صفة الحج والأضاحي
عبدالله يعقوب
1432/12/08 - 2011/11/04 08:58AM
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يُهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يضلل فلا هاديَ له.
وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ, وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكلَّ محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار.
عباد الله.. توسلوا إلى ربكم بصالح العمل، واحذروا التسويف والتأجيل قبل أوان الرحيل. فالعقبةُ كؤود، والموقفُ رهيب، والفرصُ تفوت، وأجلُ الإنسانِ موقوت، واحذروا الشيطان (إن الشيطان كان للإنسان عدوًا مبينًا), (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا).
اللهم اجعلنا إلى مرضاتك مسارعين، وإلى الصالحات مبادرين، وجنبنا سبل الشياطين، وتولنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله.. ها هي قوافلُ الحجيج ما زالت تفد إلى البيت العتيق، تسعى إليه وتحفد من كلِّ فجٍّ عميق، قد سال بجموعها البرُ والبحرُ، حتى ضاقت بهم فِجاجُ مكَّةَ، وامتلأتْ بهم جنباتُها.
أتتْ تلك الأفواجُ المتقاطرة.. يحدوها الشوقُ والحنين، إلى البلد الأمين، حيث الكعبةُ الغراء، وزمزمُ والمقامُ والحطيم. لهم جؤارٌ بالتلبية يشق الفضاء، (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك)، فتسكُبُ العينُ ماءها، ويفيض القلبُ لوعة واشتياقاً.
قوافلُ متزاحمة، تتقاطرُ من آفاقٍ شتَّى، بأجناسٍ متنوعة، وألسنةٍ مختلفةٍ، تستقصِرُ بُعدَ الشُّقَّةِ، وتستروحُ ما تلاقي في سبيل ذلك من مشقَّة... ويشاء الله بحكمته البالغة.. أن يكون الحجُ إلى وادٍ غيرِ ذي زرعٍ، حتى يكونَ القصدُ خالصاً.. للبيت العتيق.
أيها المسلمون: الحجُ عبادةٌ جليلة، وفريضةٌ عظيمة، فرضه الله على عباده فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا) رواه مسلم.
هذه العبادة الجليلة.. تشمل أنواعا من التقرب إلى الله تعالى في غايةٍ من الذُّلِ والخضوع والمحبة له سبحانه، في أوقاتٍ ومناسكَ معظّمة، ومواطنَ محترمة، يبذلُ المسلمُ من أجل شهودها النفسَ والنفيس، ويتجشّمُ الأسفار، ويتعرضُ للأخطار، وينأى عن الأوطان، ويفارقُ الأهلَ والأولادَ والإخوان، كلُّ ذلك محبةً لله تعالى وشوقاً إليه، وطاعةً له وتقرباً إليه، ولذلك يتكرم الله تعالى على عباده، فيجازيهم على هذا الإحسان بالإحسان، مما صحَّت به الأخبار، وفصَّلته الآثار: (العمرةُ إلى العمرةِ كفارةٌ لما بينهما، والحجُ المبرور.. ليس له جزاءٌ إلا الجنة) متفق عليه. وفي الصحيحين أيضاً عن رسول الله r قال: (من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق.. رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
وروى أحمد في مسنده أن النبي r قال: (تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقرَ والذنوبَ كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديدِ والذهبِ والفضة، والحجُ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسول الله، نرى الجهادَ أفضلَ العمل، أفلا نجاهد؟! فقال: ((لَكِنَّ أفضلَ الجهادِ حجٌّ مبرور)) رواه البخاري.
والحجُّ المبرور هو الذي أخلصَ صاحبُه النيةَ فيه لله تعالى، وأدَّى مناسكَه على هدي رسول الله r، واجتنبَ الرَّفَثَ والفسوقَ والجدالَ وأذيَّةَ المسلمين، وحفظ لسانَه من اللغوِ والباطل، وكانت نفقتُه حلالاً، وأنفقَ في الخير بقدر ما يوفِّقه الله، فإذا جمَع الحجُّ هذه الصفاتِ.. كان مبرورًا مبرورًا.
عباد الله.. وحتى يكون الحجُ مقبولاً.. لا بد من شرطين مهمين:
أولهما: إخلاصُ القصدِ والنيةِ لله، والآخرُ: اتباعُ سنةِ رسول الله r.
ولذا صحَّ عنه r أنه حج في السنة العاشرة من الهجرة وقال: ((يا أيها الناس خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)). ومن ذلك الوقت حرص الأخيارُ من أمة محمد r على أن يقتفوا أثره في حجهم، ويتبعوا سنته في نسكهم, حتى يكون الحج مقبولاً عند الله تعالى.
