طلائع رمضان
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الاولى : طلائع رمضان 29/8/ 1443هـ
الحمدلله الكبيرٍ المتعال ، تعالى في ربوبيتهِ، تعالى في ألوهيته، تعالى في أسمائهِ وصفاته ، وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يم الدين وسلم تسليما مزيا أما بعد
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
بين الجوانح في الأعماق سكنـــاه فكيف أنسى ومن في الناس ينساه
في كل عـــام لنا لقيا محببــــــــــــــــــــــــــة يهتز كل كياني حين ألقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاه
بالعـــين والقلـــب بالآذان أرقبـــــــــــــه وكيف لا وأنا بالروح أحيــــــــــــــــــــــاه
ألقــــاه شهــــراً ولكن في نهايتـــــــــــــــــــه يمضي كطيف خيال قد لمحنـــــــــــــاه
في موسم الطهر في رمضان الخير تجمعنا محبة الله لا مـــــــال ولا جـــــــــــــــــــــــــــــــاه
من كل ذي خشية لله ذي ولـــــــــــع في الخير تعرفه دوماً بسيمــــــــــــــــاه
قد قدروا موسم الخيرات فاستبقوا والاستباق هنا المحمود عقباه
صامـــوه قامـــوه إيمانـــــاً ومحتسبــــــــــاً أحيوه طوعاً وما في الخير إكراه
فالأذن سامعــــة والعــــــين دامعـــــــــــة والروح خاشعة والقلــــــــــــب أواه
وكلهم بات بالقرآن مندمجـــــــــــــــاً كأنه الدم يسري في خلايـــــاه
مواسم الأرباح تعرض سوقها للطالبين {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
فضل عظيم وأجر كبير، لمن عرض نفسه لنفحات الرب الرحيم ، وكف نفسه عن مواطن ومواقع وقنوات تورد النفس العذاب الأليم ..
فهل من قائل : لئن بلغني الله رمضان لأحفظن القرآن .
وهل من قائل: لئن بلغني الله رمضان لأحافظن على تكبيرة الإحرام
وهل من قائل: لئن بلغني الله رمضان لانتهين من متابعة أهل السفه والخسران.
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ..
همم عاليه تستنشق ريح الجنة في أنسام الظمأ، وتستعذب الرحيق في جو العبادة .
واهِ لريح الجنة .. إِنِّا لنجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ رمضان .
لا تطلب السلعة الغالية بالثمن التافه .. والجنة حفت بالمكاره ..
لولا المشقة ساد الناس كلِهم ** الجود يفقر والإقدام قتال
منازل الابرار لا تنال إلا بجسر من التعب {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.
الصبر على الطاعات تنال بها أعلى الجنات، والصبر عن المحرمات تقي لهيب النار.
كل شي يعوض إلا الجنة فإنه لا عوض عنها، وكل شي يستغنى عنه إلا لذة النظر إلى وجه الكريم جلل جلاله، وكل شراب وزينة تفنى إلا الشرب والورد على الحوض.
ألا لا تحرمنّكم مناظر الخزي والعار عن النظر إلى وجه الجبار جل جلاله .
ألا لا تصدنّكم قنوات ومسرحيات عن ذكر الله وعن الصلاة .
ألا لايسرقن أوقاتكم، ويعصف بعقول وأبصار أهليكم وبنيكم ساقطين جعلوا من ليال رمضان ميدان لتفتيت الاخلاق وزعزعة الثوابت والمسلمات باسم التسلية أو عودة الذكريات ، إنها وربي السم الزعاف تسقى به عقول الأسر لتقتل الغيرة، وتميت العقيدة، وتجعل المسلم متنكرا لثوابت دينه وسنن نبيه ، فهل يرجى من قنوات تبث الفسق والعهر أن تنشر الإصلاح والطهر ..
