَه أنهُ لا نجاةَ يومَ القيامةِ إلا لمنْ سلمَ قلبُه. وسلامةُ القلبِ تقتضي طهارتُه منَ الغلِّ والبغضاء، يقول U : (( يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون* إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم )) كما أنَّه U أتمَّ النعمةَ على أهلِ الجنةِ بأن نزعَ ما في قلوبِهم من الغلِّ وجعَلَهم إخواناً، ذلكَ أن الغلَّ يُـشْقي صاحبَه ويتعذبُ به.
معاشرَ المؤمنين، إنَّ سنَّةَ النبيِّ r عامرةٌ بالنصوصِ التي تؤكدُ أهميةَ طهارةِ القلوبِ وسلامتِها من الغلِّ..سُئلَ الرسولُ r : أيُّ الناسِ أفضلُ؟ فقال: (( كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسان))، فقيل له: صدوقُ اللسانِ نعرفُه، فما مخمومُ القلب؟ فقال r : (( هو التقيُّ النقيُّ، لا إثمَ ولا بغيَ ولا غلَّ ولا حسدَ)) ويقول r : (( لا تباغضُوا، ولا تحاسدُوا، ولا تدابرُوا، ولا تقاطعُوا، وكونوا عبادَ اللهِ إخواناً)) ، بل إنه r يقول: (( لا تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا)) ، ويقول r : (( ألا أخبرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟)) قالوا: بلى، قال: (( إصلاحُ ذاتِ البين، فإن فسادَ ذاتِ البينِ هيَ الحالقة ! لا أقولُ: تحلقُ الشعرَ، ولكنْ تحلقُ الدين)).
أيها المؤمنون، إنَّ في سيرةِ النبيِّ r من المواقفِ ما يؤكدُ هذا الأصل.. أصلُ سلامةِ القلوبِ وطهارتِها من الغلِّ والشحناءِ، فمنْ أعظمِ المواقفِ قولُه r حين استأذنهُ مَلَكُ الجبالِ أن يُطبقَ الأخْشَبَـيْنِ – وهما جبلانِ عظيمانِ يحيطانِ بمكةَ – حين كذَّبوه r ، وحين ناصبوه العداءَ، فقال r وقد امتلأَ قلبُه طهارةً، وسَلِمَ من الغلِّ: (( بلْ أرجو اللهَ أن يُخرجَ من أصلابِهِم منْ يعبدُ اللهَ وحدَه)).
وقالَ r في موقفٍ يُظهرُ دقّةَ سعيِه، وحرصَه الدائبَ على بقاءِ القلبِ طاهراً سليماً من الغلِّ قال: (( لا يُبلِغني أحدٌ عنْ أحدٍ من أصحابي شيئاً، فإني أُحبُّ أن أخرجَ إليكم وأنا سليمُ الصدر)) .
عبادَ اللهِ إن سلَفَنا الصالحَ قد راعَوا هذا الأمرَ واهتمُوا به أشدَّ الاهتمام. فهذا الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ ~، وقد أوذيَ وسُجنَ وعُذِّبَ عذاباً شديداً، لكنه بعدَ تلكَ المحنةِ يصفحُ عن كلِّ من أساءَ إليهِ إبَّان سجنِه فيقول لأحدهم: " أنتَ في حلٍّ، وكلُّ من ذَكَرَني في حلٍّ، إلا مبتدع.. يقولُ اللهُ U: (( ولْيعفوا ولْيصفحوا ألا تُحبّون أن يغفرَ اللهُ لكُم )) وما ينفعكَ أن يُعذبَ أخوكَ المسلمُ بسبَبِك؟ ".
أما شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ ~ فقدْ كانَ لهُ موقفٌ من خصومِه، حيثُ صَفَحَ عنهم قائلاً: " إني قد أحللتُ كلَّ مسلمٍ، والذين كذبوا وظلموا فهم في حلٍّ من جهتي" .
فأين هذه المواقفُ – عبادَ الله – من قلوبٍ محشوّةٍ غلاً وبغضاً ؟! إنك لتجدُ الرجلينِ في مجلسٍ واحدٍ وما بينَهما أحدٌ، لكنَّ في قلبِ كلٍّ منهما مثلُ الجبلِ العظيمِ من الغلِّ والبغضاء.
(( يا أيها الذين آمنوا لا يسخرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهُم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنَّ خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسَكم ولا تنابزوا بالألقابِ بئسَ الاسمُ الفسوقُ بعدَ الإيمانِ ومن لم يَتبْ فأولئكَ هُمُ الظالمون )) .
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ لهُ على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ ألاّ إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ تعظيماً لشأنِه، وأشهدُ أن نبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه، ومن سارَ على نهجِه واقتفى أثرَه إلى يومِ الدينِ، وسلَّمَ تسليماً... أما بعد
عبادَ اللهِ فأوصيكُم ونفسي بتقوى اللهِ U، فهي وصيةٌ لنا وللذينَ من قبلِنا: (( ولقد وصّيْنا الذين أوتوا الكتابَ من قبلِكم وإياكم أن اتقوا الله )) .
إنّ للغلِّ أسباباً منها : تحريشُ الشيطانِ بين المؤمنين، فقد قالَ اللهُ U: (( وقلْ لعبادي يقولوا التي هيَ أحسنُ إنَّ الشيطانَ ينزغُ بينهم)) ، وقد قال r: (( إن الشيطانَ قد أيسَ أن يَعبدَهُ المصلّونَ في جزيرةِ العربِ، ولكنْ في التحريشِ بينَهم)). وقد نالَ من خلالِ هذا المسلكِ كثيراً من مرادِه ومبتغاه حين أسلمَ لهُ كثيرٌ من الناسِ عنانَهم، فانساقوا خلفَ هذا المرض.
ومن الأسبابِ الغضبُ، فإن الإنسانَ إذا عجزَ عن إخراجِ غضبِه رجعَ إلى باطنِه فصارَ حِقداً ، ولذلكَ أوصى النبيُّ r رجلاً بألاّ يغضبَ، قَالَ الرَّجُلُ فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ما قَالَ فإذا الغَضَبُ يجمعُ الشرَّ كلّهُ.
ومن الأسبابِ كذلك الحسد، وقد قال r : (( دبَّ إليكُم داءُ الأممِ قبلَكُم: الحسدُ والبغضاءُ)).
ومن الأسبابِ الهوى والجدالُ والتعصبُ للرأي، حينَ يتعصبُ كلُّ أحدٍ لرأيه، ويجادلُ عنهُ جدالاً مذموماً، فإنّهُ حينئذٍ يحملُ الحقدَ والبغضاءَ على منْ خالَفَه.
ومن الأسبابِ التنافسُ على حطامِ الدنيا ، فإنها ترهقُ أصحابَها المتنافسين في طلبِها، وتحصلُ العداواتُ بسببِها.
ومن الأسبابِ كثرةُ المزاحِ، وخصوصاً ما يصلُ للمزاحِ بالأيدي.
أما آثارُ الغلِّ والبغضاءِ فهي خطيرةٌ عظيمةٌ ! فمنها تأخيرُ مغفرةِ الذنوبِ، وقد قال r : (( تُعرضُ الأعمالُ كل إثنينٍ وخميسٍ، فيغفرُ اللهُ لكلِّ امرئ لا يُشركُ به شيئاً، إلا امرأً كانتْ بينَه وبينَ أخيه شحناءُ، فيقال: أنظِروا هذينِ حتى يصطلحا )).
ومن الآثارِ كذلكَ ما يقعُ في القلبِ من الأذى والهمِّ والغمِّ والعذابِ .
ولنا أن نطالعَ وصفاتٍ علاجيةً لهذا المرضِ، فمنها صيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ، فقد قالَ r: (( ألا أُخبرُكمْ بما يُذهِبُ وَحَرَ الصدر ؟! صومُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر )).