أيها الناس: وصل النبي r مكةَ في الرابع من ذي الحجة، وكان قارناً، وكان بعضُ أصحابه مفرداً، وبعضُهم متمتعاً, كما صحَّ عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: ((فمنا من أهلَّ بالحج، ومنا من أهلَّ بالعمرة، ومنا من قرن الحجَ بالعمرة)), وطاف r بالبيت طوافَ القدوم، وسعى بعده سعيَ الحج، وبقي بإحرامه إلى أن جاء يوم التروية، وهو (يومكم هذا) الثامنُ من شهر ذي الحجة، فلما كان ضحى هذا اليوم أحرمَ من كان قد أهلَّ من أصحابه متمتعين، وأتى النبيُ r منىً فصلى بها الظهرَ والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كلَّ صلاةٍ في وقتها, وقَصَرَ الصلاةَ الرباعية, من غير جمع، فلما صلى الصبحَ من اليوم التاسع وطلعت الشمس.. توجه r إلى عرفة, وضُربت له قبةٌ بنمرة، فبقي فيها إلى أن زالت الشمس, ثم نزل وادي عُرنه، فصلى بالناس الظهرَ ركعتين، والعصر ركعتين، في وقت الظهر، بأذان واحدٍ وإقامتين، وكان اليومُ يومُ جمعة فلم يصلها جمعة، بل صلاها ظهراً, وخطب قبل الصلاةِ في الناسِ خطبةً عظيمةً قرر فيها التوحيدَ ونبَذَ الشركَ وأمورَ الجاهليةَ، وبيّن استواءَ الناس في ميزان الله، وعدمَ تفاضلهم إلا بالتقوى.
ولما فرغ من الخطبة دخل عرفةَ فوقف عند الصخرات، أسفلَ جبلِ عرفة، وجعل الجبلَ بينه وبين القبلة وقال: (وقفت هاهنا وعرفةُ كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنه). ووقف r رافعاً يديه، يدعو ويلبي ويكثر من التهليل، فعلى الحاج أن يقضي يومَ عرفةَ ذاكراً داعياً ملبياً، سائلاً بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، فهو يوم عظيم مبارك, والدعاءُ فيه خيرُ الدعاء، صح عنه r أنه قال: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) رواه الترمذي.
فالله الله في الدعاءِ والضراعة، والخشوعِ والخضوعِ والإنابة، فربكم ذو رحماتٍ واسعة، ومغفرةٍ وفضلٍ وكرم، لا تعجزه الذنوب أن يغفرها، ولا الحاجات أن يقضيها.
لو سأله أهلُ سمواته وأراضيه، وأنسُهم وجنهم، وحيهم وميتهم، وأعطى كلَّ واحدٍ منهم مسألته، ما نقص ذلك من ملكه شيئا.
فسبحان من وثقتْ بعفوه هفواتُ المذنبين فوسعها، وطَمِعتْ بكرمه آمالُ المحسنين فما قطع طمعها، وخرقتْ السبعَ الطباقَ دعواتُ التائبين فسمعها.
سبحان من يجودُ على عبادِه بالنوالِ قبل السؤال، ويغفرُ لمن تابَ إليه، ولو بلغتْ ذنوبُه عددَ الأمواج والحصىِ والترابِ والرمال.
سبحان من عمَّ العبادَ فضلُه ونعماؤه، و وسع البريةَ جودُه وعطاؤه.
سبحان من رفع السماءَ بلا عمد، وأرسى الأرض على ماءٍ جمد، وقسم الأرزاقَ على عباده وخلقه بلا معينٍ ولا سند.
أيها المسلم.. أيها الحاج المبارك.. إن يومَ عرفةَ.. يومٌ عظيم مبارك، صح عن النبي r أنه قال: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ) أخرجه مسلم.. وقال r : (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا) أخرجه أحمد.
وقال r لرجلٍ من ثقيف: (وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثلُ رملِ عالج، أو مثلُ أيام الدنيا، أو مثلُ قطرِ السماء ذنوباً.. غسلها الله عنك) رواه البزار والطبراني وابن حبان في صحيحه، وحسنه الألباني
فلله ذاك الموقف الأعظم الذي *** كموقف يوم العرض بل ذاك أعظمُ
ويدنو بـه الجبار جلَّ جلاله *** يُباهي بهـم أملاكه فهو أكـرمُ
يقولُ عبادي قـد أتوني محبةً *** وإنـي بهم بـرُّ أجـود وأُكرمُ
فأشهدُكم أني غفرتُ ذنوبهم *** وأعطيتهم مـا أمَّـلوه وأنعـمُ
فبُشراكُم يا أهل ذا الموقف الذي *** به يغفرُ الله الذنـوبَ ويرحـمُ
فكم من عتيق فيـه كُمَّل عِتقُه *** وآخرُ يستسعـي وربُّـكَ أكــرمُ
أيها الناس: من لم يكن حاجاً.. فالسنة في حقه أن يصوم يوم عرفة.. لما له من أجر وفضل كبير.
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ) رواه مسلم.
أما الحاج فلا ينبغي له الصوم بل الفطر في حقه آكد، ليتقوى على الدعاء والذكر في ذلك اليوم العظيم. ولا يزال الحاج في الدعاء والتضرع.. ينادي ويناجي.. ويبتهل ويدعو في ذلك الموقف العظيم حتى تغرب الشمس، فإذا غربت أفاض من عرفات إلى المزدلفة, وعليه السكينة لما قد صح عنه r أنه قال: ((السكينة, السكينة)), ولما صح عنه r أنه كان يمشي العَنَقَ، فإذا وجد فُرجةً نَصَ, أي إذا وجد خلوة أسرع.
