طاعة ولاة الأمر في خضم الأحداث الجارية

أبو طارقz
1437/10/09 - 2016/07/14 08:11AM
طاعة ولاة الأمر في خضم الأحداث الجارية.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، أحمده حمد عبد نزَّه ربه عما يقول الظالمون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الصادق المأمون، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واديموا شكره على نعمه التي تترى.
عباد الله، في خضم الأحداث الجارية، وتزايد سفك الدماء البريئة، وانتشار الهرج والمرج، حتى صارت أخبار القتل وتعدادِ القتلى أخبار عابرة، تمر على الأسماع والأبصار، دون توقف أو تأمل، أو حتى دعاء واسترجاع. ومع كل هذا وذاك، تثور أسئلة واعتراضات، وتعرض فتن وابتلاءات، ويبقى السؤال الأهم: كيف السبيل للخروج من هذه الفتن؟ وما الطريق للسلامة من تلك الآفات؟ وما الواجب فعله تجاه تلك الأحداث المفجعات؟
عباد الله، لقد تعجب الملائكة الكرام عليهم السلام، من استخلاف الله تعالى لبني آدم في الأرض، لمَّا كان من شأنهم أن يفسدوا فيها ويسفكوا الدماء، فيا سبحان الله، ما أعجب هذا الوصف وما أبلغه، حين قَالُوا لله عز وجل (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) قال ابن كثير رحمه الله: وقد علمت الملائكة من علم الله، أنه لا شيء أكره إلى الله من سفك الدماء والفساد في الأرض. أ.هـ.
فما يحصل اليوم، من قتل وابتلاءات، لهو من سنة الله تعالى في عباده، حيث يقول الله سبحانه وتعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فهذا هو حال المؤمن مع ربه، إما أن يكون في نعمة فيشكر، أو في نقمة فيصبر، كما جاء في الحديث الصحيح (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم.
عباد الله، إن السبيل للخروج من هذه الفتن والسلامة منها، قول الله جل وعلا (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) فحبل الله سبحانه وتعالى، هو السبب الحقيقي الذي يتوصل به المسلم الى النجاة والسلامة، وأحسن ما قيل في مرادها هو الجماعة، أي جماعة المسلمين، لأن الله قال بعدها ولا تفرقوا، يقول ابن مسعود رضي الله عنه في هذه الآية (عليكم بالجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر الله به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة، خير مما تحبون في الفرقة والشتات) وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، وأن تناصحوا من ولى الله أمركم، ويسخط لكم: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال) اخرجه مسلم.
عباد الله، إن أعظم ما يستعان به على البلاء والمصائب والأزمات، هو على قسمين، عبادة خاصة، وطاعة عامة، فأما العبادة الخاصة، فهي الصبر والصلاة، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وقال عليه الصلاة والسلام (العبادة في الهرج، كهجرة إلي) والهرج هو كثرة الفتن وانتشار القتل واختلاط الأمور، فحري بالمسلمين اليوم، وقد ألمت بهم الفتن واحتاط بهم القتل من كل جانب، أن يكثروا من العبادة لله تعالى، من صلاة ودعاء وصوم وصدقة، وأن يستعينوا على ذلك بالصبر والصلاة،
وأما الطاعة العامة، فهي القوة والنصرة، وهي العلاج الناجح لدفع الفتن والشبهات، ولا تحصل هذه إلا بالسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين في غير معصية الله، كما قال الله عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم (خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ، قَالُوا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، قَالَ لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ، لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ، أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ) رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (والمشهور من مذهب أهل السنة والجماعة، أنهم لا يرون الخروج على الأئمة، وإن كان فيهم ظلم؛ كما دلّت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الفساد في القتال والفتنة، أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، وإنما يُدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولا يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها مِن الفساد، ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته﴾ ا.هـ
وقال الامام البربهاري رحمه الله (ليس من السنة قتال السلطان؛ لإن فيه فساد الدين والدنيا)
كما أنه يا عباد الله، لا يجوز سب ولاة الأمر، ولا شتمهم ولا التشهير بهم؛ فإن هذا خلاف ما كان عليه السلف الصالح، فَقد صحَّ عن أنس قال: نهانا كبراؤنا مِن أصحاب محمد قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تَسبُّوا أُمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا، فإن الأمر قريب) جود اسناده الالباني رحمه الله، وقال الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله (وأما ما قد يقع من ولاة الأمور، من المعاصي والمخالفات، التي لا تُوجب الكفر والخروج عن الإسلام؛ فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح، مِن عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس، ومن اعتقد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، فهذا غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتَّب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا؛ فلا يعرف ذلك إلا من نوَّر الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح وأئمة الدين)
واعلموا رحمكم الله، أن الناس كما يكونون يُولَّى عليهم، فإذا أساءوا فيما بينهم وبين الله؛ فإن الله يُسلِّط عليهم ولاتَهم. قال تعالى ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِيْنَ بَعْضًا بِمَا كَانُوْا يَكْسِبُوْنَ﴾
فاتقوا الله عباد الله، وأصلحوا أعمالكم فيما بينكم وبين الله، فإن الله لا يُغيِّر ما بقوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم، وعليكم بلزوم الجماعة، وما كان عليه سلف هذه الأمة، قال الله تعالى (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي مَنَّ عَلَى عباده بوافرِ الفضلِ والإنعام، أحمدُه سبحانه وهوَ الملكُ القدّوس السلام، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيّنا محمّدًا عبدالله ورسوله، اللهمّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك نبينا محمّد، صلاةً دائمةً ما تعاقبتِ الليالي والأيَّام، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.
اما بعد فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في السر والعلن، واشكروه سبحانه وتعالى على أن من عليكم بالأمن والإيمان، والزموا طاعته تفلحوا في الدنيا والآخرة.
عباد الله، إن كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلنا، وخبر من بعدنا، وحكم ما بيننا، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبَّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، فنحمد الله سبحانه وتعالى، أن من على هذه الدولة المباركة، بأن يكون دستورها كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم،
عباد الله، الشرع يريد منا أن نكون أمة واحدة، وأن نأتم بأمر ولاة أمورنا، ما لم يأمروا بمعصية، هذا ما دل عليه الشرع الحنيف، وهذا ما كان عليه سلف الأمة، ولن يُصلح أخر الأمة إلا ما أصلح أولها.
عباد الله: إن ما يحاك بنا من مؤامرات وتأنيب وتهييج، ضد هذه البلاد المباركة، وضد ولاة أمرها وشعبها، لهو مؤذن بفساد علينا وعلى أمتنا، إن لم نتمسك بعقيدتنا، ونلتف حول ولاة أمرنا وعلمائنا، لأن أعز ما يملك الإنسان في هذه الدنيا، هو عقيدته الصحيحة، ثم الأمن والأمان، قال صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) وقد اجتمعت هذه في بلادنا والحمد لله، فحافظوا على هذا النعمة، بالتمسك بهذا الدين، والالتفاف حول ولاة الأمر وكبار العلماء والأخذ عنهم، والدعاء لهم بالتوفيق والسداد، فالسعيد من وعظ بغيره.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتعاونين مع ولاة أمورنا على البر والتقوى، وألا يجعلنا من المتعاونين على الإثم والعدوان، إنه سميع مجيب،


