طبيعة الصراع حول بيت المقدس والمسجد الأقصى
عبدالرحمن اللهيبي
هذه خطبة تم جمعها من عدة خطب وأكثرها من خطب للشيخ إبراهيم الحقيل نفع الله بها وجعلها خالصة لوجهه الكريم
الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ بَلَاءٍ لِأَوْلِيَائِهِ، وَامْتِحَانٍ لِسَائِرِ عِبَادِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَفَرَّدَ بِالْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ والملكوت. لَا يُذَلُّ مَنْ وَالَاهُ، وَلَا يُعَزُّ مَنْ عَادَاهُ. يَنْصُرُ أَوْلِيَاءَهُ، وَيَكْبِتُ أَعْدَاءَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ دَعَا إِلَى تَوْحِيدِ رَبِّهِ، فَأُوذِيَ وَأُخْرِجَ مِنْ بَلَدِهِ، وَفِي أُحُدٍ شُجَّ رَأْسُهُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، فَمَا فَتَّ ذَلِكَ فِي عَضُدِهِ، وَلَا زُعْزِعَ يَقِينُهُ بِرَبِّهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: خَلَقَ اللَّهُ -تَعَالَى- الخلق، وَفَاضَلَ بَيْنَ مَخْلُوقَاتِهِ؛ فخَلَقَ الشُّهُورَ وَالْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ فَفَضَّلَ رَمَضَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ، وَفَضَّلَ عَرَفَةَ وَالْجُمْعَةَ وَأَيَّامَ الْعَشْرِ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَفضل لَيْلَةَ الْقَدْرِ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِي، وَخَلَقَ الْبَشَرَ وَفَاضَلَ بَيْنَهُمْ، فَفَضَّلَ الْمُؤْمِنَ عَلَى الْكَافِرِ، وَالْبَرَّ عَلَى الْفَاجِرِ، وَفضل النَّبِيِّينَ عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ، وَفضل خَاتَمَهُمْ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى سَائِرِ الرُّسُلِ. وَخَلَقَ الله الْبِقَاعَ فَفَاضَلَ بَيْنَهَا، ففَضَّلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ بِحَرَمَيْهِمَا، وَفَضَّلَ الشَّامَ بِالْقُدْسِ،
وَفضل الْقُدْسَ بِمَسْجِدِهَا، هو مَسْرَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ أَرْضِهَا، وَصَلَّى بِالنَّبِيِّينَ فِي مَسْجِدِهَا.
جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قَالَ:
قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً » رواه البخاري فقَبلَ أَن يَكُونَ في الأَرضِ كَنِيسَةٌ أَو بَيعَةٌ ، وقبل أن يُبنَى فِيهَا مَعبَدٌ أَو صَومَعَةٌ ، كَانَت قَوَاعِدُ البَيتِ الحَرَامِ قَد أُرسِيَت ، ثم وَبَعدَ ذَلِكَ بِأَربَعِينَ سَنَةً بُني المسجد الأقصى ، فَكَانَ بَيتُ اللهِ الحَرَامُ بِمَكَّةَ هُوَ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ، وَكَانَ المَسجِدُ الأَقصَى في فِلَسطِينَ هُوَ الثَّانيَ
فالمسجد الأقصى مَسْجِدٌ مُبَارَكٌ، وَأَرْضُهُ مُبَارَكَةٌ، وَمَا حَوْلَهُ مُبَارَكٌ أَيْضًا قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ). وَوَصَفَ اللَّهُ -تَعَالَى- أَرْضَه بِالْقُدْسِيَّةِ فَقَالَ عَلَى لِسَانِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) . وَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَسْجِدَهَا مِنَ الْمَسَاجِدِ الثلاثة الَّتِي تُشَدُّ الرَّحَّالُ إِلَيْهِ لِلْعِبَادَةِ، وَجَعَلَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ مَا لَيْسَ لِلْمَسَاجِدِ الْأُخْرَى إِلَّا الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ» (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وصححه الألباني).
وَأَرْضُ بيت المقدس هي أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ» (أخرجه أحمد).
وَمن فضائل المسجد الأقصى أن الدجال لا يمكّن منه ولا يصل إليه جَاءَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ جنادة بن أبي أمية قال: أتينا رجلاً من الأنصار.. وذكر فيه أن الدجال يمنع من أربعة أماكن: المساجدِ الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوي والأقصى، إضافة إلى الطور... .
