صناعة التخلف؟ / إبراهيم قويدر
احمد ابوبكر
1435/04/02 - 2014/02/02 04:00AM
إن التخلف سمة من سمات الحياة الاجتماعية، وله أسبابه ومبرراته، ولكن العديد من الباحثين والعلماء اتفقوا أن معظم مظاهر التخلف الاجتماعي والثقافي قد تكون لها أسبابها المفتعلة من قبل أفراد أو جماعات أو دول تسعى لتخلق جماعات للتخريب والعنف.
وتشهد حوادث التاريخ الإنساني أن المجتمعات المتخلفة تنهض وتتطور تاريخيًّا وتزيح عنها كل سمات التخلف من خلال معايشتها واستشرافها للتطور الحياتي بكل معاييره وأشكاله للمجتمعات المتطورة الأخرى.
إن الثورات الشعبية قد تمهد- في فوضويتها وعشوائيتها- إلى ظهور القادة الذين يصنعون التاريخ لمجتمعهم ويقودونه من التخلف إلى التطور التدريجي حتى يصلوا به إلى مصاف المجتمعات المتقدمة. وإن أسوأ أنواع التخلف أن يصاحبه سوء خلق، فالجهل مع سوء الخلق يؤدي يصنع من صاحبه إنسانًا متخلفًا منبوذا من الآخرين، وللأسف الشديد يسعي العديد من "السلطاويين" لأن يخلقوا من بلادهم جسدًا متخلفًا، كما حدث عندنا في ليبيا وبعض دول العالم الثالث؛ لأنهم يعتقدون أن الإنسان المتخلف سهل قيادته وحكمه، ولكنهم تناسوا شيـئًا مهمًّا، ألا وهو أن ثورته سيكون رد فعلها جاهلة وغير متوقعة؛ لأنهم لم يعلموه حسن الخلق ولم يعلموه أو يدربوه على كيفية التعامل مع الآخرين بجدٍّ ومثابرة واحترام، وأن السلوك الإنساني سلوك حميد يتشرب العلوم ليستفيد منها ويفيد غيره. تحدثت كثيرًا في مقالات عدة عما فعله النظام السابق من ضرب مقصود للتعليم والصحة وشئون العمل والتربية والأنشطة الشبابية، وكم كنت ملمًّا بهذه الأفعال وهذا العمل الممنهج الذي حفظني الله من عدم المشاركة فيه، بل كنت أجاهد في سبيل تقديم الأصلح والأفضل لشبابنا وناسنا في ليبيا الحبيبة. نعم إن موضوع التخلف ينعكس الآن علي الساحة الليبية بوضوح، خاصة بعد ثورة فبراير المجيدة، واستنشاق الإنسان العربي الليبي حريته، وأصبح من حقه يقول ما يشاء في كل وسائل الإعلام، وهذه الميزة أظهرت ونشرت الغسيل على الملأ، على الأقل "زمان ما كنش فيه حرية والكلام والخلاف في المرابيع".
إن الشيء الأسوأ من كل ما سبق، هو تحول التخلف الحواري إلى داخل المؤتمر الوطني ورئاسة الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني، وإليكم بعض المشاهد المتخلفة:
المشهد الأول:
أعضاء من المؤتمر الوطني العام أبطال على الشاشات، يتحدثون عما يجري داخل المؤتمر ولا يعلمون أن حديثهم هذا هو منتهى التخلف، وهم يتباهون ويقولون: "الشعب لازم يعرف الحقيقة.. أنا اعترضت على الموضوع.. وفلان قال.. وفلان قدم.. والكتلة الفلانية سوت.. والأخرى انسحبت". إن هذا- أيها السادة- ما نسميه بـ"سوء الخلق السياسي"، وعلى الناس أن تتحدث في إطارها القانوني، وفي المكان والزمان المناسبين، وبعد صدور القرار إذا كنا لا نوافقه نعمل على إثارته مرة أخرى، واثنين وثلاثة، ولكن لا نظهر ونتحدث في وسائل الإعلام ونقول ونطعن في بعضنا البعض، فهذا تخلف حقيقي.
وبطبيعة الحال، لا يغركم أن يكون فلان لديه شهادات علي شخصي، أو على أي مناضل أو ضد النظام السابق، بزعم أنه مشهود له بمواقفه المناصرة للثورة، فلا يغركم ذلك، فالتخلف في هذا الجانب ليس له علاقة بالعلم، ولكنه له علاقة بالإلمام بالسلوك السوي في التعامل مع الأمور السياسية.