ألا إن أمَامَكُمْ حَوْضٌ كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ ، أو كما بين المدينة وصنعاء.. مسيرته شهر، وماؤه أبيض من الورق، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ بعده أبدا»
ألا لا يحولن بين هذا النعيم وبين وروده أجهزة تورد المرء المهالك ، وشبكات وبرامج ومواقع تحجز من الشرب منه ، وتنازلات عن الدين وانغماس في الملهيات تذود عن الورود في هذا المعين ، ونبيكم قائم على الحوض يقول أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ، فَيُؤْخَذُ بِنَاسٍ مِنْ دُونِي، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم» فَأَقُولُ: أُمَّتِي، فَيُقَالُ: لاَ تَدْرِي، مَشَوْا عَلَى القَهْقَرَى لا تدري ما احدثوا بعدك ، فأقول سحقا وبعدا "
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ:«اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ»أخرجه البخاري.
وفي خضم تهافت الناس من في طلائع رمضان لشراء الكسوة لأهل بيته أن يعتني الرجل بستر أهله وبناته عند شراء ملابسهم فإن هذا كمال الرعاية الموجبة لستر الله في الآخرة، والحشمة في الدنيا.. وفي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا»
واتباع السنة في لباس الرجال والبنين فوق الكعبين ( وما أسبل من الكعبين من الازار ففي النار) ومن جر ثوبه خيلا لم ينظر الله إليه يوم القيامة..
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربكم رحيم ودود
الخطبة الثانية .. الحمدلله على رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم على خير خلقه وعلى أصحابه والتابعين اما بعد .
النور شاع بكل مكـــــــــــان ** والكون مصغ والنجوم روان
وعلى الوجوه نضارة الإيمان ** يا للجمال يشع في "رمضان"
ألا تستثقلوا أقدامًا تنصب لله في التراويح والقيام ، ولا تستبطئوا دقائقَ تتلى فيها كلام العزيز العلام ، قام نبيكم حتى تورمت قدماه وهو العبد الشكور وقد غفرت ذنوبه ورآى قصره في الجنة ،
قال أبو ذرّرضي الله عنه : صُمنا مع رسولِ الله رمضانَ، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر، حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتَّى ذهب ثُلُثُ الليل، فلما كانت السادسةُ لم يقم بنا، فلما كانت الخامسةُ قام بنا حتَّى ذهبَ شطرُ الليل، فقلت: يا رسولَ الله، لو نفَّلْتنا قيامَ هذه الليلة، قال: فقال: "إن الرجُلَ إذا صَلَّى مع الإمام حتى يَنصِرِفَ حُسِبَ له قيامُ ليلة" قال: فلما كانت الرابعةُ لم يقُمْ، فلما كانت الثالثةُ، جَمَعَ أهلَه ونساءه والناسَ, فقام بنا حتى خَشِينا أن يفوتَنا الفلاحُ؟ قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السُّحور. قال الترمذي : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ومما يجدر التذكير به أن مدار الأحكام والتعاملات على أمور ميسرة يعرفها العامة والخاصة، وبناءً على ذلك فقد علق الشارع الأحكام المرتبطة بالأشهر على الأهلة، بإحدى طريقتين:
- إما رؤية الهلال ، وإما إكمال العدة ثلاثين.
وهما طريقتان ميسرتان، يعرفهما عموم الخلق فهو ربط بأمر محسوس يستوي في إدراكه جميع البشر.
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له}
وفي حديث ابن عباس: {لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين}.
وأصح المعلومات ما شوهد بالبصر، وسُمي الهلال هلالاً لظهوره وبيانه، والحكم مبني على رؤية الهلال بالبصر، لا على ولادته ولا على وجوده في السماء، فإن لَمْ يُرَ بالبصر أكمل الناس عدة الشهر ثلاثين يوماً، ففي الحديث الصحيح: {فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين} قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ألا يدخل في صوم إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد، فإن لم يكن رؤية ولا شهادة أكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً.
اللهم بلغنا رمضان على احسن حال ، واعنا فيه على الصيام والقيام ومدوامة قرآءة القرآن ، وجميع خصال اللإيمان.
المرفقات
1648754250_طلائع رمضان.pdf
1648754252_طلائع رمضان.docx