ولَقَدْ عَرَفَ أئمة الْمُسْلِمِينَ وعامتهم منذ القدم مَنْزِلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الْإِسْلَامِ؛ فَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَرْحَلُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ لِيَسْتَلِمَ مِنَ النَّصَارَى مَفَاتِيحَ الْقُدْسِ بِيَدِهِ، وَمِنْ حينها صَارَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَتَوَافَدُونَ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِزِيَارَتِهِ، وَيَشُدُّونَ الرِّحَالَ إِلَيْهِ، وَأَقَامَ بَعْضُهُمْ فِيهِ مُجَاوِرًا لِمَسْجِدِهِ، وَسَجَّلَتْ كُتُبُ التَّرَاجِمِ وَالتَّارِيخِ عَدَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ مَاتُوا مُجَاوِرِينَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَلَمَّا انْتَزَعَ النَّصَارَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ فِي الْحَمْلَةِ الصَّلِيبِيَّةِ الْأُولَى أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ حُزْنٌ كَبِيرٌ، وَعَلَاهُمْ كَرْبٌ شَدِيدٌ، وَخَطَبَ الْخُطَبَاءُ لِهَذَا الْأَمْرِ الْجَلَلِ، وَرَثَاهُ الشُّعَرَاءُ، وَظَلَّ الْمُسْلِمُونَ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعِينَ سَنَةً لَيْسَ لَهُمْ هَمٌّ يَشْغَلُهُمْ إِلَّا تَطْهِيرُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ رِجْسِ النَّصَارَى.
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَرَى أَنَّهُ الْمَسْؤُولُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ أَمَامَ اللَّهِ تَعَالَى، عَامَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ حَتَّى قَيَّضَ اللَّهُ -تَعَالَى- صَلَاحَ الدِّينِ الْأَيُّوبِيَّ لِفَتْحِهِ، وَتَطْهِيرِهِ مِنْ رِجْسِ عَبَدَةِ الصُّلْبَانِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَمْرًا سَهْلًا، بَلْ مَا حَصَلَ إِلَّا بَعْدَ إِصْلَاحَاتٍ دينية كَثِيرَةٍ، وَجِهَادٍ طَوِيلٍ، وَتَضْحِيَاتٍ جَسِيمَةٍ طِيلَةَ تِسْعِينَ سَنَةً، وَنَقَلَ مَنْ كَتَبُوا سِيرَةَ صَلَاحِ الدِّينِ أَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- كَانَ لَا يُرَى إِلَّا مُهْتَمًّا مُغْتَمًّا، تَعْلُوهُ كَآبَةُ الْحُزْنِ وَالْأَسَى... بَلْ كَانَ عَزُوفًا عَنِ الطَّعَامِ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مِنَ الْغِذَاءِ إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ، وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ أَجَابَ: «كَيْفَ يَطِيبُ لِيَ الْفَرَحُ وَالطَّعَامُ وَلَذَّةُ الْمَنَامِ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ بِأَيْدِي الصَّلِيبِيِّينَ» .
ولقد كَافَأَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَى هِمَّتِهِ تِلْكَ بِأَنْ يَسَّرَ لَهُ أَسْبَابَ الْفَتْحِ، وَأَعَادَ الله بيت المقدس إِلَى حَظِيرَةِ الْإِسْلَامِ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ فِي اللَّهِ: وكَمَا أَنَّ لِبُقْعَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَنْزِلَةً عَظِيمَةً عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَهَا كَذَلِكَ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ عِنْدَ الْيَهُودِ وَعند النَّصَارَى أيضا،
وَلَهُمْ فِيهَا أَحْلَامٌ وَنُبُوءَاتٌ، وَلَنْ يَتَخَلَّوْا عَنْهَا إِلَّا مُكْرَهِينَ مجبرين. فالْيَهُودِيُّ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّلَلِ وَالْخَرَسِ إِنْ هُوَ نَسِيَ الْقُدْسَ فَهُوَ يَتَرَنَّمُ بِالْمَزَامِيرِ يَقُولُ: «إِنْ نَسِيتُكِ يَا أُورْشَلِيمُ فَلْتَشُلَّ يَمِينِي، وَلْيَلْتَصِقْ لِسَانِي »
فاليهود يعتقدون أن القدس ملك لهم وأن المسجد الأقصى الذي بناه داوود عليه السلام ثم أتمه ابنه سليمان عليه السلام على طراز ليس له مثيل .. يعتقدون أنه الهيكل الذي يسعون لإعادة بنائه..
أيها المسلمون: لقد كان المسجد الأقصى على مرِّ التاريخ مسجداً للمسلمين من قبل أن يوجد اليهود ومن بعد ما وجدوا؛ وذلك أن إبراهيم عليه السلام هو أول من اتخذ تلك البقعة مسجداً، وقد قال الله تعالى عنه (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِياًّ وَلاَ نَصْرَانِياًّ وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ ) ثم تعاقب الأنبياء على بنائه كلما انهدم ومنهم داوود وسليمان وما كانوا يبنونه إلا لإقامة التوحيد والصلاة لرب العالمين , فليس لبني إسرائيل يهوداً ونصارى علاقة بالمسجد الأقصى إلا في الفترات التي كانوا فيها مسلمين مع أنبيائهم المسلمين عليهم السلام، أما بعد كفرهم بالله تعالى، وشتمهم إياه، وقتلهم الأنبياء فقد انقطعت علاقتهم بهذا المسجد الذي تحول إلى إرث المسلمين بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيه إماما بجميع الأنبياء عليهم السلام في ليلة مسراه.