ولما وصل النبي r المزدلفة، كان أولَ شيء بدأ به الصلاة, فأذَّن بلال وأقام، وصلى النبي r بهم المغرب, ثم أقام فصلى بهم العشاء، قصراً وجمع بينهما, ثم نام حتى الفجر، ثم صلى بهم الفجر في أول وقته بأذان وإقامة، ثم أتى المشعر الحرام، فوقف هناك واستقبل القبلة وكبَّر الله وحمده وهلله ووحّده ودعاه, ولم يزل كذلك حتى أسفر جداً, وقال: ((وقفت هاهنا، وجَمْعٌ كلها موقف)), وجمعٌ هي المزدلفة.
ثم انطلق إلى منى قبل طلوع الشمس وعليه السكينة وهو يلبي, فلما أتى بطن محسِّر أسرع السيرَ، حتى أتى جمرةَ العقبة، وهي آخرُ الجمرات وأقربُهن إلى مكة, فاستقبل الجمرة، وجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، ورماها بسبع جمرات, يكبر مع كل حصاة، وقطع التلبية مع بدء الرمي.
ووقت الرمي من طلوع الشمس إلى غروبها، وللعجزة والضعفة من منتصف ليلة النحر، فإذا انتهي من رمي جمرة العقبة حل للحاج كل شيء حرم عليه إلا النساء. ثم نحر النبي r هديه، ثم حلق شعر رأسه.
وهذه أعمال يوم النحر الأربعة.. بدأها النبي r بالرمي، ثم النحر، ثم الحلق, ثم الطواف, ولو قَدَّم الحاجُ شيئاً من أعمال يوم النحر الأربعة على شيء فلا حرج, لما قد صح عنه r: ((أنه ما سئل يوم النحر عن شيء قُدِّم ولا أُخِّرَ إلاَّ قال: افعل ولا حرج)).
ثم نزل النبي r إلى مكة وطاف طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة، وهو من أركان الحج, وسعى من كان متمتعاً من أصحابه, أما القارن والمفرد فلا سعي عليهما.. إن كانا قد سعيا بعد طواف القدوم، وإلا سعيا, وبهذا الطواف يحل للحاج كل شيء حرم عليه حتى النساء.
ثم رجع r إلى منى، فمكث بها أيام التشريق يبيت بها، ويرمي الجمرات الثلاث، ووقت الرمي أيام التشريق: من بعد زوال الشمس إلى غروبها، ولو رمى ليلاً جاز له ذلك. ويستمر الوقت إلى طلوع الفجر من اليوم التالي. وينتهي وقت الرمي بغروب شمس يوم الثالث عشر.
والرمي أيام التشريق يبدأ فيه برمي الجمرة الصغرى، ثم يتقدم قليلاً عن يمينه, فيقوم قياماً طويلاً مستقبلاً القبلة يدعو ويرفع يديه, ثم يأتي الجمرةَ الوسطى فيرميها, ثم يتقدم ذات الشمال فيقوم قياماً طويلاً مستقبلاً القبلة يدعو ويرفع يديه, ثم يأتي الجمرةَ الثالثة وهي جمرةُ العقبة فيرميها, ولا يقف عندها ولا يدعو, هكذا يفعل أيام التشريق.
فإذا فرغ من الرمي يوم الثاني عشر.. جاز له التعجل والخروج من منى، لكن يكون خروجه قبل غروب الشمس، وإلا لزمه المبيتُ ليلةَ الثالث عشر، وإن تأخر لليوم الثالث عشر فهو الأفضل. ويبقى عليه طوافُ الوداع إن كان من غير أهل مكة, أما أهل مكة فلا وداع عليهم.
عباد الله: ويستحبُّ للحاجِّ الإكثارُ من أفعال الخير، وكثرةُ التلبية والتكبير. ويُكثرُ من تلاوة القرآن، ويتضرَّعُ بالدعاء ولا سيما يومُ عرفة، فيدعو لنفسه وللمسلمين، يدعو للمسلمين خاصَّتِهم وعامَّتهم وولاتهم وعلمائهم، ويحفظُ لسانَه من الغيبة والباطل، فقد كان بعضُ السلف إذا أحرَم كأنه حيَّة صمَّاء، لا يتكلم إلا بخير، ولا يخوض فيما لا يعنيه. ويبتعدُ عن المشاجرات والخصومات والمجادلات.
وعلى الحاج أن يتعلَّمَ ما يصح به حجه، ويسألَ عن أحكامِ الحجِ العلماءَ وطلبةَ العلم، يسألُ ويتعلمُ قبل أن يحج، وأثناء الحج، وبعد الحج، يسألُ عما أشكل عليه من أمور المناسك حتى لا يقع في محظور يفسد حجه أو ينقص ثوابه، والله عز وجل يقول: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله...
وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ, وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكلَّ محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار.
