صلِّ قبل أن يُصَلَّى عليك

راشد بن عبد الرحمن البداح
1445/12/21 - 2024/06/27 13:18PM

الحمدُ للهِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ما تعاقَبَ الملَوَانِ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ إلَى الإنسِوالجانِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْبِإِحْسَانٍ. أَمَّا بَعْدُ:

أيُها المصلونَ احمدُوا ربَكم أنكمْ على صلواتِكم محافظونَ، وأنكم للجمعةِ والجماعاتِ مبكرونَ، احمدُوهُ وسلوهُ الثباتَ والمزيدَ. وانظرُوا للمفرطينَ بعينِ الشفقةِ، لا تدَعُوهم بل ادْعُوهم، وناصحِوا إخوانَكم جيرانَ المسجدِ المتكاسلينَ، وارعَوا أهلَ بيوتِكم ذكورًا وإناثًا وأيقِظوهُم للصلاةِ، لا سيَما صلاةَ الظهرِ والعصرِ، وتحملُوا الأذَى والتعبَ من جراءِ إيقاظِهم مراراً، مُروهُم واصطبِرُوا امتثالاً لقولِ ربِنا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}.

أيُها الأبُ الآمرُ بالصلاةِ: أبشرْ وأمِّلْ، ولا تقُلْ: تعبتُ! وادعُ لأولادِكسراً وجهاراً، وردِّدْ دعاءَ الأنبياءِ مراراً: {ربِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}. واستشعرْ أنَّ فلذاتِ كبدِكَ إذا لم يُصَلّوا فسيكونونَحطبًا لجهنمَ فـ{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}. ولا تُلْقِ الحِملَ على أمِّهم؛ فأنتَ أهْيَبُ وأصبرُ، وتذكرْأن بيوتَ الأنبياءِ فيها أمرٌ للأهلِ بالصلاةِ، فالتقصيرُ والغفلةُ واردةٌ، فهذا نبيُ اللهِ إسماعيلُ كانَ: {يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}. فمَن أرادَ أن يكونَ عند ربِهِ مرضياً فليحُضَّ أهلَه للصلاةِ بكرةً وعشياً.

ويا جارَ المسجدِ: كُنْ خيرَ جارٍ لخيرِ بقعةٍ. قالَ نبيُّك -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا. رواهُ مسلمٌ().

أخي جارَ المسجدِ: هلْ مِنَ الدينِ والعقلِ أنْ يناديَكَ ربُّك تعالَى في اليومِ والليلةِ خمسَ مراتٍ ثم لا تُجيبُه أحياناً؟! ولو ناداكَ مَلِكٌ إلى قَصْرِهِ لوَجَدْتَكَ مُبادِرًا للحضورِ ! فكيفَ بكَ ومَلِكُ الملوكِ يَدعوكَ إلى خيرٍ لنفسِكَ؟!

يا مفرطًا بصلاةٍ إثرَ صلاةٍ، ومفوِتًا من كلِ صلاةٍ ركعاتٍ: ألا ترتدعُوتمتنعُ؟! ألا تعتبرُ بموتاتِ الفجأةِ، وبحوادثِ السياراتِ. فسارعْ بالتوبةِقبلَ أن يَفجأكَ الموتُ، صَلِّ قَبْلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْكَ. وتذكّرْ أنكَستموتُ، وستقِفُ بينَ يديِ اللهِ تعالى عاريًا، حافيًا، لا مالَ ولا جاهَ،ويومَها ستعلمُ أن تاركَ الصلاةِ مجرمٌ أشدُ من مجرمِي العصاباتِ، ألم تسمعْ أن أهلَ الجنةِ: {يَتَسَاءَلُونَ(40)عَنِ الْمُجْرِمِينَ(41)مَا سَلَكَكُمْفِي سَقَرَ(42)قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}.

وإذا أردتَ أن تعرفَ مَآلَ تاركِ الصلاةِ فتأمَّلْ -أيضاً- قولَ اللهِ تعالى: {فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا}. أترضَى لنفسِكَ سَقَرَ وغَيَّ؟! أتدرِيْ ما غيُّ؟! إنه: (نهرٌ أو وادٍ في جهنمَ، من قَيحٍ خبيثِ الطَّعمِ، بعيدِ القَعْرِ)!().