ولكن اليهود والنصارى في هذا الزمن لا يسلمون بذلك، ويحاربون المسلمين عليه؛ إذ يعتقد اليهود أن بناء الهيكل الثالث سيخرج لهم ملكاً من نسل داوود عليه السلام، يحكمون به العالم، ويقتلون غير اليهود، كما يعتقد النصارى أن نزول المسيح سيكون في الأرض المباركة، وأنهم سيكونون أتباعه،
ويقتلون به غير النصارى؛ فالصراع على بيت المقدس هو صراع ديني عقائدي، يعتقد صهاينة اليهود والنصارى أنهم لن يستطيعوا حكم العالم إلا بعد بناء الهيكل فيه؛ ولذا فلن يتنازلوا عنه مهما كلف الأمر.
ولهذا فقَدْ تَوَحَّدَ أَكْثَرُ الْيَهُودِ اليوم عَلَى هَدَفٍ وَاحِدٍ، وَكَرَّسُوا جُهُودَهُمْ لِمُهِمَّةٍ وَاحِدَةٍ، وهِيَ: الِاسْتِيلَاءُ الكامل عَلَى الْقُدْسِ، ومن أعظم وسائلهم في ذلك أن يكون القدس عاصمة لهم وذلك لأجل أن يتمكنوت من َبَسْطِ الْهَيْمَنَةِ وَالنُّفُوذِ الكامل عَلَى المسجد الأقصى فالمسجد الأقصى ليس تحت أيديهم بل هو الآن تحت إدارة المسلمين وهذا ما يزعجهم ويؤرقهم منذ احتلاهم لبيت المقدس ومنذ ذلك الحين وهم يعملون صهاينة النصارى جاهدين ليكون الأقصى تحت نفوذهم بالكامل وذلك من خلال تهويد مدينة القدس بالكامل عبر تهجير المسلمين من القدس وذلك بالتضييق عليهم حتى جعلوا معيشتهم من حيث التعليم والصحة والاقتصاد جحيما لا يطاق وفي المقابل يعملون على التوسع الاستيطاني لليهود حوله وطمس المعالم الإسلامية للمدينة حتى بات المقادسة المسلمين في بيت المقدس أقلية بعد أن كانوا أكثرية فإذا تمكنوا من تهويد مدينة القدس وجعلوها عاصمة لهم عندها سيفعلون بالمسجد ما شاؤوا من إرادة هدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه لأنه لم يعد هناك من يحميه من المسلمين فالمدينة باتت يهودية بالكامل .
إلا أنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
أقول قولي هذا ....
أيها المسلمون: إن الأرض المباركة هي أرض الله تعالى، ومسجدها أقيم لتوحيده سبحانه، وليس من حق أحد -كائنا من كان- أن يتنازل عن شيء منها للأعداء؛ فهي ملك لله تعالى، وأمانة عند المسلمين، ولن تحرر من رجس اليهود إلا بالتزام دين الله تعالى، والتوبة من الذنوب والمعاصي التي هي سبب الذل والهوان المضروبين على المسلمين.
إن الأرض المباركة بمسجدها المقدس لن تحررها مؤتمرات تقام هنا أو هناك، وهاهم من كانوا يقيمون المؤتمرات لعقد الصلح ونشر السلام هاهم يعلنون أن القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.. هذا لندرك أنهم كانوا هم الخصم في مؤتمراتهم وهم الحكم، وما يعقدون مؤتمراتهم إلا طمعاً في تنازلات جديدة، ولن يكون حظ المسلمين من مؤتمراتهم إلا كحظهم من اتفاقات مدريد وأسلو وغيرها من مؤتمرات الأعداء.
لن ينال المسلمون منها إلا تكريس الاحتلال، وتقوية الظلمة، فلا أمل فيهم ولا في مؤتمراتهم، ولا تزال أعين الصهاينة من اليهود والنصارى على هدم المسجد المبارك، وبناء هيكلهم مكانه، ومنذ بداية احتلالهم وإلى يومنا هذا وهم يسعون بكل سبيل لتحقيق ذلك
إلا أن الله بفضله قيض للمسجد الأقصى رجالا مؤمنين مرابطين ، وهم المسلمون المقادسة
فرغم خضوعهم لحكم اليهود وسلطانهم إلا أنهم تحملوا عن الأمة كلها مسئولية الدفاع عن المسجد الأقصى، ففدوه بدمائهم وأبنائهم وأموالهم.. ويتناوبون على حراسته وحمايته، ويرممون ما تلف من أجزائه, فعبر عشرات السنين ما وهنت لهم عزيمة، ولا لانت لهم عريكة ، وَرغم تَخَاذُلِ أُمَمِ الْأَرْضِ عَنْ نُصْرَتِهِمْ وَمَعُونَتِهِمْ إلا أنهم أَثْبَتُوا أَنَّهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمَسْؤُولِيَّةِ،
وَأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى مُقَدَّسَاتِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْفِيَاءُ فِي حِفْظِ الْأَمَانَةِ، وَأَنَّ بِاسْتِطَاعَتِهِمْ مُوَاجَهَةَ الْيَهُودِ وَأَسْلِحَتِهِمْ، لَقَدْ احتلت دِيَارُهُمْ، وَقُتِّلَتْ أَطْفَالُهُمْ، وَرُمِّلَتْ نِسَاؤُهُمْ، وَأُتْلِفَتْ مَزَارِعُهُمْ، وَهُمْ صَامِدُونَ، مرابطون بجوار الأقصى لَا يَزْدَادُونَ مَعَ جَبَرُوتِ الْيَهُودِ وَعُلُوِّهِمْ إِلَّا صُمُودًا وَاسْتِبْسَالًا , ولقد قذف الله في قلوب اليهود الرعب منهم فإن اليهود إذا دنسوا المسجد بدخولهم ثارت للمقادسة ثائرتهم فطعنوهم بالسكاكين ودهسوهم بالسيارات ونفذوا فيهم العمليات الاستشهادية وهم أي المقادسة مع قتل اليهود لهم واعتقالهم كل مرة لا يزدادون إلا صلابة وبأسا وشدة, ووالله لولا الله ثم هؤلاء المرابطين من المقدسيين لكان الأقصى من ذاكرة التاريخ...
عباد الله: إن إحياء قضية الأقصى في قلوب المسلمين سيكون سببًا في فشل اليهود عن تحقيق مرادهم، فأحيوا -عباد الله- قضية القدس وأرضها المباركة في قلوبكم وقلوب أولادكم، وفي بيوتكم ومجالسكم؛ ليثمر ذلك دعمًا وتأييدًا
عباد الله لا تيأسوا ولا تقنطوا من أن يحرر المسجد الأقصى– فَلقَدِ احتَلَّوه النَّصَارَى بعد أن كان في أيدي المسلمين قرونا ، وَتَوَقَّفَتِ الصَّلاةُ فِيهِ تَسعِينَ عَامًا ، حَوَّلُوهُ فِيهَا إِلى إِصطَبلٍ لِخُيُولِهِم ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ بِقُوَّتِهِ ، قَيَّضَ لَهُ صَلاحَ الدِّينِ فَطَهَّرَهُ مِن رِجسِهِم ...
وَلَئِن تَوَلَّى مِنَ المُسلِمِينَ اليَومَ مَن تَوَلَّى أَو ضَعُفَ مِنهُم مَن ضَعُفَ ؛ لأَنَّهُمُ استَحَبُّوا الحَيَاةَ الدُّنيَا عَلَى الآخِرَةِ ، فَلَيَجعَلَنَّ اللهُ الفَتح يَومًا مَا عَلَى أَيدِي قَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ ، يُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ ، أَلا فَلْيُرَاجِعِ المُسلِمُونَ أَنفُسَهُم ، وَلْيُقَوُّوا عِلاقَتَهُم بِرَبِّهِم ، فَإِنَّهُ وَمُنذُ عَهدِ صَلاحِ الدِّينِ قَبلَ مِئَاتِ السِّنِينَ ، لم يُصِبِ الأَقصَى هَوَانٌ كَاليَومِ ، فَللهِ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمَن بَعدُ ، وَلَكِنْ مَتَى عَادَ المُسلِمُونَ إِلى رَبِّهِم – وَسَيَعُودُونَ يَومًا مَا وَلا شَكَّ فَسَيَكُونُ كُلُّ شَيءٍ في الأَرضِ مَعَهُم عَلَى اليَهُودِ ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – : ” لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسلِمُونَ اليَهُودَ فَيَقتُلُهُمُ المُسلِمُونَ ، حَتَّى يَختَبِئَ اليَهُودِيُّ مِن وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ : يَا مُسلِمُ ، يَا عَبدَاللهِ ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلفِي فَتَعَالَ فَاقتُلْهُ … ” رَوَاهُ مُسلِمٌ .
ألا فاتقوا الله ربكم، وتوبوا من ذنوبكم، وانصروا إخوانكم، وحافظوا على مقدساتكم، وأكثروا من الدعاء والتضرع بين يدي الله تعالى بأن يرد باس الذين كفروا، والله أشد بأسا وأشد تنكيلا.