صغير عندي كبير عند ربي ( الجمعة1442/5/17هـ )

يوسف العوض
1442/05/13 - 2020/12/28 11:41AM

الخطبة الأولى:

أَيُّها الْمُؤْمِنُون :  فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ، نَعيشُ بِدَايَةَ فَصْلِ الشِّتَاءِ ، حَيْثُ التَّغَيُّرُ الْوَاضِحُ فِي دَرَجَاتِ الْحَرَارَة ، فَقَد كُنَّا قَبْلُ نعاني مِنْ شِدَّةِ حَرَارَة الجَوِّ ، ونبحثُ عَن الْبُرُودَةِ مُستخدمينَ وَسَائِلَ التَّبريدِ وَهَا نَحْنُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ نعاني مِن بُرُودَة الجَوِّ ، فَسُبْحَانَ مَنْ غَيَّرَ الْحَرَارَةَ إلَى بُرُودَةٍ ، وَالصَّيْفَ إلَى شِتَاءٍ وَمن شُكرِ النِّعَمِ استشعارُ الفَضلِ وادِّكارُ المِنَنِّ مِن رَبِّنا ومِنها أعْمَالٌ صَغِيرَةٌ فِي أَعْيُنِنَا كَبيرةٌ عِنْدَ ربِّنا وَاَلَّتِي رُبَّما لَا نَستشعرُ فَضْلَهَا وَلَا نَعيشُ قَدْرَهَا وَلَا نَستثمرُ أجرَهَا ومنها مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ ) قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَال : ( إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَة الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ ) رَوَاه مسلم) ..

أَيُّها الْمُؤْمِنُون :  فَالنَّبِيَّ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ـ عَرَضَ عَلَى أَصْحَابِهِ عَرْضَاً ، يَعْلَمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا سَيَقُولُون فِي جَوَابِهِ ، وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ حُسْنِ تَعْلِيمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، أَنَّه أحياناً يَعْرِضُ الْمَسَائِلَ عَرضاً حَتَّى يَنْتَبِهَ الْإِنْسَانُ لِذَلِك ، وَيَعْرِفَ مَاذَا سَيُلْقَى إلَيْه ، قَال : ( أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ ) يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ أي يُخْبِرُهُم ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُم سَيَقُولُون : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبرنَا ، وَلَكِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اتَّخَذَ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَهَذَاُ الْأُسْلُوبَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ يَنْتَبِهُوا إلَى مَا سَيُلْقَى إلَيْهِم ، قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَعْنِي أَخْبَرَنَا فَإِنَّنَا نَوْدُ أَنْ تُخْبِرَنَا بِمَا تُرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتُ وتُمحا بِهِ الْخَطَايَا ، قَال : (إسباغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ) هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: :

أولاً : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، يَعْنِي إتْمَامَ الْوُضُوءِ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الشِّتَاءِ يَكُونَ الْمَاءُ فِيهَا بارداً وَإِتْمَامُ الْوُضُوءِ يَعْنِي إِسْبَاغَه ، فَيَكُونُ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ ، فَإِذَا أَسْبَغَ الْإِنْسَانُ وُضُوءَهُ مَعَ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ ، دَلَّ هَذَا عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ ، فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِذَلِكَ دَرَجَاتِ الْعَبْدِ وَيَحُطُّ عَنْهُ خَطِيئَتَه .

ثانياً : كَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، يَعْنِي أَنَّ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ الْمَسَاجِدَ ، حَيْثُ شُرعَ لَهُ إتيانُهن ، وَذَلِكَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، وَلَوْ بَعُدَ الْمَسْجِدُ ! فَإِنَّهُ كُلَّمَا بَعُدَ الْمَسْجِدُ عَنْ الْبَيْتِ ازْدَادَت حَسَنَاتُ الْإِنْسَانِ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ وَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ إلَى الْمَسْجِدِ ، لَا يُخْرِجُهُ إلَّا الصَّلَاةُ ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً وَاحِدَةً إلَّا رَفعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً .

ثالثاً : انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ شِدَّةِ شَوْقَه إِلَى الصَّلَوَات ، كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةٍ ، فَقَلَبُه مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى يَنْتَظِرُهَا ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى إيمَانِهِ وَمَحَبَّتِه وشوقِه لِهَذِه الصَّلَوَاتِ الْعَظِيمَةِ ، الَّتِي قَالَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ).
فَإِذَا كَانَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتُ ، وَيُكْفُر بِهِ الْخَطَايَا. 

الخطبة الثانية :

أَيُّها الْمُؤْمِنُون :  وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ ) أَصْل الرِّبَاط : الْإِقَامَةُ عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ بِالْحَرْب وارتباطُ الْخَيْل وَإعْدَادُهَا ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَعْمَال ، فَلِذَلِكَ شُبَّهَ بِهِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَفْعَالِ الصَّالِحَةِ وَالْعِبَادَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، أَيْ أنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ كَالْجِهَاد فِي سَبِيلِ اللَّهِ
.وَقِيل : أَنَّ الرِّبَاطَ هَاهُنَا اسْمٌ لِمَا يُرْبَطُ بِهِ الشَّيْءُ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ تَرْبِطُ صَاحِبَهَا عَنِ الْمَعَاصِي وتكفُّه عَنْهَا.

المشاهدات 1907 | التعليقات 3
يوسف العوض
عضو نشط

مستفادة


جزاك الله خيرا


بارك الله فيك