عباد الله.. توسلوا إلى ربكم بصالح العمل، واحذروا التسويف والتأجيل قبل أوان الرحيل. فالعقبةُ كؤود، والموقفُ رهيب، والفرصُ تفوت، وأجلُ الإنسانِ موقوت، واحذروا الشيطان (إن الشيطان كان للإنسان عدوًا مبينًا), (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا).
اللهم اجعلنا إلى مرضاتك مسارعين، وإلى الصالحات مبادرين، وجنبنا سبل الشياطين، وتولنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله.. ها هي قوافلُ الحجيج ما زالت تفد إلى البيت العتيق، تسعى إليه وتحفد من كلِّ فجٍّ عميق، قد سال بجموعها البرُ والبحرُ، حتى ضاقت بهم فِجاجُ مكَّةَ، وامتلأتْ بهم جنباتُها.
أتتْ تلك الأفواجُ المتقاطرة.. يحدوها الشوقُ والحنين، إلى البلد الأمين، حيث الكعبةُ الغراء، وزمزمُ والمقامُ والحطيم. لهم جؤارٌ بالتلبية يشق الفضاء، (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك)، فتسكُبُ العينُ ماءها، ويفيض القلبُ لوعة واشتياقاً.
قوافلُ متزاحمة، تتقاطرُ من آفاقٍ شتَّى، بأجناسٍ متنوعة، وألسنةٍ مختلفةٍ، تستقصِرُ بُعدَ الشُّقَّةِ، وتستروحُ ما تلاقي في سبيل ذلك من مشقَّة... ويشاء الله بحكمته البالغة.. أن يكون الحجُ إلى وادٍ غيرِ ذي زرعٍ، حتى يكونَ القصدُ خالصاً.. للبيت العتيق.
أيها المسلمون: الحجُ عبادةٌ جليلة، وفريضةٌ عظيمة، فرضه الله على عباده فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا) رواه مسلم.
هذه العبادة الجليلة.. تشمل أنواعا من التقرب إلى الله تعالى في غايةٍ من الذُّلِ والخضوع والمحبة له سبحانه، في أوقاتٍ ومناسكَ معظّمة، ومواطنَ محترمة، يبذلُ المسلمُ من أجل شهودها النفسَ والنفيس، ويتجشّمُ الأسفار، ويتعرضُ للأخطار، وينأى عن الأوطان، ويفارقُ الأهلَ والأولادَ والإخوان، كلُّ ذلك محبةً لله تعالى وشوقاً إليه، وطاعةً له وتقرباً إليه، ولذلك يتكرم الله تعالى على عباده، فيجازيهم على هذا الإحسان بالإحسان، مما صحَّت به الأخبار، وفصَّلته الآثار: (العمرةُ إلى العمرةِ كفارةٌ لما بينهما، والحجُ المبرور.. ليس له جزاءٌ إلا الجنة) متفق عليه. وفي الصحيحين أيضاً عن رسول الله r قال: (من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق.. رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
وروى أحمد في مسنده أن النبي r قال: (تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقرَ والذنوبَ كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديدِ والذهبِ والفضة، والحجُ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسول الله، نرى الجهادَ أفضلَ العمل، أفلا نجاهد؟! فقال: ((لَكِنَّ أفضلَ الجهادِ حجٌّ مبرور)) رواه البخاري.
والحجُّ المبرور هو الذي أخلصَ صاحبُه النيةَ فيه لله تعالى، وأدَّى مناسكَه على هدي رسول الله r، واجتنبَ الرَّفَثَ والفسوقَ والجدالَ وأذيَّةَ المسلمين، وحفظ لسانَه من اللغوِ والباطل، وكانت نفقتُه حلالاً، وأنفقَ في الخير بقدر ما يوفِّقه الله، فإذا جمَع الحجُّ هذه الصفاتِ.. كان مبرورًا مبرورًا.
عباد الله.. وحتى يكون الحجُ مقبولاً.. لا بد من شرطين مهمين:
أولهما: إخلاصُ القصدِ والنيةِ لله، والآخرُ: اتباعُ سنةِ رسول الله r.
ولذا صحَّ عنه r أنه حج في السنة العاشرة من الهجرة وقال: ((يا أيها الناس خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)). ومن ذلك الوقت حرص الأخيارُ من أمة محمد r على أن يقتفوا أثره في حجهم، ويتبعوا سنته في نسكهم, حتى يكون الحج مقبولاً عند الله تعالى.