وانظرْ مع مَن يُحشرُ المضيِّعُ للصلاةِ؟! يُحشرُ مع رؤوسِ الكفرِ. قالَنبيُكَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلاَ بُرْهَانٌ وَلاَ نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ().

أيُها السهرانُ النَوْمانُ: تفكرْ في حالِ السلفِ الصالحِ مع صلاتِهم، فقدْ كانُوا يَعُدُّونَ فَواتَ صلاةِ الجماعةِ مصيبةً كبرَى، وتراهُم يَبكونَويقولونَ: ما فاتتْ أحدًا صلاةُ الجماعةِ إلا بذنْبٍ أصابَه.

(ولما فاتتْ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُما- صلاةُ العشاءِ في الجماعةِ، فصلى تلكَ الليلةَ حتى طلعَ الفجرُ؛ جَبْرًا لِمَا فاتَه. بل قد كانُوا يُعَزُّونَ أنفسَهم إذا فاتَتْهمُ التكبيرةُ الأولَى مع الإمامِ. قالَ التابعيُإبراهيمُ التَّيميُ: إذا رأيتَ الرجلَ يَتهاونُ في التكبيرةِ الأولَى فاغسِل يدَك منه)().

الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا كما أمرَ، وصلى اللهُ وسلمَ على محمدٍ سيدِالبشرِ. أما بعدُ:

فكيفَ لا نعتنِي بصلاتِنا أشدَ الاعتناءِ وهذا أبُو الحسنِ عليُّ بنُ أبي طالبٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- لما حَضَرَتِ الصَّلَاةُ قَالَ لجَارِيَته: ائْتِينِي بِوَضُوءٍ، لَعَلِّي أُصَلِّي فَأَسْتَرِيحَ، فَلما رَآهمْ أَنْكَروا ذَاكَ عَلَيْهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: قُمْ يَا بِلاَلُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلاَةِ(). تفكرُوا؛ يقولُ: أرِحنا بها (وَلَا يَقُولُ: أَرِحْنَا مِنْهَا، كَمَا يَقُولُهُ مَنْ تَثْقُلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ. والغافلُ المُعرضُ الصلاةُ كبيرةٌ شاقةٌ عليهِ، إذا قامَفيها كأنهُ على الجمرِ حتى يتخلصَ منها، وأحبُّ الصلاةِ إليهِ أعجَلُها وأسرعُها)(). فعجبًا لمن فقدَ الراحةَ والسعادةَ وهو يلتمسُها في غيرِالصلاةِ الخاشعةِ!

أيُها المتمتعونَ بإجازتهِم: ذهبَ منها ثلثُها والثلثُ كثيرٌ، فليتذكرْأحدُنا  آخرَ الإجازةِ، حينَ يَرجعُ الرابحُ بمكاسِبَ، وأما الغافلُ فيرجِعُبنومٍ عن صلواتٍ، وعكوفٍ على جوالاتٍ. فاحذرْ أن تكونَ ممن: {يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر24] لم يقُلْ: لمماتِيْ؛ لأن الحياةَالحقيقيةَ ليستْ حياتَنا هنا، بل حياتُنا الحقيقيةُ هناااكَ: ﵟوَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ‌ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَﵞ 

فاللهم باركْ في أوقاتِنا وأعمارِنا، واجعلْ فراغَنا نعمةً لا نقمةً.

اللهم أصلحِ الشبابَ والفتياتِ، للمحافظةِ على الصلواتِ.

رَبَّنا اجْعَلْنا مُقِيمِينَ للصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّاتِنا رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ.

اللهم اجزِ خيرًا والدَينا اللذَينِ ربَّيانا على الصلاةِ.

اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِ مكانٍ، واهدِ ضالَهم, وأطعمْ جائَعهم.

اللهم يا وليَ المؤمنينَ: ارفعْ حصارَ إخوانٍنا بفلسطين، واشفِ صدورَنا من اليهودِ المحتلينَ.

اللهم وفَّقْ وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضَى، وخُذْ بناصيتِهِما للبرِّ والتقوى. وارزقهُمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ.

اللهم صلِّ وسلِمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمد.

المرفقات

1719483493_‎⁨صَلِّ قَبْلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْكَ⁩.docx

1719483493_‎⁨صَلِّ قَبْلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْكَ⁩.pdf

المشاهدات 816 | التعليقات 0