صلاة المسافر

تركي بن عبدالله الميمان
1445/01/16 - 2023/08/03 10:32AM

 

 

صَلاةُ المُسَافِر


الخُطْبَةُ الأُوْلَى

 

إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْد: فأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ ﷻ، فَالتَّقْوَى: خَيْرُ زَادٍ لِيَوْمِ المَعَاد، وَأَفْضَلُ عَتَادٍ لِيَوْمِ التَّنَاد! ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾.

عِبَادَ الله: إِنَّهَا عِمَادُ الدِّيْن، وَبَهْجَةُ المُتَّقِيْن؛ فَهِيَ لا تُفَارِقُهُمْ حَضَرًا وَلَا سَفَرًا، إِنَّهَا الصَّلَاة!

وَمِنْ عَلامَةِ الخَيرِ والتَّوْفِيقِ؛ أَنْ يَكُوْنَ المُسَافِرُ مُوَاظِبًاعلى صَلَاتِهِ في أَوْقَاتِهَا، مُتَفَقِّهًا في أَحْكَامِهَا! وَ(مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا: يُفَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ)().

وَمِنْ تَيْسِيْرِ اللهِ وتَخْفِيْفِهِ: أَنْ جَعَلَ لِصَلَاةِ المُسَافِرِ: أَحْكَامًا تُسَهِّلُهَا، وَرُخَصًا تُمَيّزُهَا.

وَمِنْ ذَلِكَ: القَصْرُ والجَمْعُ. وَقَصْرُ الصَّلَاةِ؛مُتَعَلِّقٌ بِـ(السَّفَرِ): سَوَاء وُجِدَتْ المَشَقَّةُ أَمْلا().

وَالقَصْرُ لِلْمُسَافِرِ، لا يَحْتَـــاجُ إِلى نِيَّة؛ لِأَنَّ الأَصْلَ في صَلَاةِ السَّــــفَرِ: هِيَ (القَصْر)()؛ قَـــالَتْ عائِشَــــةُ É: (أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ الصَّلَاةُرَكْعَتَيْن؛ فأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَر، وَزِيْدَ في صَلَاةِ الحَضَر)().

وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلاةِ وَهُوَ في (الحَضَرِ)، ثُمَّ سَافَر؛ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَصْرًا. وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الوَقْتُوَهُوَ في (السَّفَرِ)، ثُمَّ (وَصَلَ بَلَدَهُ) قَبْلَ أَنْيُصَلِّي؛ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاة؛ لِأَنَّ العِبْرَةُ بِالمَكَانِ الَّذِي (فُعِلَتْ فِيهِ الصَّلَاة)، ولَيْسَ بِالمَكَانِ (الَّذِي دَخَلَ فِيهِ وَقْتُ الصَّلاة)(). فَمَنْ فَعَلَهَا في الحَضَر: أَتَم. وَمَنْ فَعَلَهَا في السَّفَر: قَصَر.

وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ جَمْعَ تَقْدِيْم، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُسَيَصِلُ بَلَدَهُ (قَبْلَ دُخُوْلِ وَقْتِ الصَّلَاةِالثَّانِيَة)().

وَإِنْ صَلَّى المُسَافِرُ خَلْفَ الإِمَام؛ فَإِنْ قَصَرَ إمَامُهُ:قَصَرَ مَعَهُ. وَإِنْ أَتَمّ: لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ()، سَوَاءً أَدْرَكَالصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا، أَمْ فَاتَهُ شَيءٌ مِنْهَا().

وَإِذَا صَلَّى المُسَافِرُ صَلاةَ المَغْرِبِ: خَلْفَ مُقِيْمٍ يُصَلِّي (العِشَاء)؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَهُ بِـ(نِيَّةِالمَغْرِبِ)، فَإِذَا قَامَ الإِمَامُ لِلْرَّكعَةِ الرَّابِعَة؛ فَإِنَّهُيَجْلِسُ لِلْتَّشَهُّدِ وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الإِمَامِ فِيْمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاةِ العِشَاء.

وَإِنْ دَخَلَ مَعَ الإِمَامِ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَة: سَلَّمَ مَعَ الإِمَام. وَإِنْ دَخَلَ في الثَّالِثَةِ: أَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَسَلَامِ الإِمَامِ().

وَإِذَا صَلَّى المُسَافِرُ بِالمُقِيْم؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِالرُّبَاعِيَّةَ: رَكْعَتَيْن().

وَلا تَلازُمَ بَيْنَ الجَمْعِ والقَصْرِ: فَيَجُوْزُ الجَمْعُ مِنْ غَيْرِ قَصْر. ويَجُوْزُ القَصْرُ مِنْ غَيْرِ جَمْع().

وَالجَمْعُ لا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ، بَلْ يُشْرَعُ لِأَعْذَارٍ أُخْرَى: كَالمَطَرِ، وَالمَرَضِ، وَالمَشَقَّة.

وَإِذَا حَانَ وَقْتُ الصَّلاةِ، والطَّائِرَةُ مُسْتَمِرَّةٌ في طَيَرَانِهَا، وَخَشِىَ المُسَافِرُ فَوَاتَ وَقْتِ الصَّلَاةِقَبْلَ هُبُوْطِ الطَّائِرَة؛ فَيَجِبُ أنْ يُصَلِّيَ في الطَّائِرَةِ بِقَدْرِ الاِسْتِطَاعَة؛ إِدْرَاكًا لِلْوَقْت! قالَ ابْنُ عُثَيْمِيْن: (الوَقْتُ آكَدُ شُرُوْطِ الصَّلَاة، وَلِهَذَا إِذَا دَخَلَ الوَقْتُ: يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ، وَلَوْ تَرَكَمَا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الشُّرُوْطِ والأَرْكَانِ: فَلَوْدَخَلَ الوَقْتُ، ولَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، أَوْ لا يَسْتَطِيْعُ التَطَهُرَ، أو القِيَامَ، أو التَّوَجُّهَ إلى القِبْلَةِ؛ فَلَا يَنْتَظِرُ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الشُّرُوْط، بَلْ يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ "إِذَا خَافَ فَوْتَ الوَقْتَ")(). قال U: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾. أَيْ فَرْضًا مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ مُحَدَّدٍ، لا يَتَقَدَّمُ وَلا يَتَأَخَّر().

وَإِذَا عَلِمَ المُسَافِرُ أَنَّ الطَائِرَةَ سَتَهْبِطُ قَبْلَ خُرُوْجِوَقْتِ الصَّلَاةِ (أَوْ وَقْتِ الَّتِي بَعْدَهَا مِمَّا يُجْمَعُإِلَيْهَا)، بِقَدْرِ مَا يَكْفِي لِأَدَائِهَا؛ وَلَمْ يَتَمَكَّنْمِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ في الطَّائِرَةِ (بِشُرُوْطِهَا وَأَرْكَانِهَا)؛ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عِنْدَ الهُبُوْط().

وَلا يَجُوْزُ  لِلْمُسَافِرِ: أَنْ يُصَلِّيَ (الفَرِيْضَةَ) قَاعِدًا:لا في الطَّائِرَةِ وَلا غَيْرِهَا (إِذَا كانَ يَقْدِرُ على القِيَام()، وَلَمْ يَخْشَ فَوَاتَ الوَقْت)؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا)().

وَالمُسَافِرُ يُصَلِّي النَّوَافِلَ إِلَّا (رَاتِبَةَ الظُّهْرِ، والمَغْرِبِ، والعِشَاءِ). وَمَا عَدَا ذَلِكَ؛ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّىَمَا شَاءَ مِنَ النَّوَافِلِ: كسُنَّةِ الوِتْرِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى،وَغَيْرِهَا مِنْ النَّوَافِل().

وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ: وَهُوَ رَاكِبٌ على كُرْسِيِّهِ في الطَّائِرَةِ أو السِيَّارَةِ، (وَلَا يَلْزَمُهُ القِيَامُ أو اسْتَقْبَالُ القِبْلَةِ)؛ لِأَنَّ النبيَّ ﷺ كانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ؛ فَإِذَا أَرَادَ الفَرِيْضَةَ: نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ().

وَصَلاةُ الجَمَاعَةِ: وَاجِبَةٌ عَلَى المُسَافِر؛ فَإِنْ وَجَدَ جَمَاعَةً مُسَافِرِيْن: صَلَّى مَعَهُمْ قَصْرًا، وَإِلَّا صَلَّى مَعَ المُقِيْـــمِيْنَ أَرْبَعًا (في الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ)().

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

عِبَادَ الله: ضَابِطُ السَّفَرِ الَّذِي يُشْرَعُ فِيْهِا التَّرَخُّصُ بِرُخَصِ السَّفَر: مَرَدُّهُ إلى (العُرْفِ والعَادَةِ)؛ فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ سَفَر:فَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي يَكُوْنُ فِيْهِ الرُّخْصَة(). وَيَرَى بَعضُ العُلَمَاءِ: أَنَّ السَّفَرَ مُقيَّدٌ بِمَسَافَةِ (ثَمَانِيْنَ كِيْلُو).

وَإِذَا اخْتَلَفَتِ المَسَافَةُ والعُرْفُ؛ فَيَعْمَلُ الإِنسَانُ بِالأَحْوَطِ: وَهُوَ (عَدَمُ التَّرَخُّص)().

وَلا تَبْدَأُ رُخَصُ السَّفَرِ: إِلَّا إِذَا خَرَجَ المُسَافِرُ مِنْ بُنْيانِ بَلَدِه، أَو عَامِرِ قَرْيَتِه؛ فَلَا يَجُوزُالقَصْرُ وَهُوَ في بَلَدِهِ!()

وَيَجُوْزُ الجَمْعُ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ: قَبْلَ السَّفَرِ (إِذَا كَانَ سَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَدَاء الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ فَي طَرِيْقِ سَفَرِه).

أَمَّا القَصْرُ؛ فَلا يَجُوْزُ لِلْمُسَافِرِ إِلَّا إِذَا خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ().

*******

* ​اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

* ​اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

* ​اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

* ​عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* ​فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

* * * *

إعداد: قناة الخطب الوجيزة

https://t.me/alkhutab
 

المرفقات

1691047917_صلاة المسافر (للطباعة).pdf

1691047919_صلاة المسافر (للهاتف).pdf

1691047922_صلاة المسافر (وورد).doc

المشاهدات 473 | التعليقات 0