أيها الناس: وصل النبي r مكةَ في الرابع من ذي الحجة، وكان قارناً، وكان بعضُ أصحابه مفرداً، وبعضُهم متمتعاً, كما صحَّ عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: ((فمنا من أهلَّ بالحج، ومنا من أهلَّ بالعمرة، ومنا من قرن الحجَ بالعمرة)), وطاف r بالبيت طوافَ القدوم، وسعى بعده سعيَ الحج، وبقي بإحرامه إلى أن جاء يوم التروية، وهو (يومكم هذا) الثامنُ من شهر ذي الحجة، فلما كان ضحى هذا اليوم أحرمَ من كان قد أهلَّ من أصحابه متمتعين، وأتى النبيُ r منىً فصلى بها الظهرَ والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كلَّ صلاةٍ في وقتها, وقَصَرَ الصلاةَ الرباعية, من غير جمع، فلما صلى الصبحَ من اليوم التاسع وطلعت الشمس.. توجه r إلى عرفة, وضُربت له قبةٌ بنمرة، فبقي فيها إلى أن زالت الشمس, ثم نزل وادي عُرنه، فصلى بالناس الظهرَ ركعتين، والعصر ركعتين، في وقت الظهر، بأذان واحدٍ وإقامتين، وكان اليومُ يومُ جمعة فلم يصلها جمعة، بل صلاها ظهراً, وخطب قبل الصلاةِ في الناسِ خطبةً عظيمةً قرر فيها التوحيدَ ونبَذَ الشركَ وأمورَ الجاهليةَ، وبيّن استواءَ الناس في ميزان الله، وعدمَ تفاضلهم إلا بالتقوى.
ولما فرغ من الخطبة دخل عرفةَ فوقف عند الصخرات، أسفلَ جبلِ عرفة، وجعل الجبلَ بينه وبين القبلة وقال: (وقفت هاهنا وعرفةُ كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنه). ووقف r رافعاً يديه، يدعو ويلبي ويكثر من التهليل، فعلى الحاج أن يقضي يومَ عرفةَ ذاكراً داعياً ملبياً، سائلاً بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، فهو يوم عظيم مبارك, والدعاءُ فيه خيرُ الدعاء، صح عنه r أنه قال: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) رواه الترمذي.
فالله الله في الدعاءِ والضراعة، والخشوعِ والخضوعِ والإنابة، فربكم ذو رحماتٍ واسعة، ومغفرةٍ وفضلٍ وكرم، لا تعجزه الذنوب أن يغفرها، ولا الحاجات أن يقضيها.
لو سأله أهلُ سمواته وأراضيه، وأنسُهم وجنهم، وحيهم وميتهم، وأعطى كلَّ واحدٍ منهم مسألته، ما نقص ذلك من ملكه شيئا.
فسبحان من وثقتْ بعفوه هفواتُ المذنبين فوسعها، وطَمِعتْ بكرمه آمالُ المحسنين فما قطع طمعها، وخرقتْ السبعَ الطباقَ دعواتُ التائبين فسمعها.
سبحان من يجودُ على عبادِه بالنوالِ قبل السؤال، ويغفرُ لمن تابَ إليه، ولو بلغتْ ذنوبُه عددَ الأمواج والحصىِ والترابِ والرمال.
سبحان من عمَّ العبادَ فضلُه ونعماؤه، و وسع البريةَ جودُه وعطاؤه.
سبحان من رفع السماءَ بلا عمد، وأرسى الأرض على ماءٍ جمد، وقسم الأرزاقَ على عباده وخلقه بلا معينٍ ولا سند.
أيها المسلم.. أيها الحاج المبارك.. إن يومَ عرفةَ.. يومٌ عظيم مبارك، صح عن النبي r أنه قال: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ) أخرجه مسلم.. وقال r : (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا) أخرجه أحمد.
وقال r لرجلٍ من ثقيف: (وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثلُ رملِ عالج، أو مثلُ أيام الدنيا، أو مثلُ قطرِ السماء ذنوباً.. غسلها الله عنك) رواه البزار والطبراني وابن حبان في صحيحه، وحسنه الألباني
فلله ذاك الموقف الأعظم الذي *** كموقف يوم العرض بل ذاك أعظمُ
ويدنو بـه الجبار جلَّ جلاله *** يُباهي بهـم أملاكه فهو أكـرمُ
يقولُ عبادي قـد أتوني محبةً *** وإنـي بهم بـرُّ أجـود وأُكرمُ
فأشهدُكم أني غفرتُ ذنوبهم *** وأعطيتهم مـا أمَّـلوه وأنعـمُ
فبُشراكُم يا أهل ذا الموقف الذي *** به يغفرُ الله الذنـوبَ ويرحـمُ
فكم من عتيق فيـه كُمَّل عِتقُه *** وآخرُ يستسعـي وربُّـكَ أكــرمُ
أيها الناس: من لم يكن حاجاً.. فالسنة في حقه أن يصوم يوم عرفة.. لما له من أجر وفضل كبير.
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ) رواه مسلم.
أما الحاج فلا ينبغي له الصوم بل الفطر في حقه آكد، ليتقوى على الدعاء والذكر في ذلك اليوم العظيم. ولا يزال الحاج في الدعاء والتضرع.. ينادي ويناجي.. ويبتهل ويدعو في ذلك الموقف العظيم حتى تغرب الشمس، فإذا غربت أفاض من عرفات إلى المزدلفة, وعليه السكينة لما قد صح عنه r أنه قال: ((السكينة, السكينة)), ولما صح عنه r أنه كان يمشي العَنَقَ، فإذا وجد فُرجةً نَصَ, أي إذا وجد خلوة أسرع.
