صور من الشرك المنتشر بين الناس اليوم

فهد موفي الودعاني
1433/04/28 - 2012/03/21 07:35AM
صور من الشرك المنتشر بين الناس اليوم 30/4/1433ه
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ , وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا , مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ , وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ , وَأَشْهَدُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ الله - وَاحْذَرُوا الشِّرْكَ , وَتَنَبَّهُوا لأنْفُسِكُمْ لِئَلَّا تَقَعُوا فِي الشِّرْكِ مِنْ حَيْثُ لا تَشْعُرُونَ , وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ جَعَلَ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ يَتَصَارَعَانِ , وَالتَّوْحِيدَ وَالشِّرْكَ فِي شَدٍّ وَجَذْبٍ , فَيَظْهَرُ هَذَا تَارَةً وَيَظْهَرُ هَذَا تَارَةً أُخْرَى , حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ وَمَشِيئَةٌ نَافِذَةٌ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء) , فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعَمْلَ مَا فِي وِسْعِ أَنْفُسِنَا لِنَتَوَقَّى الشِّرْكَ وَنَحْذَرَه , وَنُحَذِّرَ غَيْرَنَا مِنْهُ !
وَإِنَّ مِنْ أَسْبَابِ تَجَنُّبِ الشَّرِّ مَعْرِفَتَهُ , وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَسْأَلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشَّرِّ لِئَلَّا يَقَعَ فِيهِ , عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي . رَوَاهُ مُسْلِم
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : قَدْ مَضَى فِي خُطْبَةٍ سَابِقَةٍ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الشِّرْكِ وَبَيَانِ خَطَرِهِ , وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بِإِذْنِ اللهِ نَذْكُرُ بَعْضَ الصُّوَرِ الوَاقِعَةِ بَيْنَ النَّاسِ الْيَوْمَ !
وَلَكِنْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي هَذَا قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ : إِنَّه لا دَاعِي لِلْكَلامِ عَلَى مَوْضُوعِ الشِّرْكِ أَصْلاً , لِأَنَّنَا فِي بِلادِ إِسْلامٍ وَتَوْحِيدٍ , وَالنَّاسُ بِحَمْدِ اللهِ يَعْرِفُونَ رَبَّهُمْ وَيُقِيمُونَ الصَّلَوَاتِ وَيُؤَدَّونَ أَرْكَانَ الإسْلامِ , فَاتْرُكُوا الْكَلامَ فِي مَسَائِلِ الشِّرْكِ حَتَّى تَجِدُوا مُشْرِكِينَ تَتَكَلَّمُونَ مَعَهُمْ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الشِّرْكِ !!! هَكَذَا قَدْ يَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ !
وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا القَوْلَ إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِخَطَرِ الشِّرْكِ وَبِحَقِيقَتِهِ , وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ مِنْ تَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ لِيُوقِعَ النَّاسَ فِي الشِّرْكِ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ! وَيَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ !
وَإِلّا فَنَقُولُ : إِنَّ عَلَيْنَا خَطَراً شَدِيدَاً مِنَ الْوُقُوعِ فِي الشِّرْكِ , حَيْثُ دَلَّتْ أَدِلَّةُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , وَدَلَّ التَّارِيخُ وَالْوَاقِعُ عَلَى أَنَّ الْشِرْكَ يَقَعُ بَيْنَ الْمُوَحِّدِينَ , وَأَنَّهُ يَعُودُ فَيَنْتَشِرُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى يَطُمَّ الأَرْضَ وَيَعُمَّهَا فَلا يَبْقَى فِي الأَرْضِ مُوَحِّدُون !
