صدق اللجأ في كيفية الاستسقاء

الحمدُ لله اللطيف الذي بلطفه تنكشف الشدائد . الرءوف الذي برأفته تتواصل النعم والفوائد ، وبحسن الظن به تجري الظنون على أحسن العوائد . وبالتوكل عليه يندفع كيدُ كل كائد . وبالقيام بأوامره ونواهيه تحتوي القلوبُ على أجلِّ العلوم والفوائد . أحمده سبحانه وحمدي له من نعمه ، وأشكره على قمع كل شيطان مارد . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي له في كل شيء آية تدل على أنه واحد . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الأصل الماجد . وخارق نظام العوائد ، الذي انشق له القمر وحنّت إليه الجوامد . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الطاهرين المعاقد ، وسلم تسليما كثيراً . أما بعد:فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى عباد الله قد غلب على النفوس الطمع فأهلكها . واستولت على القلوب الذنوب فسودتها ، فاجلوا سواد هذه الظلمة بالتوبة فالتوبة هي المصباح ، واستفتحوا أبواب الرحمة بالاستغفار فإن الله هو المفتاح ، وأصلحوا فساد أعمالكم يصلح الله أحوالكم ، وارحموا ضعفاءكم يرفع الله درجاتكم ، وواسوا فقراءكم يوسع الله في أرزاقكم ، وخذوا على أيدي سفهائكم يبارك لكم في أعماركم ، فمن رَحِمَ رُحِم ، ومن ظَلَم قُصِم ، ومن فرَّطَ نَدِم ، ومن اتّجَرَ في الأعمال الصالحة ربح وغنم ، ومن اتقى الله في سره وعلانيته عُصِم وسَلِم ، واجتنبوا البغي والعدوان والحقد والحسد .
واعلموا أن الحسود لا يسود ولا يناله من حسده إلا الهم والغم والكد والنكد . فمن يردُّ نعمة الله التي أنعم بها على عباده أمّن يمنع عطاء الله الذي يقسمه على مراده . وتيقنوا أن كل إناء ينضح بما فيه ، ومن حفر لأخيه بئراً وقع لا شك فيه . ومن كان لله به عناية فهو منصور ، ومن أدركته رحمة الله فهو محبور وإن كل محسن أو مسيء مجازى بعمله يوم النشور،قال الله تعالى:{من جاءَ بالحسنةِ فله خيرٌ منها وهم مِنْ فَزَعِ يومئذ آمنون . ومن جاءَ بالسيئةِ فكبّتْ وجوهُهم في النار هل تُجْزَون إلا ما كنتم تعملون }.
عباد الله:لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَزِيَادَةٌ،وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا،فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ،فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ عز وجل: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي،اللَّهُمَّ إِنَّ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ،فَلَا تُعْبَدُ بَعْدُ فِي الْأَرْضِ أبدا".فَمَا زَالَ يَهْتِفُ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ،فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ،فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ،فَقَالَ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ،كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ؛فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ). فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ"[رواه مسلم].
فكم نحن بحاجةٍ إلى اللجوءِ إلى اللهِ في أوقاتِ الأزماتِ والشدائد،وفي كلِّ ما يَعرضُ علينا من ظُلمٍ وعدوان،أو فقرٍ وحرمان،أو مرضٍ في الأبدان،أو تأخر لنزول الأمطار وقلتها في بعض الأزمان،أو غيرِ ذلك مما لا يملكُ كشفَهُ وإزالتَهُ إلا اللهُ الواحدُ القهار:(قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً).
أيها المسلمون:لقد منَّ الله علينا أن هدانا لعبادة عظيمة نظهر فيها فقرنا وحاجتنا وذلنا لربنا عز وجل،وشدة ضرورتنا إلى رحمته وإحسانه جل وعلا،ألا وهي عبادة الاستسقاء،إما بالصلاة المعروفة أو بالدعاء،سواءً في خطب الجمع أو سرًا بين العبد وربه،مِنْ صُوَرِ الِاسْتِسْقَاءِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَنَقَلَهَا عَنْهُ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
ومن ذلك ما خرّجه مسلم في صحيحه عن عباد بن تميم عن عمه قال:خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى واستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين.
وفي رواية:فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله واستقبل القبلة وحول رداءه ثم صلى ركعتين.رواه مسلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:لو أن الإمام حين حضر إلى المصلى فاستقبل القبلة ودعا،وأمّن الناس على ذلك لكان كافياً،وإن أخّر الخطبة إلى ما بعد الصلاة فهو أيضاً كافٍ وجائز،فالأمر في هذا واسع.
وإنما قلت ذلك لئلا يَنْفِرَ أحد مما قد يفعله بعض الأئمة من الخطبة والدعاء في صلاة الاستسقاء قبل الصلاة،فإن من فعل ذلك لا ينكر عليه،لأنه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.انتهى كلامه رحمه اه .
ومما يجدر التنبيه عليه أن أكثر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ترك الخطبة في الاستسقاء.
رزقني الله وإياكم اتباع سنته واقتفاء أثره،وأكثروا من الاستغفار فإنه من أعظم أسباب الغيث كما قال سبحانه على لسانِ نبيِّه هود:(وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ). اللهم أنت اهدا لا إله إلا أنت،أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريَّاً مريعاً نافعاً غير ضار عاجلا غير رائث،طبقاً مجللاً،غدقاً مغدقاً،هنيئاً سحَّاً دائماً،واكفاً خصباً مَرْتَعاً،تُغزر به الضرع،وتنبت به الزرع.
اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت.
اللهم أَنزل علينا في أَرضنا زِينتَها،و أَنْزِلْ علينا في أَرضنا سَكَنَها.
نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله ،،،
المشاهدات 1349 | التعليقات 0