هذا وصلُّوا وسلِّموا رحمكم الله، على خير البريَّة وأزكَى البشريَّة محمدِ بن عبد الله، فقد أمركم الله بذلك في كتابة فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك نبينا محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجِه أمهات المؤمنين، وصحابتِه الغُرِّ الميامين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحِمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعدائك أعداء الدين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم وأيدهم بتأييدك، واحفظهم بحفظك، وولِّ عليهم خيارهم، واكفهم شر شرارهم، وارفع البلاء عنهم، واحقن دماءهم، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويقاتلون أهل دينك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، يا قوي يا عزيز، اللهم وفقّ وليَّ أمرنا بتوفيقك، وأيّده بتأييدك، واجعله من أنصار دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وارزقه بطانة صالحة مصلحة، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر يا رب العالمين، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا ونسائنا بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَاً لجُنودَنَاْ اَلْمُجَاْهِدِيْنَ المرابطين في بلادنا وعلى حدودنا، اَلْلَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ، وَاَحْفَظْ دِمَاْءَهُمْ، وَاَرْبِطْ عَلَىْ قُلُوْبِهِمْ، وَعَجِّلْ لَهُمْ بِاَلْنَّصْرِ وَاَلْتَّمْكِيْنِ يَاْ رَبَّ اَلْعَاْلَمِيْنَ. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واجمعنا بهم في دار كرامتك إنك سميع قريب مجيب الدعوات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، عباد الله، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
المشاهدات 1930 | التعليقات 1

للرفع