صفة صلاة النبيّ (1)
أحمد بن ناصر الطيار
الحمدُ للهِ الَّذي أكرمَ بالإسلامِ أولياءَهُ، وشرَّفَ بالإيمانِ أصفياءَهُ، وأقامَ بالميزانِ والعدْلِ أرضَهُ وسماءَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ, شهادةً أدَّخِرُها ليومِ لقائِهِ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه, المختومُ به ديوانُ رسُلِ اللهِ وأنبيائِهِ، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وعلى آلِهِ وأزواجِهِ وأصحابِهِ, الذين اصطفاهمُ اللهُ لنُصْرَةِ نبيِّهِ واقتفائِهِ, أما بعدُ: فأُوصيكمْ ونفسيْ بتقوى اللهِ تعالى أيُّها المؤمنونَ، فاتَّقُوا اللهَ: {وابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ وجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
صعَد النبيّ صلى الله عليه وسلم يومًا المنبر لا ليخطب عليه، بل ليصلي عليه، فلما انتهى من صلاته أقْبل على الناس فقال: إني إنما صنعت هذا لتأتمّوا بي، ولتعلّموا صلاتي، أي لتتعلّموا.
فبيّن - صلى الله عليه وسلم - أنّ صعوده المنبر وصلاته عليه إنما كان للتعليم، ليرى جميعُهم أفعالَه، بخلاف ما إذا كان على الأرض، فإنه لا يراه إلَّا بعضُهم ممن قَرُب منه.
وقال صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وصاحبه رضي الله عنهم: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
وقد فعل ذلك الصحابة رضي الله عنهم، فاقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وصلوا كما صلى، وبلَّغوا ذلك لمن بعدهم، حتى وصلت إلينا صفةُ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بحمد الله.
قال العلامةُ ابن عثيمين رحمه الله: على الإنسان أن يعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي, فيقرأُ من كتب العلم التي كتبها من يُوثق في عمله كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي, حتى ينفّذ أمْر الرسول في قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي". ا.ه
معاشر المسلمين: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل أركان الصلاة، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «ما صليتُ وراءَ أحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز.
وكان عمر رحمه الله يسبح في ركوعه عشرَ تسبيحات، وفي سجوده عشرَ تسبيحات.
ومن منا سبّح في ركوعه وسجوده عشر تسبيحات؟ فليتنا نطبّق السنة ونسْتمع في صلاتنا بمناجاة ربنا، وتسبيحِه ودعائِه وحمْدِه, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ طولَ صلاةِ الرجل وقِصَرَ خُطْبته مَئِنَّةٌ مِن فقهِهِ، فأطيلوا الصلاةَ واقْصُروا الخُطبةَ», فجعل طولَ الصلاة علامةً على فقه الرجل، وأمَر بإطالتها.
وطولُ الصلاة يشمل طولَ القيام وطولَ الأركان, وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْقُنُوتَ فِي حَالِ السُّجُودِ وَحَالِ الْقِيَامِ.
وكانت صلاته معتدلةً متقاربة، يجعل الأركان قريبًا من السواء، أي: أن ركوعه والرفع منه, وسجودَه وجلوسه بين السجدتين, متقاربة في الطول, فلم يكن يقصِّر بعض الأركان ويطيل بعضها.
وبعضُ الناس يُطيل في الركوع والسجود, ويقصِّر في الجلسة بين السجدتين والاعتدال من الركوع, وهذا خلاف السنة, فلا بد أن تكون جميع الصلاة متناسبة متقاربة, وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع والسجود يَمْكُث حتى يقول القائل: قد نسي، من إطالته لهذين الركنين.
وكان إذا أطال القيام, كما لو قرأ في فجر الجمعة بالسجدة والإنسان, أو أطال القراءة في صلاة التهجد, أطال بقية الأركان, وإن قصَّر القيام كما لو قرأ بقصار المفصل, قصّر بقية الأركان.
نسأل الله أن يُعِيننا على إقامة الصلاة, وأن يُبلِّغنا بها رحمته ورضاه, إنه سميعُ مجيب.
الحمد لله وحده، والصلاةُ والسلام على من لا نبيّ بعده, أما بعد:
إخوة الإيمان: إنّ أحقَّ الناس بتطبيق هذه السنن أئمةُ المساجد، فالواجب عليهم أنْ يُمكّنوا المأمومين من الإتيان بسنن الصلاة، وبعضُ الأئمة يحرم نفسه من تطبيق السنة، لكن ليس له الحقّ في حرمان من يصلي خلفه من تطبيقها.
قال العلامةُ ابن عثيمين رحمه الله: الواجب على الإمام أنْ يراعي جانب السنة فيه, وأن لا يخضع لأحدٍ لمخالفة السنة؛ ولو تُرك التخفيف وعدمُه إلى أهواء الناس لتفرقت الأمة شيعاً, ولكان الوسطُ عند قوم تطويلاً عند الآخرين, فعليك بما جاء بالسنة. ا.ه
فاتقوا الله معاشرَ الأئمةِ, وصلّوا بالناسِ كصلاةِ رسولنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فهذا مِن حقِّ الْمَأمومين عليكم, فأدّوا هذا الحقَّ على أتم وجه, فأنتم مسؤولون ومحاسبون على ذلك.
وللحديث بقيّة إن شاء الله تعالى.