ومن العلاجِ الهديةُ وإفشاءُ السلامِ، وقد جاءَ في الحديثِ: (( تهادَوا تحابُّوا))، وقولُه r : ((أفشُوا السلامَ بينكُم)).
والصدقةُ، والكلمةُ الطيبةُ من أهمِّ العلاجِ لهذا المرضِ الخبيث، يقول U: ((خذْ من أموالِهمْ صدقةً تطهِّرُهم وتزكيهِم بها )) ويقول U: (( وقلْ لعبادي يقولوا التي هيَ أحسنُ إن الشيطانَ ينزغُ بينهم)).
اللهمّ زيّنـّا بزينة الإيمان، واجعلْنا هداةً مهتدين، واملأ قلوبَنا حباً لك، وانشر المحبةَ بين عبادِك يا أرحمَ الراحمين
إن الله يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى، وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي، يعظُكُم لعلّكم تذكّرون
فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكروهُ على مزيدِ نعمِه يزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون
الخطبــة الأولـى: الجمعة 23 / 11/ 1432هـ
الحمدُ للهِ القائمِ على كلِّ نفسٍ بما كسَبت، والمجازي لها بما عملَت، أحمدُه وأشكرُه وأثني عليه الخيرَ كلَّه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه الذي أُنزلَ عليهِ ((ولا تجعلْ في قلوبِنا غِلاً للذين آمنوا))، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيم، وباركْ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ في العالمين إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وسلِّمْ تسليماً كثيراً.
أما بعدُ عبادَ الله، فإن الشيطانَ لما طُردَ من الجنةِ امتلأَ غِلاً وبُغضاً لآدمَ وذريـتِه، وأخذَ عهداً على نفسِه بإغوائهم وإشقائهم. ومن أعظمِ وسائلِه في ذلك زرعُ الغلِّ والبغضاءِ في النفوس، وقد كانَ ذلكَ أولُ ذنبٍ عُصيَ اللهُ تعالى بهِ في الأرضِ، وأدى إلى قتلِ ابنِ آدمَ الأولِ لأخيه.
واليومَ شاعَ هذا المرضُ القلبيُّ وانتشرَ، وأرهقَ أصحابَه، وأساءَ علاقاتِ الناسِ بعضِهِم ببعض! قلّما ترى اليومَ رجلاً وقدْ سلِمَ قلبُه من الغلِّ والبغضاء.. ومن مظاهِرِ ذلكَ التقاطعُ والتهاجرُ والكراهيةُ بين الناسِ والسخريةُ والحطُّ من أقدارِ الآخرين.
عبادَ الله! لقدْ أخبرَ اللهُ سبحانَه أنهُ لا نجاةَ يومَ القيامةِ إلا لمنْ سلمَ قلبُه. وسلامةُ القلبِ تقتضي طهارتُه منَ الغلِّ والبغضاء، يقول U : (( يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون* إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم )) كما أنَّه U أتمَّ النعمةَ على أهلِ الجنةِ بأن نزعَ ما في قلوبِهم من الغلِّ وجعَلَهم إخواناً، ذلكَ أن الغلَّ يُـشْقي صاحبَه ويتعذبُ به.
معاشرَ المؤمنين، إنَّ سنَّةَ النبيِّ r عامرةٌ بالنصوصِ التي تؤكدُ أهميةَ طهارةِ القلوبِ وسلامتِها من الغلِّ..سُئلَ الرسولُ r : أيُّ الناسِ أفضلُ؟ فقال: (( كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسان))، فقيل له: صدوقُ اللسانِ نعرفُه، فما مخمومُ القلب؟ فقال r : (( هو التقيُّ النقيُّ، لا إثمَ ولا بغيَ ولا غلَّ ولا حسدَ)) ويقول r : (( لا تباغضُوا، ولا تحاسدُوا، ولا تدابرُوا، ولا تقاطعُوا، وكونوا عبادَ اللهِ إخواناً)) ، بل إنه r يقول: (( لا تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا)) ، ويقول r : (( ألا أخبرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟)) قالوا: بلى، قال: (( إصلاحُ ذاتِ البين، فإن فسادَ ذاتِ البينِ هيَ الحالقة ! لا أقولُ: تحلقُ الشعرَ، ولكنْ تحلقُ الدين)).
