صلى الله عليه وسلم

عبدالله اليابس
1436/11/15 - 2015/08/30 09:26AM
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم


الحمد لله الحكيم, الرءوف الرحيم, الذي لا تخيب لديه الآمال، يعلم ما أضمر العبد من السر وما أخفى مما لم يخطر ببال، يسمع همس الأصوات وحِسَّ الخطوات في وعس الرمال، ويرى حركة الذر في جانب البر وما درج في البحر عند تلاطم الأمواج وتراكم الأهوال، فليستح العبد الحقير من مبارزة الملك الكبير بقبيح الأفعال.
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم ***
يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
إن كان أهل التقى فازو بما عملـوا ***
فمن يجود على العاصين بالكـرم
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.
أنت الذي من نورك البدر اكتسى *** والشمس مشرقة بنور بهاك
أنت الذي لما رفعت إلى السما *** بك قد سمت وتزينت للقـاك
أنت الذي ناداك ربـك مرحبا *** ولقد دعاك لقربـه وحبـاك
لك معجزات أعجزت كل الورى *** وفضائل جلت فليس تحاكى
صلى عليك الله يا علم الهدى *** ما حنَّ مشتاق إلى لقياك
وعلى صحابتك الكرام جميعهم *** والتابعين وكلِّ من والاكا
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. أمر عظيم جاء في كتاب الله الكريم .. قَبْل هذا الأمر جاءت مقدمة له .. هذا المقدمة أن الله تعالى وملائكته قدوة فيه .. فيجب علينا الامتثال والتنفيذ:
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}, قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عِبَادَهُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ عِنْدَهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، بِأَنَّهُ يُثْنِي عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَيْهِ. ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى أَهْلَ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، لِيَجْتَمِعَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْعَالَمِينَ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ جَمِيعًا".
الصلاة والسلام على نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم.. عبادة عظيمة .. سهلة على اللسان .. خفيفة .. لا تستهلك وقتًا ولا جهدًا .. حركة بسيطة بلسانك .. تنال بها الأجر العظيم .. فاللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.
وكما أمرنا الله تعالى بالصلاة والسلام على خير الأنام.. فقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه .. روى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا». رواه النسائي في عمل اليوم والليلة.
وعن كعب بنِ عُجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيدًا ولا تجعلوا بيوتكم قبورًا وصلوا عليَّ وسلموا حيثما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم".
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة هجرها كثير من الناس, إما تهاونًا بها, وإما جهلاً لفضائلها, فما هي فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
إن للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فضائل كثيرة, فمن ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشرًا".
وروى عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: " من صلى عليَّ صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى عليَّ, فليُقِلَّ عبدٌ من ذلك أو ليكثر" رواه أحمد وحسنه الألباني.
وروى الإمام أحمد وصححه الألباني عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطَّ عنه عشر خطيئات". زاد النسائي: "ورفعت له عشر درجات".
وروى الإمام أحمد وحسنه الألباني عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتّبعتُه، حتى دخل نَخلاً، فسجد فأطال السجود، حتى خفت أو خَشيت أن يكون الله قد توفاه أو قبضه، قال: فجئتُ أنظر، فرفع رأسَه، فقالَ: "ما لك يا عبد الرحمن؟ " قال: فذكرت ذلك له، فقال: "إن جبريل عليه السلام قال لي: ألاَ أُبشِّرك؟ إن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليكَ صليت عليه، ومن سلم عليك سلمتُ عليه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة"
بل قد جاء التهديد لمن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغفل عنها, فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من نسي الصلاة عليَّ خطئ طريق الجنة" رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
هو المختار مـن بين الـبرايا *** هو الهادي البشير هو الرسول
عليه من المهيمن كل وقتٍ *** صـلاة دائماً فيها القبـول
أيها الإخوة .. إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مستحبةٌ كل وقت, ولكنها تتأكد في أحوال وأوقات ومواضع معينة, فمن ذلك:
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير من الصلاة كما تعلمون جميعًا.
ومن مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : الصلاة عليه بعد إجابة المؤذن, فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» رواه مسلم.