فَأَمَّا الْقُرْآنُ فَقَدْ تَكَاثَرَتِ الآيَاتُ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الشِّرْكِ وَبَيَانِ خَطَرِهِ وَأَنَّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ , وَمَا ذَلِكَ كُلُّهُ إِلَّا لِأَنَّ عَلَيْنَا خَطَراً مِنْهُ فَلَوْ كُنَّا فِي مَأْمَنٍ مِنْهُ لَكَانَ التَّحْذِيرُ مِنْهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ , وَحَاشَا القُرْآنُ الْكَرِيمُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَبَثٌ , أَوْ مَا لَا دَاعِيَ لَه , قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَدَلالَتُهَا عَلَى عَوْدِةِ الشَّرْكِ صَرِيحَةٌ جِدَّاً , فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى) رَوَاهُ مُسْلِم
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِتَبَالَةَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا , وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا) إِلَى أَنْ قَالَ (وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ
فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ وَاضِحَةٌ كَالشَّمْسِ فِي عَوْدِةِ الشِّرْكِ إِلَى أَهْلِ التَّوْحِيدِ لِيَنْتَشِرَ فِيهِمْ مَرَّةً ثَانِيَةً , فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أَوْ هَلْ مِنْ مُعْتَبِرٍ ؟ لِيَعْرِفَ أَنَّ التَّحْذِيرَ مِنَ الشِّرْكِ مِنْ أَوْجِبِ الْوَاجِبَاتِ وَمِنْ أَهَمِّ المُهِمَّاتِ !
وَأَمَّا التَّارِيخُ فَدِلالَتُهُ لا تُنْكَرُ وَوَاضِحَةٌ حِينَ تُذْكَر , وَبَيَانُ ذَلِكَ : أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ حَنِيفَاً مُوَحِّداً وَكَذَلِكَ ذُرَّيَتُهُ كَانُوا مُسْلِمِينَ عَلَى التَّوْحِيدِ , فَمَا الذِي جَاءَ بِالشِّرْكِ إِلَى الأَرْضِ ؟ الْجَوَابُ : إِنَّهُ الشَّيْطَانُ الذِي يُغْوِي بَنِي آدَمَ وَيُزَيِّنُ لَهُمُ الْبَاطِلَ وَيُحَسِّنُ لَهُمُ الْفَسَادَ حَتَّى يَقَعُوا فِيهِ ! فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ (كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحِ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا بَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ فَكَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً) صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيّ
إِذَنْ فَالشِّرْكُ وَقَعَ فِي أَوْلَادِ أَوْلَادِ آدَمَ , ثُمَّ أَرْسَلَ اللهُ نُوحَاً عَلَيْهِ السَّلامُ وَبَقِيَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامَاً , وَدَعَاهُمْ إَلَى اللهِ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيل ٌ, ثُمَّ أَمَرَهُ اللهُ فَصَنَعَ السَّفِينَةَ وَأَرْكَبَ فِيهَا الْمُوحِّدِينَ وَتَرَكَ أَهْلَ الشِّرْكِ , فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ فَأَغْرَقَهُمْ جَمِيعاً وَأَنْجَى نَوحاً وَالْمُؤْمِنِينَ , وَجَعَلَ اللهُ ذُرِّيَةَ نَبِيِّهِ نُوحٍ هُمُ البَاقِينَ , فَهَلْ بَقِيَتْ ذُرِّيَةُ نَبِيِّ اللهِ عَلَى التَّوْحِيد ؟ أَمْ هَلِ انْتَهَى الشِّرْكُ مِنَ الأَرْضِ ؟ الْجَوَابُ : لَا وَاللهِ ! بَلْ مَرَّتِ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي وَتَعَاقَبِتِ الدُّهُورُ وَالسِنُونُ حَتَّى غَفَلَ النَّاسُ وَجَهِلُوا التَّوْحِيدَ وَاجْتَالَتهم الشَّيَاطِينُ , فَرَجَعَ الشِّرْكُ وَظَهَرَ فِي الأَرْضِ وَعَمَّها فَبَعَثَ اللهُ هُودَاً عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى قَوْمِهِ فِي الأَحْقَافِ , وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الشِّرْكِ وَحَذَّرَ وَأَنْذَرَ , وَلَكِن قَلَّ الْمُجِيبُ , فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ رِيحَاً صَرْصَرَاً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ حَتَّى أَهْلَكَتْهُمْ جَمِيعاً وَبَقِيَ الْمُوَحِّدُونَ ! وَلَكِنْ هَلِ انْقَطَعَ الشُّرْكُ ؟ الْجَوَابُ : لا وَاللهِ عَاوَدَ الظُّهُورَ مَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ حَتَّى عَهْدِ نَبِيِّنَا مُحَمِّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَبَعَثَهَ اللهُ فِي الْعَرَبِ وَقَدْ انْتَشَرَ فِيهِمُ الشِّرْكُ وَعَمَّ الْجَزيرَةَ وَمَا حَوْلَهَا بَلْ طَمَّ الأَرْضَ إِلَّا قِلَّةً قَلِيلَةً !
