( صلّوا عليه وسلّموا تسليماً ) 5 / 11 / 1441هــ
محمد بن سليمان المهوس
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحِبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].
فَمِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَيْنَا: نِعْمَةُ مَبْعَثِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي أَخْرَجَ اللهُ بِهِ النَّاسَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ إِلَى نُورِ الْحَقِّ، وَمِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ الْعِبَادِ، وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى مِنْ حُقُوقِهِ عَلَيْنَا: كَثْرَةَ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
فَفِي هَذِهِ الآيَةِ الْعَظِيمَةِ بَيَانُ شَرَفِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللهِ. وَصَلاَةُ اللهِ عَلَيْهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ثَنَاؤُهُ عَلَى عَبْدِهِ فِي الْمَلأِ الأَعْلَى، وَذِكْرُهُ بِأَوْصَافِهِ الْجَمِيلَةِ عِنْدَ الْمَلائِكَةِ؛ كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ.
وَصَلاَةُ الْمَلاَئِكَةِ عَلَيْهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دُعَاؤُهُمْ لَهُ وَلِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ.
وَخَتَمَ سُبْحَانَهُ الآيَةَ بِأَمْرِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وَالصَّلاَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صِلَةٌ قَوِيَّةٌ بَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ أَتْبَاعِهِ الَّذِينَ يَتَعَاهَدُونَ الْعَمَلَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيُلاَزِمُونَ الصَّلاَةَ وَالسَّلاَمَ عَلَيْهِ؛ مُسْتَشْعِرِينَ الأَجْرَ الْعَظِيمَ فِي ذَلِكَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
الصَّلاَةُ سَبَبٌ عَظِيمٌ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ؛ فَعَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ: «سَمِعَ النبَِّيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَجِلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاحْرِصُوا عَلَى هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ، وَذَكِّرُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ بِهَا؛ لِتَحْصُلُوا عَلَى الأَجْرِ الْعَظِيمِ مِنَ الرَّبِّ الْكَرِيمِ، لاَسِيَّمَا وَنَحْنُ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ الَّذِي قَالَ عَنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ؛ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ؛ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» [صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا...
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الصَّلاَةَ وَالسَّلاَمَ عَلَى النَّبِيِّ سَبَبٌ فِي مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ وَدَفْعِ الْهُمُومِ؛ فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي -أَيْ: مِنْ دُعَائِي؟- فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» [صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
المرفقات
صلوا-عليه-وسلموا-تسليما
صلوا-عليه-وسلموا-تسليما
المشاهدات 2167 | التعليقات 3
وأنت كذلك حبيبنا
جزاك الله خير
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق