صلاة الجمعة آداب وأحكام
هلال الهاجري
الحَمدُ للهِ مُقلِّبِ الأيامِ والشهورِ والسنينِ والدهورِ، كَريمٍ وَدودٍ غَفورٍ شَكورٍ، وَأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهَ وحدَه لا شَريكَ لَهُ، يَعلمُ خَائنةَ الأَعينِ وَمَا تُخفِي الصُّدورُ، وَأَشهدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسولُه التَّقيَّ الصَّبورَ، دَعَا وَحَذَّرَ، وَبشَّرَ وَأَنذَرَ، وَبلَّغَ رَسَالةَ رَبِّهِ في جَميعِ الأُمورِ، فَصَلواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليهِ وَعَلى آلِهِ المَيَامينَ البُدورِ، وَعَلى أَصحَابِه أَهلِ البِّرِّ وَالأُجُورِ، وَمَن تَبِعَهُم بِإحسَانٍ مَا سَطَعَ ضِيَاءٌ وَلاحَ نُورُ، أما بعد:
فَمَعَ طُلُوعِ شَمسِ يَومِ الجُمُعَةِ الفَضِيلِ، يَفرَحُ أَهلُ الإسلامِ بِهَذا العِيدِ الجَليلِ، فَيَستَعِدُّونَ إلى صَلاةٍ عَظِيمَةِ الأُجُورِ، بِآدَابٍ يَرجُونَ بِهَا رَحمَةَ الغَفُورِ، فَقَد قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ)، لذلك جاءَ عَظِيمُ الأجرِ والثَّوَابِ، لِمَنْ اغتَسَلَ وَتَطَيَّبَ وَلَبِسَ أَحسَنَ الثَّيَابِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ، فَيَرْكَعَ إِنْ بَدَا لَهُ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ، حَتَّى يُصَلِّيَ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى)، وقد يُزادُ له في الأجرِ لكمالِ إنصاتِه، وعدمِ تخطيِه لرقابِ المسلمينَ، كما جاءَ في الحديثِ: (وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، وَزِيَادَةِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا).
عبادَ اللهِ، لقد اعتنى الشرعُ بصلاةِ الجمعةِ عنايةً عظيمةً، فأمرَ اللهُ تعالى بالسعيِ لها وتركَ الدُنيا إذا أذَّنَ المؤذنُ، كما في قولِه سبحانَه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، وجاءَ الوعيدُ الشديدُ على مَن فرَّطَ فيها، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ –أي تَركِهم- الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَلَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ)، وجاءَ في الحديثِ الآخَرِ أنَّ هَذِهِ العُقوبةَ فِيمَنْ تَركَ ثَلاثَ جُمَعٍ، كما في قولِه عليه الصلاةُ والسلامُ: (مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ)، فالحذارِ الحذارِ، (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ).
في يومِ الجمعةِ، وعندَ بابِ كلِ جامعٍ تُقامُ فيه صلاةُ الجمعةِ، يقفُ ملائكةٌ كِرامٌ معَهم صُحُفٌ يكتبونَ فيها، فيا تُرى ماذا يكتبونَ؟، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ –أي المُبَكِّرِ- كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً ثُمَّ كَبْشًا ثُمَّ دَجَاجَةً ثُمَّ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ)، فهل قدمتَ اليومَ بدنةً أم بيضةً؟، أم أن الملائكةَ طَوتْ صُحُفَها قبل أن تأتي ولم تُقدِّمْ شيئاً؟، بل قد جاءَ في أجرِ التبكيرِ إلى الجمعةِ ما لم يأتِ في غيرِه من الأعمالِ، اسمع إلى قولِه عليه الصلاةُ والسلامُ: (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا)، اللهُ أَكبَرُ، قَالَ بَعضُ العُلَمَاءِ: لَيْسَ فِي السُّنَّةِ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الثَّوَابِ؛ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.
فإذا جاءَ المسجدَ، صلى ما شاءَ اللهُ أن يصليَ، وليسَ للجمعةِ سُنةٌ قَبْليِّةٌ، بل كما جاءَ في الحديثِ: (ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ)، ثم يقرأُ سورةَ الكهفِ، فقد جاءَ في فضلِ قراءتِها يومَ الجمعةِ قولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَرَأَ سُوَرَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ)، فيضيءُ له نورُ الهدايةِ والتوفيقِ من ربِّه حتى الجمعةِ القادمةِ، وكلنا يحتاجُ إلى حفظِ اللهِ تعالى وتوفيقِه في زمانٍ كَثُرتْ فيه الفِتنُ، وعظُمتْ فيه المِحَنُ.
فإذا جاءَ المُصلَّي والمؤذِّنُ يؤذِّنُ بعد دخولِ الإمامِ، فإنه يُصلي ركعتينِ ولا ينتظرُ انتهاءَ المؤذِّنِ، وذلك لينتهيَ من صلاتِه قبلَ الخُطبَةِ، لأن الترديدَ خلفَ المؤذِّنِ سُنَّةٌ، وسماعَ الخُطبَةِ واجبٌ، وإن دخلَ والإمامُ يخطبُ، فإنه يُصلي ركعتينِ خفيفتينِ، جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ: (يَا سُلَيْكُ، قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا، ثُمَّ قَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا –أي يُخفِّفْهما-).