ولما وصل النبي r المزدلفة، كان أولَ شيء بدأ به الصلاة, فأذَّن بلال وأقام، وصلى النبي r بهم المغرب, ثم أقام فصلى بهم العشاء، قصراً وجمع بينهما, ثم نام حتى الفجر، ثم صلى بهم الفجر في أول وقته بأذان وإقامة، ثم أتى المشعر الحرام، فوقف هناك واستقبل القبلة وكبَّر الله وحمده وهلله ووحّده ودعاه, ولم يزل كذلك حتى أسفر جداً, وقال: ((وقفت هاهنا، وجَمْعٌ كلها موقف)), وجمعٌ هي المزدلفة.
ثم انطلق إلى منى قبل طلوع الشمس وعليه السكينة وهو يلبي, فلما أتى بطن محسِّر أسرع السيرَ، حتى أتى جمرةَ العقبة، وهي آخرُ الجمرات وأقربُهن إلى مكة, فاستقبل الجمرة، وجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، ورماها بسبع جمرات, يكبر مع كل حصاة، وقطع التلبية مع بدء الرمي.
ووقت الرمي من طلوع الشمس إلى غروبها، وللعجزة والضعفة من منتصف ليلة النحر، فإذا انتهي من رمي جمرة العقبة حل للحاج كل شيء حرم عليه إلا النساء. ثم نحر النبي r هديه، ثم حلق شعر رأسه.
وهذه أعمال يوم النحر الأربعة.. بدأها النبي r بالرمي، ثم النحر، ثم الحلق, ثم الطواف, ولو قَدَّم الحاجُ شيئاً من أعمال يوم النحر الأربعة على شيء فلا حرج, لما قد صح عنه r: ((أنه ما سئل يوم النحر عن شيء قُدِّم ولا أُخِّرَ إلاَّ قال: افعل ولا حرج)).
ثم نزل النبي r إلى مكة وطاف طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة، وهو من أركان الحج, وسعى من كان متمتعاً من أصحابه, أما القارن والمفرد فلا سعي عليهما.. إن كانا قد سعيا بعد طواف القدوم، وإلا سعيا, وبهذا الطواف يحل للحاج كل شيء حرم عليه حتى النساء.
ثم رجع r إلى منى، فمكث بها أيام التشريق يبيت بها، ويرمي الجمرات الثلاث، ووقت الرمي أيام التشريق: من بعد زوال الشمس إلى غروبها، ولو رمى ليلاً جاز له ذلك. ويستمر الوقت إلى طلوع الفجر من اليوم التالي. وينتهي وقت الرمي بغروب شمس يوم الثالث عشر.
والرمي أيام التشريق يبدأ فيه برمي الجمرة الصغرى، ثم يتقدم قليلاً عن يمينه, فيقوم قياماً طويلاً مستقبلاً القبلة يدعو ويرفع يديه, ثم يأتي الجمرةَ الوسطى فيرميها, ثم يتقدم ذات الشمال فيقوم قياماً طويلاً مستقبلاً القبلة يدعو ويرفع يديه, ثم يأتي الجمرةَ الثالثة وهي جمرةُ العقبة فيرميها, ولا يقف عندها ولا يدعو, هكذا يفعل أيام التشريق.
فإذا فرغ من الرمي يوم الثاني عشر.. جاز له التعجل والخروج من منى، لكن يكون خروجه قبل غروب الشمس، وإلا لزمه المبيتُ ليلةَ الثالث عشر، وإن تأخر لليوم الثالث عشر فهو الأفضل. ويبقى عليه طوافُ الوداع إن كان من غير أهل مكة, أما أهل مكة فلا وداع عليهم.
عباد الله: ويستحبُّ للحاجِّ الإكثارُ من أفعال الخير، وكثرةُ التلبية والتكبير. ويُكثرُ من تلاوة القرآن، ويتضرَّعُ بالدعاء ولا سيما يومُ عرفة، فيدعو لنفسه وللمسلمين، يدعو للمسلمين خاصَّتِهم وعامَّتهم وولاتهم وعلمائهم، ويحفظُ لسانَه من الغيبة والباطل، فقد كان بعضُ السلف إذا أحرَم كأنه حيَّة صمَّاء، لا يتكلم إلا بخير، ولا يخوض فيما لا يعنيه. ويبتعدُ عن المشاجرات والخصومات والمجادلات.
وعلى الحاج أن يتعلَّمَ ما يصح به حجه، ويسألَ عن أحكامِ الحجِ العلماءَ وطلبةَ العلم، يسألُ ويتعلمُ قبل أن يحج، وأثناء الحج، وبعد الحج، يسألُ عما أشكل عليه من أمور المناسك حتى لا يقع في محظور يفسد حجه أو ينقص ثوابه، والله عز وجل يقول: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله...
الخطبة الثانية...
الحمد لله حمداً حمداً.. والشكر له سبحانه وتعالى شكراً شكراً.
أما بعد... أيها المسلمون..
من الشعائر الإسلامية العظيمة ذبحُ الأضاحي.
وهي ما يذبح من بهيمة الأنعام تقرباً إلى الله عز وجل.
قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. والنسك الذبح.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك t قال: «ضحى النبي r بكبشين أملحين ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما».
وعن عبدالله بن عمر t قال: «أقام النبي r بالمدينة عشر سنين يضحي». رواه أحمد والترمذي، وقال حديث حسن.
فقد ضحى النبي r وضحى أصحابه رضي الله عنهم، وأخبر أن الأضحيةَ سنةُ المسلمين يعني طريقتهم، ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها، وذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة. وهي مشروعة في حق الأحياء، أما الأموات فيضحى عنهم تبعاً للأحياء، أو تنفيذاً لوصاياهم إذا أوصوا بذلك.
أيها المسلمون.. يشترط للأضحية عدة شروط:
أحدها: أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل، والبقر، والغنم.
الشرط الثاني: أن تبلغ السنَ المحدد شرعاً، بأن تكون جذعةً من الضأن، أو ثنيةً من غيره. والثنيُ من الإبل: ما تم له خمسُ سنين، والثنيُ من البقر: ما تم له سنتان. والثنيُ من الماعز ما تم له سنة، والجذعُ من الضأن: ما تم له نصف سنة.
الشرط الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء.
والعيوب أربعة: العور البين، والمرض البين، والعرج البين، والهزال المزيل للمخ.. لقول النبي r حين سئل: ماذا يُتقى من الضحايا؟ فأشار بيده وقال: (أَرْبَعًا: الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي». رواه مالك في الموطأ.
ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد عيباً منها كالعمياء أو مقطوعة احدى الأرجل، أو
الشرط الرابع للأضحية: أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها، فلا تصح التضحية بالمغصوب والمسروق ونحوه؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته.
الشرط الخامس: أن يضحى بها في الوقت المحدود شرعاً، وهو من بعد صلاة العيد (من بعد صلاة العيد) يوم النحر، إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يومُ العيد بعد الصلاة، وثلاثةُ أيامٍ بعده، فمن ذبح قبل صلاة العيد لم تصح أضحيته، لما روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ r: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ). ومن ذبح بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر فليست بأضحية لخروج وقتها.
ويشرع للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي ويتصدق، لقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ{.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وتقربوا إلى الله بالأضاحي، وطيبوا بها نفساً، وأدوا شعائركم وفق سنة نبيكم، وأطيعوا من ولَّاه الله أمركم، والزموا تعليمات الحج وأنظمتَه، كونوا مثالاً للمؤمن المستقيم على طاعةِ ربه، العاملِ بدينه وشرعه، وتحلوا بالرفقِ والسكينةِ وحسنِ الخلق، واجتنبوا الرَّفَثَ والفسوقَ والجدالَ في الحج. (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وصلوا وسلموا على الهادي البشير، والسراج المنير كما أمركم بذلك ربكم فقال: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) وقال r: (من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً)... اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
وارض عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وارض عنا معهم بعفوك وجودك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين.
اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم يسِّر للحجاج حجهم، اللهم تقبله منهم، اللهم اجعله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنبا مغفوراً. يا أرحم الراحمين.
اللهم سلِّم الحجاجَ والمعتمرين في برك وبحرك وجوك. يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى. اللهم خذ بنواصيهم للبر والتقوى. اللهم هيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في فلسطين. وسوريا. واليمن.
اللهم ارفع عنهم الضرَ والبلاء. فلا ناصر لهم إلا أنت، ولا معين لهم إلا أنت. أنت القويُ القاهر، وأنت العزيزُ الناصر، وأنت على كل شيء قدير.
اللهم إن عبادك في يوم التروية قد لبسوا إحرامهم ملبين، وفي سوريا يلبس شبابها الأكفان مكبرين، فاللهم اجعل الدعاء والتكبير مؤذِنَين بالنصر.
اللهم عليك بطاغية الشام وأعوانه.. اللهم دمَّر ملكه، وزلزل عرشه، وهد أركانه. وأخرس لسانه.. اللهم سلط عليه جنداً من جندك يا قوي يا عزيز.
اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، و نعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وعملنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم إنا نسألك صحةً في إيمان، وإيماناً في حسن خلق، ونجاحاً يتبعه فلاح، ورحمةً منك وعافيةً، ومغفرةً منك ورضواناً.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
اللهم يا مقيل العثرات، يا رفيع الدرجات، يا مبتدئاً بالنعم قبل استحقاقها، يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريرة، ولا يهتك الستر، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة... اغفر لنا ولوالدينا. وللمسلمين أجمعين. واجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً، واغفر لنا وارحمنا وتب علينا. أنت أهل التقوى وأهل المغفرة.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار..
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا..
ربنا ولا تَحْمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا..
ربنا ولا تحمِّلنا ما لا طاقة لنا به... واعف عنا واغفر لنا وارحمنا..
أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله حمداً حمداً.. والشكر له سبحانه وتعالى شكراً شكراً.