فَهَلْ عَرَفْنَا أَنَّنَا عَلَى خَطَرٍ مِنَ الشِّرْكِ ؟ أَمْ لا زِلْنَا فٍي غَفْلَةِ وَسُبَاتٍ ؟
اللَّهُمَّ احْفَظْ عَلَيْنَا تَوْحِيدَنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا عَلَى الْحَقِّ , أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الذَي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ , عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ , وَالصَّلاةُ عَلَى خَاتَمِ رُسُلِهِ وَأَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ , وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ لِقَائِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْذَرُوا الشَّرْكَ وَتَعَاوَنُوا عَلَى صَدِّهْ عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَعَنْ مَنْ تَسْتَطِيعُونَ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا دَلالَةُ الْوَاقِعِ عَلَى وُقُوعِ الشِّرْكِ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ , فَكَمْ فِي بِلادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَظَاهِرَ لِلشَّرْكِ سَوَاءٌ أَكَانَ الأَكْبَرَ أَمِ الأَصْغَرَ , وَلا يُنْكِرُ ذَلِكَ إِلَّا مُكَابِرٌ أَوْ جَاهِلٌ , فَمِنْ ذَلِكَ قُبُورٌ مُعَظَّمَةٌ لأَنْبِيَاءِ اللهِ أَوْ لِرِجَالٍ صَالِحِينَ قَدْ بُنِيَتْ عَلَيْهَا الْقِبَابُ وَحَوْلَها السَّدَنَةُ وَالْخَدَمُ , وَالنَّاسَ عَلَيْهَا زَرَافَاتٍ وَوِحْدَانا , يَطُوفُونَ بِهَا وَيَنْذُرُونَ لَهَا وَيَسْتَغِيثُونَ بِهَا وَيَخَافُونَ مِنْ أَصْحَابِهَا , فَهَلْ هَذَا إِلَّا الشِّرْكُ بِعَيْنِهِ الذِي حَذَّرَتْ مِنْهُ الرُّسُلُ وَزَجْرَتْ مِنْهُ الْكُتُبُ ؟ فَقَبْرُ الْعَيْدَرُوسِ فِي الْيَمَنِ , وَقَبْرُ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلانِي رَحِمَهُ اللهُ فِي الْعِرَاقِ حَيْثُ تُشَدُّ إِلِيهِ الرَّحَالُ وَيَسْتَغِيثُ بِهِ النَّاسُ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ قَضَاءَ حَوائِجِهِمْ وَيَسْأَلُونَهُ الْمَدَد !
وَفِي مِصَرَ حَرَسَهَا اللهُ : قَبْرُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَالسَّيِّدَةُ زَيْنَبُ , وفِي بَلْدِةِ طَنْطَا قُرْبَ مَدِينَةِ الْمَنْصُورَةِ قَبْرُ السَّيَّدِ البَدَوِيِّ وَغَيٍرُهَا كَثِيرٌ !