أيها المؤمنون، إنَّ في سيرةِ النبيِّ r من المواقفِ ما يؤكدُ هذا الأصل.. أصلُ سلامةِ القلوبِ وطهارتِها من الغلِّ والشحناءِ، فمنْ أعظمِ المواقفِ قولُه r حين استأذنهُ مَلَكُ الجبالِ أن يُطبقَ الأخْشَبَـيْنِ – وهما جبلانِ عظيمانِ يحيطانِ بمكةَ – حين كذَّبوه r ، وحين ناصبوه العداءَ، فقال r وقد امتلأَ قلبُه طهارةً، وسَلِمَ من الغلِّ: (( بلْ أرجو اللهَ أن يُخرجَ من أصلابِهِم منْ يعبدُ اللهَ وحدَه)).
وقالَ r في موقفٍ يُظهرُ دقّةَ سعيِه، وحرصَه الدائبَ على بقاءِ القلبِ طاهراً سليماً من الغلِّ قال: (( لا يُبلِغني أحدٌ عنْ أحدٍ من أصحابي شيئاً، فإني أُحبُّ أن أخرجَ إليكم وأنا سليمُ الصدر)) .
عبادَ اللهِ إن سلَفَنا الصالحَ قد راعَوا هذا الأمرَ واهتمُوا به أشدَّ الاهتمام. فهذا الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ ~، وقد أوذيَ وسُجنَ وعُذِّبَ عذاباً شديداً، لكنه بعدَ تلكَ المحنةِ يصفحُ عن كلِّ من أساءَ إليهِ إبَّان سجنِه فيقول لأحدهم: " أنتَ في حلٍّ، وكلُّ من ذَكَرَني في حلٍّ، إلا مبتدع.. يقولُ اللهُ U: (( ولْيعفوا ولْيصفحوا ألا تُحبّون أن يغفرَ اللهُ لكُم )) وما ينفعكَ أن يُعذبَ أخوكَ المسلمُ بسبَبِك؟ ".
أما شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ ~ فقدْ كانَ لهُ موقفٌ من خصومِه، حيثُ صَفَحَ عنهم قائلاً: " إني قد أحللتُ كلَّ مسلمٍ، والذين كذبوا وظلموا فهم في حلٍّ من جهتي" .
فأين هذه المواقفُ – عبادَ الله – من قلوبٍ محشوّةٍ غلاً وبغضاً ؟! إنك لتجدُ الرجلينِ في مجلسٍ واحدٍ وما بينَهما أحدٌ، لكنَّ في قلبِ كلٍّ منهما مثلُ الجبلِ العظيمِ من الغلِّ والبغضاء.
(( يا أيها الذين آمنوا لا يسخرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهُم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنَّ خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسَكم ولا تنابزوا بالألقابِ بئسَ الاسمُ الفسوقُ بعدَ الإيمانِ ومن لم يَتبْ فأولئكَ هُمُ الظالمون )) .
الخـطــبة الثـانيـة:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ لهُ على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ ألاّ إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ تعظيماً لشأنِه، وأشهدُ أن نبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه، ومن سارَ على نهجِه واقتفى أثرَه إلى يومِ الدينِ، وسلَّمَ تسليماً... أما بعد
عبادَ اللهِ فأوصيكُم ونفسي بتقوى اللهِ U، فهي وصيةٌ لنا وللذينَ من قبلِنا: (( ولقد وصّيْنا الذين أوتوا الكتابَ من قبلِكم وإياكم أن اتقوا الله )) .
إنّ للغلِّ أسباباً منها : تحريشُ الشيطانِ بين المؤمنين، فقد قالَ اللهُ U: (( وقلْ لعبادي يقولوا التي هيَ أحسنُ إنَّ الشيطانَ ينزغُ بينهم)) ، وقد قال r: (( إن الشيطانَ قد أيسَ أن يَعبدَهُ المصلّونَ في جزيرةِ العربِ، ولكنْ في التحريشِ بينَهم)). وقد نالَ من خلالِ هذا المسلكِ كثيراً من مرادِه ومبتغاه حين أسلمَ لهُ كثيرٌ من الناسِ عنانَهم، فانساقوا خلفَ هذا المرض.
ومن الأسبابِ الغضبُ، فإن الإنسانَ إذا عجزَ عن إخراجِ غضبِه رجعَ إلى باطنِه فصارَ حِقداً ، ولذلكَ أوصى النبيُّ r رجلاً بألاّ يغضبَ، قَالَ الرَّجُلُ فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ما قَالَ فإذا الغَضَبُ يجمعُ الشرَّ كلّهُ.
ومن الأسبابِ كذلك الحسد، وقد قال r : (( دبَّ إليكُم داءُ الأممِ قبلَكُم: الحسدُ والبغضاءُ)).
ومن الأسبابِ الهوى والجدالُ والتعصبُ للرأي، حينَ يتعصبُ كلُّ أحدٍ لرأيه، ويجادلُ عنهُ جدالاً مذموماً، فإنّهُ حينئذٍ يحملُ الحقدَ والبغضاءَ على منْ خالَفَه.
ومن الأسبابِ التنافسُ على حطامِ الدنيا ، فإنها ترهقُ أصحابَها المتنافسين في طلبِها، وتحصلُ العداواتُ بسببِها.
ومن الأسبابِ كثرةُ المزاحِ، وخصوصاً ما يصلُ للمزاحِ بالأيدي.
أما آثارُ الغلِّ والبغضاءِ فهي خطيرةٌ عظيمةٌ ! فمنها تأخيرُ مغفرةِ الذنوبِ، وقد قال r : (( تُعرضُ الأعمالُ كل إثنينٍ وخميسٍ، فيغفرُ اللهُ لكلِّ امرئ لا يُشركُ به شيئاً، إلا امرأً كانتْ بينَه وبينَ أخيه شحناءُ، فيقال: أنظِروا هذينِ حتى يصطلحا )).
ومن الآثارِ كذلكَ ما يقعُ في القلبِ من الأذى والهمِّ والغمِّ والعذابِ .
ولنا أن نطالعَ وصفاتٍ علاجيةً لهذا المرضِ، فمنها صيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ، فقد قالَ r: (( ألا أُخبرُكمْ بما يُذهِبُ وَحَرَ الصدر ؟! صومُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر )).
ومن العلاجِ الهديةُ وإفشاءُ السلامِ، وقد جاءَ في الحديثِ: (( تهادَوا تحابُّوا))، وقولُه r : ((أفشُوا السلامَ بينكُم)).
والصدقةُ، والكلمةُ الطيبةُ من أهمِّ العلاجِ لهذا المرضِ الخبيث، يقول U: ((خذْ من أموالِهمْ صدقةً تطهِّرُهم وتزكيهِم بها )) ويقول U: (( وقلْ لعبادي يقولوا التي هيَ أحسنُ إن الشيطانَ ينزغُ بينهم)).
اللهمّ زيّنـّا بزينة الإيمان، واجعلْنا هداةً مهتدين، واملأ قلوبَنا حباً لك، وانشر المحبةَ بين عبادِك يا أرحمَ الراحمين
إن الله يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى، وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي، يعظُكُم لعلّكم تذكّرون
فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكروهُ على مزيدِ نعمِه يزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون
المشاهدات 3107 | التعليقات 2
بارك الله فيك أخي ابراهيم
ابراهيم السعدي
وفيك بارك أخي سعيد
شاكر ومقدر مرورك
تعديل التعليق