أما بعد... أيها المسلمون..
من الشعائر الإسلامية العظيمة ذبحُ الأضاحي.
وهي ما يذبح من بهيمة الأنعام تقرباً إلى الله عز وجل.
قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. والنسك الذبح.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك t قال: «ضحى النبي r بكبشين أملحين ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما».
وعن عبدالله بن عمر t قال: «أقام النبي r بالمدينة عشر سنين يضحي». رواه أحمد والترمذي، وقال حديث حسن.
فقد ضحى النبي r وضحى أصحابه رضي الله عنهم، وأخبر أن الأضحيةَ سنةُ المسلمين يعني طريقتهم، ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها، وذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة. وهي مشروعة في حق الأحياء، أما الأموات فيضحى عنهم تبعاً للأحياء، أو تنفيذاً لوصاياهم إذا أوصوا بذلك.
أيها المسلمون.. يشترط للأضحية عدة شروط:
أحدها: أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل، والبقر، والغنم.
الشرط الثاني: أن تبلغ السنَ المحدد شرعاً، بأن تكون جذعةً من الضأن، أو ثنيةً من غيره. والثنيُ من الإبل: ما تم له خمسُ سنين، والثنيُ من البقر: ما تم له سنتان. والثنيُ من الماعز ما تم له سنة، والجذعُ من الضأن: ما تم له نصف سنة.
الشرط الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء.
والعيوب أربعة: العور البين، والمرض البين، والعرج البين، والهزال المزيل للمخ.. لقول النبي r حين سئل: ماذا يُتقى من الضحايا؟ فأشار بيده وقال: (أَرْبَعًا: الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي». رواه مالك في الموطأ.
ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد عيباً منها كالعمياء أو مقطوعة احدى الأرجل، أو
الشرط الرابع للأضحية: أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها، فلا تصح التضحية بالمغصوب والمسروق ونحوه؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته.
الشرط الخامس: أن يضحى بها في الوقت المحدود شرعاً، وهو من بعد صلاة العيد (من بعد صلاة العيد) يوم النحر، إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يومُ العيد بعد الصلاة، وثلاثةُ أيامٍ بعده، فمن ذبح قبل صلاة العيد لم تصح أضحيته، لما روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ r: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ). ومن ذبح بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر فليست بأضحية لخروج وقتها.
ويشرع للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي ويتصدق، لقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ{.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وتقربوا إلى الله بالأضاحي، وطيبوا بها نفساً، وأدوا شعائركم وفق سنة نبيكم، وأطيعوا من ولَّاه الله أمركم، والزموا تعليمات الحج وأنظمتَه، كونوا مثالاً للمؤمن المستقيم على طاعةِ ربه، العاملِ بدينه وشرعه، وتحلوا بالرفقِ والسكينةِ وحسنِ الخلق، واجتنبوا الرَّفَثَ والفسوقَ والجدالَ في الحج. (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وصلوا وسلموا على الهادي البشير، والسراج المنير كما أمركم بذلك ربكم فقال: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) وقال r: (من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً)... اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
وارض عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وارض عنا معهم بعفوك وجودك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين.
اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم يسِّر للحجاج حجهم، اللهم تقبله منهم، اللهم اجعله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنبا مغفوراً. يا أرحم الراحمين.
اللهم سلِّم الحجاجَ والمعتمرين في برك وبحرك وجوك. يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى. اللهم خذ بنواصيهم للبر والتقوى. اللهم هيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في فلسطين. وسوريا. واليمن.
اللهم ارفع عنهم الضرَ والبلاء. فلا ناصر لهم إلا أنت، ولا معين لهم إلا أنت. أنت القويُ القاهر، وأنت العزيزُ الناصر، وأنت على كل شيء قدير.
اللهم إن عبادك في يوم التروية قد لبسوا إحرامهم ملبين، وفي سوريا يلبس شبابها الأكفان مكبرين، فاللهم اجعل الدعاء والتكبير مؤذِنَين بالنصر.
اللهم عليك بطاغية الشام وأعوانه.. اللهم دمَّر ملكه، وزلزل عرشه، وهد أركانه. وأخرس لسانه.. اللهم سلط عليه جنداً من جندك يا قوي يا عزيز.
اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، و نعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وعملنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم إنا نسألك صحةً في إيمان، وإيماناً في حسن خلق، ونجاحاً يتبعه فلاح، ورحمةً منك وعافيةً، ومغفرةً منك ورضواناً.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
اللهم يا مقيل العثرات، يا رفيع الدرجات، يا مبتدئاً بالنعم قبل استحقاقها، يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريرة، ولا يهتك الستر، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة... اغفر لنا ولوالدينا. وللمسلمين أجمعين. واجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً، واغفر لنا وارحمنا وتب علينا. أنت أهل التقوى وأهل المغفرة.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار..
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا..
ربنا ولا تَحْمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا..
ربنا ولا تحمِّلنا ما لا طاقة لنا به... واعف عنا واغفر لنا وارحمنا..
أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.