أَقولُ قَولي هَذا، وَأَستغفرُ اللهَ العَظيمَ لي ولكم مِن كُلِ ذَنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي خلقَ الزمانَ وفضَّلَ بعضَه على بعضٍ وربُّكَ يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ والصلاةُ على المصطفى المختارِ وعلى آلِه وصحبِه الأخيارِ .. أما بعد:
ومن آدابِ الجُمُعةِ الإنصاتُ لخُطبةِ الإمامِ وعدمِ الكلامِ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ)، وهذا في الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ وحتى في ردِّ السلامِ وتشميتِ العاطسِ، فكيفَ بغيرِه من الكلامِ؟، بل ولا يجوزُ حتى الانشغالِ بما يصرفُ تركيزَ المُستمعِ عن الاستفادةِ من الخُطبةِ من اللَّعبِ بالسُبْحةِ أو الجوَّالِ ونحوه، كما جاءَ في الحديثِ: (وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا).
وإذا دعا الإمامُ في خُطبتِه فلا يُشرعُ له ولا للمستمعينَ أن يرفعوا الْيَدَيْنِ، فعَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضيَ اللهُ عنه: أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ وَهُوَ يَدْعُو فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَقَالَ: (قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ)، فَقَد كَانَ يُشِيرُ بِأُصبعِه فقط، وأما إذا استسقى الإمامُ في خُطبةِ الجمعةِ، شُرعَ له وللمأمومينَ رفعُ اليدينِ، كَمَا فِي حَديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللهُ عنه.
وأما من جاءَ مُتأخراً، فإن أدركَ ركعةً مع الإمامِ فقد أدركَ الجُمُعةَ فيضيفُ إليها ركعةً واحدةً، كما قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: (من أدركَ ركعةً من الجُمُعةِ أو غيرَها فلْيُضفْ إليها أخرى وقد تمتْ صلاتُه)، ومن جاءَ بعد الركعةِ الثانيةِ فإنه لم يُدركْ الجُمُعةَ، فيدخلُ مع الإمامِ ويُتِمُّها أربعاً بنيةِ صلاةِ الظُهرِ.
ثم إذا انتهى من صلاةِ الجمعةِ فإنه يصلي سُنَّةَ الجمعةِ أربعاً إذا صلاها في المسجدِ، لحديثِ: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا)، أَو يُصليها اثنتينِ إذا صلاها في بيتِه، كما في حديثِ ابْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ (كَانَ لاَ يُصَلِّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ).
وأكثروا من الصلاةِ والسلامِ على نبيِّكم محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلمَ ولا سيما في يومِ الجمعةِ، امتِثَالاً لأمرِه تَعَالى في قَولِه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلى عَبدِكَ وَرَسولِكَ مُحمدٍ، اللهمَّ ارزقنا محبتَه وَاتِّبَاعَه ظَاهِراً وَبَاطِناً، اللهمَّ توَّفنا عَلى مِلتِه وَاحشرنا في زُمرتِه، اللهم اسقنا مِن حَوضِهِ، وَأَدخلنَا في شَفَاعتِه يا ربَّ العالمينَ.
المرفقات
1738813349_صلاة الجمعة آداب وأحكام.docx
1738813364_صلاة الجمعة آداب وأحكام.pdf
المشاهدات 2172 | التعليقات 3
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياكم الله شيخ محمد وجزاكم الله خيراً
الحديث صححه الألباني رحمه الله بهذا اللفظ في إرواء الغليل برقم: ٦٢٢
(أصبتَ أنتَ، وأخطأتُ أنا)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصواب معك-جزاك الله خيرا-، والحديث صحيح بحكم الشيخ الألباني عليه، وأنا أخطأت، وزيادة للفائدة أورد خلاصة حكم الألباني عليه من موقع الشاملة فقد قال بعد مناقشة طرقه: "وهو يدلنا على أمور:
الأول: خطأ بقية فى وصله وفى ذكر الجمعة فيه.
الثانى: أن له أصلا من رواية الزهرى عن سالم، خلافا لما يشعر به كلام أبى حاتم.
الثالث: إنه شاهد جيد لرواية نافع عن ابن عمر المتقدمة، فإن قوله "صلاة من الصلوات" يعم الجمعة أيضا، والله أعلم.
وجملة القول أن الحديث بذكر الجمعة صحيح من حديث ابن عمر مرفوعا وموقوفا، لا من حديث أبى هريرة، والله تعالى ولى التوفيق." انتهى كلام الألباني-رحمه الله تعالى-.
محمد محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نفع الله بك، وزادك علما وفهما.
ورد حديث: "من أدركَ ركعةً من الجُمُعةِ أو غيرَها فلْيُضفْ إليها أخرى وقد تمتْ صلاتُه"
وهو خطأ سندا ومتنا، والصواب:"مَن أدركَ ركعتَهُ من الجمعةِ فقد أدركَ الصلاةَ فليُضِفْ إليها أُخرَى"
انظر تكرما هذا الرابط:
https://dorar.net/hadith/sharh/115503
تعديل التعليق