المشهد الثاني:
في كل نشرة نسمع عن: اعتصام، وقفة احتجاجية، إضراب، قطع طريق، إغلاق مطار، قطع الكهرباء والاتصالات، وكل ذلك يقوم به أناس يرون أن لهم حقوقا لم تنفذ، وعندما تبحث في هذه الحقوق تجدها صحيحة؛ ولكن لها عشرين عاما أو ثلاثين عامًا، والآن بعد أن قامت الثورة ومازالت لم تبنَ الدولة، نريدها أن تنتهي ونتخاصم، وإذا أوقفتم فلان، فسنقتل فلانا، وسنقفل عليكم الأوكسجين إذا استطعنا حتى نأخذ حقنا، متناسين أنهم بهذا الفعل يتعرض آخرون، ليس لهم ذنب، للبهدلة والشقاء، وإلا فما جدوى أو أهمية أن نقطع الكهرباء عن المدينة ونترك المرضى في المستشفيات وتدفئة الأطفال وكبار السن في البرد.
إن هذه التصرفات التي تبتعد كثيرًا عن الإنسانية والشعور بالمسئولية تحتاج منا إلى وقفة مهمة وجادة بضرورة الإسراع في تأسيس النقابات العامة التي تنظم هذه الأمور بينها وبين أعضائها، وتعمل على حل مشاكلهم دون تعرض المصلحة العامة للضرر بسبب هذه التصرفات المتخلفة.
المشهد الثالث:
إن حرية الرأي والتعبير قيمة غالية وجميلة كنا محرومين منها، والآن بعد أن منّ الله علينا بها، بدأنا نستغلها بشكل متخلف، ولا نتأكد من الخبر قبل إذاعته، ولا نقدم التحليل الصحيح له، بل لا نأخذ بوجهات النظر المختلفة، وننحاز لفكرتنا، والأكثر سوءا وتخلفا نعادي أو نقلل من قيمة الأفكار الأخرى والرأي الآخر.
ونحن نرى ذلك واضحًا، فإذا كانت القناة محسوبة على توجه معين، ويتحدث ضيف يحمل رأيًا مخالفًا فإنهم يقاطعونه ويقللون وقته، ويربكوه في حديثه، وأنصح هؤلاء أن يتابعوا حوارات المحطات العالمية باللغات غير العربية ليعرفوا الأسلوب والكيفية التي يتم التعامل بها الإعلام، الذي أصبح يؤجج الأمور ويثير الفتن، وهنا تجد المواطن حائرًا.
وأرى هنا أن الأمر يتطلب ضرورة عقد اجتماع أسبوعي بين وزير الإعلام والقنوات الفضائية الليبية لكي يوضح لهم كل الأمور وبشكل مباشر؛ لكي لا يقعوا في تكرار الشائعات واختلاق الأكاذيب. مع أنه مازال هناك العديد من المشاهد المتخلفة، ولكني اكتفي بهذه، ولعل للحديث بقية.
المصدر: الاسلام اليوم
وتشهد حوادث التاريخ الإنساني أن المجتمعات المتخلفة تنهض وتتطور تاريخيًّا وتزيح عنها كل سمات التخلف من خلال معايشتها واستشرافها للتطور الحياتي بكل معاييره وأشكاله للمجتمعات المتطورة الأخرى.
إن الثورات الشعبية قد تمهد- في فوضويتها وعشوائيتها- إلى ظهور القادة الذين يصنعون التاريخ لمجتمعهم ويقودونه من التخلف إلى التطور التدريجي حتى يصلوا به إلى مصاف المجتمعات المتقدمة. وإن أسوأ أنواع التخلف أن يصاحبه سوء خلق، فالجهل مع سوء الخلق يؤدي يصنع من صاحبه إنسانًا متخلفًا منبوذا من الآخرين، وللأسف الشديد يسعي العديد من "السلطاويين" لأن يخلقوا من بلادهم جسدًا متخلفًا، كما حدث عندنا في ليبيا وبعض دول العالم الثالث؛ لأنهم يعتقدون أن الإنسان المتخلف سهل قيادته وحكمه، ولكنهم تناسوا شيـئًا مهمًّا، ألا وهو أن ثورته سيكون رد فعلها جاهلة وغير متوقعة؛ لأنهم لم يعلموه حسن الخلق ولم يعلموه أو يدربوه على كيفية التعامل مع الآخرين بجدٍّ ومثابرة واحترام، وأن السلوك الإنساني سلوك حميد يتشرب العلوم ليستفيد منها ويفيد غيره. تحدثت كثيرًا في مقالات عدة عما فعله النظام السابق من ضرب مقصود للتعليم والصحة وشئون العمل والتربية والأنشطة الشبابية، وكم كنت ملمًّا بهذه الأفعال وهذا العمل الممنهج الذي حفظني الله من عدم المشاركة فيه، بل كنت أجاهد في سبيل تقديم الأصلح والأفضل لشبابنا وناسنا في ليبيا الحبيبة. نعم إن موضوع التخلف ينعكس الآن علي الساحة الليبية بوضوح، خاصة بعد ثورة فبراير المجيدة، واستنشاق الإنسان العربي الليبي حريته، وأصبح من حقه يقول ما يشاء في كل وسائل الإعلام، وهذه الميزة أظهرت ونشرت الغسيل على الملأ، على الأقل "زمان ما كنش فيه حرية والكلام والخلاف في المرابيع".
