صوم بلا صلاة

محمود الطائي
1434/09/21 - 2013/07/29 21:28PM
عباد الله ... من أعظم نعم الله تعالى وأجزل فضله وكرمه ، ان هدانا لدينه القويم وسراطه المستقيم ، هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ، مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ، هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ
فما أعظمَ دين الله تعالى وهو : الاستسلامُ لله بالتوحيد ، والانقيادُ له بالطاعة . والبراءةُ من الشرك وأهله.
وما أعظم أركانه التي بدأت بشهادة ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله ، وهي : إثبات الألوهية لله وحده ، وإخلاص العبادة له ، ونفي العبادة عما سواه ،والتصديق بنبوة محمد -صلى الله عليه و سلم - والإيمان برسالته ، وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وان لا يعبد الله الا بما شرع
وثنى أركانه
بإقامة الصلاة وهي: أداؤها على الوجه الصحيح . بأن يأتي بشروطها وأركانها وواجباتها كماوردة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم الزكاة وأدائها : أن يُخرج المسلم زكاته قاصداً بذلك وجه الله تعالى .
طيبة بها نفسه ، يدفعها للمستحقين لها . ولايمن بها على الفقراء
ثم الركن : الذي نحن متلبسون به الان ، الصيام الركن الرابع من أركان الإسلام .
وهو الإمساك بنية العبادة لله عنجميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هذا الركن العظيم الذي قال الله تعالى عنه : ‏كُلُّ عَمَلِ ابْنِ ‏ ‏آدَمَ ‏ ‏لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ
فالصيام هي العبادة الوحيدة التي عُبِدَ الله بها وحده ولم يعبد أحد سوى الله بالصيام، فلم يتقرب المشركون على مختلف الازمان والاقوام لمعبوداتهم بالصيام.
وهو بعيد عن الرياء لخفائه.
فما تدري انت من الصائم ومن المفطر
واعظم من هذا كله إن الله تعالى هو المتفرد بعلم ثوابه وتضعيف حسناته.
فلعظم اجره قد اخفاه الله تعالى
ولا تُخفى الهدايا والهبات الا اذا كانت كبيرة عظيمة ، فيفرح بها صاحبها فرحتان فرحة الهدية وفرحة المفاجئة
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ،ثم قال وَالصِّيَامُ ‏ ‏جُنَّةٌ ‏ ‏وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا ‏ ‏يَرْفُثْ ‏ ‏وَلَا ‏ ‏يَصْخَبْ ‏ ‏فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ
فيرسم النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر هذا المثال أوضح المعاني على تأثُّر الصائم بالأخلاق الفاضلة ، فلمذا نرى اليوم بعض الصائمين وكأنهم يمنون على الله بصيامهم.
لماذا نرى مظاهر الغضب تكسو وجه الصائم اليس هو في عبادة؟ اليس هو بطاعة وقربة ؟ فقد عكسنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أي اذا سابنا احدٌ او قاتلنا نقول له اني صائم أي صومي منعني من ان ارد عليك ، فصرنا نحن الذين نبادر بالاساءة كوننا صائمين ولاحول ولاقوة الا بالله
ثم قال وَالَّذِي نَفْسُ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏بِيَدِهِ ‏ ‏لَخُلُوفُ ‏ ‏فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ‏

فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح ، فإذا امتنعت منذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر ، فرحت بإباحة ما منعت منه ، خصوصاعند اشتداد الحاجة إليه ، فإن النفوس تفرح بذلك ، وهاتان الفرحتان عجلت الاولى في الدنيا وأخرت الثانية في الاخرة اما التي في الدنيا وهي على حالتين الاولى فرحته عندفطره اي بالافطار عند سماع اذان المغرب فهو فرح سعيد قد يسر الله له صيام يومه واتمه الى اخره وقد ذهب ظمأه وابتلت عروقه وثبت اجره ان شاء الله فلماذا لايفرح والحالة الثانية أي التي من الدنيا هي عند فطره أي اول ايام عيد الفطر المبارك فترى الصائمين بصومهم فرحين فقد ادوا ركن الاسلام الرابع فتنطلق من حناجرهم اصوات التكبير شكرا لله ان هداهم لهذه العبادة العظيمة فأتموها بتوفيق وفضل ورحمة من الله تعالى أما الفرحة الثانية فهي يوم القيامة يوم يرى كل امرئ عمله امامه فيفرح الصائمون عند لقاء ربهم جل وعلا على ماقد اخفى لهم من الاجر والمثوبة على صيامهم

الخطبة الثانية :
والركن الخامس هو : حج بيت الله الحرام
فالاسلام بني على هؤلاء الخمسة
أي ان هذا البناء لايقوم الا على هؤلاء ، فما اختل منها ركن اختل هذا البناء بل واذا انهدم ركن انهدم البناء كله
فيا من اديت ركن دينك الرابع وفرطت في ركنه الثاني الذي هو مقدم على الرابع
فأعلم يامن تصوم بلا صلاة انك قد هدمت ركنا عظيما من اركان الدين في قلبك بل انك قد هدت عامود الاسلام في صدرك ، فأي عبادة تأديها وانت تارك للصلاة أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم يقول "بَيْنَ الرَّجُلِ وبَيْنَ الشِّرْكِ والكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ"؛ ويقول "العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وبَيْنَهُمُ الصَّلاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ" بل وقد قال صلَّى الله عليْه وسلَّم: "مَن ترك صلاة العَصْرِ، فقد حَبِطَ عَمَلُهُ"، ومعنى: "حبط عملُه" أي: بَطَلَ، ولم ينتفِع به.
هذه لصلاة واحدة فكيف بالذي ضيع سنين عمره وهو لايصلي


( يا نفس فاز الصالحون بالتقى ... وأبصروا الحق و قلبي قد عمي )
( يا حُسنَهم و الليلُ قد جَنَّهُمُ ... ونورهم يفوق نور الأنجمِ )
( ترنموا بالذكر في ليلهمُ ... فعيشهم قد طاب بالترنمِ )
( قلوبهم للذكرقد تفرغت ... دموعهم كلؤلؤ منتَظِمِ )
( أسحارهم بهم لهم قد أشرقت ... و خِلَعُ الغفران خير القِسَمِ )
( ويحك يا نفسُ ألا تيقظٌ ... ينفع قبل أن تزلَّ قدمي )
( مضى الزمان فيتوانٍ و هوىً ... فاستدركي ما قد بقي و اغتنمي )
المشاهدات 2924 | التعليقات 3

بارك الله فيك اخي نسيم ، و حبذا لو جعلت الخطبة الثانية في وصيّة الناس بالمحافظة على الصلاة بعد رمضان والحذر من العبادة الموسميّة فذلك يزيد الخطبة جمالاً و تأثيرًا .


صدقت والله ياشيخنا العزيز
ولكن كانت هذه الخطبة في الجمعة الثالثة من رمضان
فقلت اتكلم عن هذا الموضوع في نهاية رمضان اوبعده مباشرة
بخطب مستقلة
الثبات بعد رمضان
او
الاستقامة
او

عبّاد رمضان
جزاك الله خير الجزاء
ولاتحرمنا ومشايخنا الافاضل من ملاحظاتكم القيمة
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال


لاتنسونا من دعائكم