ومن مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة عليه عند الدعاء في أوله وفي آخره, فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك" رواه الترمذي, فعُلم من ذلك أهمية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء وأنها سبب من أسباب إجابته.
وروى الطبراني في الأوسط من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كل دعاء محجوبٌ حتى يصلى على محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم".
ومن مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة عليه عند دخول المسجد وعند الخروج منه, فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: "بسم الله, اللهم صل على محمد", وإذا خرج قال: " بسم الله, اللهم صل على محمد".
ومن مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة عليه عند اجتماع القوم قبل تفرقهم, فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه, ولم يصلوا على نبيهم, إلا كان عليهم ترة, (يعني حسرة) فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم" رواه الترمذي وصححه الألباني.
ومن مواضع الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: الصلاة عليه عند ذكره, فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل عليَّ" أخرجه الترمذي.
ومن مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه يوم الجمعة, فعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن مِنْ أفضلِ أيامِكُم يومَ الجُمعة: فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفْخةُ، وفيه الصَعقةُ، فأكثروا عليَّ مِن الصلاةِ فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ" قال: قالوا: يا رسولَ الله، وكيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليك وقد أَرَمْتَ؟ يقولون: بَلِيت، فقال: "إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء"
وإذا أردت بأن تفـوز وتـرتـقي *** دَرَج العلى و تنال منه رضاه
أدم الصلاة على محمد ٍالـذي *** لولاه مـا فـتح المكـبِّر فـاه
وله الوسيلة واللـواء وكوثـر *** يروي الورى وكذا يكون الجاه
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
ومن مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة عليه عند الهم والغم, فعن الطفيل بن أُبَيِّ بن كعب عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: "يا أيها الناس اذكروا الله ,اذكروا الله, جاءت الراجفة تتبعها الرادفة, جاء الموت بما فيه, جاء الموت بما فيه" قال أُبي: قلت: يا رسول الله, إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: "ما شئتَ" قال: قلت: الربع؟ قال: "ما شئت, فإن زدتَ فهو خير لك", قلت: النصف؟ قال: "ما شئت, فإن زدت فهو خير لك", قال: قلت: فالثلثين؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك" قلت: أجعل لك صلاتي كلَّها, قال: "إذًا تكفى همَك, ويغفرُ لك ذنبُك: رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح, وحسنه الألباني.
ومن مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة عليه أول النهار وآخره عشر مرات, فعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا, وحين يمسي عشرًا, أدركته شفاعتي يوم القيامة".
ومن مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه بعد الذنب إذا أراد أن يكفر الله عنه, فعَن أنس بن مالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "صلوا عَليّ, فَإِن الصَّلَاة عَليّ كَفَّارَة لكم, فَمن صلى عَليّ مرّة صلى الله عَلَيْهِ عشراً".
أيها الإخوة.. إن للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثمرات وفوائد عظيمة, فهي امتثال لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم, ويحصل بها الأجر العظيم للمصلي, وهي سبب لإجابة الدعاء, وسبب لحلول الشفاعة الكبرى يوم القيامة, وهي سبب لغفران الذنوب, وكفاية اللهِ العبدَ ما أهمه من أمر الدين والدنيا, وهي سبب لقرب العبد من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة, وسبب لصلاة الملائكة على المصلي, وهي سبب لطيب المجلس وأن لا يكون حسرة يوم القيامة, وهي نافية لاسم البخل عن العبد إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره, وهي سبب لمحبة العبد للرسول صلى الله عليه وسلم, وهي سبب لعرض اسم المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, وهي سبب لتثبيت القدم على الصراط والجواز عليه, إلى غير ذلك من الفوائد والثمرات الكثيرة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
والله ما في الخلــق مثلُ محمدٍ *** في الفضل والأخلاق والعرفانِ
فهو النبيُ الهاشمـيُ المصطفى *** من خيرة الأنساب من عدنانِ
لو حاول الشعراءُ وصف محمدٍ *** وأتـوا بأشعار على الأوزانِ
ماذا يقـول الواصفـون لأحمدٍ *** بعد الـذي قد جاء في القـرآنِ
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم أفضل صلاة, وأزكى تسليم على النبي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع كريم مجيب.

عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المشاهدات 3061 | التعليقات 1

هذه الخطبة مستفادة من كتاب: "الفضل الكبير .. في الصلاة والسلام على البشير النذير صلى الله عليه وسلم .. للشيخ الدكتور/ سعيد بن علي بن وهف القحطاني وفقه الله"