إن الشيء الأسوأ من كل ما سبق، هو تحول التخلف الحواري إلى داخل المؤتمر الوطني ورئاسة الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني، وإليكم بعض المشاهد المتخلفة:
المشهد الأول:
أعضاء من المؤتمر الوطني العام أبطال على الشاشات، يتحدثون عما يجري داخل المؤتمر ولا يعلمون أن حديثهم هذا هو منتهى التخلف، وهم يتباهون ويقولون: "الشعب لازم يعرف الحقيقة.. أنا اعترضت على الموضوع.. وفلان قال.. وفلان قدم.. والكتلة الفلانية سوت.. والأخرى انسحبت". إن هذا- أيها السادة- ما نسميه بـ"سوء الخلق السياسي"، وعلى الناس أن تتحدث في إطارها القانوني، وفي المكان والزمان المناسبين، وبعد صدور القرار إذا كنا لا نوافقه نعمل على إثارته مرة أخرى، واثنين وثلاثة، ولكن لا نظهر ونتحدث في وسائل الإعلام ونقول ونطعن في بعضنا البعض، فهذا تخلف حقيقي.
وبطبيعة الحال، لا يغركم أن يكون فلان لديه شهادات علي شخصي، أو على أي مناضل أو ضد النظام السابق، بزعم أنه مشهود له بمواقفه المناصرة للثورة، فلا يغركم ذلك، فالتخلف في هذا الجانب ليس له علاقة بالعلم، ولكنه له علاقة بالإلمام بالسلوك السوي في التعامل مع الأمور السياسية.
المشهد الثاني:
في كل نشرة نسمع عن: اعتصام، وقفة احتجاجية، إضراب، قطع طريق، إغلاق مطار، قطع الكهرباء والاتصالات، وكل ذلك يقوم به أناس يرون أن لهم حقوقا لم تنفذ، وعندما تبحث في هذه الحقوق تجدها صحيحة؛ ولكن لها عشرين عاما أو ثلاثين عامًا، والآن بعد أن قامت الثورة ومازالت لم تبنَ الدولة، نريدها أن تنتهي ونتخاصم، وإذا أوقفتم فلان، فسنقتل فلانا، وسنقفل عليكم الأوكسجين إذا استطعنا حتى نأخذ حقنا، متناسين أنهم بهذا الفعل يتعرض آخرون، ليس لهم ذنب، للبهدلة والشقاء، وإلا فما جدوى أو أهمية أن نقطع الكهرباء عن المدينة ونترك المرضى في المستشفيات وتدفئة الأطفال وكبار السن في البرد.
إن هذه التصرفات التي تبتعد كثيرًا عن الإنسانية والشعور بالمسئولية تحتاج منا إلى وقفة مهمة وجادة بضرورة الإسراع في تأسيس النقابات العامة التي تنظم هذه الأمور بينها وبين أعضائها، وتعمل على حل مشاكلهم دون تعرض المصلحة العامة للضرر بسبب هذه التصرفات المتخلفة.
المشهد الثالث:
إن حرية الرأي والتعبير قيمة غالية وجميلة كنا محرومين منها، والآن بعد أن منّ الله علينا بها، بدأنا نستغلها بشكل متخلف، ولا نتأكد من الخبر قبل إذاعته، ولا نقدم التحليل الصحيح له، بل لا نأخذ بوجهات النظر المختلفة، وننحاز لفكرتنا، والأكثر سوءا وتخلفا نعادي أو نقلل من قيمة الأفكار الأخرى والرأي الآخر.
ونحن نرى ذلك واضحًا، فإذا كانت القناة محسوبة على توجه معين، ويتحدث ضيف يحمل رأيًا مخالفًا فإنهم يقاطعونه ويقللون وقته، ويربكوه في حديثه، وأنصح هؤلاء أن يتابعوا حوارات المحطات العالمية باللغات غير العربية ليعرفوا الأسلوب والكيفية التي يتم التعامل بها الإعلام، الذي أصبح يؤجج الأمور ويثير الفتن، وهنا تجد المواطن حائرًا.
وأرى هنا أن الأمر يتطلب ضرورة عقد اجتماع أسبوعي بين وزير الإعلام والقنوات الفضائية الليبية لكي يوضح لهم كل الأمور وبشكل مباشر؛ لكي لا يقعوا في تكرار الشائعات واختلاق الأكاذيب. مع أنه مازال هناك العديد من المشاهد المتخلفة، ولكني اكتفي بهذه، ولعل للحديث بقية.
المصدر: الاسلام اليوم