بَلْ إِنَّ بِلادَنَا السُّعُودِيَّةَ كَانَتْ تَعُجُّ بِأَفْظَعَ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ الْقُبُورُ وَالأَضْرِحَةُ وَالْمَزَارَاتُ فِي بِلادِ نَجْدٍ وَالْحِجَازِ , وَلَوْلا عِنَايَةُ اللهُ وَلُطْفُهُ ثُمَّ دَعْوَةُ الشَّيْخِ الإمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ لَكَانَ الأَمْرُ فَوْقَ مَا نَتَصَوَّرُ !
وَمِنْ صُوَرِ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ تَعْلِيقُ التَّمَائِمِ وَالْحُرُوزِ عَلَى الأَوْلَادِ أَوِ السَّيَّارَاتِ أَوِ الْبُيُوتِ , بِغَرَضِ دَفْعِ الْعَيْنِ أَوِ الْجِنِّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَلَهَا عِدَّةُ أَشْكَالٍ مِثْلُ رَأْسِ الأَرْنَبِ أَوِ الدُّبِّ أَوْ حِذْوَةِ الْفَرَسِ أَوِ الْخَيْطِ يُرْبَطُ عَلَى الْعَضُدِ , أَوْ عَيْنٍ تُرْسَمُ فِي مُؤَخِّرِةِ السَّيَّارَةِ أَوْ خُيُوطٍ سَوْدَاءَ عَلَى جَنْبَتِيِ السَّيَّارَاتِ الْكَبِيرَةِ !
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ
وَمَنِ ذَلِكَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللهِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ : إِي بِالْعُون , أَوِ الْحَلِفِ بِالأَمَانَةِ أَوْ بِالذَّمَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , كَالحَلِفِ بِالنَّبِي أَوِ النِّعْمَة !
وَمِنْ صُوَرِ الشِّرْكِ أَيْضاً : لَوْحَاتٌ فِيهَا تَسْوِيَةُ بَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَيْثُ تُوجَدُ لَوْحَاتُ يُكْتَبُ فِي زَاوِيَتِهَا الْعُلْوِيَّةُ الْيُمْنَى لَفْظ ُالْجَلالَةِ (اللهُ) وَفِي زَاوِيَتِهَا الْيُسْرَى (مُحَمَّد) بِشَكْلٍ مُتَعَادِلٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا شِرْكٌ فِي الظَّاهِر ! وَقَدْ صَدَرَتْ فَتْوَى مِنَ اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ بِأَنَّ هَذَا شِرْكٌ مُحَرَّمٌ !
وَمِنْ صُوَرِ الشِّرْكِ الْمُنْتَشِرَةِ : شِرْكُ القُلُوبِ مِنِ الاعْتِمَادِ عَلَى الأَسْبَابِ وَنِسْيَانِ الْمُسَبِبِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى , كَالتَّعَلُّقِ بِالوَاسِطَةِ أَوِ الرَاتِبِ أَوِ الطَّبِيبَ , وَالغَفْلَةِ عِنِ الذِي بِيَدِهِ تَدْبِيرِ الأُمُورِ كُلِّهَا وَهُوَ اللهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ !
هَذَا - أَيُّهَا الإِخْوَةِ - شَيٌّء مِمَّا يَقَعَ بَيْنَنَا مِنَ الشِّرْكِ وَنَحْنُ فِي غَفْلَةٍ , فَتَعَالَوْا بِنَا نَبْتَعِدُ عَنْهُ وَنُوَضْحُهُ لِغَيرِنَا قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ , اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ , اللَّهُمَّ أعطنا ولا تحرمنا اللَّهُمَّ أكرمنا ولا تُهنا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا , اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ , وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ , وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ , وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
المرفقات

صور من ال...doc

صور من ال...doc

المشاهدات 3235 | التعليقات 1

جزاكما الله خير الجزاء
موضوع مهم جدا يحتاج منا إلى مجاهدة ومتابعة دقيقة كل لحظة ومع كل نفس